تفسير سورة الملك

  1. سور القرآن الكريم
  2. الملك
67

﴿أَمَّنۡ هَٰذَا الَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ﴾ [الملك:21]


ومَنِ الذي يَرزقُكمْ إذا منعَ اللهُ عنكمُ الرِّزقَ مِنْ مطَرٍ وغَيرِه؟ بلْ تَمادَوا في العِنادِ والاستِكبار، واستمَرُّوا في الابتِعادِ عنِ الحقِّ والإيمَان.

﴿أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الملك:22]


أفمَنْ يَمشي ويَعثرُ في طَريقِهِ الوَعِر، ويقَعُ على وَجهِهِ كُلَّ مرَّة، أهدَى وأرشَد، أمْ مَنْ يَمشي سالِمًا مُعتَدِلاً في طَريقٍ مُستَقيم، وهوَ يَراهُ أمامَهُ واضِحًا، فيَسلكُهُ في أمانٍ واطمِئنان؟ إنَّهُ مثَلُ الكافِرِ أعمَى العَينِ والقَلب، الذي يَلهَثُ وراءَ أفكارٍ ونَظريَّاتٍ مُضطَرِبَةٍ ومَغلوطَةٍ وضعَها بَعضُ النَّاس، والمؤمِنِ المُتبَصِّرِ الواثِقِ مِنْ مِنهَجِه، المُستَقيمِ في سُلوكِه، يَستَنِدُ في عِلمِهِ وعمَلِهِ إلى ما أنزلَهُ رَبُّ النَّاسِ وخالقُهم، فيَكونُ مُطمَئنًّا وواثِقًا بما هوَ عليه.

﴿قُلۡ هُوَ الَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمۡعَ وَالۡأَبۡصَٰرَ وَالۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ﴾ [الملك:23]


قُلْ أيُّها الرسُولُ الكَريم: إنَّ اللهَ هوَ الذي خلقَكمْ ولم تَكونوا شَيَئًا، وجعلَ لكمُ السَّمعَ لتَسمَعوا به، والأبصَارَ لترَوا بها، والأفئدَةَ لتَعقِلوا بها وتَعتَبِروا، ومعَ هذا فأنتُمْ قَليلاً ما تَشكُرونَ رَبَّ هذهِ النِّعَم، التي بها تَعلَمونَ وتَفهَمون!

﴿قُلۡ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي الۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [الملك:24]


قُلْ لهمْ أيضًا: اللهُ هوَ الذي خلقَكمْ ونَشرَكمْ في أرجَاءِ الأرْض، معَ اختِلافِ صُوَرِكمْ وألوانِكمْ وألسِنَتِكم، ثمَّ إليهِ تُرجَعونَ يَومَ القِيامَةِ للحِسابِ والجَزاء.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الملك:25]


ويَقولُ الكافِرونَ لكَ وللمُؤمِنين، وهمْ يَستَبعِدونَ هذا اليَوم: متَى يَكونُ وَقتُ الحَشرِ الذي تَعِدونَنا به، إنْ كنتُمْ صادِقينَ فيما تُخبِرونَ به؟

﴿قُلۡ إِنَّمَا الۡعِلۡمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الملك:26]


قُلْ لهم: العِلمُ بوَقتِهِ عندَ اللهِ وحدَه، لمْ يُطْلِعْ عَليهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا ولا نَبيًّا مُرسَلاً، وما أنا إلاَّ مُبَلِّغُ رِسالَتِهِ إليكم، ومُحذِّرُكمْ مِنْ هذا اليَومِ العَصيب، الذي تُحاسَبونَ فيهِ على جَميعِ أعمَالِكم.

﴿فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ﴾ [الملك:27]


فلمَّا رَأوا العَذابَ يَومَ القِيامَةِ قَريبًا، اسوَدَّتْ وجُوهُ الكافِرين، لِما عَلاها مِنَ الذُّلِّ والكآبَة، ولِما يَعلَمونَ ما يَنتَظِرُهمْ مِنَ الشَّدائدِ والعُقوباتِ والأهوَال. وقالَ لهمْ خزَنَةُ النَّار: هذا العَذابُ هوَ الذي كنتُمْ تَستَعجِلونَهُ في الدُّنيا وتَستَهزِؤونَ به {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} [سورة الزُّمَر: 48].

﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَهۡلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوۡ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ﴾ [الملك:28]


قُلْ لكُفَّارِ مكَّةَ الذينَ يَدْعُونَ عَليكمْ بالهَلاك: أَرُوني، إنْ أهلكَنيَ اللهُ ومَنْ مَعيَ مِنَ المؤمِنين، فقبَضَ أرواحَنا، أو أبقَاها ونَصرَنا عَليكم، فمَنْ يَمنَعُكمْ مِنْ عَذابِ اللهِ الشَّديدِ يَومَ القِيامَةِ وأنتُمْ كافِرون؟

﴿قُلۡ هُوَ الرَّحۡمَٰنُ ءَامَنَّا بِهِۦ وَعَلَيۡهِ تَوَكَّلۡنَاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الملك:29]


قُلْ لهمْ جَوابًا على دُعائهمْ عَليكم: هوَ اللهُ الرحمنُ الذي آمَنَّا بهِ ووحَّدْناه، ولم نُشرِكْ بهِ شَيئًا، وعَليهِ اعتَمَدْنا وإليهِ فوَّضْنا أُمورَنا كُلَّها، وهوَ الذي يُجيرُنا مِنَ العَذابِ برَحمَتِه، وأنتُمْ عندَما تُعاينونَ العَذابَ فستَعلَمونَ مَنْ كانَ الضَّالَّ فينَا؟

﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَصۡبَحَ مَآؤُكُمۡ غَوۡرٗا فَمَن يَأۡتِيكُم بِمَآءٖ مَّعِينِۭ﴾ [الملك:30]


قُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: أخبِروني، إذا أصبحَ ماؤكمُ الذي تَشرَبونَهُ وتَستَخدِمونَهُ في مُعظَمِ شُؤونِكمُ الحياتيَّة، غائرًا ذاهِبًا في الأرْض، لا تَنالُهُ الأيدِي والآلات، فمَنِ الذي يأتيكمْ بمَاءٍ جارٍ سَهلِ المَأخَذ؟ لا يَقدِرُ على ذلكَ إلاّ الله.
في حديثٍ حسَن، قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ سُورَةً في القُرآنِ ثلاثُونَ آية، شفَعَتْ لصاحبِها حتَّى غُفِرَ له: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}". رواهُ ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ وابنُ ماجَه وغَيرُهما، واللَّفظُ للأخير. وصَحَّ عنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّهُ كانَ لا يَنامُ حتَّى يَقرأ {الم . تَنزِيلُ} السَّجدة، و{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}. رَواهُ الترمذي، والحاكمُ في مَستَدرَكِه، وغَيرُهما.