تَباركَ اللهُ وتَعاظمَ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفعالِه، الذي أفاضَ على مَخلوقاتِهِ أنوَاعَ الخَيرات، مالِكُ السَّماواتِ والأرض، والمُتصَرِّفُ فيهما كما يَشاء، وهوَ القادِرُ على كُلِّ شَيء، لا يَمنَعُهُ مانِعٌ مِنْ تَنفيذِ أمرِهِ وتَقديرِ ما يُريد.
الذي خلقَ سَبعَ سَماواتٍ، طبقَةً فوقَ طبقَة، لا تَجِدُ في خَلقِ اللهِ اختِلافًا وعدَمَ تَناسُب، فلا نَقصَ فيهِ ولا خلَل، فتأمَّلْ في السَّماء، وابحَثْ وتدَبَّر، هلْ ترَى فيها مِنْ شُقوقٍ وفُروج؟
وقالوا مُعتَرِفينَ بذَنبِهم: لو كنَّا نَسمَعُ مِنَ الرسُلِ ما أَنزلَ اللهُ مِنَ الحقّ، أو كانتْ لنا عُقولٌ نُمَيِّزُ بها ونَنتَفِعُ منها، لمَا كُنَّا في عِدادِ أهلِ النَّار.
والعَقلُ الذي لا يَزجُرُ صاحِبَهُ عنِ المَعاصي والجرائمِ والمُنكَرات، ليسَ عَقلاً مُستَقيمًا ولا سَليمًا.
وأخفُوا كلامَكمْ أو أعلِنوه، فإنَّ اللهَ عَليمٌ بالأسرَارِ الخفيَّةِ المستَكنَّةِ في الصُّدور(147).
(147) {بِذَاتِ الصُّدُورِ}: بضمائرِ الصدورِ التي لم يُتَكلَّمْ بها. (الطبري).
{بِذَاتِ الصُّدُورِ}: بمضمراتِ جميعِ الناس، وأسرارِهم الخفيَّةِ المستكنَّةِ في صدورهم، بحيثُ لا تكادُ تفارقها أصلًا، فكيف يخفَى عليه ما تسرُّونَهُ وتجهرون به؟ ويجوزُ أن يُرادَ بـ (ذاتِ الصدورِ) القلوبُ التي في الصدور، والمعنى: إنه عليمٌ بالقلوبِ وأحوالها، فلا يخفَى عليه سرٌّ من أسرارها. (روح البيان).
(ذاتُ الصدور) ما يتردَّدُ في النفسِ من الخواطرِ والتقاديرِ والنوايا على الأعمال. وهو مركبٌ من (ذات) التي هي مؤنث (ذُو) بمعنى صاحب، و (الصدور) بمعنى العقول، وشأنُ (ذُو) أن يُضافَ إلى ما فيه رفعة. (التحرير والتنوير).
هوَ الذي سخَّرَ لكمُ الأرْضَ ليَسهُلَ عَليكمُ الانتِفاعُ بما فيها، فامشُوا في طرُقِها وفِجاجِها وجِبالِها وكُلِّ أرجَائها، وابتَغوا فيها مِنْ رِزقِ اللهِ ونِعَمِه، وإليهِ مَرجِعُكمْ بعدَ البَعث، ليُحاسِبَكمْ على ما عَمِلتُم.
أوَلم يَنظُروا إلى الطَّيرِ فَوقَهمْ وهيَ تَبسُطُ أجنِحتَها وتَصُفُّها في الهَواء، وتارَةً تَجمَعُها وتَضمُّها، لا يَقدِرُ على إبقائهنَّ في الجوَّ هكذا إلاّ الله، وقدْ سخَّرَ اللهُ لها في الجوِّ ما يَتلاءَمُ معَ حرَكةِ أجنِحَتِها في القَبضِ والبَسط، وهوَ سُبحانَهُ خَبيرٌ بما يُصلِحُ مَخلوقاتِهِ كُلَّها.
ومَنْ هوَ هذا الذي تَتشبَّثونَ بهِ وتَعبُدونَهُ مِنْ دُونِ الله، وتَعتَبِرونَهُ جُندًا وأعوَانًا لكمْ يَنتَصِرونَ لكمْ ويَمنَعونَكمْ مِنَ العَذاب؟ إنَّهُ لا ناصِرَ ولا مانِعَ إلاَّ الله، وما الكافِرونَ إلاّ في جَهلٍ وغُرورٍ مِنَ الشَّيطان، الذي يَعِدُهمْ بأنَّ العَذابَ لا يَنزِلُ بهم!