تفسير سورة الملك

  1. سور القرآن الكريم
  2. الملك
67

﴿تَبَٰرَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ [الملك:1]


تَباركَ اللهُ وتَعاظمَ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفعالِه، الذي أفاضَ على مَخلوقاتِهِ أنوَاعَ الخَيرات، مالِكُ السَّماواتِ والأرض، والمُتصَرِّفُ فيهما كما يَشاء، وهوَ القادِرُ على كُلِّ شَيء، لا يَمنَعُهُ مانِعٌ مِنْ تَنفيذِ أمرِهِ وتَقديرِ ما يُريد.

﴿الَّذِي خَلَقَ الۡمَوۡتَ وَالۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡغَفُورُ﴾ [الملك:2]


الذي أوجدَ المَوتَ والحياةَ في الحيَاةِ الدُّنيا ليَختَبِرَكمْ أيُّكمْ أفضَلُ عمَلاً وأحسَنُ طاعَةً لرَبِّه، وهوَ العَزيزُ الغالِبُ الذي لا يَقدِرُ أحَدٌ على مَنعِهِ مِنْ عُقوبَةِ مَنْ أسَاء، الغَفورُ لذُنوبِ مَنْ تابَ إليهِ مِنْ عبَادِهِ المؤمِنين.

﴿الَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ الرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ فَارۡجِعِ الۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورٖ﴾ [الملك:3]


الذي خلقَ سَبعَ سَماواتٍ، طبقَةً فوقَ طبقَة، لا تَجِدُ في خَلقِ اللهِ اختِلافًا وعدَمَ تَناسُب، فلا نَقصَ فيهِ ولا خلَل، فتأمَّلْ في السَّماء، وابحَثْ وتدَبَّر، هلْ ترَى فيها مِنْ شُقوقٍ وفُروج؟

﴿ثُمَّ ارۡجِعِ الۡبَصَرَ كَرَّتَيۡنِ يَنقَلِبۡ إِلَيۡكَ الۡبَصَرُ خَاسِئٗا وَهُوَ حَسِيرٞ﴾ [الملك:4]


ثمَّ أعِدِ النظّرَ مرَّتَينِ وأكثَر، فإنَّكَ لنْ تَجِدَ فيها عَيبًا وتصَدُّعًا، وسيَعودُ بصَرُكَ صاغِرًا وهوَ مُتعَبٌ مِنْ كثرَةِ النظَرِ والمُراجعَة، دونَ أنْ يَظفَرَ بخلَلٍ أو نَقصٍ فيها.

﴿وَلَقَدۡ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلۡنَٰهَا رُجُومٗا لِّلشَّيَٰطِينِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ [الملك:5]


ولقدْ جمَّلْنا السَّماءَ التي تَليكمْ بالكَواكبِ والنُّجومِ المُتلَألِئة، وجعَلنا الشُّهُب فيها تُصيبُ الشَّياطينَ الذينَ يَستَرِقونَ السَّمعَ مِنَ المَلائكة، وقدْ هيَّأنا لهمْ نارًا شَديدَة مُوقَدَة.

﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [الملك:6]


والذينَ كفَروا برَبَّهمْ كذلك، لهمْ عَذابُ جهنَّم، وبئسَ مَرجِعُهمُ النَّارُ الدَّائمَة، التي يُعذَّبونَ فيها.

﴿إِذَآ أُلۡقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقٗا وَهِيَ تَفُورُ﴾ [الملك:7]


إذا طُرِحوا في جهنَّمَ سَمِعوا لها صَوتًا مَنكرًا فَظيعًا، وهيَ تَغلي بهم.

﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ﴾ [الملك:8]


تَكادُ أنْ تتَقطَّعَ مِنْ شِدَّةِ غَيظِها وحَنَقِها عَليهم، كُلَّما طُرِحَ فيها جَماعَةٌ مِنَ الكفَّار، سألَهمْ خَزَنَةُ النَّارِ مِنَ المَلائكة: ألمْ يُبعَثْ إليكمْ رُسُلٌ يُحَذِّرونَكمْ مِنْ يَومِ الحِسابِ والجَزاء؟

﴿قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ﴾ [الملك:9]


قالوا: بلَى أُرسِلوا إلينَا، ولكنَّنا كذَّبْناهم، وأعرَضْنا عَنهم، وقُلنا لهم: لم يُنَزِّلِ اللهُ على أحَدٍ كتابًا ولا غَيرَه، وأنتُمْ مُخطِؤونَ بَعيدونَ عنِ الحقِّ والصَّواب!

﴿وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:10]


وقالوا مُعتَرِفينَ بذَنبِهم: لو كنَّا نَسمَعُ مِنَ الرسُلِ ما أَنزلَ اللهُ مِنَ الحقّ، أو كانتْ لنا عُقولٌ نُمَيِّزُ بها ونَنتَفِعُ منها، لمَا كُنَّا في عِدادِ أهلِ النَّار.

والعَقلُ الذي لا يَزجُرُ صاحِبَهُ عنِ المَعاصي والجرائمِ والمُنكَرات، ليسَ عَقلاً مُستَقيمًا ولا سَليمًا.

﴿فَاعۡتَرَفُواْ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقٗا لِّأَصۡحَٰبِ السَّعِيرِ﴾ [الملك:11]


فاعترَفوا بكُفرِهمْ وتَكذيبِهمْ بآياتِ اللهِ ونُذُرِه، فبُعدًا لأصحابِ النَّارِ مِنْ رَحمَةِ الله.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِالۡغَيۡبِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ﴾ [الملك:12]


إنَّ الذينَ يَخافونَ ربَّهم ولو لم يرَوه، ويَبتَعِدونَ عمَّا حرَّمَهُ طاعَةً لهُ وخَوفًا مِنْ عُقوبَتِه، يَغفِرُ اللهُ ذُنوبَهمْ ولو كَثُرَت، ويُجازيهمْ بالثَّوابِ الجَزيل.

﴿وَأَسِرُّواْ قَوۡلَكُمۡ أَوِ اجۡهَرُواْ بِهِۦٓۖ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الملك:13]


وأخفُوا كلامَكمْ أو أعلِنوه، فإنَّ اللهَ عَليمٌ بالأسرَارِ الخفيَّةِ المستَكنَّةِ في الصُّدور(147).

(147) {بِذَاتِ الصُّدُورِ}: بضمائرِ الصدورِ التي لم يُتَكلَّمْ بها. (الطبري). {بِذَاتِ الصُّدُورِ}: بمضمراتِ جميعِ الناس، وأسرارِهم الخفيَّةِ المستكنَّةِ في صدورهم، بحيثُ لا تكادُ تفارقها أصلًا، فكيف يخفَى عليه ما تسرُّونَهُ وتجهرون به؟ ويجوزُ أن يُرادَ بـ (ذاتِ الصدورِ) القلوبُ التي في الصدور، والمعنى: إنه عليمٌ بالقلوبِ وأحوالها، فلا يخفَى عليه سرٌّ من أسرارها. (روح البيان). (ذاتُ الصدور) ما يتردَّدُ في النفسِ من الخواطرِ والتقاديرِ والنوايا على الأعمال. وهو مركبٌ من (ذات) التي هي مؤنث (ذُو) بمعنى صاحب، و (الصدور) بمعنى العقول، وشأنُ (ذُو) أن يُضافَ إلى ما فيه رفعة. (التحرير والتنوير).

﴿أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الۡخَبِيرُ﴾ [الملك:14]


ألَا يَعلَمُ الخالِقُ مَخلوقاتِهِ وهوَ الذي أوجدَهم، وهوَ العالِمُ بالخَفيَّات، الخَبيرُ بأحوَالِ النَّاسِ ودَقائقِ أُمورِهم؟

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَامۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ النُّشُورُ﴾ [الملك:15]


هوَ الذي سخَّرَ لكمُ الأرْضَ ليَسهُلَ عَليكمُ الانتِفاعُ بما فيها، فامشُوا في طرُقِها وفِجاجِها وجِبالِها وكُلِّ أرجَائها، وابتَغوا فيها مِنْ رِزقِ اللهِ ونِعَمِه، وإليهِ مَرجِعُكمْ بعدَ البَعث، ليُحاسِبَكمْ على ما عَمِلتُم.

﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يَخۡسِفَ بِكُمُ الۡأَرۡضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الملك:16]


أأمِنتُمْ إنْ عصَيتُمُ اللهَ أنْ يُزَلزِلَ الأرْضَ مِنْ تَحتِ أقدامِكم، فإذا بها تُلقي بكمْ في أسفَلِها، وإذا هيَ تَرتَجُّ وتَضطَرِبُ بكم؟

﴿أَمۡ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يُرۡسِلَ عَلَيۡكُمۡ حَاصِبٗاۖ فَسَتَعۡلَمُونَ كَيۡفَ نَذِيرِ﴾ [الملك:17]


أمْ أمِنتُمْ أنْ يُرسِلَ اللهُ عَليكمْ ريحًا فيها حِجارَةٌ فتُهلِكَكم، فستَعلَمونَ عندَئذٍ كيفَ كانَ إنذَاري فيكمْ وعُقوبَتي لمَنْ كفَرَ منكم؟

﴿وَلَقَدۡ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الملك:18]


وقدْ كذَّبَتْ أُمَمٌ ماضيَةٌ أنبياءَها قَبلَ كفَّارِ مكَّة، فكيفَ كانَ إنكَاري عَليهمْ ومُعاقبَتي لهم؟

﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى الطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ﴾ [الملك:19]


أوَلم يَنظُروا إلى الطَّيرِ فَوقَهمْ وهيَ تَبسُطُ أجنِحتَها وتَصُفُّها في الهَواء، وتارَةً تَجمَعُها وتَضمُّها، لا يَقدِرُ على إبقائهنَّ في الجوَّ هكذا إلاّ الله، وقدْ سخَّرَ اللهُ لها في الجوِّ ما يَتلاءَمُ معَ حرَكةِ أجنِحَتِها في القَبضِ والبَسط، وهوَ سُبحانَهُ خَبيرٌ بما يُصلِحُ مَخلوقاتِهِ كُلَّها.

﴿أَمَّنۡ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ الۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾ [الملك:20]


ومَنْ هوَ هذا الذي تَتشبَّثونَ بهِ وتَعبُدونَهُ مِنْ دُونِ الله، وتَعتَبِرونَهُ جُندًا وأعوَانًا لكمْ يَنتَصِرونَ لكمْ ويَمنَعونَكمْ مِنَ العَذاب؟ إنَّهُ لا ناصِرَ ولا مانِعَ إلاَّ الله، وما الكافِرونَ إلاّ في جَهلٍ وغُرورٍ مِنَ الشَّيطان، الذي يَعِدُهمْ بأنَّ العَذابَ لا يَنزِلُ بهم!