﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ﴾ [القلم :41]
أمْ أنَّ عندَهمْ شُرَكاءَ للهِ تكفَّلوا لهمْ بذلك، أو شَهِدوا لهمْ بمَكانَتِهمْ عندَ الله؟ فليَأتُوا بهمْ وليَدُلُّوا عَليهمْ إنْ كانُوا صَادِقينَ فيما يدَّعُونَه.
﴿يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ﴾ [القلم :42]
في يَومِ القيامَةِ تَكونُ شَدائدُ وأهوال، وفيهِ يُكشَفُ عنْ ساق. (والآيَةُ مِنَ المُتشابِه، فاللهُ أعلَمُ بمَعناها. والمهمُّ أنَّهُ يَومُ شِدَّةٍ وكَرب، ومَقامٍ هائل، يُميِّزُ اللهُ فيهِ بينَ الخُبَثاءِ والطيِّبينَ مِنْ عِبادِه، وبينَ أهلِ النَّارِ وأهلِ الجنَّة). ويُدعَى الكافِرونَ والمُنافِقونَ يَومَئذٍ إلى السُّجودِ فلا يَستَطيعون؛ لتَركِهمْ ذلكَ في الحيَاةِ الدُّنيا، أو لفِعلِهمْ ذلكَ رِياءً وسُمعَة، فيَصيرُ ظَهرُ كُلٍّ منهمْ طبَقًا واحِدًا، وتَستَوي فَقَارُ ظَهرِه، فلا يَنثَني للسُّجود.
﴿خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ﴾ [القلم :43]
عُيونُهمْ ذَليلَةٌ لا يَرفَعونَها، يَغشاهُمْ ذُلُّ الكآبَةِ والنَّدامَة، وقدْ كانوا يُدعَونَ إلى السُّجودِ في الحياةِ الدُّنيا وهمْ قادِرونَ عليهِ فيَمتَنِعونَ أو يتَخلَّفونَ عنه.
﴿فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [القلم :44]
فدَعني ومَنْ يُكَذِّبُ بالقُرآنِ العَظيم، ولا تَشغَلْ قَلبَكَ بهم، سنَمُدُّهمْ في غَيِّهمْ ونَجُرُّهمْ إلى العَذابِ وهمْ غافِلونَ عنه.
﴿وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ﴾ [القلم :45]
وأُمهِلُهمْ وأُؤخِّرُهمْ ليَزدَادوا إثمًا، وهمْ يَظنُّونَ أنَّ ذلكَ لكرامَةٍ لهمْ عندَ الله، وهوَ مَكرٌ بهم، عُقوبةً لخُبثِهمْ وتَماديهمْ في الكُفرِ والعِصيان، وإنَّ مَكري بهمْ عَظيمٌ لا يُدفَع.
﴿أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ﴾ [القلم :46]
أمْ أنَّكَ تَسألُهمْ أُجرَةً على تَبليغِ رِسالَةِ الله، ولذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنكَ ويَتبرَّمونَ ويَتثاقَلونَ ممَّا تَطلبُهُ منهم، وكأنَّ عليهمْ غَرامَةً ماليَّة؟
﴿أَمۡ عِندَهُمُ الۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ﴾ [القلم :47]
أمْ أنَّ عندَهمْ عِلمًا بما في الغَيبِ فهمْ يَكتُبونَ منه، ويَقِفونَ على حَقيقَةِ الأخبارِ مِنْ خِلالِه، وعَلِموا بذلكَ أنَّهمْ بمَنزِلَةٍ عندَ اللهِ يَومَ القِيامَة؟
﴿فَاصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ﴾ [القلم :48]
فاصبِرْ أيُّها الرسُولُ على أذَى قَومِكَ وتَكذيبِهمْ لك، ولاتَكنْ كالنبيِّ يونُسَ في الضَّجَرِ والعَجَلَة، الذي وعدَ قَومَهُ بالعَذاب، ثمَّ هجرَهمْ وهوَ غاضِبٌ عَليهم، مُنتَظِرًا أنْ يَحِلَّ بهمْ ما وعدَهمُ اللهُ به، قَبلَ أنْ يأذنَ اللهُ لهُ بالخُروج، ولم يَصبِرِ الصَّبرَ اللَّازِم، فرَكِبَ البَحر، وابتلعَهُ الحُوت، ودَعا رَبَّهُ - وهوَ مَملوءٌ غمًّا - أنْ يَغفِرَ لهُ ويَتوبَ عَليه.
﴿لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِالۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ﴾ [القلم :49]
ولو لم تُدْرِكْهُ رَحمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ولم يَستَجِبْ دُعاءَه، لطُرِحَ بأرْضٍ خاليَة، وهوَ يُلامُ على ذَنبِه.
﴿فَاجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ﴾ [القلم :50]
ولكنْ تَدارَكَتْهُ رَحمَةُ الله، فأنبتَ عَليهِ شَجرَةً مِنْ يَقطِين، وردَّ إليهِ الوَحي، وجعلَهُ مِنْ عِبادِهِ المُتَّقين، ورجعَ إلى قَومِه.
﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ الذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ﴾ [القلم :51]
ويَنظرُ إليكَ المشرِكونَ نَظرةَ حِقدٍ وعَداوَة، ويَكادُونَ أنْ يُصيبُوكَ بالعَينِ منْ جَرَّاءِ ذلك، ليُزِلُّوا قدَمَكَ ويَرمُوكَ على الأرْض، عندَ سَماعِهمُ القُرآنَ وأنتَ تَتلُوه؛ لكُرهِهمْ وبُغضِهمْ له، ويَقولونَ مِنْ جَهلِهمْ إنَّ محمَّدًا مَجنون!
﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [القلم :52]
وما القرآنُ إلاّ عِظَةٌ للنَّاسِ أجمَعين، وتَذكيرٌ وبَيانٌ لِما يَحتاجونَ إليهِ مِنْ أُمورِ الدُّنيا والدِّين، فكيفَ يُنسَبُ إلى الجُنونَ مَنْ يَنزِلُ عليهِ القُرآنُ ذو الشأنِ العَظيم؟