تفسير سورة المزمل

  1. سور القرآن الكريم
  2. المزمل
73

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الۡمُزَّمِّلُ﴾ [المزمل:1]


أيُّها الرسُولُ المُتلَفِّفُ بثَوبِه،

﴿قُمِ الَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ [المزمل:2]


صَلِّ اللَّيلَ إلاّ قَليلاً منه،

﴿نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ انقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا﴾ [المزمل:3]


نِصفَ اللَّيلِ أوِ انقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَليلاً،

﴿أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ الۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا﴾ [المزمل:4]


أو زِدْ على النَّصف. واقرَأ القُرآنَ على تُؤَدَةٍ وتمَهُّل، وبيِّنْهُ تَبيينًا، ليَكونَ عَونًا على فَهمِهِ وتدَبُّرِه.

(يُنظَرُ نَسخُ ما ذُكِرَ مِنْ صَلاةِ اللَّيلِ في آخِرِ هذهِ السُّورَة).

﴿إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا﴾ [المزمل:5]


إنَّا سنُوحي إليكَ القُرآن، الذي فيهِ مِنَ الفرائضِ والحدُود، والأوَامرِ والنَّواهي، ما هوَ ثَقيلٌ على النَّفس، فتَحتاجُ إلى عَزمٍ ومُجاهدَةٍ ومُصابرَة.

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا﴾ [المزمل:6]


إنَّ العِبادَةَ في ساعَاتِ اللَّيلِ وأوقاتِهِ أثبَتُ لحُضورِ القَلب، وأكثَرُ مُوافقَةً بينَ القَلبِ واللِّسان، وأجمَعُ للخَاطرِ في التِّلاوةِ مِنَ النَّهار، لهَدْأةِ النَّاسِ وسُكونِ الأصوَات.

﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا﴾ [المزمل:7]


إنَّ لكَ في النَّهارِ وَقتًا للفَراغِ والاشتِغالِ بالحاجَاتِ وتَدبيرِ الأعمَال، فعَليكَ بالقِيامِ في اللَّيل.

﴿وَاذۡكُرِ اسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا﴾ [المزمل:8]


وأكثِرْ مِنْ ذِكرِ اللهِ بالتَّوحيدِ والتَّعظيم، وداوِمْ عليه، وتفرَّغْ لعِبادَتِهِ إذا فرَغْتَ مِنْ أشغالِك.

﴿رَّبُّ الۡمَشۡرِقِ وَالۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا﴾ [المزمل:9]


هوَ المالِكُ والمُتصَرِّفُ في الكَون، ربُّ المَشرِقِ والمَغرِبِ وكُلِّ جهَة، لا إلهَ غَيرُهُ ولا ربَّ سِواه، فاعتَمِدْ عليهِ وفَوِّضْ أمورَكَ إليه.

﴿وَاصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا﴾ [المزمل:10]


واصبِرْ على ما يَقولونَ مِنْ تَكذيبِهمْ إيَّاكَ وأذاهُمْ لك، ولا تَتعَرَّضْ لهم، ودارِهمْ مِنْ غَيرِ جزَع، وكِلْ أُمورَهمْ إلى الله. (وكانَ هذا قَبلَ الأمرِ بالقِتال).

﴿وَذَرۡنِي وَالۡمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعۡمَةِ وَمَهِّلۡهُمۡ قَلِيلًا﴾ [المزمل:11]


ودَعني والمُكَذِّبينَ المُترَفينَ أهلَ التنعُّمِ والغِنَى، وأمهِلْهمْ زَمانًا قَليلاً، هوَ مُدَّةُ حياتِهمُ القَصيرَة.

﴿إِنَّ لَدَيۡنَآ أَنكَالٗا وَجَحِيمٗا﴾ [المزمل:12]


إنَّا أعتَدْنا لهمْ في جهنَّمَ قُيودًا ثَقيلَةً، ونارًا مُضطَرِمَةً شَديدَةَ الإيقَاد.

﴿وَطَعَامٗا ذَا غُصَّةٖ وَعَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [المزمل:13]


وطَعامًا لا يُساغ، يُغَصُّ بهِ ويَنشَبُ في الحَلق، وعَذابًا مؤلِمًا شَديدًا.

﴿يَوۡمَ تَرۡجُفُ الۡأَرۡضُ وَالۡجِبَالُ وَكَانَتِ الۡجِبَالُ كَثِيبٗا مَّهِيلًا﴾ [المزمل:14]


يَومَ تَهتَزُّ الأرْضُ والجبَالُ وتَتزَلزَل، وكانتِ الجِبالُ مثلَ كُثبانِ الرَّمل، رَخوَةً ليِّنَة، بعدَما كانتْ صُخورًا ثابِتةً قويَّة.

﴿إِنَّآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ رَسُولٗا شَٰهِدًا عَلَيۡكُمۡ كَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ رَسُولٗا﴾ [المزمل:15]


إنَّا أرسَلنا إليكمْ رَسُولاً يَشهَدُ يَومَ القِيامَةِ على ما صدرَ منكمْ مِنَ الكفرِ والتَّكذيبِ والعِصيان، كما بعَثنا موسَى إلى فِرعَونَ ليُبلِّغَهُ رِسالةَ ربِّه.

﴿فَعَصَىٰ فِرۡعَوۡنُ الرَّسُولَ فَأَخَذۡنَٰهُ أَخۡذٗا وَبِيلٗا﴾ [المزمل:16]


فكذَّبَهُ فِرعَونُ وعصَاه، فعاقَبْناهُ عِقابًا شَديدًا، وأغرَقناهُ وجنُودَهُ كُلَّهم. فاحذَروا.

﴿فَكَيۡفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرۡتُمۡ يَوۡمٗا يَجۡعَلُ الۡوِلۡدَٰنَ شِيبًا﴾ [المزمل:17]


فكيفَ تَقُوْنَ أنفُسَكمْ - إنْ كفَرتُمْ - عَذابَ يَومِ القِيامَة، الذي يَشيبُ فيهِ الأولادُ الصِّغار، مِنْ أهوالِ ذلكَ اليَومِ وكُروبِه؟

﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُۢ بِهِۦۚ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَفۡعُولًا﴾ [المزمل:18]


السَّماءُ مُنصَدِعٌ مِنْ هَولِ ذلكَ اليَومِ العَظيم، وهوَ خَلقٌ مُحكَمٌ هائل، فكيفَ بغَيرِهِ مِنَ الخَلائق؟! وكانَ الوَعدُ بمَجيءِ هذا اليَومِ واقِعًا لا مَحالَة.

﴿إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذۡكِرَةٞۖ فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا﴾ [المزمل:19]


إنَّ هذه الآيَاتِ مَوعِظَةٌ يتَّعِظُ بها العُقلاء، فمَنْ شاءَ تقرَّبَ إلى اللهِ بالإيمَانِ والطَّاعَة، وسلكَ الطَّريقَ المُستَقيم، الذي يُؤدِّي إلى رِضائهِ والجنَّة.

﴿۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ الَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيۡلَ وَالنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَاقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي الۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِۖ فَاقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ الصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ اللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَاسۡتَغۡفِرُواْ اللَّهَۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ﴾ [المزمل:20]


إنَّ اللهَ يَعلَمُ أنَّكَ تَقومُ أقلَّ مِنْ ثُلُثَي اللَّيل، وأحيانًا نِصفَه، وأحيانًا ثُلُثَه، وطائفَةٌ مِنْ أصحَابِكَ معَك، واللهُ يَعلَمُ مَقاديرَ ساعاتِ اللَّيلِ والنَّهار، ولا يَفوتُهُ عِلمُ قيامِكمْ فيه، وعَلِمَ أنَّكمْ لا تَقدِرونَ على المواظبَةِ على ما أمرَكمْ بهِ مِنْ هذا القِيام، فعَفا عنكم، وخفَّفَ ما كانَ عَليكمْ منه، فقُوموا مِنَ اللَّيلِ ما تَيسَّر.

وعَلِمَ أنْ سيَكونُ في النَّاسِ ذَوو أعذارٍ لا يَقدِرونَ على القِيام، مِنْ مَرضَى، وآخَرِينَ يُسافِرونَ للتِّجارَةِ يَطلُبونَ الرِّزق، وآخَرينَ يُجاهِدونَ في سَبيلِ الله، فقُوموا مِنَ اللَّيلِ ما تَيسَّر، ووَاظِبوا على الصَّلاةِ المفرُوضَةِ في أوقاتِها، وبأركانِها وشُروطِها، وأعطُوا المُحتَاجينَ مِنَ الزَّكاةِ المَفروضَةِ على أموالِكم، وأنفِقوا منها في وجُوهِ البرِّ والإحسَان، وما تُنفِقوا في هذهِ الحيَاةِ الدُّنيا مِنَ وجوهِ الخَيرِ والبِرّ، تَجِدوا ثَوابَهُ يَومَ القِيامَةِ أكثرَ وأوفرَ عندَ اللهِ أجرًا، وأكثِروا مِنْ ذِكرِ الله، واطلُبوا مَغفِرَةَ اللهِ لذُنوبِكم، فإنَّهُ يَغفِرُ ذُنوبَ مَنْ تابَ واستَغفَر، ويَرحَمُ عَبدَهُ المؤمِن.

قالتْ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: "إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ افترَضَ قيامَ اللَّيلِ في أوَّلِ هذهِ السُّورة، فقامَ نَبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ حَوْلاً، وأمسكَ اللهُ خاتِمَتَها اثنَي عشرَ شَهرًا في السَّماء، حتَّى أنزَلَ اللهُ في آخِرِ هذهِ السُّورَةِ التَّخفِيف، فَصارَ قيامُ اللَّيلِ تَطَوُّعًا بعدَ فَريضة". رواهُ مُسلم.