﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الۡبُرُوجِ﴾ [البروج :1]
أُقسِمُ بالسَّماءِ ذاتِ المنَازلِ التي تَتنَقَّلُ فيها النُّجومُ والكوَاكب، ولا تَتعَدَّاها في جرَيانِها في السَّماء.
﴿وَالۡيَوۡمِ الۡمَوۡعُودِ﴾ [البروج :2]
وأقسِمُ بيَومِ القِيامَةِ الذي وَعَدَ اللهُ به، ويَفصِلُ فيهِ بينَ الخَلائق، ويُجازِي كُلاًّ بما يَستَحِقّ.
﴿وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ﴾ [البروج :3]
وأُقسِمُ بيَومِ الجمُعَة، وبيَومِ عرَفَة.
صحَّ في حَديثِ الترمذيِّ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "اليَومُ المَوعودُ يَومُ القيامَة، واليَومُ المَشهودُ يَومُ عرَفَة، والشَّاهِدُ يَومُ الجمُعَة، وما طلَعَتِ الشَّمسُ ولا غرَبَتْ على يَومٍ أفضلَ منه....".
وقدْ خَصَّ اللهُ يَومَ الجمُعَةِ بالصَّلاةِ المَعهودَةِ التي يَجتَمِعُ لها النَّاس، ويَشهَدُهمُ المَلائكةُ ويَكتُبونَ ثَوابَهم، وفيها ساعَةٌ يُستَجابُ فيها الدُّعاء.
ومِنْ فَضائلِ يَومِ عَرَفَة، الذي يَجتَمِعُ فيهِ الحُجَّاج، قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "صيامُ يَومِ عَرَفَة، أحتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبلَه، والسَّنةِ التي بَعدَه". رواهُ مُسلمٌ وآخَرون. وصيامُهُ لغَيرِ الحاجّ.
﴿قُتِلَ أَصۡحَٰبُ الۡأُخۡدُودِ﴾ [البروج :4]
لُعِنَ أصحَابُ الأُخدُود.
وكانَ كفَّارٌ يَحفِرونَ الأُخدُودَ في الأرْض، وهوَ الشَّقُّ الطَّويلُ فيها، ويُؤجِّجونَ فيهِ النَّار، ويُلقُونَ فيهِ المؤمِنين، الذينَ يأبَونَ أنْ يَرجِعوا إلى الكُفر.
﴿النَّارِ ذَاتِ الۡوَقُودِ﴾ [البروج :5]
وقدْ أوقَدوا في الأُخدُودِ النَّارَ حتَّى صارَ كلُّهُ نارًا مُستَعِرَة.
﴿إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ﴾ [البروج :6]
وأحاطُوا بالنَّارِ قاعِدينَ حَولَها، مُشرِفينَ عَليها.
﴿وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِالۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ﴾ [البروج :7]
وهمْ يَشهَدونَ لبَعضِهمُ البَعضِ فيما فعَلوا بالمؤمِنين، وأنَّهمْ لم يُقَصِّروا في ذلك!
﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِاللَّهِ الۡعَزِيزِ الۡحَمِيدِ﴾ [البروج :8]
وما نقَموا منهمْ هذا الانتِقامَ الفَظيع، إلاّ لكونِهمْ آمَنوا باللهِ الغَالبِ الذي لا يُقهَر، الحَميدِ المُستَحِقِّ للحَمدِ والثَّناءِ بإنعامِهِ وإحسانِه، ولأنَّ المؤمِنينَ كفَروا بمَعبوداتِهمُ الباطِلَة.
﴿الَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ﴾ [البروج :9]
اللهِ الذي لهُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ وما بينَهما، خَلقًا، ومُلكًا، وتَدبيرًا. واللهُ شاهِدٌ على كُلِّ شَيء، لا يَغيبُ عنهُ أمْر، ولا تَخفَى عليهِ خافيَة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الۡمُؤۡمِنِينَ وَالۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ الۡحَرِيقِ﴾ [البروج :10]
إنَّ الذينَ عذَّبوا المؤمِنينَ وأحرَقوهمْ ليَرجِعوا عنْ دينِهم، ثمَّ لم يُقلِعوا عنْ كُفرِهم، ولم يَندَموا على ما فعَلوا، فلهمْ عَذابُ جهنَّم، ولهمْ حَريقٌ مؤجَّجٌ يُحرَقونَ فيه، جَزاءَ ما أحرَقوا المؤمِنينَ في الدُّنيا.
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ الۡفَوۡزُ الۡكَبِيرُ﴾ [البروج :11]
إنَّ الذينَ آمَنوا وأخلَصوا في إيمَانِهم، وعَمِلوا الأعمَالَ الصَّالحةَ الموافِقَةَ للإسْلام، لهمْ جنَّاتٌ واسِعاتٌ يَومَ القِيامَة، تَجري الأنهَارُ مِن خِلالِ مسَاكنِها وأشجَارِها، وذلكَ هوَ الفَوزُ والنَّجَاة، والسَّعادَةُ العُظمَى.
﴿إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج :12]
إنَّ انتِقامَ اللهِ مِنْ أعدائهِ المكذِّبين، ومِنَ الجبابرَةِ والظَّالمين، قَويٌّ عَنيف.
﴿إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ﴾ [البروج :13]
إنَّهُ القَويُّ القَادِر، الذي يَبدَأُ الخَلقَ، ثمَّ يُعيدُهُ كما بَدأهُ ويَبعَثُه.
﴿وَهُوَ الۡغَفُورُ الۡوَدُودُ﴾ [البروج :14]
وهوَ كثيرُ المغفِرَةِ لذُنوبِ عِبادِهِ المؤمِنينَ التَّائبين، المُحِبُّ لمَنْ أطاعَ وأنَاب، المُتَودِّدُ إلى عِبادِهِ بالمَغفِرَة، المُحسِنُ إلى أوليَائهِ المُكرَمينَ بالجنَّةِ والرِّضْوان.
﴿ذُو الۡعَرۡشِ الۡمَجِيدُ﴾ [البروج :15]
صاحِبُ العَرشِ العَظيمِ، خالِقُهُ ومالِكُه، العَظيمُ في ذاتِهِ وصِفاتِه.
﴿فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج :16]
وهوَ سُبحانَهُ يَفعَلُ ما يَشَاء، لا مانِعَ يَمنَعُهُ مِنْ ذلك، ولا يُعجِزُهُ شَيءٌ يُريدُه، ولا يُسأَلُ عمَّا يَفعَل.
﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ الۡجُنُودِ﴾ [البروج :17]
هلْ بلَغَكَ خبَرُ الجُمُوعِ الكافِرَة، الذينَ تَجنَّدوا على أذيَّةِ أنبِياءِ اللهِ تَعالَى، كيفَ انتقَمَ منهم؟
﴿فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ﴾ [البروج :18]
جُنودِ فِرعَون، وثَمودَ قَومِ صالح، الذينَ طغَوا وتجبَّروا، وكذَّبوا أنبِياءَه؟
﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكۡذِيبٖ﴾ [البروج :19]
بلْ إنَّ الكافِرينَ مِنْ قَومِكَ أيُّها الرسُولُ في شِرْكٍ وعِناد، وتَكذيبٍ عَظيمٍ للقُرآن، ولم يَعتَبِروا بمَنْ كانَ قَبلَهم.
﴿وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُۢ﴾ [البروج :20]
واللهُ لا يَخفَى عليهِ شَيءٌ مِنْ أعمَالِهم، وهوَ القادِرُ عَليهم، لا يُعجِزونَهُ ولا يفوتونَه، وإذا أرادَ أنزلَ بهمُ العَذابَ كما أنزَلَ بمَنْ قَبلَهم.