﴿سَبِّحِ اسۡمَ رَبِّكَ الۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى:1]
قُلْ: سُبحانَ ربِّيَ الأعلى. نَزِّهْ أسماءَهُ الحُسنَى، وذاتَهُ الجليلةَ العليا عمَّا لا يَليقُ بها مِنَ الأوصَاف.
وفي الحَديثِ الصَّحيحِ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا قَرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "سُبحانَ رَبِّيَ الأعلَى". رواهُ أبو داودَ وأحمَدُ والحاكم.
﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ [الأعلى:2]
الذي خَلقَ المَخلوقاتِ فأتْقَنَ خَلقَها، وأحسَنَ هَيئتَها.
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾ [الأعلى:3]
والذي جعلَ الأشيَاءَ على مَقاديرَ مُعيَّنة، وهَيئاتٍ مَخصوصَة، ووجَّهَ كُلاًّ منها إلى ما يُناسِبُها، وإلى ما خُلِقَتْ له، وألهمَها غايةَ وجُودِها، وقدَّرَ لها ما يُصلِحُها مُدَّةَ بَقائها، وهَداها إليه.
﴿وَالَّذِيٓ أَخۡرَجَ الۡمَرۡعَىٰ﴾ [الأعلى:4]
والذي أنبتَ ما تَرعاهُ الدَّوابّ، مِنْ صُنوفِ النَّباتاتِ والزُّروعِ الخَضراء.
﴿فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ﴾ [الأعلى:5]
ثمَّ جعلَهُ هَشيمًا باليًا، أميلَ إلى السَّوادِ بعدَ الخُضرَة، ممَّا يَصلُحُ للعلَفِ وغَيرِه.
﴿سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ﴾ [الأعلى:6]
سنُقرِئكَ ما نُوحي إليكَ مِنَ القُرآنِ أيُّها الرسُول، فلا تَنسَى منهُ شَيئًا،
﴿إِلَّا مَا شَآءَ اللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ الۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ﴾ [الأعلى:7]
إلاّ ما شاءَ اللهُ أنْ تَنساهُ - وهوَ المَنسوخُ - إنَّهُ يَعلَمُ ما أظهرَهُ العِبادُ مِنَ القَولِ والفِعل، وما أخفَوهُ منهما، فلا يَخفَى عليهِ شَيء.
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلۡيُسۡرَىٰ﴾ [الأعلى:8]
ونُسَهِّلُ عليكَ عملَ الخَير، ونوَفِّقُكَ للطَّريقَةِ السَّهلَةِ في كُلِّ أبوابِ الدِّين، عِلمًا واهتِداءً.
﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ الذِّكۡرَىٰ﴾ [الأعلى:9]
فعِظِ النَّاسَ بهذا القُرآن، وذَكِّرْهمْ بدينِ الله، مادامَتِ التَّذكرَةُ مَقبُولَة، والمَوعِظَةُ مَسمُوعَة.
﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ﴾ [الأعلى:10]
سيَتَّعِظُ بدَعوتِكَ مَنْ يَخشَى غضَبَ اللهِ وعَذابَه، ويَحسُبُ حِسابَ الثَّوابِ والعِقابِ يَومَ الجَزاء.
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الۡأَشۡقَى﴾ [الأعلى:11]
ويَبتَعِدُ عَنها الشَّقيُّ الخَائب، المُصِرُّ على الكُفر، المُنكِرُ للمَعادِ والجَزاءِ على الأعمَال،
﴿الَّذِي يَصۡلَى النَّارَ الۡكُبۡرَىٰ﴾ [الأعلى:12]
الذي يُلقَى في جهنَّم، ويَذوقُ حرَّها وسَعيرَها المُتَّقِد.
وفي صَحيحِ البخاريِّ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "نارُكمْ جُزءٌ مِنْ سَبعينَ جُزءًا مِنْ نَارِ جهنَّم".
﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحۡيَىٰ﴾ [الأعلى:13]
ثمَّ لا يَموتُ فيها فيَستَريحُ مِنَ العَذاب، ولا يَحيَا فيها حَياةَ أمنٍ ورَاحَة، بلْ هيَ حَياةُ جَحيمٍ وعَذابٍ دَائم.
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ﴾ [الأعلى:14]
قدْ فازَ ونَجَا مَنْ تَطهَّرَ مِنَ الشِّركِ والمَعاصي ومَساوئِ الأخْلاقِ والآدَاب، وأخلصَ العملَ لله.
﴿وَذَكَرَ اسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ﴾ [الأعلى:15]
وذكرَ عَظمَةَ رَبِّهِ وجَلالَه، فصلَّى ما فرَضَ عليه، مُمتَثِلاً أمرَه، مُبتَغياً رِضوانَه.
﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ الۡحَيَوٰةَ الدُّنۡيَا﴾ [الأعلى:16]
بلْ تُقَدِّمونَ الدُّنيا على الآخِرَة، حُبًّا للعَاجِل، وجَهلاً بالبَاقي. والكافِرُ يُعرِضُ عنِ الآخِرَةِ كُفرًا بها، والمُسلِمُ إذا فَعلَ فلإيثارِ مَعصيَةٍ وغلَبَةِ نَفس، وقَبلَ ذلكَ لضَعفٍ في الإيمَان.
﴿وَالۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ﴾ [الأعلى:17]
معَ أنَّ تَقديمَ الآخِرَةِ هوَ الذي فيهِ النَّفعُ والفَلاح، فنَعيمُها أفضَل، وأبقَى دَوامًا وعافيَة، والدُّنيَا شَهواتُها مُكدَّرَة، ولذَّاتُها فانيَة، وعَليها حِسابٌ وتَبِعات.
﴿إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الۡأُولَىٰ﴾ [الأعلى:18]
إنَّ هذا الذي ذُكِرَ مُثبَتٌ في الكتُبِ السَّماويَّةِ القَديمَة،
﴿صُحُفِ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ﴾ [الأعلى:19]
في صُحُفِ إبراهيمَ وموسَى، عَليهما الصَّلاةُ والسَّلام(159).
(159) صحفُ موسى قبلَ التوراة، وهي عشر. (روح البيان).
موسى كانت له صحفٌ كثيرة، وهي مجموعُ صحفِ أسفارِ التوراة. (التحرير).
صحَّ في الحديثِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يَقرَأُ في الرَّكعتَينِ اللَّتينِ يُوتِرُ بَعدَهما بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ويَقرَأُ في الوترِ بـ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. رواهُ ابنُ حبَّانَ في صَحيحهِ والحاكمُ وغَيرُهما.