تفسير سورة الأنفال

  1. سور القرآن الكريم
  2. الأنفال
8

﴿۞وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَاجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى اللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ السَّمِيعُ الۡعَلِيمُ﴾ [الأنفال:61]


وإذا مالُوا إلى المُسالَمَةِ والمُصَالحةِ فمِلْ إليها مَعهمْ وصَالِحْهُم، وفَوِّضْ أمرَكَ إلى الله، فإنَّهُ كافيكَ وناصرُكَ إذا طَوَوا في نُفوسِهم كَيداً، فهوَ يَسمَعُ ما يَتهامَسونَ بهِ في مَجالسِهم، ويَعلمُ نيّاتِهم، فيؤاخذُهمْ بما يستَحِقُّونه.

وذكرَ مفسِّرونَ أنَّها مَنسوخةً بقولهِ تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ...} [التوبة: 29] وفي ذلكَ تَفصيل.

﴿وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ اللَّهُۚ هُوَ الَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِالۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال:62]


فإذا كانوا قدْ أرادوا مِنْ وراءِ مسالمتِكَ الغَدْرَ والخِيانة، فإنَّ اللهَ كافيكَ شرَّهم، ومُخَلِّصُكَ مِنْ مَكرِهم، فهوَ الذي أيَّدكَ بالنَّصرِ مِنْ قَبل، وأمدَّكَ بالملائكة، وألقَى الرُّعبَ في قُلوبِ أعدائك، وهو الذي قوَّاكَ بالمؤمِنينَ منَ المهاجرينَ والأنصار.

﴿وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي الۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [الأنفال:63]


واللهُ هوَ الذي ألَّفَ بينَ قُلوبِ المسلِمين، على ما كانَ بينهمْ في الجاهليَّةِ مِنْ عداوةٍ وضَغينة قاتِلة، ومِنْ حَميَّةٍ وعَصَبيَّةٍ عَمياء، وخاصَّةً الأوسَ والخزرجَ منَ الأنصار، الذينَ كادتِ الحربُ أنْ تُهلِكهم، فكانتِ الحروبُ بينهمْ لا تَنقَطِع، فجَمعهمُ الإسلامُ وصاروا إخوَةً يَتناصَرونَ في الحقّ، ويَتناصَحونَ على الخَير، ولو أنَّكَ أنفقتَ ما في الأرضِ منْ أموالٍ لتوثِّقَ بَينهمُ المحبَّة، وتؤلِّفَ بينَ قُلوبهم، لمَا استَطَعت، لتَناهي العَداوةِ بينَهم، وتَمَكُّنِ رُوحِ الانتِقامِ فيهم، ولكنَّ اللهَ بلُطفهِ ورَحمَتهِ أوجدَ هذا التآلفَ بينَهم، ووطَّدَ روحَ المحبَّةِ والتآخي بينَهم، وهوَ سُبحانَهُ قَديرٌ على ذلك، عَزيزٌ لا يَصعُبُ عليهِ شَيء، حَكيمٌ، يدبِّرُ الأمورَ على أحسنِ وجه، وأفضَلِ مَقام.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسۡبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال:64]


أيُّها النبيُّ الكريم، حسبُكَ الله، فهوَ كافيكَ في جميعِ أمورِكَ وناصرُك، ومَنِ اتَّبعكَ مِنَ المؤمِنينَ، المهاجِرينَ والأنصار.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى الۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ﴾ [الأنفال:65]


أيُّها النبيُّ، حُثَّ المؤمِنينَ على القِتالِ ورغِّبهمْ في الجِهاد، إنْ يَكنْ منكمْ عِشرونَ مُقاتِلاً ثابتاً مُحتَسِباً، يَغْلِبوا مِئَتَينِ مِنْ عدوِّهم، وإنْ يَكنْ منكمْ مائةٌ منَ الرِّجالِ الصَّابرينَ في الحَرب، يَغْلِبوا ألفًا مِنَ الكافِرين، وهذا لأنَّ المشرِكينَ جَهَلةٌ لا يُقاتِلونَ احتِساباً وامتِثالاً لأمرِ الله، ولا طَلباً لثَواب، وإنما يُقاتِلونَ للحَميَّةِ الجاهليَّة، واتِّباعاً لخُطواتِ الشَّيطان، فلا يَثْبُتونَ في الحربِ إذا صَدقتُموهمُ القِتال؛ خَشيةَ أن يُقْتَلوا.

وقدْ شقَّ ذلكَ على المسلِمين، حيث طُلِبَ منهمْ أنْ يَثْبُتَ الواحِدُ منهمْ مُقابِلَ عَشَرةٍ مِنَ الكفّار، فنَزَلتِ الآيةُ التاليةُ تخفيفاً عنهم، وهو ثباتُ الواحِدِ أمامَ اثنَين. قالَ ابنُ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: فلمّا خفَّفَ اللهُ تعالَى عنهمْ مِنَ العِدَّة، نَقَصَ منَ الصَّبرِ بقَدْرِ ما خفَّفَ عنهم.

والجمهورُ على أنَّ التاليةَ ناسخةٌ لهذه.

﴿الۡـَٰٔنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ اللَّهِۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّـٰبِرِينَ﴾ [الأنفال:66]


الآنَ خفَّفَ اللهُ عنكمُ الحُكمَ السَّابق، وعَلِمَ أنَّ فيكمْ ضَعْفاً في الواحِدِ عنْ قتالِ العَشَرة، وفي المِئَةِ عنْ قتالِ الألف، فإنْ يَكنْ منكمْ مِئَةُ مُقاتلٍ ثابتٍ محتَسِب، يَغلبوا مِئَتينِ مِنَ المُقاتِلَةِ الكفّار، وإنْ يَكنْ منكمْ ألفٌ يَغْلِبوا ألفَين، فالواحِدُ يُقابِلُ اثنَين. فإذا كانَ جيشُ المسلِمينَ نصفَ جيشِ الكافرِينَ غلَبوهم، بإذنِ اللهِ وتأييدِه، واللهُ ينَصرُ ويُعِيْنُ الصَّابرين، فكيفَ لا يَغْلِبونَ عدوَّهم؟

﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي الۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنۡيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الۡأٓخِرَةَۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [الأنفال:67]


ما صحَّ وما استَقامَ لنبيٍّ منَ الأنبياءِ - والمقصودُ هنا نبيُّنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم - أنْ يَستَبقيَ أسرَى مِنَ المشرِكين، حتَّى تَضْعُفَ شَوكتُهم، وتَشتدَّ شَوكةُ المسلِمين، فيكونوا همُ الأقوَى الذينَ يُرهِبونَ أعداءَهم.

أتُريدونَ أيُّها المسلِمونَ بقَبولِ الفِداءِ منهمْ بدلَ قَتلِهمْ حُطامَ الدُّنيا، واللهُ يريدُ لكمْ ثوابَ الآخِرَة، وإعزازَ دينِه، وقمعَ أعدائه؟ وهوَ العَزيزُ الذي يَنصرُ أولياءَهُ على أعدائه، حكيمٌ في سَنِّ شرائعِ الحَرب.

والآيةُ في أسرَى بَدر، وقدِ استشارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ فيهم، فمالَ إلى مَنْ يرَى قَبولَ الفِديةِ منهم، دونَ قتلِهم.

﴿لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [الأنفال:68]


ولولا حُكمٌ منَ اللهِ في اللَّوحِ المحفوظ، بأنْ لا يعذِّبَ قَوماً قبلَ تَقديمِ ما يبيِّنُ لهمْ أمراً أو نَهياً، لأصابَكمْ فيما أخذتُموهُ منَ الفِداءِ منَ الأسرَى عَذابٌ كَبير.

ذُكِرَ أنَّ أصحابَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم كفُّوا أيديَهُمْ عمّا أخَذوا منَ الفِداء، فنزلتِ الآيةُ التالية، فأخَذوه.

واستقرَّ رأيُ عامَّةِ الفُقهاءِ - مِنْ بعدُ - على أنَّ الإمامَ مخيَّرٌ في الأسرَى، إنْ شاءَ قَتَل، وإنْ شاءَ فادَى، حسَبَ ما تَتطلَّبهُ مصلحةُ المسلِمين، وكانَ مِنْ مَصلَحَةِ المسلِمينَ إذْ ذاكَ أنْ يُقتَلوا، ولكنَّ اللهَ سلَّمَ وعَفا.

﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَاتَّقُواْ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الأنفال:69]


فكُلُوا ممّا غَنِمتُمْ منَ الأعداء، فديةً أو غَنائم، حلالاً لا إثمَ فيه، طيِّباً لا نَغْصَ فيه. وخافُوا اللهَ ولا تُخالِفوا أوامِرَه، وهوَ الغَفورُ الذي غفرَ ما سَلفَ منكمْ في ذلك، رَحيمٌ بكمْ عندما أباحَ لكمُ الغَنائم، وما أخذتُمْ منَ الفِدية.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيٓ أَيۡدِيكُم مِّنَ الۡأَسۡرَىٰٓ إِن يَعۡلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الأنفال:70]


قُلْ أيُّها النبيُّ لِمَنْ أسرتُموهمْ في غَزوةِ بَدر، ممَّنْ أخذتُمْ منهمُ الفِداء: إذا عَلِمَ اللهُ في قلوبِكمْ إيماناً وتَصديقاً، فسَوفَ يُعطيكمْ خَيراً منَ المالِ الذي فَدَيتُمْ بهِ أنفسَكمْ وأضعافَه، ويَغفِرُ لكمْ ذنوبَكمْ وما كنتُمْ عليهِ مِنْ شِرك، واللهُ كثيرُ المَغفِرَةِ لذُنوبِ عِبادهِ المؤمِنين، رَحيمٌ بهم.

﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:71]


وإنْ يُرِدِ الأسرَى نَقضَ العَهد، مِنْ عدَمِ إعطاءِ الفِدية، أو العَودةِ إلى محاربَتِك، أو مُساعدةِ المشرِكين، فقدْ سَبقَتْ منهمُ الخيانةُ قبلَ بَدر، بالكُفر، فأمكنكَ اللهُ منهمْ ببَدرٍ قَتلاً وأسْراً، فليتوقَّعوا مثلَ ذلكَ إنْ عادوا. واللهُ عليمٌ بخَلقهِ وما يُصلحُهم، حكيمٌ فيما يَشْرَعُه.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ اسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي الدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ النَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ [الأنفال:72]


إنَّ الذينَ آمَنوا وهَجَروا قومَهُمْ وديارَهُم، وأنفَقوا أموالَهمْ فيما يُرضي الله، مِنْ صَرفِها على المحتاجينَ منْ إخوانِهمُ المسلِمين، ومِنْ شِراءِ الأسلحةِ ورَبطِ الخيلِ للجِهادِ في سَبيله، وبَذلوا أنفسَهمْ في سَبيلِ دينِ الله، فقاتَلوا قِتالَ الأبطال، وخاضُوا لُجَجَ المعارك. والمقصودُ المهاجِرون. والأنصارُ الذينَ آوَوْا إخوانَهمُ المهاجرينَ وأسكنوهمْ منازلَهم، وآثَروهمْ على أنفسِهم، ونَصروهمْ على أعدائهمْ بالقِتالِ معهم، فهؤلاءِ وأولئكَ بعضُهمْ أولياءُ بَعض، في العَونِ والنُّصرةِ والميراث، فكلٌّ منهمْ أحقُّ بالآخرِ مِنْ كلِّ أحَد.

والمؤمِنونَ الذينَ بَقُوا في دِيارِهمْ ولم يُهاجِروا لا يَرِثونَ الذينَ هاجَروا، ولو كانوا مِنْ ذَوي قُرباهم، حتَّى يُهاجِروا، فعندَ ذلكَ يَرِثون. وإذا استَعانَ بكمُ المؤمِنونَ الذينَ لم يُهاجِروا في قتالِهمْ ضدَّ المشرِكين، فعَليكمْ أنْ تَنصُروهم، لأنَّهمْ إخوانُكم في الدِّين، فواجِبٌ عليكمْ نصرُهم، إلاّ إذا كانَ بينكمْ وبينَ أولئكَ المشرِكينَ عهدٌ ومُهادَنة إلى مُدَّة، فلا يجوزُ لكمْ نقضُه. واللهُ بَصيرٌ بأعمالِكم، فلا تُخالِفوا أمرَه، ولا تَتجاوزوا ما حَدَّهُ لكم.

وكانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قدْ آخَى بينَ المهاجِرينَ والأنصار، فكانوا يتوارَثون، ومَنْ آمنَ ولم يُهاجِرْ لا يَرِثُ مِنْ قَريبهِ المهاجِر، حتَّى كانَ فتحُ مكَّة... ونَسخَتْها آيةُ الميراث: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [سورة الأنفال:75].

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي الۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ﴾ [الأنفال:73]


والكافِرونَ بعضُهمْ أولياءُ بَعضٍ في المؤازرةِ والميراث. والجُمهورُ مِنَ العُلماءِ على أنَّ المسلمَ لا يَرِثُ الكافرَ، والكافرَ لا يَرِثُ المسلِم. فإذا لم تُجانِبوا المشرِكين، ولم تُوالُوا المؤمِنين، ولم تأخذوا بما حَدَّهُ اللهُ لكمْ في الإرث، فسيَختَلِطُ أمرُ المؤمنِ بالكافِر، وتختَلِفُ الكلمةُ بينَكم، وتَظهرُ قوَّةُ الكُفر، ويَضْعُفُ الإسْلام، وتُسْفَكُ الدِّماء.

﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ [الأنفال:74]


والذينَ آمَنوا، وهَجَروا أوطانَهمْ وأموالَهمْ هُروباً منَ الكُفرِ وأهلهِ إلى مَوطِنِ الإسْلام، وجاهَدوا معكمْ وحارَبوا الكفّار، والأنصارُ الذينَ هبُّوا لنَجدةِ إخوانِهمُ المهاجِرين، ففتَحوا لهمْ قلوبَهمْ وبيوتَهم، وآزَروهمْ فقاتَلوا معهمْ أعداءَ اللهِ وأعداءَهم، فأولئكَ الذينَ حازُوا رُتبةَ الإيمانِ حقّاً، لا شكَّ في ذلك، وسيُجازَوْنَ بثَوابٍ جَزيلٍ مِنْ ربِّهم، يَغْفِرُ لهمْ ذنوبَهم، ويرزقُهمْ رِزْقاً كريماً، دائماً مستَمرّاً، في جنَّةٍ عالية، ونعيمٍ مُقيم.

﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ الۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ﴾ [الأنفال:75]


والذينَ آمنوا، وهاجَروا بعدَ الهِجرةِ الأولى، وقاتَلوا معكمْ في سبيلِ الله، فهمْ مِنْ جُملتِكم، همْ منكمْ وأنتمْ منهم، فالإيمانُ واحِد، والملَّةُ واحِدَة، والفَضلُ والشرَفُ لمنْ سَبق.

وذَوُو القَرابةِ همُ الذينَ يَرِثُ بعضُهم بَعضاً، دونَ ما سبقَ تشريعُهُ مؤقَّتاً منَ التوارُثِ بالهِجرة. وهذا حُكمُ اللهِ في كتابِه، وهوَ عَليمٌ بكلِّ شَيء، ومِنْ ذلك نِظامُ المواريثِ وأحوَالهُ وتَطويرُه، والحِكمةُ في تَوزيعِ حِصَصه.

قالَ ابنُ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: آخَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بينَ أصحابِه، ووَرِثَ بعضُهمْ مِنْ بَعض، حتَّى نَزلتْ: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} فترَكوا ذلك، وتوارَثوا بالنَّسَب.