﴿يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ الۡأَنفَالِۖ قُلِ الۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِۖ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال :1]
يسألُكَ أصحابُكَ أيُّها النبيُّ عنِ الأنفَال، وهيَ الغَنائم، وكلُّ ما نالَهُ المسلِمونَ مِنْ أموالِ أهلِ الحرب، فقلْ لهم: إنَّ اختِصاصَ أمرِها وحُكمِها إلى اللهِ تعالَى ورسولهِ صلى الله عليه وسلم، فيَقْسِمُها رسولُهُ كما يأمرهُ ربُّه، ولا رأيَ فيها لآخَر. وكانَ ذلكَ يومَ بدر. فاخشَوا اللهَ واحذَروا مخالفةَ أمرِه، وأصلِحوا فيما بينَكمْ بالحُسنَى والردِّ الجَميل، فيما وقعَ بأيديكمْ منَ الغَنائم، وسلِّموها للرسُولِ صلى الله عليه وسلم طَواعية، ولا تَتخاصَموا ولا تَتشاجَروا بسَببِ المال، فإنَّهُ يؤدِّي إلى الاختِلافِ والتباغُض، وأطِيعوا اللهَ ورسولَهُ فيما يأمرُ ويَنهَى، وفيما يَقسِمهُ لكمْ منْ هذهِ الغَنائمِ على ما أرادَهُ الله، إذا كنتُمْ مؤمِنينَ حقًّا، وملتزِمينَ بأحكامِ الدِّين.
﴿إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال :2]
إنَّما المؤمِنونَ المُخلِصونَ في إيمانِهم، الذينَ إذا وردَ ذِكْرُ اللهِ وما أَمرَ به، خافَتْ قلوبُهمْ وخَشَعَت؛ استِعظاماً لشأنهِ الجليلِ وتَهيُّباً منهُ سُبحانه، وإذا تُلِيَتْ عليهمْ آياتُ كتابهِ الكريمِ زادَتْهُمْ تَصديقاً ويَقيناً، فبادروا إلى فعلِ ما يأمر، وتركِ ما يَنهَى، ويفوِّضونَ أمورَهمْ إلى ربِّهم، لا يَرجونَ غيره، ولا يَقصِدونَ إلاّ إيّاه، ولا يَرغَبونَ إلاّ إليه.
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾ [الأنفال :3]
وهمُ الذينَ يواظِبونَ على أداءِ صَلواتِهم، ويؤدُّونَ زكاةَ أموالِهم، وغيرَ ذلكَ ممّا هوَ واجبٌ عليهمْ ومُستَحَبٌّ لهم.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ [الأنفال :4]
أولئكَ المتَّصِفونَ بهذهِ الصِّفات، همُ المؤمِنونَ حقَّ الإيمان، لهمْ منازِلُ ومَقاماتٌ عاليةٌ في جنَّاتِ ربِّهم، ومَغفِرَةٌ عَظيمةٌ لسيِّئاتِهم، ورِزقٌ حَسَنٌ كثيرٌ لا يَنقَطِع.
﴿كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِالۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ الۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ﴾ [الأنفال :5]
وكما كَرِهَ بعضُ المؤمِنينَ تسويةَ الغَنائم، فقدْ كَرِهَ فريقٌ منهمْ أيضاً إخراجَكَ من بيتِكَ بالمدينةِ بوحي وتَدبيرٍ منْ عندِ اللهِ لمقاتلةِ المشرِكين.
وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قدْ خرجَ معَ ثلاثِمِئةٍ وبِضعَةَ عشرَ رجلاً مِنْ أصحابهِ يَطلبونَ قافلةً كبيرةً لأبي سُفيان، مُحَمَّلةً بأطعمةٍ وأموالٍ جَزيلةٍ لقُرَيش، قادمةً منَ الشَّام، فسَمِعَ أبو سفيانَ بخروجِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبعثَ إلى مكَّةَ يَستَنجِدُ بمشرِكي قُرَيش، فخَرجَ منهمْ نحوُ ألفِ مُحارِب. وقدْ نَجَتِ القافِلَة، ثمَّ شاورَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَهُ في الحرب، فوافَقوه، وكَرِهَ بعضُهمْ ذلك.
﴿يُجَٰدِلُونَكَ فِي الۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ﴾ [الأنفال :6]
ويجادلُكَ هؤلاءِ الكارِهونَ في القِتالِ بعدَما تبيَّنَ لهمْ أنَّكَ ستُنَفِّذُ أمرَ اللهِ وتُقاتِل، ويَقولون: ما كانَ خروجُنا إلاّ للقافِلَة، ولم نَستَعِدَّ للحَرب. ولشدَّةِ كراهيَتِهمْ لذلك، كانتْ حالُهمْ كأنَّما يُساقُونَ إلى الموتِ وهمْ يُشاهِدونَ علاماتِه!
﴿وَإِذۡ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحۡدَى الطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ الشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الأنفال :7]
واذكُروا معَ ما بكمْ منَ الجزَعِ وقلَّةِ العَدد، أنْ وعدَكمُ اللهُ الفَوزَ بإحدَى الغَنيمَتَين: إمّا قافِلةَ أبي سفيان، وإمّا النصرَ على جَيشِ المشرِكين. وأنتمْ تحبُّونَ التي لا قوَّةَ فيها ولا قِتال، وهي القافِلة. بينَما يريدُ اللهُ أنْ يُظهِرَ دينَه، ويَرفعَ رايةَ الحقّ، ويُهلِكَ الكافِرين، حتىَّ لا يُبقي منهمْ أحداً. ولذلكَ أمرَكمْ بقتالِهم.
﴿لِيُحِقَّ الۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ الۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ الۡمُجۡرِمُونَ﴾ [الأنفال :8]
ليُثبِتَ الإسلامَ بذلكَ ويجعلَهُ غالِباً على الأديانِ، ويَمحَقَ الكُفر، ولو كَرِهَ المشرِكون.
﴿إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَاسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ الۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ﴾ [الأنفال :9]
واذكرُوا نعمةَ ربَّكمْ عندما قَرُبَ التِقاؤكمْ بعدوِّكم، إذْ تَستَجيرونَ بهِ وتَطلبونَ منهُ الغَوثَ والنَّصر. وكانَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ منَ الدُّعاءِ في تضرُّعٍ وخُشوع، ويَطلُبُ منْ ربِّهِ إنجازَ ما وعدَهُ منَ النَّصر.
فأجابَ دعاءَكمْ بأنِّي مُرسِلٌ إليكمْ مَدَداً بألفٍ منَ الملائكةِ مُتتابِعين، بعضُهمْ في إثرِ بَعض.
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا النَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال :10]
وما جعلَ اللهُ إمدادَكمْ بالملائكةِ إلاّ بِشارةً لكمْ بأنَّكمْ ستُنصَرون، ولِتَسكُنَ نفوسُكمْ إلى ذلك، وتَهدأَ ولا تَجزَع، واللهُ قادرٌ على نَصرِكمْ على الأعداءِ بدونِ ذلك، وما النصرُ إلاّ مِنْ عندهِ سُبحانَه، وهوَ العَزيزُ القويُّ الذي لا يُغالَب، الحكيمُ فيما يَشْرَعُهُ مِنْ حَرب، ويَقضيهِ منْ تَدبير.
﴿إِذۡ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ الشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ الۡأَقۡدَامَ﴾ [الأنفال :11]
واذكرُوا إذ يُلقي ربُّكمُ النُّعاسَ عليكمْ أمناً منهُ لِما حَصَلَ لكمْ منَ الخَوف، ويُنَزِّلُ عَليكمْ مَطَراً وقدْ كنتُمْ بحاجةٍ إلى الماء، لتَتوضَّؤوا للصَّلاة، وتَغتَسِلوا مِنَ الجنابة، وليُذهِبَ عنكمْ وَسوَسةَ الشَّيطانِ وتخويفَهُ إيَّاكمْ منَ العَطش، وليقوِّيَ قلوبَكمْ باليَقينِ والصَّبر، والثقةِ بلُطفِ اللهِ وما يُبديهِ منَ النَّصر، وليثبِّتَ بهِ الأقدامَ حتَّى لا تَسوخَ في الرَّملِ أثناء الحربِ والكَرِّ والفَرّ.
وكانَ المشرِكونَ قدْ سَبقوهمْ في أوَّلِ الأمرِ إلى ماءِ بدر، فعَطِشوا وخافُوا... فأنزلَ اللهُ المطرَ حتَّى سالَ منهُ الوادي، فشَرِبَ المؤمِنونَ واغتَسلوا وتَوضَّؤوا، وسقَوا دوابَّهم، ومَلَؤوا الأسقِيَة، حتَّى طابَتْ نفوسُهمْ وزالتْ عنهمْ وسوَسةُ الشَّيطان. وكانَ المطرُ قبلَ النُّعاس.
وكانتِ الأرضُ التي نزلَ بها المسلمونَ رَمْلاً، فقَدِروا على المشي عليهِ بعدَ المطرِ كيفما أرادوا، والموضِعُ الذي نزلَ الكفّارُ فيهِ تُرابٌ ووَحَل، فلمّا نزلَ المطرُ عظمَ الوَحَل، فصارَ مانِعاً لهمْ منَ المشي كيفَما أرادوا.
﴿إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الۡمَلَـٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعۡبَ فَاضۡرِبُواْ فَوۡقَ الۡأَعۡنَاقِ وَاضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ﴾ [الأنفال :12]
واذكُرْ أيُّها النبيُّ إذْ يوحِي ربُّك إلى الملائكةِ الذينَ أمدَّ بهمُ المؤمِنين، أنِّي معَكمْ بالعَونِ والتأييد، فقوُّوا قُلوبَ المؤمِنين، واحمِلوهمْ على الثَّبات، وبَشِّروهمْ بالنَّصر، سأُلقِي الخَوفَ والرُّعْبَ في قُلوبِ المشرِكينَ حتَّى يتوقَّعوا الهزيمةَ في أيِّ وَقت. فاضرِبوا بالسُّيوفِ رؤوسَهمْ وأعناقَهم، وكلَّ طَرَفٍ ومَفْصِلٍ منهم. يَعني منَ الأيدي والأرجُل.
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الۡعِقَابِ﴾ [الأنفال :13]
وهذا ما يَستَحِقُّهُ الكافِرون، فقدْ خالَفوا أمرَ اللهِ وترَكوا شَرعَه، وناوَؤوا رسُولَهُ وصاروا في صُفوفِ أعدائه، ومَنْ يُخالِفْ أمرَ اللهِ ورسُولِه، فإنَّ اللهَ يُعاقبهُ عِقاباً شَديداً.
﴿ذَٰلِكُمۡ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابَ النَّارِ﴾ [الأنفال :14]
فذُوقُوا هذا العَذابَ والنَّكال، والهزيمةَ والخُسران، واعلَموا أنَّ للكافِرينَ عذاباً مُعَدًّا في النار، هوَ أشدُّ وأفظَعُ ممّا عُوقِبوا بهِ في الدُّنيا.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الۡأَدۡبَارَ﴾ [الأنفال :15]
أيُّها المؤمِنون، إذا تقاربتُمْ مِنْ أعدائكمُ الكفّارِ ماشِينَ لقِتالِهم، مُتوجِّهينَ لمحاربتِهم، فلا تَنهَزِموا مُوَلِّينَ إيَّاهمْ ظهورَكم، ولا تَفِرُّوا وتَترُكوا إخوانَكمُ المجاهِدينَ في الحَرب.
﴿وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ اللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [الأنفال :16]
ومَنْ يَفِرَّ مِنَ العدوِّ يومَ اللِّقاء، إلاّ إذا كانَ قصدُهُ أنْ يُرِيَ مُقاتِلَهُ الفِرارَ وهوَ يُريدُ الكَرَّةَ عليه، بانحرافهِ إلى مَوقفٍ أفضلَ ممّا هوَ فيه، أو مُنحازاً إلى جَماعةٍ أخرَى منَ المؤمِنين، فينضَمُّ إليهمْ ليُقاتِلَ معهمُ العدوّ، يُعاونُهمْ أو يُعاوِنوه، حتَّى لو كانتْ هذهِ الجماعةُ سَرِيَّة أخرَى، ففَرَّ إلى أميرِه، أو إلى الإمامِ الأعظَم، دخلَ في هذهِ الرُّخصة، قالَهُ ابنُ كثير؛ ومَنْ يَفِرَّ - عدا ما ذُكِرَ مِنْ صُوَرِ الفَرِّ والكَرّ - فإنَّ فاعلَهُ يَقترِفُ كبيرةً منَ الكبائر، ويَستحِقُّ غَضَبَ الله، ومَكانُهُ جهنَّمُ جزاءَ فِرارِه، وبئسَ المكانُ الذي يأوي إليهِ ويُعذَّبُ فيه.
﴿فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ الۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [الأنفال :17]
فلمْ تَقتلوهُمْ أنتُمْ بقوَّتِكمْ وقُدرَتِكم، معَ كثرةِ عددِهمْ وقلَّةِ عددِكم، ولكنَّ اللهَ قتلَهُمْ بتَقويتِكمْ وإمدادِكمْ بالملائكة، وإلقاءِ الرُّعبِ في قُلوبِهم.
وتناولَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كفَّاً منَ الحصَى ورمَى بها وجوهَ المشرِكين، فما بقيَ أحدٌ منهمْ إلاّ امتلأتْ عيناهُ منَ الحَصباء، كما صحَّحَهُ الهيثميُّ في مجمعِ الزوائدِ منْ روايةِ الطبرانيّ.
فقالَ اللهُ تعالَى ما معناه: وما رَميتَ أيُّها النبيُّ أعينَ المشرِكينَ عندَما رميتَهُمْ بالحصَى، ولكنَّ اللهَ رمَى بإيصالِ ذلكَ إلى وجوهِهمْ وعيونِهمْ بقُدرتِه، ليوهِنَهمْ ويَقهَرَهمْ، وليُنعِمَ على المؤمِنينَ بالنَّصرِ والغَنيمة، ليَعرفوا حقَّهُ ويَشكروا نِعمَتَه، واللهُ سميعٌ لدعائكمْ واستغاثتِكم. عليمٌ بنيّاتِكم وأحوالِكم.
﴿ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الأنفال :18]
ذلكمْ البَلاءُ الحسَنُ والجِهادُ الطيِّبُ منَ المؤمِنين، واللهُ يُضعِفُ كيدَ الكافِرينَ ويُبطِلُ حِيَلَهم، حتَّى تَنتَصِروا عليهمْ نَصراً كاملاً.
﴿إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ الۡفَتۡحُۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدۡ وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأنفال :19]
إنْ تَستَنصِروا اللهَ وتَستَحكِموهُ أيُّها المشرِكونَ ليَفصِلُ بينكمْ وبينَ المسلِمين، فقدْ جاءَكمْ ما سألتُم.
وكانَ أبو جَهلٍ قدْ قالَ يومَ بَدر: اللهمَّ أيُّنا كانَ أقطعَ للرَّحِم، وآتانا بما لا يُعْرَف، فأَحْنِهِ الغَداة.
وكانَ استفتاحاً منه. فنصرَ اللهُ المسلِمينَ يومَ بدر، وقُتِلَ أبو جَهل.
وإنْ تَنتَهوا عنِ الكُفرِ باللهِ وحَربِ رَسولِه، فهوَ أفضلُ لكمْ وأحسَنُ من الحَربِ والأسرِ، الذي ذقتُمْ مرارةَ هَزيمتِه.
وإنْ تَرجِعوا إلى الحرب، نَعُدْ إلى تَسليطِ المؤمِنينَ عليكم.
ولنْ تُغنيَ عنكمْ جموعُكمُ الكثيرةُ كما لم تُغنِ عنكمْ يومَ بَدر. فإنَّ اللهَ معَ المجاهدينَ المؤمِنين، ولا يُغْلَبُ مَنْ كانَ اللهُ ناصِرُه.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ﴾ [الأنفال :20]
يا عبادَ اللهِ المؤمِنين، أطيعوا اللهَ ورَسولَهُ إذا دعاكمْ إلى الجِهاد، ولا تَترُكوا طاعتَهُ وأنتُمْ تَعلَمونَ ما يَدعوكمْ إليه، ولا تَتشبَّهوا بالكافِرينَ المعانِدين، الذينَ يرفُضونَ الإذعانَ لأوامرِه.