تفسير سورة البينة

  1. سور القرآن الكريم
  2. البينة
98

﴿لَمۡ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ الۡكِتَٰبِ وَالۡمُشۡرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ الۡبَيِّنَةُ﴾ [البينة:1]


لم يَكنِ الذينَ كفَروا مِنَ اليَهود، والنَّصارَى، والذينَ أشرَكوا مِنْ عبدَةِ الأوثَانِ وغَيرِها، مُنتَهينَ عمَّا همْ عليهِ مِنَ الكُفرِ والضَّلال، حتَّى يأتيَهمْ ما يُبيِّنُ لهمُ الحقّ. وهوَ هذا القُرآن، الذي يُبيِّنُ لهمْ ضَلالَهمْ وانحِرافَهم، ويَدعُوهمْ إلى الإيمَانِ والإسْلام. فمَنْ آمنَ فقدْ أُنقِذَ مِنَ الجَهالَةِ والضَّلالَة.

﴿رَسُولٞ مِّنَ اللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفٗا مُّطَهَّرَةٗ﴾ [البينة:2]


نبيٌّ مُرسَلٌ مِنْ عندِ الله، هوَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، يَقرَأُ ما تَتضمَّنُهُ الصُّحُفُ مِنَ القُرآنِ العَظيمِ عنْ ظَهرِ قَلبِه، المُنزَّهةُ مِنَ الكُفرِ والزُّورِ والشَّكّ، والكَذِبِ والشُّبُهات.

﴿فِيهَا كُتُبٞ قَيِّمَةٞ﴾ [البينة:3]


في تلكَ الصُّحُفِ آياتٌ صادِقَة، وأحكامٌ عادِلَةٌ مُستَقيمَة، تَهدي إلى الحقّ.

﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ الۡبَيِّنَةُ﴾ [البينة:4]


وما تَفرَّقَ أهلُ الكتابِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى وغَيرِهم، إلاّ بعدَ أنْ أقامَ اللهُ عليهمُ الحُجَجَ والبيِّنات، ثمّ َاختلَفوا؛ بَغيًا بينَهم، وجَهلاً منهم، ولسُوءِ نيَّاتٍ عندَهم، ولعِناد، وهوًى... قالَ المفَسِّرون: لم يَزَلْ أهلُ الكتابِ مُجتَمِعينَ في تَصديقِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم حتَّى بعثَهُ الله، فلمَّا بُعِثَ تَفرَّقوا في أمرِهِ واختلَفوا، فآمنَ بَعضُهمْ وكفرَ آخَرون.

﴿وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ اللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُواْ الزَّكَوٰةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الۡقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]


والحالُ أنَّهمْ لم يُؤمَروا في كتُبِهمْ إلاّ بعِبادَةِ اللهِ وحدَه، وعدَمِ الإشراكِ به، وإخلاصِ العِبادَةِ لهُ تَعالَى، مائلينَ مِنْ جَميعِ العَقائدِ والأدْيانِ الضَّالَّةِ إلى دِينِ اللهِ الإسْلام، وأنْ يُقيموا الصَّلاةَ المَفروضَةَ عليهم، ويُحافِظوا عَليها في أوقَاتِها، ويُعطُوا زَكاةَ أموالِهمْ إلى الفُقَراءِ والمحتَاجين. وما ذُكِرَ هوَ الملَّةُ المُستَقيمَة، والشَّريعَةُ العادِلَة. أو الأمَّةُ المستَقيمَةُ المُعتَدِلَة.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ الۡكِتَٰبِ وَالۡمُشۡرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ شَرُّ الۡبَرِيَّةِ﴾ [البينة:6]


إنَّ الذينَ كفَروا مِنْ أهلِ الكتَاب، مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى وغَيرِهم، والمشرِكينَ مِنْ عبَدَةِ الأوثَانِ والأفْلاكِ وغَيرِها، مِنَ العرَبِ والعجَم، مَصيرُهمْ نارُ جهنَّمَ يَومَ القِيامَةِ، ماكثينَ فيها أبدًا، لا يَموتونَ فيها، ولا يَتحوَّلونَ عنها، أولئكَ همْ أسوَأُ الخليقَةِ أعمَالاً.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ خَيۡرُ الۡبَرِيَّةِ﴾ [البينة:7]


إنَّ الذينَ آمَنوا وأخلَصوا في إيمَانِهم، وعَمِلوا الأعمَالَ الحسنَةَ الموافِقَةَ للشَّريعَة، أولئكَ همْ أحسَنُ الخليقَةِ أعمَالاً.

﴿جَزَآؤُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ رَبَّهُۥ﴾ [البينة:8]


ثَوابُهمْ على إيمَانِهمْ وطاعتِهمْ يَومَ القِيامَةِ جنَّاتُ إقامَةٍ دائمَة، تَجري مِنْ تَحتِ أشجارِها الأنهَار، خالدينَ فيها، لا يَبغونَ عنها تَحوُّلاً، لِما فيها مِنَ السَّعادَةِ والنَّعيم. رَضيَ اللهُ عنهم، ورِضوانُهُ سُبحانَهُ أعلَى ما أُوتُوهُ مِنْ النَّعيم. ورضُوا عنهُ فيما منحَهمْ مِنْ فَضلِهِ العَميم، ممَّا لا عَينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خطَرَ على قَلبِ بشَر. وهذا الثَّوابُ الجَزيل، هوَ لمَنْ خَشِيَ اللهَ في الدُّنيا ولم يُخالِفْ أمرَه.