إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ بتَعاطي هذهِ المحرَّماتِ أنْ يُوقِعَ بينَكمُ العَداواتِ والأحقادَ والمفاسِدَ والشُّرور، فالخمرُ تُذهِبُ العَقل، والمُسكِرُ يُعَربِدُ ويَسُبُّ ويَتشاجر، وقدْ يقعُ على محارمهِ أو يَقتلُ آخرينَ وهوَ لا يَدري، فإذا صحا نَدِم. والمقامرُ يُقامِرُ على الأهلِ والمال، وقدْ لا يُبقي لنَفسهِ شَيئاً، ثمَّ يُصبِحُ عدوًّا لمنْ قامرَه، وحَزيناً مُغتاظاً، وقدْ يَتشرَّدُ ويَتسوَّل... والأنصابُ والأزلامُ شِركٌ لا يُقْدِمُ عليها إلاّ مَنْ تركَ التوحيدَ واستسلمَ للجاهليَّةِ المُنكَرةِ والتخلُّفِ العقَديِّ الأعمى.
ويُريدُ الشَّيطانُ بتَزيينهِ الإقدامَ على هذهِ المُنكراتِ أنْ يُبعِدَكمْ عنْ ذِكْرِ الله، فإنَّها كلَّها تُلهي عنْ الذِّكر، وتُشَوِّش على المُسْكرِ القراءةَ إنْ صلَّى، فيَنطِقُ بالكفر وهوَ يُريدُ قراءةَ القُرآن. وإذا قامرَ وحَصَّلَ مالاً حَراماً فَرِحَ حتَّى البَطَر، وإذا خَسِرَ حَزِنَ وانقبضَ حتَّى كادَ أنْ يقتلَ نفسَهُ أو غيرَه. وفي أثناءِ ذلكَ يَكونُ مُترقِّباً ومُفكِّراً بحيلةٍ يَغلِبُ بها صاحبَهُ ويَقْهَره. فأينَ يكونُ السكِّيرُ والمقامِرُ مِنْ ذكرِ الله؟ فانتَهوا وتوقَّفوا عنها، فإنَّها مُنكَرٌ حَرامٌ لا يَحِلُّ لمسلمٍ تَعاطيها.
وكانتْ هذهِ الآيةُ آخِرَ حَلْقةٍ في أسلوبٍ تَدريجيٍّ ربّانيٍّ لتحريمِ الخَمرِ وما إليها، وقالَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهمْ بعدَ نُزولها: انتهَينا يا ربّ. وأهْرَقوا ما عندَهمْ مِنْ خَمْر.