لقدْ جَعَلَ اللهُ الكعبةَ - البيتَ الحرامَ - قُوامَ أمرِ الناسِ ومصلحتَهم، دُنياً ودِيناً. فهوَ سبَبُ إصلاحِ أمورِهمْ وجَبرِها، وهوَ مأمَنٌ ومَلجأ لهم، ومَجْمَعٌ لتجارتِهم، ومَهوَى أفئدتِهم، يَقصِدونَهُ للحجِّ مِنْ كلِّ فَجٍّ عَميق، فهوَ أحدُ أركانِ الدِّين.
وكذلكَ جعلَ الشَّهرَ الحرامَ قياماً لهم، والمرادُ جِنسُ الشَّهرِ الذي يَصِحُّ عَقْدُ نيَّةِ الحجِّ فيه، وهي: رَجَب، وذو القَعْدة، وذو الحِجَّة، والمُحَرَّم.
والهَدْيُ والقَلائدُ أيضاً قيامٌ لهم، فهيَ ممّا يَخُصُّ مناسِكَ الحجّ، والهَدْي: النُّسُكُ التي تُهدَى للحَرَم، فتُذْبَحُ هناكَ ويُوَزَّعُ لحمُها على مَساكينِه. والقلائدُ كذلك، وهيَ البُدْنُ التي تُقلَّدُ بقلائدَ ليَعرِفَ الناسُ أنَّها للحَرَمِ فلا يَتعرَّضُ لها أحَد، وذُكِرَ أنَّ الثوابَ فيها أكثَر، والحجَّ بها أظهَر.
وهذا الذي يبيِّنُهُ اللهُ لكم، لتَعلَموا أنَّ تشريعَ هذهِ الأحكامِ التي فيها مَنافعُ دُنيويَّة وأُخرَويَّة، ودفعٌ لمضارَّ قبلَ وقوعِها، هوَ مِنَ الدلائلِ على حِكمَةِ اللهِ وإحاطتهِ بكلِّ شَيء، ما دقَّ منها وما جَلّ، فهوَ كامِلُ العِلم، لا يَنقُصُ ولا يَخفَى عليهِ شَيءٌ منه.