تفسير الجزء 13 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الثالث عشر
13
سورة يوسف (53-111)
سورة الرعد
سورة إبراهيم

﴿لَّهُمۡ عَذَابٞ فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ الۡأٓخِرَةِ أَشَقُّۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٖ﴾ [الرعد:34]


للكافِرينَ عَذابٌ مؤلِمٌ في الحَياةِ الدُّنيا، عندما يَنتَصِرُ عَليهمُ المسلِمونَ فيَقتُلونَهمْ ويأسِرونَهم، ويَغنَمونَ أموالَهم، ولهمْ في الآخِرَةِ عذابٌ أشَدُّ وأبقَى، عندَما يَدخُلونَ جَهنَّمَ فتُسْعَرُ بهمُ النَّار، وليسَ هناكَ مانِعٌ وحاجِزٌ يَقيهمُ العَذاب، ولا يَشفَعُ لهمْ عِندَهُ أحَد.

﴿۞مَّثَلُ الۡجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الۡمُتَّقُونَۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُۖ أُكُلُهَا دَآئِمٞ وَظِلُّهَاۚ تِلۡكَ عُقۡبَى الَّذِينَ اتَّقَواْۚ وَّعُقۡبَى الۡكَٰفِرِينَ النَّارُ﴾ [الرعد:35]


أمّا المؤمِنونَ المُتَّقون، فقدْ وُعِدوا مِنَ اللهِ بجنَّةٍ تَجرِي الأنهارُ مِنْ تحتِ قُصورِهمْ وغُرَفِهمُ الجَميلَةِ العَالية، في مَناظِرَ وأوصافٍ لم يُرَ مِثلُها شَكلاً وجَمالاً في الدُّنيا، تَسرُّ العَين، وتُبهِجُ النَّفس، معَ فواكِهَ وأطعِمةٍ وأشرِبةٍ لذيذَةٍ لا نفادَ لها، وظِلالٍ مَمدودَةٍ لا تَنقَطِع، كثيرةِ البَساتينِ وأنواعِ الأشْجارِ والثِّمار، وتلكَ هيَ نهايَةُ المؤمِنينَ الذينَ صبَروا على دينِهم وطاعَةِ ربِّهم. والكافِرونَ مَآلُهمُ النار، وبئسَ المَصير.

﴿وَالَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ الۡكِتَٰبَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَۖ وَمِنَ الۡأَحۡزَابِ مَن يُنكِرُ بَعۡضَهُۥۚ قُلۡ إِنَّمَآ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ اللَّهَ وَلَآ أُشۡرِكَ بِهِۦٓۚ إِلَيۡهِ أَدۡعُواْ وَإِلَيۡهِ مَـَٔابِ﴾ [الرعد:36]


ومُؤمِنو أهلِ الكتابِ منَ اليَهودِ والنَّصارَى يُسَرُّونَ بالوَحي المُنْزَلِ إليكَ منَ الله، لِما يَرَونَ منَ المُطابقَةِ بينَ القُرآنِ وما بَشَّرَتْ بهِ التوراةُ والإنجيل، مِنْ أنَّهُ الكتابُ الحقّ. وأنكرَتْ طَوائفُ منهمْ بعضَ القُرآن، ومِنْ ذلكَ التَّشريعاتُ الجَديدَةُ التي لم تَكنْ عِندَهم. وكذلكَ المشرِكونَ المُتَحَزِّبونَ على رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالعَداوة، كانوا يُنكِرونَ منهُ ما يُخالِفُ تَقاليدَهمْ وما وَرِثوهُ عنْ آبائهم.

قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: إنَّما بُعِثتُ بالوَحدانيَّة، فأُمِرتُ بعِبادةِ اللهِ وحدَه، وعَدَمِ الإشراكِ به، كما أُرسِلَ بهِ الأنبياءُ السَّابِقون، لا كما أنتُمْ عَليه. وإلى نَهجِ التوحيدِ أدعو النَّاسَ كافَّة، وإلى اللهِ وحدَهُ مَرجِعي ومَصيري للجَزاء.

﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ حُكۡمًا عَرَبِيّٗاۚ وَلَئِنِ اتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا وَاقٖ﴾ [الرعد:37]


وكما أنزَلنا كتُبًا على أنبياءَ سابِقين، كذلكَ أنزَلنا عليكَ القُرآنَ المُحْكَمَ أيُّها النبيّ، يَحكمُ بالحَقِّ والعَدل، بلِسانٍ عربيٍّ فصيحٍ واضِح.

وإذا اتَّبعتَ أهواءَ الكافِرينَ الزائغَة، وأضاليلَهمُ الزائفَة، بعدَما جاءَكَ العِلمُ اليَقين، والحقُّ المُبِينُ مِنَ الله، فلنْ يَكونَ لكَ ناصِرٌ منَ اللهِ ولا حافِظٌ منهُ يَقِيكَ مَصارِعَ السُّوء.

وحاشَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم منَ الانحِراف، ولكنَّهُ قَطْعٌ لأطْماعِ الكافِرينَ منَ التنازُلِ لهمْ عنْ شَيءٍ يَخصُّ الحقَّ والتَّوحيد، وتَحذيرٌ للمؤمِنينَ ممّا حُذِّرَ منهُ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِ رَبِّه، ووَعيدٌ لأهلِ العِلمِ منِ اتِّباعِ أهلِ الضَّلالة.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ اللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلٖ كِتَابٞ﴾ [الرعد:38]


وقدْ أرسَلنا قَبلكَ رسُلاً منَ البشَرِ أيضًا، وكانوا مِثلكَ لهمْ أزواجٌ وأوْلاد، فلمَاذا الاعتِراضُ على بَشَرِيَّتِك؟ لماذا يُريدونَ رسُولاً منَ الملائكةِ وقدْ كانتِ الرسُلُ مِنْ قَبلُ كلُّهمْ منَ البَشَر، ولم يبعَثِ اللهُ مَلَكًا واحِدًا بالرِّسَالة؟

أمّا مُعجِزاتُهم، فلم تَكنْ بأمرِهمْ ولا منْ صُنعِهم، إنَّما يأتي بها اللهُ متَى شَاء، وُفقَ ما تَقتَضيهِ حِكمَتُهُ ومَشيئَتُه.

والكتُبُ المُنْزَلَةُ مِنْ عندِ اللهِ تَختَلِفُ أحكامُها، لأنَّها شُرِعتْ حسَبَ أحْوالِ الناسِ وأزمانِهم، وقدْ نزَلتْ في أوقاتٍ مُتفاوِتة، ولكُلِّ وقتٍ كتابٌ يُناسِبُه، وما يُناسِبُ النَّاسَ في هذا الزَّمانِ إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عَليها هوَ القُرآنُ وحدَه.

﴿يَمۡحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ الۡكِتَٰبِ﴾ [الرعد:39]


واللهُ سُبحانَهُ يَنسَخُ ما يَشاءُ منَ الأحكامِ لِما تَقتَضيهِ الحِكمةُ مِنْ أحْوالِ النَّاسِ وتَطوُّرِ أمُورِهمْ وانتِقالِهمْ منْ حالٍ إلى حال، ويُبقي ما هوَ نافِعٌ لهمْ على حالِه. وعندَهُ أصلُ الكتاب - وهوَ اللَّوحُ المَحفوظُ - الذي كتَبَ فيهِ مقاديرَ الأشياءِ كُلِّها، لا يُبَدَّلُ ولا يُغيَّرُ ممَّا هوَ فيهِ شَيء. وهوَ سُبحانَهُ الحَكيمُ العَليم، يَقضي ويُقَدِّرُ ما يَشاء، لا اعتِراضَ على حُكمِهِ ولا على مَشيئَتِه.

﴿وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ الَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ الۡبَلَٰغُ وَعَلَيۡنَا الۡحِسَابُ﴾ [الرعد:40]


وإمّا أنْ نُريَكَ - أيُّها الرسُولُ - بعضَ ما وعَدناهُمْ بهِ منَ العَذابِ والخِزي، أو أنْ نتَوفَّاكَ قبلَ أنْ يُصِيبَهمْ ذلك. وإنَّما أنتَ رسُولٌ مُبَلِّغ، تُعلِمُهمْ رسالةَ اللهِ وتُنذِرُهمْ عذابَه، أمَّا حِسابُهمْ وجَزاؤهمْ فعندَ الله.

﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَأۡتِي الۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَاۚ وَاللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ سَرِيعُ الۡحِسَابِ﴾ [الرعد:41]


ألا يرَى هؤلاءِ المُشَكِّكونَ المُتَعَنِّتونَ أنَّنا نَنقُصُ أراضيَ الكافِرينَ مِنْ أطرافِها شَيئاً فشَيئاً ونُلحِقُها بدارِ الإسلام؟ والأمرُ في ذلكَ للهِ وحدَه، يَحكمُ بما يَشاء، وقدْ حَكَمَ للإسْلامِ بالنَّصر، وللكُفرِ بالهَزيمَةِ والخِذلان، ولا مُراجعَةَ في حُكمِهِ ولا اعتِراضَ عَليه. واللهُ سَريعُ الحِسابِ والمُجازاة، لا يَدفَعُهُ دافِع.

﴿وَقَدۡ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَلِلَّهِ الۡمَكۡرُ جَمِيعٗاۖ يَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٖۗ وَسَيَعۡلَمُ الۡكُفَّـٰرُ لِمَنۡ عُقۡبَى الدَّارِ﴾ [الرعد:42]


وقدْ حَاولَ الكافِرونَ قَبلَ هؤلاءِ أنْ يُلحِقوا الأذَى بالأنبِياء، ويَقضُوا عَليهِمْ بأنْواعِ المَكرِ والحِيَل، ولكنَّ مَكرَهُمْ وإرادَتَهمْ بيدِ الله، فرَدَّ كَيدَهم، ونسَفَ قوَّتَهم، وجَعلَ العاقِبةَ لعِبادِهِ المؤمِنين. واللهُ سُبحانَهُ يَعلَمُ ما يأتونَ وما يَترُكون، وما يُعلِنونَ وما يُسِرُّون، ويَعلَمُ كيفَ يأخذُهمْ وهمْ غافِلون، وعِندَما يَنزِلُ بهمُ العَذاب، يعَلَمونَ حينَئذٍ لمنِ هيَ العاقِبةُ الحسَنة.

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ الۡكِتَٰبِ﴾ [الرعد:43]


ويَقولُ الكافِرونَ مِنَ اليَهودِ والمشرِكين: لستَ رسُولاً مِنْ قِبَلِ الله. قُلْ لهم: حسْبي أنْ يَكونَ اللهُ تعالَى شَاهِدًا عليَّ وعَليكم، فيَشهَدَ لي بتَبليغِ الرِّسَالة، وعَليكمْ بالكُفرِ والتَّكذيب، ويَشهدَ بهذا أيضًا أهلُ الصِّدقِ والإيمانِ مِنْ أهلِ الكِتاب، لِما يَجِدونَهُ عندَهمْ منَ المُبَشِّراتِ ومُطابقَةِ الصِّفاتِ على الرِّسَالةِ والرَّسُول.

وتُفيدُ الأخبارُ أنَّ المقصودَ بالشَّاهدِ مِنْ بَني إسْرائيلَ الصَّحابيُّ عبدُاللهِ بنُ سلاّم، رضيَ اللهُ تعالَى عنه.

سورة إبراهيم - مكية - عدد الآيات: 52

14

﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ الۡعَزِيزِ الۡحَمِيدِ﴾ [ابراهيم:1]


الحروفُ المُقطَّعةُ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حَديثُ ثابِتٌ صَحيح.

هذا كِتابٌ أنزَلناهُ إليكَ أيُّها النبيُّ - وليسَ هوَ مِنْ عنِدك - لتُخرِجَ بهِ النَّاسَ مِنْ ظُلماتِ الضَّلالِ إلى نُورِ الإيمان، منَ العَقائدِ الباطِلةِ إلى عِبادَةِ اللهِ وحدَه، ومِنَ التبَعيَّةِ والتَّقليدِ الأعمَى إلى التفكُّرِ والتدبُّرِ واتِّباعِ الحقّ، بأمرِ ربِّهمْ وتَيسيرِهِ وتَوفيقِه، العَزيزِ الذي لا يُقْهَرُ، المحمودِ فيما يَقولُ ويَفعَل،

﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُۥ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ مِنۡ عَذَابٖ شَدِيدٍ﴾ [ابراهيم:2]


اللهِ الذي لهُ مُلكُ السَّماواتِ والأرضِ وما فيهنَّ، المُهيمِنِ عَليهنَّ بقوَّتِهِ وجبَروتِه. ووَيلٌ للكافِرينَ إذا لم يَتَّبِعوا الدِّينَ الحقَّ مِنْ عَذابٍ ألِيمٍ يومَ القِيامة.

﴿الَّذِينَ يَسۡتَحِبُّونَ الۡحَيَوٰةَ الدُّنۡيَا عَلَى الۡأٓخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ﴾ [ابراهيم:3]


الذينَ يُفضِّلونَ الحَياةَ الدُّنيا، ويَركنونَ إلى لَذَّاتِها وشَهواتِها، ولا يتفَكَّرونَ في الآخِرةِ وجَزائها، ويَمنعونَ النَّاسَ منِ اتِّباعِ الرسُل، ويُريدونَ لدِينِ اللهِ طَريقًا مُلتَويًا يُناسِبُ أهواءَهمُ الزائغَة، وأفكارَهمُ المُنحَرِفَة، أولئكَ في جَهلٍ وضَلال، بَعيدونَ عنْ الحقِّ والصَّواب.

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [ابراهيم:4]


وما أرسَلنا رَسُولاً في الأمَمِ السابقَةِ إلاّ بلُغَةِ القَومِ الذينَ أُرسِلَ إليهم، ليَفهَموا منهُ ما يَدعوهُمْ إليهِ بسُهولَة.

ورِسالَةُ الإسْلامِ العامَّةُ تُتَرجَمُ وتُبَلَّغُ للنَّاسِ كافَّة، كما حصَلَ ويَحصُل.

ومَنِ انتَهتْ إلَيهِ هذهِ الدعوَةُ فسَلكَ سَبيلَ الضَّلالة، واستَكبَرَ عنْ قَبولِ الحقّ، أضلَّهُ الله، ومَنْ سَلكَ مَسالِكَ الهُدَى وكانَ مُستَعِدًّا لقَبولِ الحقّ، هَداهُ اللهُ ويسَّرَ لهُ ذلك. وهوَ العَزيزُ الذي يُصرِّفُ الأمورَ بمَشيئتِه، لا يُغالَبُ في ذلك، الحَكيمُ الذي يُدَبِّرُ الأمُورَ بحِكمة، فلا يُراجَعُ ولا يُعَقَّبُ عَليه.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ اللَّهِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾ [ابراهيم:5]


وقدْ أرسَلنا موسَى إلى قَومِهِ مُؤيَّدًا بآياتٍ عَظيمَةٍ ومُعجِزاتٍ كَبيرَة، أنْ أخرِجْهُمْ مِنَ الكُفرِ والضَّلالِ إلى الحقِّ والإيمان، بالدَّعوَةِ والبَيان، والدَّليلِ والبُرهان، وعِظْهُمْ وذَكِّرْهُمْ بنِعَمِ الله، وبما حدَثَ للسَّابقينَ منَ النِّعَمِ والمِحَن. وفي هذا التَّذكيرِ عِظَةٌ لمَنْ وقفَ عَليها واعتبَرَ منها، فيتَّعِظُ الصَّابِرُ لِما أصابَهُ مِنْ بَلاءٍ ونِقمَة، ويتَّعِظُ الشَّاكِرُ لِما هوَ في نِعمَةٍ وعافِية.

﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ اذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ اللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ الۡعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبۡنَآءَكُمۡ وَيَسۡتَحۡيُونَ نِسَآءَكُمۡۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَآءٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِيمٞ﴾ [ابراهيم:6]


وقالَ موسَى لقَومِهِ بَني إسْرائيل: اذكروا نِعمَةَ اللهِ الكبيرةَ عَليكمْ عندَما أنقَذَكمْ منْ ظُلمِ فِرعَونَ وآلِه، الذينَ كانوا يُذيقونَكمْ أقسَى أنواعِ العَذابِ وآلمـَه، ويَذبَحونَ كُلَّ ذَكَرٍ يُولَدُ فيكم، ويُبقونَ على بَناتِكم؛ خَوفًا مِنْ أنْ يَكونَ زوالُ مُلكِهِ على يدَي رَجُلٍ منكم. وفيما ذُكِرَ من أفعَالِهم الفَظيعةِ محنةٌ عَظيمَة، وإقدارُ الله إيّاهم وإمهالُهم حتى فعَلوا ما فعَلوا ابتلاءٌ منهُ سُبحانه؛ جزاءَ نبذِ بَني إسرائيلَ دينَهم الحقّ، الذي أوصَى به إبراهيمُ بَنيهِ ويعقوبُ عليهمُ السَّلام، واتِّباعِهم دينَ القِبط.

﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ﴾ [ابراهيم:7]


واذكُروا إذْ أعلَمَكمْ ربُّكمْ أنَّكمْ إذا شَكرتُمْ نِعَمَهُ التي أسبغَها عَليكم، وقابَلتُموها بالإيمانِ والطَّاعة، لَأُثبِتَنَّها لكم، ولأزِيدَنَّكمْ منها. وإذا جَحَدْتُمْ نِعمَتي ولم تَشكرُوها، فإنَّ العَذابَ المُعَدَّ للعَاصِينَ شَديد، وهوَ إمّا بسَلبِ النِّعمَةِ مِنكم، أو بمَحقِ بركَتِها، أو بمُعاقَبتِكم، في الأُولَى أو في العُقبَى.

﴿وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ وَمَن فِي الۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [ابراهيم:8]


وقالَ موسَى عَليهِ السَّلامُ لقَومِه: اللهُ غَنيٌّ عنْ شُكرِكمْ وطاعَتِكمْ كُلِّها، وإذا كفَرتُمْ نِعَمَه، أنتُمْ ومَنْ في الأرْضِ منَ النَّاس، فإنَّهُ غَنيٌّ بذاتِه، لهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرضِ وما فيهما، لا يَضُرُّهُ جَحْدُ مَنْ كفَر، ولا يَنقُصُ مِنْ مُلكهِ ولا يَزيدُ منها إيمانُ أحَدٍ أو كُفرُهم، وهوَ حَميدٌ مُستَوجِبٌ للحَمدِ بذاتِه، لنِعَمِهِ العَظيمَةِ المُتتاليةِ على خَلقِه. وثَوابُ الحَمدِ والشُّكرِ يَعودُ عَليكم، فيَزيدُكمْ مِنْ فَضلِه، ويُصلِحُ بهِ حالَكم، ويَستَقيمُ بهِ أمرُكم، ولكمْ عَليهِ أجرٌ في اليَومِ الآخِر.

﴿أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ الَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا يَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا اللَّهُۚ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِالۡبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓاْ أَيۡدِيَهُمۡ فِيٓ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَقَالُوٓاْ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَنَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ﴾ [ابراهيم:9]


ألمْ تَسمَعوا خَبَرَ الذينَ مِنْ قَبلِكمْ وما جرَى لهمْ معَ أنبيائهم، مِنْ قَومِ نُوح، وعَاد، وثَمود، وكثيرينَ مِنْ بعدِهم، لا يَعلَمُ عدَدَهمْ وما حصلَ لهمْ إلاّ الله، جاءَتهمْ رسُلُهمْ بالأدلَّةِ القاطِعات، والمُعجِزاتِ الواضِحات، فرَدُّوا تَبليغَهمْ ومَواعِظَهمْ في أفواهِهم، فكذَّبوها ولم يَقبَلوها منهم، وقالوا غَيرَ مُبالِين: لقدْ كفَرنا بما جِئتُمْ به، ونَشُكُّ شَكًّا قَويّاً في هذا الذي تَدعوننا إليهِ مِنَ الإيمان، ولا سَبيلَ إلى التَّصديقِ به.

﴿۞قَالَتۡ رُسُلُهُمۡ أَفِي اللَّهِ شَكّٞ فَاطِرِ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ يَدۡعُوكُمۡ لِيَغۡفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمۡ وَيُؤَخِّرَكُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ قَالُوٓاْ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتُونَا بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ﴾ [ابراهيم:10]


قالتْ لهمْ رسُلهمْ مُنكِرينَ عليهمْ كُفرَهمُ ورَدَّهمُ السيِّء: أتَشُكُّونَ في وُجودِ اللهِ ووَحدانيَّتِه، وهوَ الذي خلقَ السَّماواتِ والأرضَ وما فيها مِنْ أحياءٍ ونَباتٍ وجَماد، والفِطَرُ السليمةُ تَنطِقُ بذلك، والدَّليلُ يَشهَدُ عَليه؟ وهوَ سُبحانَهُ يَدعوكُمْ إلى دِينهِ ليَغفِرَ لكمْ ذُنوبَكم، ويَلطُفَ بكمْ فلا يأخُذَكمْ بالعَذابِ فَورَ تَكذيبِكمْ وعِصيانِكم، بلْ يؤَخِّرُكمْ إلى أجَلٍ حدَّدَهُ لكم، لتُراجِعوا أنفُسَكم، وتُعيدوا التَّفكيرَ في مَوقفِكم، وتَتوبوا.

وعادَ هؤلاءِ الكافِرونَ يَقولونَ لرسُلِهمْ غَيرَ مُبالِين: ما أنتُمْ سِوَى بشَرٍ مثلِنا، كأيِّ واحِدٍ مِنْ بَني آدَم، ولا فَضلَ لكمْ عَلينا بشَيء، وإنَّما تُريدونَ بدَعوَتِكمْ إلى التَّوحيدِ أنْ تَصرِفونا وتَمنَعونا منِ اتِّباعِ الدِّينِ الذي كانَ عَليهِ آباؤنا مِنْ غَيرِ دَاعٍ لتَركِه، فأتُونا بمُعجِزَةٍ ودَليلٍ خارقٍ على صحَّةِ دَعواكمْ.

﴿قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ اللَّهِۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ الۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [ابراهيم:11]


قالتْ لهمْ رسُلهم: حقًّا إنَّنا بشَرٌ مِثلُكمْ في الصِّفاتِ الآدَميَّة، ولكنَّ اللهَ يَتفضَّلُ على عِبادٍ لهُ ويميِّزُهمْ بنِعَمٍ غَيرِ مَوجودَةٍ عندَ آخَرِين، وقدْ فضَّلنا عَليكمْ بأنْ أوحَى إلينَا بالنبوَّةِ وأمرَنا بتَبليغِ رسالتِهِ إليكم، ولا مَقدِرةَ لنا على الإتيانِ بالمُعجِزاتِ والخَوارقِ التي تَطلبونَها إلاّ بأمرِ اللهِ ومَشيئَتِه، فهوَ وحدَهُ الذي يَخلقُها ويُقَدِّرُها. وعلى اللهِ وحدَهُ فليَعتَمِدِ المؤمِنونَ إذا أرَادوا التوكُّلَ عَليه، فهوَ الذي يَحفظُهمْ مِنْ كَيدِ الأعداء، وشَرِّ الأشْرار.

﴿وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنَا سُبُلَنَاۚ وَلَنَصۡبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيۡتُمُونَاۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ الۡمُتَوَكِّلُونَ﴾ [ابراهيم:12]


قالتِ الرسُلُ عليهمُ السَّلام: وكيفَ لا نَتوكَّلُ على اللهِ رَبِّنا وقدْ هَدانا لدينِه، وبيَّنَهُ لنا بالحُجَّةِ والدَّليل، ويسَّرَ لنا الطَّريقَ إليه، فنحنُ على هُدًى ونُورٍ منه، وسَوفَ نَصبِرُ على أذِيَّتِكمْ وعِنادِكمْ وتَكذيبِكم، ولا نَضعُفُ ولا نَتراجَعُ عنِ الحقِّ الذي نحنُ عَليه، وعلى اللهِ وحدَهُ فليَعتَمِدِ المتوكِّلون، منَ المرسَلينَ والمؤمِنين، وعلى ذلكَ فليَثبتُوا.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [ابراهيم:13]


وقالَ الكافِرونَ لرسُلِهمْ تَهديدًا وتَرْهيبًا: سنُخرِجُكمْ مِنْ ديارِنا، ومِنْ بينِ أظهُرِنا، أنتُمْ ومَنْ تَبِعَكم، أو لتَصيرُنَّ في مِلَّةِ الكُفرِ التي نَدينُ بها. فأوحَى اللهُ تعالَى إلى رسُلِه، ردًّا عَليهمْ وتَخييبًا لآمالِهم، وقَطعًا لمُجادلَتِهم: سنُهلِكُ الكفرَةَ الظَّالمين، لتَماديهمْ في البَغي والظُّلم، وإصرارِهمْ على الكفرِ والتَّكذيب.

﴿وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ الۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ [ابراهيم:14]


ولَنُسكِنَنَّكمْ أرضَهمْ ودِيارَهمْ بعدَ إهلاكِهم. وهذا النصرُ لمَنْ آمنَ وخافَ مَقامَ ربِّهِ والوُقوفَ بينَ يَديهِ يومَ الحِساب، وخَشِيَ وعِيدَهُ بالعَذاب.

﴿وَاسۡتَفۡتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٖ﴾ [ابراهيم:15]


وطلَبَ الرسُلُ النَّصرَ والفَتحَ منَ الله، فنصرَهم، وخابَ وخَسِرَ كُلُّ جَبّارٍ مُتكبِّر، مُعانِدٍ للحَقّ، مُجانِبٍ له.

﴿مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسۡقَىٰ مِن مَّآءٖ صَدِيدٖ﴾ [ابراهيم:16]


وأمامَ هذا الكافرِ المُتَكبِّرِ ومِنْ بينِ يَدَيهِ نارُ جَهنَّمَ بالمِرْصاد، تَنتَظِرُهُ ليُلقَى فيها ويُعَذَّب، ويُسقَى مِنْ ماءٍ لا عَهدَ لهُ به، وهوً عُصارَةُ ما يَسيلُ مِنْ جُلودِ أهلِ النَّار، مِنْ دَمٍ وقَيحٍ وما إليه.

﴿يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ الۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ﴾ [ابراهيم:17]


يُقبِلُ على هذا الماءِ القَذِرِ البَغيضِ لِظَمَئهِ الشَّديد، مِنْ لَفحِ النَّارِ والعَذابِ والحرارَةِ الشَّديدة، ولكنَّهُ عندَما يَقعُ في فَمِهِ يَتَغَصَّصُهُ ويَشرَبُهُ كَرْهًا، وهوَ لا يُحبِّذُهُ ولا يُريدُ ابتِلاعَهُ، لِخُبْثِ طَعْمِهِ ونَتْنِ ريحِهِ وحَرارَتِه. وتأتيهِ أسبابُ المَوتِ وعلاماتُهُ مِنْ كُلِّ مَوضِع، مِنْ شِدَّةِ العَذابِ والأَلمِ والجُوعِ والعَطَش، ولكنْ لا مَوتَ ولا حَياة. والذي يَنتَظِرُهُ فيما يَستَقبِلُهُ عَذابٌ أشَقُّ وأصعَبُ ممّا سبَق، ولا مَفرَّ لهُ مِنْ ذلكَ ولا مَهرَب، بلْ خُلودٌ في العَذابِ الأليمِ إلى الأبَد.

﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ اشۡتَدَّتۡ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَٰلُ الۡبَعِيدُ﴾ [ابراهيم:18]


مِثالُ أعْمالِ الذينَ كفَروا برَبِّهمْ يَومَ القِيامَة - عندَما يَطلُبونَ ثَوابَها - كرَمادٍ تَحملُهُ الرِّياحُ وتُسرِعُ بهِ في يَومٍ تَشتَدُّ فيهِ العَاصِفَة، فتُثيرُهُ وتَبَعثِرُه، حتَّى لا يُقدَرُ على الإمساكِ به. وكذلكَ الكافِرون، الذينَ لا يَرونَ أثرًا منْ ثوابٍ أو تَخفيفًا مِنْ عَذابٍ يَومَ القيامَةِ لِما قَدَّموهُ مِنْ أعْمالٍ في الحياةِ الدُّنيا، لأنَّها لم تَكنْ قائمةَ على قاعِدةِ الإيمان، بلْ ما كانوا همْ يَرجونَ ثَوابَها، لأنَّهمْ ما كانوا مُؤمِنينَ بيَومِ المَعاد، وحِسابِ الأعمال، وذلكَ هوَ الضَّلالُ البَعيدُ عنِ الحقّ، فلا خَيرَ فيها، ولا ثَوابَ عَليها.

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ بِالۡحَقِّۚ إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ﴾ [ابراهيم:19]


ألا تَنظُرُ وتُفَكِّرُ في السَّماواتِ والأرضِ وما فيهما، وكيفَ أنَّ اللهَ خلقَهما وأبدَعَهما بالحقّ، ولم يَخلُقْهُما باطِلاً ولَعِباً، بلْ لأمرٍ عَظيم، وحِكمَةٍ كبيرَة. وهذا الخالِقُ العَظيمُ قادِرٌ على أنْ يُهلِكَكمْ أيُّها الكافِرونَ المُعانِدون، ويَستَخلِفَ جِنسًا آخَر، أو قَومًا آخَرِينَ مِنْ غَيرِكمْ في الأرض، يَكونونَ أطوعَ للهِ منكمْ، وأكثرَ استِجابةً لأوامرِه.

﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٖ﴾ [ابراهيم:20]


وليسَ ذلكَ صَعبًا على الله، ولا هوَ بمُتَعَذَّرٍ عَليهِ ولا مُمتَنِع، وقدْ أهلكَ مِنْ قَبلِكمْ أقوامًا وأتَى بآخَرِين، فاعتَبِروا وأطيعُوا، فهوَ خَيرٌ لكم.