تفسير الجزء 14 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الرابع عشر
14
سورة الحِجر
سورة النحل

﴿قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ﴾ [الحجر:62]


قالَ لهمْ لُوطٌ عَليهِ السَّلام: إنَّكمْ جَماعَةٌ مَجهولون، لم نَعرِفْكمْ ولم نرَكمْ مِنْ قَبل.

﴿قَالُواْ بَلۡ جِئۡنَٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمۡتَرُونَ﴾ [الحجر:63]


قالوا: نحنُ مَلائكةُ الله، جِئناكَ بالعَذابِ والهَلاكِ الذي كنتَ تَتوَعَّدُ بهِ قَومَكَ المُجرِمين، وهمْ يُكَذِّبونَكَ ويَستَبعِدونَ نُزولَهُ بهم.

﴿وَأَتَيۡنَٰكَ بِالۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ﴾ [الحجر:64]


وأتَيناكَ بالأمرِ المُحقَّقِ المُتيَقِّنِ الذي لا شَكَّ فيه، وهوَ العَذابُ والدَّمارُ الذي يَحِلُّ بهم، تَصديقًا لوَعدِ الله، ونحنُ صادِقونَ فيما نُخبِرُكَ به.

﴿فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ الَّيۡلِ وَاتَّبِعۡ أَدۡبَٰرَهُمۡ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٞ وَامۡضُواْ حَيۡثُ تُؤۡمَرُونَ﴾ [الحجر:65]


فامضِ بأهلِكَ بعدَ مُضيِّ جُزءٍ منَ اللَّيل، وكنْ خَلفَهمْ تتَفقَّدُهمْ وتَحفَظُهمْ حتَّى لا يتأخَّرَ أحَدٌ منهم. ولا يَلتَفِتْ أحَدٌ منكمْ وراءَهُ إذا سَمِعوا الصَّيحَة بالقَومِ والعَذابَ الذي يَنزِلُ بهم، وامشُوا في طَريقِكمْ كما يُطلَبُ منكمْ بدونِ تَرَدُّد.

﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ الۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰٓؤُلَآءِ مَقۡطُوعٞ مُّصۡبِحِينَ﴾ [الحجر:66]


وأطْلَعنا لُوطًا على ما يُصيبُ القَومَ منَ الهلاكِ في وَقتِ الصَّباح، نَستَأصِلُ فيهِ شَأفتَهم، فلا يَبقَى منهمْ أحَد.

﴿وَجَآءَ أَهۡلُ الۡمَدِينَةِ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الحجر:67]


وجاءَ قَومُ لُوطٍ منَ المَدينَةِ جَماعاتٍ فَرِحين، يُبَشِّرُ بَعضُهمْ بَعضًا، ليَعمَلوا الفاحِشَةَ بضُيوفِ نَبيِّهم، في فُجورِ ورَذالَةٍ مَكشوفَة، وارتِكاسَةٍ في الحَياءِ وشُذوذ.

﴿قَالَ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ ضَيۡفِي فَلَا تَفۡضَحُونِ﴾ [الحجر:68]


فقالَ لهمْ لوطٌ عليهِ السَّلام، وكأنَّهُ يتَلمَّسُ منهمْ ولو شَيئاً منَ الأدَب: إنَّ هؤلاءِ الذينَ جِئتُمْ إليهمْ ضُيوفٌ عِندي - قبلَ أنْ يَعرِفَ أنَّهمْ ملائكةٌ - فدَعُوا هذا الذي عزَمتُمْ عَليهِ ولا تَفضَحُوني أمامَهم، فإنَّهمْ سيُفاجَؤونَ بما يُنكِرونَهُ أشَدَّ الإنكار، ويَقولونَ إنَّني لم أستَطِعْ أنْ أحميَهم، ومِنْ حقِّ الضَّيفِ أنْ يُكرَمَ لا أنْ يُهان!

﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ﴾ [الحجر:69]


فخافُوا اللهَ وابتَعِدوا عنْ ضُيوفي، ولا تَنتَقِصوني وتُخجِلوني أمامَهم، فإنَّهمْ في دَاري وذِمَّتي، وأنا مَسؤولٌ عَنهم.

﴿قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الحجر:70]


فقالوا لهُ في جَفاءٍ وسُوءِ أدَب: ألمْ نَمنَعْكَ منِ استِضافَةِ أحَدٍ منَ النَّاس؟

﴿قَالَ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِيٓ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ﴾ [الحجر:71]


ثمَّ نبَّهَهُمْ إلى الفِطرَةِ السَّليمةِ لعلَّهمْ يَنتَهونَ ويَكفُّونَ عنهُ شَرَّهمْ وقال: هؤلاءِ بناتي فتزوَّجوهُنّ، فإنَّهُ أطهرَ لكمْ وأنظَفُ منْ هذا العَملِ الفَاحشِ الذي تَبغونَه. (تَفصيلهُ في الآيةِ 78 منْ سُورَةِ هود).

﴿لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ﴾ [الحجر:72]


وكانوا غافِلينَ عمَّا يُرادُ بهم، وقدْ قَرُبَ هَلاكُهم. وحَياتِكَ أيُّها النبيُّ إنَّهمْ في ضَلالِهمْ وغَيِّهمْ يَلعَبون، وفي حَيرَتِهمْ وسَفَهِهِمْ يَترَدَّدون(66).

(66) {لَعَمْرُكَ}: قسَمٌ من الله تعالى بحياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو المشهور، وعليه الجمهور. و(العمرُ) بالفتحِ والضمِّ واحد، وهو البقاء، إلا أنهم خصُّوا القسَمَ بالمفتوحِ لإيثارِ الأخفّ؛ لأن الحلفَ كثيرُ الدَّورِ على ألسنتهم، ولذلك حذفوا الخبر، وتقديره: لَعَمرُكَ قسَمي. (روح البيان). أقسمَ تعالى بحياةِ نبيِّهِ صلواتُ الله وسلامهُ عليه، وفي هذا تشريفٌ عظيم، ومقامٌ رفيع، وجاهٌ عريض. قالَ عمرو بن مالك البكري، عن أبي الجوزاء، عن ابنِ عباس، أنه قال: ما خلقَ الله وما ذرأَ وما برأَ نفساً أكرمَ عليه من محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما سمعتُ اللهَ أقسمَ بحياةِ أحدٍ غيره. (ابن كثير).

﴿فَأَخَذَتۡهُمُ الصَّيۡحَةُ مُشۡرِقِينَ﴾ [الحجر:73]


وجاءَهمُ الخَسْفُ والهَلاك، فقدْ أرْسلَ اللهُ عَليهمْ صَيحَةً مُدَوِّيَةً قاصِفةً رَهيبةً عندَ شُروقِ الشَّمس.

﴿فَجَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر:74]


فقلَّبنا عَليهمْ أرضَهم، وجَعلنا عاليَ مَدينَتِهمْ في السُّفل، فصاروا تحتَ الأرض. وأمطَرناهُمْ بوَابلٍ مِنْ طِينٍ مُتحَجِّرٍ مُتراكِم، مُعْلَمٍ مُمَيَّز، ليُصيبَ كُلاًّ باسمِه.

وقدْ أثبتَتْ دِراساتُ عُلومِ الأرضِ أنَّ طبقاتِ الصُّخورِ في مِنطَقةِ جَنوبِ البَحرِ الميِّتِ - حيثُ سكَنُهم - مَقلوبَةٌ رأسًا على عَقِب، كما وردَ في الآيةِ الكريمة. وذُكِرَ أنَّها غارِقَةٌ على عُمقِ ستَّةِ أمتارٍ تحتَ سَطحِ المياه.

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّلۡمُتَوَسِّمِينَ﴾ [الحجر:75]


وإنَّ فيما أصابَهمْ منْ نِقمَةِ الله، وحَلَّ بهمْ منْ دَمارٍ وخَراب، لعِبرَةً وعِظَةً لمَنْ تأمَّلَ وتفرَّسَ في مَصارعِ الغابِرين، وتبصَّرَ في أحوالِ السَّابِقين.

﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٖ مُّقِيمٍ﴾ [الحجر:76]


وإنَّ آثارَهمْ لتُنبِئُ عنْ حالِهم، وهيَ بطَريقٍ واضِحٍ غيرِ خَفيّ، وقُراهمْ في مِنطقَةِ البحرِ الميِّتِ يَمرُّ بها النَّاس.

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الحجر:77]


وفي ذلكَ تَذكِرَةٌ تَنفَعُ القُلوبَ المؤمِنة، التي تتَدبَّرُ وتَعتَبِر، وتَعلَمُ أنَّ وعدَ اللهِ حَقّ، وأنَّ عَذابَهُ شَديد.

﴿وَإِن كَانَ أَصۡحَٰبُ الۡأَيۡكَةِ لَظَٰلِمِينَ﴾ [الحجر:78]


وقدْ كانَ أصحابُ الأيكَةِ مِنْ قَومِ شُعَيبٍ ظالِمين، بشِركِهمْ وتَكذيبِهمْ نبيَّهم.

والأَيْكَة: الشَّجَرُ المُلتَفّ. وكانوا أصحابَ بَساتينَ وغاباتٍ كَثيفَة.

ذكرَ ابنُ كثيرٍ أنَّهمْ أهلُ مَدْيَنَ على الصَّحيح. وقالَ آخَرون: إنَّهمْ غَيرُهم، وأنَّ شُعَيبًا أُرسِلَ إليهما.

﴿فَانتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٖ مُّبِينٖ﴾ [الحجر:79]


فانتَقَمنا منهمْ وأهلَكناهُم، في يَومٍ كانَ عَذابُهُ عَظيمًا، ولم يَعتَبِروا بما أصابَ قَومَ لُوط، وكانوا أقربَ إلى زَمانِهم. ومدنُهمْ وآثارُهمْ مثلُ مُدنِ وآثارِ قَومِ لُوط، في طَريقٍ واضِحٍ بينَ الحِجازِ والشَّام، ويَعتَبِرُ بها مَنْ كانَ ذا فَهمٍ وتَدَبُّر.

﴿وَلَقَدۡ كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ الۡحِجۡرِ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الحجر:80]


وقدْ كّذَبَ أصحابُ الحِجْرِ - وهمْ قَبيلَةُ ثَمودَ - رسُلَنا، عندَما كذَّبوا نبيَّهمْ صالِحًا عَليهِ السلام، فالرِّسالَةُ واحِدة، ومَنْ كذَّبَ واحِدًا فقدْ كذَّبَ الكُلّ، وهوَ يُمَثِّلُهمْ في عَصرِهِ عَليهِ السَّلام.

﴿وَءَاتَيۡنَٰهُمۡ ءَايَٰتِنَا فَكَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ﴾ [الحجر:81]


وأيَّدنا رَسولَنا صالِحاً بالمُعجِزات، فآتَيناهمُ الناقَة، وقدْ جاءَتْ منْ عندِ اللهِ ولم يَملِكها أحَد. وطلبَ منهمْ رسُولُهمْ ألاّ يُؤذُوها، ولكنَّهمْ عَتَوا وتَجبَّروا وعقَروها.

﴿وَكَانُواْ يَنۡحِتُونَ مِنَ الۡجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ﴾ [الحجر:82]


وكانوا غِلاظًا جُفاةً أشِدَّاء، يَنحِتونَ بيوتَهمْ منَ الجِبال، منْ غَيرِ حَاجةٍ إليها تُذكَر، بلْ أشَرًا وعبَثًا، ويَعيشونَ آمِنين.

وآثارُهمْ مازالتْ مَوجودَة، وتُعرَفُ بمَدائنِ صَالح، في بِلادِ الحرَمين.

﴿فَأَخَذَتۡهُمُ الصَّيۡحَةُ مُصۡبِحِينَ﴾ [الحجر:83]


فلمّا عصَوا رَسولَهم، أهلكَهمُ اللهُ بصَيحَةٍ قويَّةٍ مُفزِعَةٍ في الصَّباح، حيثُ السُّكونُ والهُدوء.

﴿فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [الحجر:84]


فلمْ يُغْنِ عَنهمْ ما كانوا فيهِ مِنْ أمْنٍ وبُيوتٍ حَصينَة، ولمْ يَدفَعْ بَلاءَ اللهِ عَنهمْ أموالُهمْ وزُروعُهمْ وخَزائنُهم...

﴿وَمَا خَلَقۡنَا السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِالۡحَقِّۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَاصۡفَحِ الصَّفۡحَ الۡجَمِيلَ﴾ [الحجر:85]


وما خَلقنا السَّماواتِ والأرضَ عَبَثًا وجُزافًا، بلْ بالحقِّ والعَدل، وما فيهما منْ مَخلوقاتٍ شَتَّى ونِظامٍ دَقيق، وتَدبيرُها بحكمةٍ - فلا يَعتَريهما ضَعفُ وخَلَلٌ وفَوضَى - يُنبِئُ عنْ قوَّةٍ وعظَمةٍ وإبدَاع.

والسَّاعَةُ قادِمَةٌ لا مَحالة، وهيَ منَ الحقِّ الذي يُقيمُهُ اللهُ تعالَى، حتَّى لا تَبقَى مَظلَمَةٌ لأحَدٍ على أحَد، وحتَّى لا يَفوتَ أحَدًا أجرٌ وثَوابٌ عَمِلَهُ في الدُّنيا، فليسَ منَ الحقِّ أنْ يَموتَ الظَّالِمُ ولمْ يُعاقَب، ولم يأخذِ المظلومُ منهُ حقَّه، وليسَ منَ العَدلِ أنْ يَموتَ المظلومُ بمَظلمَتِهِ ولم يَنتَصِرْ لهُ أحَد. واللهُ هوَ الحَقُّ والعَدْلُ الذي يُعطي الحُقوقَ لأصحابِها يومَ الحِسابِ والجَزاء.

فاعفُ عنِ النَّاسِ أيُّها الرسُول، واصفَحْ عمَّنْ آذاكَ منَ المشرِكين، واحلُمْ عَليهمْ بإحسانٍ منكَ وإكرام.

قالوا: وهذا كانَ قبلَ تَشريعِ القِتال.

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الۡخَلَّـٰقُ الۡعَلِيمُ﴾ [الحجر:86]


إنَّ ربَّكَ خَلاّقٌ لا يُعجِزُهُ شَيء، وسيَأتي بيَومِ الحِسابِ بقُدْرَتِه. وهوَ عَليمٌ بأحوالِ النَّاسِ وأعمالِهم، قدْ أحصاها عَليهم، وكُلٌّ يُحاسَبُ ويُجازَى، ويأخذُ حقَّهُ الكامِل، بحُكمِ اللهِ وعَدلِه.

﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ الۡمَثَانِي وَالۡقُرۡءَانَ الۡعَظِيمَ﴾ [الحجر:87]


وقدْ أنزَلنا عَليكَ السَّبعَ المَثَاني، وهيَ سورَةُ الفاتِحة، كما صَحَّ عندَ البُخاريّ، فهيَ سَبعُ آيات، وهيَ تُثَنَّى في الصَّلاة، أو يُثْنَى فيها على اللهِ عزَّ وجَلَّ. وكذلكَ أنزَلنا عَليكَ سائرَ القُرآن.

وقدْ خُصَّتِ الفاتِحةُ بالذِّكرِ لفَضلِها، وعِظَمِ نَفعِها وأجرِها، وهيَ تُسمَّى كذلكَ "أمَّ القُرآن"، لأنَّها أصلُ القُرآن.

﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَاخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الحجر:88]


واستَغْنِ بهذا القُرآنِ العَظيمِ - أيُّها النبيُّ - عنْ أعْراضِ الدُّنيا الزَّائلَه، ولا تُتابِعْ فِكرَكَ ولا تُدِمْ نَظَرَكَ إلى هذا الذي متَّعْنا بهِ أصنافاً منَ المشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ مِنَ الأغنياء، منَ المالِ والولَدِ والنِّسوة، فإنَّما هوَ ابتلاءٌ وامتِحانٌ لهم، ولذَّةٌ مؤقَّتةٌ تَزول. ولا تغتَمَّ لعَدَمِ إيمانِهم، ولا تَحزَنْ لِما يَنتَظِرُهمْ منْ عَذاب، فقدْ كذَّبوكَ ورفَضوا الإيمانَ برِسالتِك، فهمْ أهلٌ لِما يُصيبُهم مِنْ عُقوبة.

وأَلِنْ جانِبَكَ لإخوانِكَ المؤمنين، وتَواضَعْ لهمْ وارفُقْ بهم، فهمُ الذينَ يَستَحِقُّونَ منكَ البِرَّ والاهتِمام، لا هؤلاءِ المستَكبِرونَ المُعانِدون.

﴿وَقُلۡ إِنِّيٓ أَنَا النَّذِيرُ الۡمُبِينُ﴾ [الحجر:89]


وقُلْ للنَّاسِ أيُّها النبيّ: إنَّي أُرسِلتُ إليكمْ لأُنذِرَكمْ وأُخَوِّفَكمْ منْ عَذابٍ إنْ أنتُمْ رفَضتُمْ دَعوةَ الله، وإنذَاري لكمْ حَقٌّ لا يُنكَر، ووَاضِحٌ بَيِّنٌ لا يَخفَى.

﴿كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى الۡمُقۡتَسِمِينَ﴾ [الحجر:90]


وقدْ آتَيناكَ القُرآنَ العَظيم، كما أنزَلنا على أهلِ الكِتابِ كتُبًا سَماويَّة، المُتحالِفينَ على مُخالفَةِ الأنبِياءِ وتَكذيبِهم.

﴿الَّذِينَ جَعَلُواْ الۡقُرۡءَانَ عِضِينَ﴾ [الحجر:91]


الذينَ جعَلوا القُرآنَ مَتَفرِّقًا مُجَزَّءًا، فآمَنوا ببَعضِه، وكفَروا ببَعضِهِ الآخَر، وكانَ عَليهمْ أنْ يَتقَبَّلوه، لأنَهُ مِثلُ التَّوراةِ والإنجِيلِ منْ عندِ الله.

﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾ [الحجر:92]


فوَرَبٍّكَ أيُّها النبيُّ سنَسألُهمْ كُلَّهم، هؤلاءِ المُتحالِفينَ وغَيرَهمْ مِنْ مِلَّةِ الكُفر.