تفسير الجزء 16 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء السادس عشر
16
سورة الكهف (75-110)
سورة مريم
سورة طه

﴿فَكُلِي وَاشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡنٗاۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الۡبَشَرِ أَحَدٗا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا فَلَنۡ أُكَلِّمَ الۡيَوۡمَ إِنسِيّٗا﴾ [مريم:26]


فكُلِي يا مَريَمُ مِنَ الرُّطَبِ واشرَبي مِنَ النَّهر، وطِيبي نَفسًا ولا تَحزَني، فإذا رَأيتِ أحَدًا مِنَ النَّاسِ وسألَكِ عنْ شَيء، فقولي له - لعَلَّهُ إشارَةً -: إنِّي نذَرتُ للهِ أنْ أصْمُت، فلنْ أُكَلِّمَ أحَدًا مِنَ النَّاسِ هذا اليَوم. رُبَّما كراهةَ مُجادَلَةِ السُّفَهاء، واكتِفاءً بكلامِ عيسَى عَليهِ السَّلام.

﴿فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَرۡيَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَيۡـٔٗا فَرِيّٗا﴾ [مريم:27]


فأتَتْ مَريَمُ بوَلِيدِها عيسَى حامِلَةً إيّاه، فلَمّا دخَلَتْ على أهلِها - وكانوا صالِحينَ - استَنكَروا منها ذلك، وقالوا: يا مَريمُ لقدِ اقتَرَفتِ أمرًا مُنكَرًا عَظيمًا.

﴿يَـٰٓأُخۡتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امۡرَأَ سَوۡءٖ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِيّٗا﴾ [مريم:28]


يا شَبيهَةَ هارونَ في العِبادَة - وكانَ رَجُلاً مَشهورًا بالزُّهدِ والعِبادَةِ في وَقتِهم - ما كانَ أبوكِ عِمرانُ رَجُلَ سُوءٍ يَعمَلُ الفَواحِش، وما كانتْ أُمُّكِ زانيَة، فكيفَ حصلَ لكِ هذا؟!

﴿فَأَشَارَتۡ إِلَيۡهِۖ قَالُواْ كَيۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الۡمَهۡدِ صَبِيّٗا﴾ [مريم:29]


فأشارَتْ إلى طِفلِها الرَّضيعِ عيسَى: أنْ كَلِّمُوه. قالوا مُنكِرينَ جوابَها: كيفَ نُكَلِّمُ صَبيًّا في المَهد؟! وكيفَ يَتكلَّمُ هو؟!

﴿قَالَ إِنِّي عَبۡدُ اللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ الۡكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا﴾ [مريم:30]


فتَكلَّمَ عيسَى عَليهِ السَّلامُ وقال: إنِّي عَبدُ اللهِ - وسُبحانَ مَنْ جعَلَ هذا أوَّلَ كلامِهِ - قضَى رَبِّي أنْ يؤتِيَني الإنجيل، ويَجعَلَني نَبيًّا.

﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَٰنِي بِالصَّلَوٰةِ وَالزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَيّٗا﴾ [مريم:31]


وجعَلني نَفّاعًا، مُعَلِّمًا للخَير، أينَما كُنت، وأمرَني بالصَّلاةِ والزَّكاةِ مُدَّةَ حَياتي.

﴿وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَتِي وَلَمۡ يَجۡعَلۡنِي جَبَّارٗا شَقِيّٗا﴾ [مريم:32]


وأوصاني أنْ أكونَ مُحسِنًا إلى والِدَتي، ولم يَجعَلني مُستَكبِرًا، عاصِيًا.

﴿وَالسَّلَٰمُ عَلَيَّ يَوۡمَ وُلِدتُّ وَيَوۡمَ أَمُوتُ وَيَوۡمَ أُبۡعَثُ حَيّٗا﴾ [مريم:33]


والسَّلامُ والأمانُ عَليَّ يَومَ وُلِدتُ: فلمْ يَنَلني الشَّيطانُ بسُوء، ويَومَ أموتُ: أَسلَمُ مِنْ عَذابِ القَبر، ويَومَ أُبْعَثُ حَيًّا: أَسلَمُ مِنْ هَولِ القيامَةِ وعَذابِ جَهنَّم.

﴿ذَٰلِكَ عِيسَى ابۡنُ مَرۡيَمَۖ قَوۡلَ الۡحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمۡتَرُونَ﴾ [مريم:34]


ذلكَ هوَ عَبدُ اللهِ ورَسُولُهُ عيسَى بنُ مَريَم، قَولَ الحَقِّ والصِّدْقِ الذي يَشُكُّ فيهِ النَّاسُ ويَختَلِفون، فمِنْ قائلٍ يَقول: إنَّهُ كاذِبٌ وساحِر، وآخَرَ يَقول: إنَّهُ إلهٌ أو ابنُ إله، وما هوَ إلاّ نَبيٌّ كسائرِ الأنبياء، عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلام.

﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٖۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾ [مريم:35]


ما صَحَّ وما استَقامَ أنْ يَجعَلَ اللهُ لنَفسِهِ ولَدًا، وليسَ هذا مِنْ صِفَتِه، سُبحانَه، تقَدَّسَ وتنَزَّهَ عمَّا افتَراهُ النَّصارَى عَليه، إنَّما شَأنُهُ إذا أرادَ إحداثَ أمرٍ أنْ يَقولَ لهُ كُنْ، فيَكونُ كما يُريد.

﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَاعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ﴾ [مريم:36]


ومِنْ تَمامِ قَولِ عيسَى عَليهِ السَّلامُ في المَهد: إنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكم، فكُلُّنا مَخلوقُون، ولهُ عَبيد، فاعبُدوهُ وأطيعُوه، ووَحِّدوهُ ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا، وهذا التَّوحيدُ هوَ الطَّريقُ القَويمُ الذي يَجِبُ أنْ تتَّبِعوه.

﴿فَاخۡتَلَفَ الۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَيۡنِهِمۡۖ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن مَّشۡهَدِ يَوۡمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم:37]


فاختلَفَ اليَهودُ والنَّصارَى فيهِ وصاروا فِرَقًا وأحزابًا، وانحرَفَ مُعظَمُهمْ عنِ الحَقّ، وبدَّلوا تَعاليمَ المَسيحِ عَليهِ السَّلام، فالوَيلُ والهلاكُ للكافِرينَ منْ يَومِ الهَولِ والعَذاب.

﴿أَسۡمِعۡ بِهِمۡ وَأَبۡصِرۡ يَوۡمَ يَأۡتُونَنَا لَٰكِنِ الظَّـٰلِمُونَ الۡيَوۡمَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [مريم:38]


ما أسمَعَهُمْ وما أبصرَهمْ عندَما يأتونَنا يَومَ الحِسابِ والجَزاء، وقدْ كانوا صُمًّا وعُميًا عنْ آياتِنا، وهمُ الآنَ كذلكَ في الَحياةِ الدُّنيا، في غِوايَةٍ وبُعدٍ عنِ الحقِّ ظاهِر، فلا يَعقِلونَ ولا يَتدَبَّرون.

﴿وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ الۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ الۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [مريم:39]


وخَوِّفِ المُشرِكينَ الظَّالِمينَ منْ يَومِ النَّدامَةِ الكُبرَى، عندَما يُحاسَبونَ على أعمالِهمْ كُلِّها، ويُقَرَّرُ مَصيرُهمْ إلى النَّار، وهمُ اليَومَ في غَفلَةٍ عمَّا يَنتَظِرُهمْ منْ حِسابٍ عَظيم، وهمْ لا يُصَدِّقونَ بالثَّوابِ والعِقابِ يَومَ الدِّين.

﴿إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ الۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَيۡهَا وَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ﴾ [مريم:40]


ونحنُ نَرِثُ الأرْضَ وجميعَ مَنْ عَليها، فنُهلِكُ الأحيَاءَ كُلَّهم، ويَبقَى مالِكُ المُلْكِ وحدَه، وإلينا مَرجِعُ النَّاسِ كُلِّهم، فنَحكمُ بينَهم، ونُجازيهمْ على أعمالِهمْ بما يَستَحِقُّون.

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا﴾ [مريم:41]


واذكُرْ في القُرآنِ خبرَ إبراهيمَ واتْلُهُ على النَّاس، إنَّهُ كانَ كثيرَ الصِّدق، مُلازِمًا له، نبيًّا عَظيمًا.

﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا﴾ [مريم:42]


إذْ قالَ لأبيهِ آزَرَ - وكانَ يَعبدُ الأصنامَ - يا أبَتِ لماذا تَعبدُ شَيئًا لا يَسمَعُ صَوتَك، ولا يَستَجيبُ لنِدائك، ولا يرَى وقُوفَكَ بينَ يدَيهِ ولا خضُوعَكَ له، ولا يَقدِرُ على نَفعِكَ ولا ضُرِّك.

﴿يَـٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ الۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَاتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا﴾ [مريم:43]


يا أبتِ إنِّي قدْ أُوتيتُ منَ العِلمِ ومَعرِفَةِ أسرارِ الكَونِ ما لم يأتِكَ منه، ولنْ تَعرِفَ مثلَه، فاقبَلْ نَصيحَتي وأطِعني أدُلَّكَ على الطَّريقِ المُستَقيمِ الذي يأخذُ بيدِكَ إلى النَّجاةِ مِنَ المَهالِك.

﴿يَـٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ الشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ الشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا﴾ [مريم:44]


يا أبتِ لا تُطِعِ الشَّيطانَ بعبادَتِكَ هذهِ الأصْنام، فهوَ الذي يُحَسِّنُ لكَ ذلك، والشَّيطانُ مُخالِفٌ لأمرِ رَبِّه، مُستَكبِرٌ عنْ طاعَتِه، مَطرودٌ مِنْ رَحمَتِه.

﴿يَـٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ الرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا﴾ [مريم:45]


يا أبَتِ إنِّي أخشَى أنْ يُصيبَكَ يَومَ القِيامَةِ عَذابٌ عَظيمٌ يوقِعُكَ اللهُ فيهِ إنْ أقَمتَ على الكُفر، فتَكونَ مُصاحِبًا للشَّيطانِ في النَّار، كما كنتَ مثلَهُ عاصيًا في الدُّنيا.

﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَاهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا﴾ [مريم:46]


قالَ لهُ أبوه، منْ مَنطِقِ المُشرِكينَ الذينَ لا يَتحَمَّلونَ ذِكرَ آلِهَتِهمْ بسُوء: أتَكرَهُ آلِهَتي وتُعرِضُ عنها، وتَنهَى النَّاسَ عنْ عِبادَتِها؟ إذا أصرَرْتَ على مَوقِفِكَ ولمْ تَنتَهِ عنِ التعَرُّضِ لها لأقتَصَّنَّ منكَ وأسُبَّنَّك، فابعُدْ عَنِّي إذا كُنتَ تُريدُ النَّجاةَ لنَفسِك.

﴿قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا﴾ [مريم:47]


قالَ لهُ إبراهيمُ عليهِ السَّلام: سَلامٌ عَليك، لنْ تَنالَ منِّي أذًى ومَكروهًا يا أبي، وسأدْعو اللهَ أنْ يَهديَكَ إلى الحقّ، ويُوَفِّقَكَ للتَّوبَة، ويَغفِرَ ذَنبَك، مادُمتَ حَيًّا. إنَّ رَبِّي لَطيفٌ بي، حيثُ أكرمَني وهدَاني لعِبادَتِهِ والإخلاصِ له، وعَوَّدني على إجابةِ دَعوَتي.

ولم يَدْعُ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ لأبيهِ بعدَ أنْ عَلِمَ أنَّهُ ماتَ على الشِّرك {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [سورة التَّوبَة: 114].

﴿وَأَعۡتَزِلُكُمۡ وَمَا تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدۡعُواْ رَبِّي عَسَىٰٓ أَلَّآ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّٗا﴾ [مريم:48]


وأبتَعِدُ عَنكمْ وأتبَرَّأُ منكمْ ومِنْ آلِهَتِكمُ التي تَعبُدونَها أيُّها المشرِكون، وأعبدُ رَبِّي الذي لا إلهَ إلاّ هو، عسَى ألاّ أكونَ خائبًا ضائعَ السَّعي بعبادَتي له، فيَتقَبَّلُها منِّي بكَرَمِه.

﴿فَلَمَّا اعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا﴾ [مريم:49]


فلمَّا اعتزَلَ المشرِكينَ وآلِهتَهمُ المَزعومَة، أبدلَهُ اللهُ خَيرًا منهم، فوهَبَهُ إسحَاق، ووُلِدَ لهذا يَعقوبُ، وكانوا جَميعًا أنبياء، عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلام.

﴿وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّٗا﴾ [مريم:50]


وأعطَيناهُمْ مِنْ فَضلِنا ونِعمَتِنا خَيرَ ما يُؤتَى البشَر، منْ خَيرَي الدِّينِ والدُّنيا، وجعَلنا النَّاسَ يُثْنُونَ عَليهمْ ثَناءً حسَنًا، في كُلِّ الأديان، وهمْ مُستَحِقُّونَ لذلك، فقدْ كانوا صَادِقينَ في دَعوَتِهم، مُخلِصِينَ في طاعَتِهم. وقدِ استَجابَ اللهُ دُعاءِ إبراهيمَ عَليهِ السَّلام: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [سورة الشعراء: 84].

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا﴾ [مريم:51]


واذكُرْ في القُرآنِ كذلكَ خبرَ موسَى بنِ عِمران، الذي اصطَفاهُ اللهُ منْ بينِ النَّاسِ لحَملِ رِسالتِه، فكانَ رسُولاً، نَبيًّا مِنْ أُولي العَزم.

﴿وَنَٰدَيۡنَٰهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الۡأَيۡمَنِ وَقَرَّبۡنَٰهُ نَجِيّٗا﴾ [مريم:52]


ونادَينا موسَى منْ جانبِ الطُّورِ (الجَبَل)، النَّاحيَةِ التي تَلي يَمينَ موسَى، فقَرَّبناهُ وكلَّمناهُ مُناجاة. وهوَ المُسَارَّةُ بالكَلام.

﴿وَوَهَبۡنَا لَهُۥ مِن رَّحۡمَتِنَآ أَخَاهُ هَٰرُونَ نَبِيّٗا﴾ [مريم:53]


وأجَبنا دُعاءَهُ فوَهَبنا لهُ أخاهُ هارُونَ ليَكونَ نبيًّا معَه، يُساعِدُهُ ويؤازِرُهُ في دَعوَتِه. وكانَ أفصحَ منهُ لِسانًا. عَليهما الصَّلاةُ والسَّلام.

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ الۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا﴾ [مريم:54]


واذكُرْ في القُرآنِ إسمَاعيلَ بنَ إبراهيمَ عَليهما السَّلام - جَدَّ نَبيِّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم - إنَّهُ كانَ صادِقًا في وَعدِهِ وَفيًّا، لم يَعِدْ أحَدًا إلاّ وفَى له. وقالَ لوالدِه: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [سورة الصَّافَّات: 102] فصَدَق. وكانَ رَسولاً نبيًّا، أرسَلَهُ اللهُ إلى قَبيلَةِ جُرْهُمَ العرَبيَّة.

﴿وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِالصَّلَوٰةِ وَالزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّٗا﴾ [مريم:55]


وكانَ يأمرُ أهلَهُ بطاعَةِ اللهِ سُبحانَه، بإقامَةِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة. وكانَ رَضيًّا عندَ ربِّه، لاستِقامَةِ أقوالِهِ وأفعالِه.

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ إِدۡرِيسَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيّٗا﴾ [مريم:56]


واتْلُ في القُرآنِ خبَرَ إدريسَ، الذي كانَ قبلَ نوحٍ، عَليهما السَّلام، إنَّهُ كانَ كثيرَ الصِّدق، مُلتَزِمًا له، نَبيًّا كَريمًا.