تفسير سورة مريم

  1. سور القرآن الكريم
  2. مريم
19

﴿كٓهيعٓصٓ﴾ [مريم:1]


حروفٌ مُقَطَّعَةٌ لم يَرِدْ في معناها حَديثٌ ثابِتٌ صَحيح. ولم يتَّفقِ المفسِّرونَ على معناها.

﴿ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ﴾ [مريم:2]


هذا ذِكْرٌ وبَيانٌ لِما رَحِمَ اللهُ بهِ عبدَهُ ونبيَّهُ زَكريَّا وأنعمَ عَليه.

﴿إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا﴾ [مريم:3]


إذْ دعا ربَّهُ سِرًّا، في خُفيَةٍ عنِ النَّاسِ، فهوَ أبعَدُ عنِ الرِّياء، وأظهَرُ في الإخلاص.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الۡعَظۡمُ مِنِّي وَاشۡتَعَلَ الرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا﴾ [مريم:4]


قال: اللَّهمَّ إنِّي ضَعُفْتُ، وخارَتْ قُواي، وانتَشرَ المَشيبُ في شَعرِ رأسي، ولم أكنْ بدُعائي إيَّاكَ خائبًا في وَقتٍ مِنَ الأوقات، ولم تَرُدَّني فيما سَألتُك.

﴿وَإِنِّي خِفۡتُ الۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ امۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا﴾ [مريم:5]


وإنِّي خَشِيتُ ألاَّ يُحسِنَ أهلي وقَرابَتي مِنْ بَني إسرائيلَ في أمَّتي مِنْ بعدِ مَوتي، وكانتِ امرأتي عَقيمًا لا تُنجِب، فهَبْ لي مِنْ فَضلِكَ ابنًا مِنْ صُلبي.

﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَاجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا﴾ [مريم:6]


يَرِثُني في النُّبوَّةِ ويَخلُفُني في أمَّتي، ويَرِثُ العِلمَ والنُّبوَّةَ مِنْ آلِ يَعقوب، فيَكونُ امتِدادًا لهذا النَّسَبِ المُبارَكِ وعِلمِهمْ وخِلافَتِهم، واجعَلْهُ مَرضِيًّا قَولاً وفِعْلاً عِندَكَ وعِندَ خَلقِك.

﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ اسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا﴾ [مريم:7]


فاستَجابَ لهُ رَبُّه، وقالَ لهُ بواسِطَةِ المَلَك: يا زَكريَّا، إنَّا نُبَشِّرُكَ بوَلَدٍ اسمُهُ يَحيَى، لم يُسَمَّ أحَدٌ قَبلَهُ بهذا الاسم.

﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ امۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ الۡكِبَرِ عِتِيّٗا﴾ [مريم:8]


قالَ زَكريَّا مُناجِيًا رَبَّهُ، مُتَضَرِّعًا إليه، وهوَ فَرِحٌ ومُتَعَجِّب: رَبِّي، كيفَ يُولَدُ لي غُلامٌ وامرَأتي عَقيمٌ لا تُنجِب، وأنا شَيخٌ كَبيرٌ طاعِنٌ في السِّنّ؟!

﴿قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا﴾ [مريم:9]


قالَ المَلَكُ يَرُدُّ على زَكرِيَّا وتَعَجُّبِهِ مِنْ ذلك: كذلِكَ قالَ رَبُّك: إيجادُ ولَدٍ مِنْ شَيخٍ عَجوزٍ وامرَأةٍ عاقِرٍ سَهلٌ يَسيرٌ عَلَيّ، وقدْ خَلَقتُكَ ولم تَكُنْ شَيئًا مِنْ قَبل.

﴿قَالَ رَبِّ اجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا﴾ [مريم:10]


قالَ زَكريَّا عَليهِ السَّلام: ربِّي اجعَلْ لي عَلامَةً على ما وعَدتَني به.

فأوحَى إليهِ رَبُّه: علامَتُكَ ألاّ تَستَطيعَ أنْ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ ليالٍ معَ أيّامِهنّ، وأنتَ صَحيحٌ مُعافًى في جَميعِ جَوارِحِك.

﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ الۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا﴾ [مريم:11]


فخرجَ على قَومِهِ مِنْ مِحرابِه، فأشارَ إليهمْ أنْ صَلُّوا في الغَداةِ والعِشاء، شُكرًا للهِ على نِعمَتِه.

﴿يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ الۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ الۡحُكۡمَ صَبِيّٗا﴾ [مريم:12]


فوَهَبْنا لهُ يَحيَى، وعَلَّمناهُ التَّوراةَ التي يَحكمُ بها النَّبيُّون، وقُلنا له: يا يَحيَى خُذِ الكِتابَ بجِدٍّ واجتِهاد، وأعطَيناهُ النبُوَّة، أو الفَهمَ والعِلم، وهوَ صَغير.

﴿وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا﴾ [مريم:13]


وآتَيناهُ رَحمَةً مِنْ عِندِنا وشَفَقَةً عَظيمَة، وطَهارَةَ نَفس، وطاعَةً وإخلاصًا، فلمْ يَقتَرِفْ ذَنبًا.

﴿وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا﴾ [مريم:14]


وطاعَةً لوالِدَيهِ وإحسانًا إلَيهما، ولم يَكنْ مُتَكَبِّرًا مُتَعالِيًا عنْ قَبولِ الحقّ، أو مُتَطاوِلاً على الخَلق.

﴿وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا﴾ [مريم:15]


وسَلامٌ على نَبيِّ اللهِ يَحيَى وأمانٌ لهُ يَومَ وُلِد: مِنْ أنْ يَنالَ منهُ الشَّيطانُ شَيئًا، ويَومَ يَموت: يَسلَمُ مِنْ عَذابِ القَبرِ ووَحشَتِه، ويَومَ يُبْعَثُ حَيًّا: يَأمَنُ منْ هَولِ القِيامَةِ وعَذابِ النَّار.

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ انتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانٗا شَرۡقِيّٗا﴾ [مريم:16]


واذكُرْ في القُرآنِ أيُّها الرَّسُولُ قِصَّةَ مَريَمَ بنتِ عِمران، عندَما اعتَزلَتْ أهلَها، وذَهبَتْ إلى شَرقِ دارِها، أو شَرقِ بيتِ المَقدِس.

﴿فَاتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا﴾ [مريم:17]


فتَوارَتْ عَنهمْ وجعَلَتْ بينَها وبينَهمْ سِترًا وحاجِزًا، فبعَثنا إليها جِبريل، فتصَوَّرَ لها على صُورَةِ إنسانٍ كاملِ الخِلقَة.

﴿قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِالرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا﴾ [مريم:18]


فلمَّا رأَتْهُ أمامَها وهيَ في مَكانٍ مَعزول، خافَتْ منهُ على نَفسِها وقالت: إنِّي ألتَجِئُ إلى اللهِ وأحتَمي بهِ مِنْ أنْ تَمَسَّني بسُوء، إنْ كُنتَ مؤمِنًا تَخافُ اللهَ وتَخشَى عِقابَه.

﴿قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا﴾ [مريم:19]


قالَ لها جِبريلُ عَليهِ السَّلام: لم أرِدْ ما يَسوؤكِ أيَّتُها الصِّدِّيقَة، ما أنا إلاّ رَسُولٌ مِنْ عندِ رَبِّكِ، بعَثَني إليكِ لأهَبَ لكِ بأمرِهِ ولَدًا طاهِرًا، نقيًّا منَ الذُّنوب.

﴿قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا﴾ [مريم:20]


قالتْ لهُ مَريَمُ عليها السَّلام: وكيفَ يُولَدُ لي ولَدٌ ولم يَقرَنْ بي زَوج، ولم أكنْ فاجِرَة؟

تَعني أنَّ الولَدَ يَكونُ منْ نِكاحِ أو سِفاح، وهيَ ليسَتْ كذلك.