تفسير الجزء 16 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء السادس عشر
16
سورة الكهف (75-110)
سورة مريم
سورة طه

﴿ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ [الكهف:106]


فإذا كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّ جزاءَهمْ جَهنَّمُ؛ بسَبَبِ كُفرِهم، واستِهزائهمْ بآياتي ومُعجِزاتي، وتكذيبِهمْ كتُبي ورسُلي.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ الۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا﴾ [الكهف:107]


إنَّ الذينَ آمَنوا، وأتْبَعوا إيمانَهمْ بالعمَلِ الصَّالِح، وهوَ المُوافِقُ لشَرعِ الله، كانتْ لهمْ فيما سبَقَ في عِلمِ الله، جَنَّاتُ الفِردَوسِ مَنزِلاً ومُقامًا.

وفي صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ المرفوع: "إنَّ في الجَنَّةِ مائةَ درَجَةٍ أعَدَّها اللهُ للمُجاهِدينَ في سَبيلِه، كُلُّ درَجتَينِ ما بينَهما كما بينَ السَّماءِ والأرض، فإذا سألتُمُ اللهَ فسَلُوهُ الفِردَوس، فإنَّهُ أوسَطُ الجَنَّةِ وأعلَى الجَنَّة، وفَوقَهُ عَرشُ الرَّحمن، ومنهُ تَفَجَّرُ أنهارُ الجَنَّة".

﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا﴾ [الكهف:108]


مُقيمينَ فيها أبَدًا، لا يَطلبونَ تحَوُّلاً عنها إلى غَيرِها، ولا يُفَضِّلونَ سِواها.

﴿قُل لَّوۡ كَانَ الۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ الۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا﴾ [الكهف:109]


قُل: لو كانَ البَحرُ حِبرًا مُعَدًّا للقَلَمِ الذي تُكتَبُ بهِ كَلِماتُ رَبِّي، لفَنيَ ماءُ البَحرِ قَبلَ أنْ تَنتَهي كلِماتُ رَبِّي، لعَدَمِ تَناهيها، ولو جِئنا بمثلِ ماءِ البَحرِ بُحورًا أخرَى تَمُدُّهُ بالماء.

﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾ [الكهف:110]


قُلْ أيُّها الرَّسولُ الكريم: ما أنا إلاّ بشَرٌ مثلُكم، إلاّ أنِّي تمَيَّزتُ عنكمْ بوَحي اللهِ إليّ، فمَنْ زعَمَ أنِّي كاذِبٌ فليَأتِ بمِثلِ ما أُوحيَ إليّ. وإنَّ الإلهَ الذي أدعوكمْ إلى عِبادَتِهِ هوَ إلهٌ واحِدٌ لا شَريكَ له، فمَنْ كانَ يأمُلُ الكَرامَةَ والبُشرَى مِنْ رَبِّه، وحُسنَ الثَّوابِ منْ عِندِه، فليَعمَلْ عمَلاً صالِحاً يَكونُ مُوافِقًا للشَّرع، ولا يُشرِكْ بعبادَةِ ربِّهِ أحَدًا، فلا يُرائي بعمَلِه، ولا يُرِدْ بهِ سِوَى وَجهه.

قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: وهذانِ رُكنا العمَلِ المُتَقَبَّل: لا بُدَّ أنْ يَكونَ خالِصًا لله، صَوابًا على شَريعَةِ رَسولِ الله.

وأخرجَ الحاكِمُ وصحَّحَهُ ووافَقَهُ الذَّهبيّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهما قال: قالَ رَجُل: يا رَسولَ الله، إنِّي أَقِفُ المَوقِفَ أريدُ وجهَ الله، وأريدُ أنْ يُرَى مَوطِني. فلمْ يَرُدَّ عَليهِ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم شَيئًا، حتَّى نزَلَتْ: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.

وسُورَةُ الكَهفِ سُورَةٌ عَظيمَة، ولها فَضائل، منها قَولُهُ صلى الله عليه وسلم في حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ الصَّحيحِ مَوقوفًا: "مَنْ قرأَ سُورَةَ الكَهفِ يَومَ الجُمُعَة، أضاءَ لهُ النُّورَ ما بينَهُ وبينَ البَيتِ العَتيق". رواهُ الدارْميّ. وفي صَحيحِ مُسلمٍ منْ حَديثِ أبي الدَّرداءِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَفِظَ عَشرَ آياتٍ منْ أوَّلِ سُورَةِ الكَهف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّال".

سورة مريم - مكية - عدد الآيات: 98

19

﴿كٓهيعٓصٓ﴾ [مريم:1]


حروفٌ مُقَطَّعَةٌ لم يَرِدْ في معناها حَديثٌ ثابِتٌ صَحيح. ولم يتَّفقِ المفسِّرونَ على معناها.

﴿ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ﴾ [مريم:2]


هذا ذِكْرٌ وبَيانٌ لِما رَحِمَ اللهُ بهِ عبدَهُ ونبيَّهُ زَكريَّا وأنعمَ عَليه.

﴿إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا﴾ [مريم:3]


إذْ دعا ربَّهُ سِرًّا، في خُفيَةٍ عنِ النَّاسِ، فهوَ أبعَدُ عنِ الرِّياء، وأظهَرُ في الإخلاص.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الۡعَظۡمُ مِنِّي وَاشۡتَعَلَ الرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا﴾ [مريم:4]


قال: اللَّهمَّ إنِّي ضَعُفْتُ، وخارَتْ قُواي، وانتَشرَ المَشيبُ في شَعرِ رأسي، ولم أكنْ بدُعائي إيَّاكَ خائبًا في وَقتٍ مِنَ الأوقات، ولم تَرُدَّني فيما سَألتُك.

﴿وَإِنِّي خِفۡتُ الۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ امۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا﴾ [مريم:5]


وإنِّي خَشِيتُ ألاَّ يُحسِنَ أهلي وقَرابَتي مِنْ بَني إسرائيلَ في أمَّتي مِنْ بعدِ مَوتي، وكانتِ امرأتي عَقيمًا لا تُنجِب، فهَبْ لي مِنْ فَضلِكَ ابنًا مِنْ صُلبي.

﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَاجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا﴾ [مريم:6]


يَرِثُني في النُّبوَّةِ ويَخلُفُني في أمَّتي، ويَرِثُ العِلمَ والنُّبوَّةَ مِنْ آلِ يَعقوب، فيَكونُ امتِدادًا لهذا النَّسَبِ المُبارَكِ وعِلمِهمْ وخِلافَتِهم، واجعَلْهُ مَرضِيًّا قَولاً وفِعْلاً عِندَكَ وعِندَ خَلقِك.

﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ اسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا﴾ [مريم:7]


فاستَجابَ لهُ رَبُّه، وقالَ لهُ بواسِطَةِ المَلَك: يا زَكريَّا، إنَّا نُبَشِّرُكَ بوَلَدٍ اسمُهُ يَحيَى، لم يُسَمَّ أحَدٌ قَبلَهُ بهذا الاسم.

﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ امۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ الۡكِبَرِ عِتِيّٗا﴾ [مريم:8]


قالَ زَكريَّا مُناجِيًا رَبَّهُ، مُتَضَرِّعًا إليه، وهوَ فَرِحٌ ومُتَعَجِّب: رَبِّي، كيفَ يُولَدُ لي غُلامٌ وامرَأتي عَقيمٌ لا تُنجِب، وأنا شَيخٌ كَبيرٌ طاعِنٌ في السِّنّ؟!

﴿قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا﴾ [مريم:9]


قالَ المَلَكُ يَرُدُّ على زَكرِيَّا وتَعَجُّبِهِ مِنْ ذلك: كذلِكَ قالَ رَبُّك: إيجادُ ولَدٍ مِنْ شَيخٍ عَجوزٍ وامرَأةٍ عاقِرٍ سَهلٌ يَسيرٌ عَلَيّ، وقدْ خَلَقتُكَ ولم تَكُنْ شَيئًا مِنْ قَبل.

﴿قَالَ رَبِّ اجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا﴾ [مريم:10]


قالَ زَكريَّا عَليهِ السَّلام: ربِّي اجعَلْ لي عَلامَةً على ما وعَدتَني به.

فأوحَى إليهِ رَبُّه: علامَتُكَ ألاّ تَستَطيعَ أنْ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ ليالٍ معَ أيّامِهنّ، وأنتَ صَحيحٌ مُعافًى في جَميعِ جَوارِحِك.

﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ الۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا﴾ [مريم:11]


فخرجَ على قَومِهِ مِنْ مِحرابِه، فأشارَ إليهمْ أنْ صَلُّوا في الغَداةِ والعِشاء، شُكرًا للهِ على نِعمَتِه.

﴿يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ الۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ الۡحُكۡمَ صَبِيّٗا﴾ [مريم:12]


فوَهَبْنا لهُ يَحيَى، وعَلَّمناهُ التَّوراةَ التي يَحكمُ بها النَّبيُّون، وقُلنا له: يا يَحيَى خُذِ الكِتابَ بجِدٍّ واجتِهاد، وأعطَيناهُ النبُوَّة، أو الفَهمَ والعِلم، وهوَ صَغير.

﴿وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا﴾ [مريم:13]


وآتَيناهُ رَحمَةً مِنْ عِندِنا وشَفَقَةً عَظيمَة، وطَهارَةَ نَفس، وطاعَةً وإخلاصًا، فلمْ يَقتَرِفْ ذَنبًا.

﴿وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا﴾ [مريم:14]


وطاعَةً لوالِدَيهِ وإحسانًا إلَيهما، ولم يَكنْ مُتَكَبِّرًا مُتَعالِيًا عنْ قَبولِ الحقّ، أو مُتَطاوِلاً على الخَلق.

﴿وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا﴾ [مريم:15]


وسَلامٌ على نَبيِّ اللهِ يَحيَى وأمانٌ لهُ يَومَ وُلِد: مِنْ أنْ يَنالَ منهُ الشَّيطانُ شَيئًا، ويَومَ يَموت: يَسلَمُ مِنْ عَذابِ القَبرِ ووَحشَتِه، ويَومَ يُبْعَثُ حَيًّا: يَأمَنُ منْ هَولِ القِيامَةِ وعَذابِ النَّار.

﴿وَاذۡكُرۡ فِي الۡكِتَٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ انتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانٗا شَرۡقِيّٗا﴾ [مريم:16]


واذكُرْ في القُرآنِ أيُّها الرَّسُولُ قِصَّةَ مَريَمَ بنتِ عِمران، عندَما اعتَزلَتْ أهلَها، وذَهبَتْ إلى شَرقِ دارِها، أو شَرقِ بيتِ المَقدِس.

﴿فَاتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا﴾ [مريم:17]


فتَوارَتْ عَنهمْ وجعَلَتْ بينَها وبينَهمْ سِترًا وحاجِزًا، فبعَثنا إليها جِبريل، فتصَوَّرَ لها على صُورَةِ إنسانٍ كاملِ الخِلقَة.

﴿قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِالرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا﴾ [مريم:18]


فلمَّا رأَتْهُ أمامَها وهيَ في مَكانٍ مَعزول، خافَتْ منهُ على نَفسِها وقالت: إنِّي ألتَجِئُ إلى اللهِ وأحتَمي بهِ مِنْ أنْ تَمَسَّني بسُوء، إنْ كُنتَ مؤمِنًا تَخافُ اللهَ وتَخشَى عِقابَه.

﴿قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا﴾ [مريم:19]


قالَ لها جِبريلُ عَليهِ السَّلام: لم أرِدْ ما يَسوؤكِ أيَّتُها الصِّدِّيقَة، ما أنا إلاّ رَسُولٌ مِنْ عندِ رَبِّكِ، بعَثَني إليكِ لأهَبَ لكِ بأمرِهِ ولَدًا طاهِرًا، نقيًّا منَ الذُّنوب.

﴿قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا﴾ [مريم:20]


قالتْ لهُ مَريَمُ عليها السَّلام: وكيفَ يُولَدُ لي ولَدٌ ولم يَقرَنْ بي زَوج، ولم أكنْ فاجِرَة؟

تَعني أنَّ الولَدَ يَكونُ منْ نِكاحِ أو سِفاح، وهيَ ليسَتْ كذلك.

﴿قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥٓ ءَايَةٗ لِّلنَّاسِ وَرَحۡمَةٗ مِّنَّاۚ وَكَانَ أَمۡرٗا مَّقۡضِيّٗا﴾ [مريم:21]


قالَ جِبريل: قالَ رَبُّكِ: كذلكَ هوَ سَهلٌ عَليَّ يَسير، وإنْ لم يَكنْ لكِ زَوج، ولم توجَدْ منكِ فاحِشَة، ولنَجعلَ هذا الغُلامَ عَلامةً للنّاس، ودَلالَةً على كمالِ قُدرَتِنا، ونِعمَةً عَظيمَةً مِنْ عندِنا، وليَكونَ نبيًّا مِنَ الأنبياء، ويَهتَدي النَّاسُ بهَدْيه. وكانَ هذا أمرًا مُقَدَّرًا ومُسَطَّرًا في اللَّوحِ المَحفوظ، فلا بُدَّ منه.

﴿۞فَحَمَلَتۡهُ فَانتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا﴾ [مريم:22]


فحمَلَتْ بعِيسَى، بعدَ أنْ نفَخَ اللهُ فيها بواسِطَةِ جِبريلَ عَليهِ السَّلام، فتنَحَّتْ بحَملِها مَكانًا بَعيدًا مِنْ أهلِها.

﴿فَأَجَآءَهَا الۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ النَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا﴾ [مريم:23]


فألجَأها وَجَعُ الوِلادَةِ إلى جِذعِ نَخلَةٍ كانتْ هُناك، قالَتْ وهيَ تَعلَمُ أنَّها ستُبتَلى بمَولودِها ولا يُصَدِّقُ النَّاسُ كلامَها: يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هذا الوَقت، وكنتُ شَيئًا حَقيرًا لا يُذكَرُ ولا يُعتَدُّ به، مَتروكًا لا يُعرَفُ ولا يَخطُرُ ببالِ أحَد.

﴿فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا﴾ [مريم:24]


فنادَاها جَبريلُ منْ تَحتِها: لا تَحزَني، قدْ جعلَ رَبُّكِ أسفَلَ منكِ جَدولًا يَسري فيهِ الماء.

﴿وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ النَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا﴾ [مريم:25]


وحَرِّكي نَحوَكِ جِذْعَ النَّخلَةِ تُسْقِطْ عَليكِ رُطَبًا مَجنيًّا ناضِجًا جاهِزًا للأكل.