﴿۞فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوٓاْ ءَالَ لُوطٖ مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل :56]
فما كانَ جوابُ القَومِ المُجرِمينَ إلاّ قَولَهم: أخرِجوا لوطًا وأهلَهُ مِنْ بينِ أظهُرِكم، فإنَّهمْ يتَنزَّهونَ عنِ اللِّواطِ ويَستَقذِرونَه.
﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا امۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَٰهَا مِنَ الۡغَٰبِرِينَ﴾ [النمل :57]
فأنقَذْنا لوطًا وأهلَهُ مِنْ بينِهم، إلاّ امرأتَهُ الكافِرَة، قضَينا أنْ تَكونَ معَ الباقينَ المُهلَكينَ مِنْ قَومِها في القَريَة.
﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ الۡمُنذَرِينَ﴾ [النمل :58]
وقذَفناهمْ بحِجارَةٍ مِنَ السَّماءِ عُقوبَةً لهم، وبئسَ العَذابُ الذي أُمطِروا به.
﴿قُلِ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصۡطَفَىٰٓۗ ءَآللَّهُ خَيۡرٌ أَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [النمل :59]
قُلْ أيُّها النبيُّ الكريم: الحَمدُ للهِ على نِعَمِهِ العَظيمَة، ومنها إهلاكُ الكافِرينَ مِنَ الأُمَمِ الغابِرَة، والسَّلامُ على أنبِياءِ اللهِ الذينَ اختارَهمُ اللهُ لتَبليغِ رسالَتِه، فبلَّغوا ونصَحوا وصبَروا على أذَى قَومِهم. هلِ اللهُ الخالِقُ المُبدِعُ خَيرٌ لمَنْ عبدَه، أمِ الأصنامُ الصمَّاءُ خَيرٌ لمنْ يَعبدُها مِنَ المشرِكين، وأيُّ الفَريقينِ يَنجو ويُفلِح؟
﴿أَمَّنۡ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ اللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ﴾ [النمل :60]
ومَنْ خلقَ هذهِ السَّماواتِ العَاليَةَ المُحكَمَة، وما فيها مِنْ كواكِبَ عَظيمَةٍ ونُجومٍ كثيرَةٍ لا تُحصَى، والأرضَ وما فيها مِنْ إنسانٍ وطَيرٍ ودابَّة، ومِنْ بِحارٍ وقِفار، ونَباتٍ وشَجَر، ومَعدِنٍ وجبَل... وأنزلَ لمَنفَعتِكمْ مِنَ السَّحابِ مطرًا، فأحيَينا بهِ بساتينَ جَميلَةً لكم، ذاتَ مناظِرَ بهيَّة، فيها أنواعُ الثِّمارِ الشهيَّة، ما كانَ باستِطاعتِكمْ أنْ تُنبِتوها مِنْ عندِ أنفُسِكم، ومعَ ذلكَ تُشرِكونَ معَ اللهِ أصنامًا ليسَ بمَقدورِها أنْ تَتحرَّك؟! بلْ إنَّهمْ قَومٌ مُنحَرِفونَ عنْ طريقِ الحَقِّ والتَّوحيد، ولذلكَ يَفعَلونَ ما يَفعَلون.
﴿أَمَّن جَعَلَ الۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ الۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ اللَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [النمل :61]
مَنِ الذي جَعَلَ هذهِ الأرضَ ساكِنَةً ثابِتةً لا تتَحرَّكُ ولا تَضْطَرِب، ليَتمَكَّنَ أهلُها مِنَ الاستِقرارِ عَليها، وجعلَ فيها أنهارًا جاريَةً تَنتَفِعونَ بها، وجِبالاً ثابِتةً لئلاّ تَميدَ الأرضُ بأهلِها، وجعلَ بينَ البَحرَينِ فاصِلاً يَمنَعُهما مِنَ المُمازَجةِ حينَ يَلتَقيان، فلا يَختَلِطُ ماءُ هذا بماءِ ذاك. فهلْ هُناكَ إلهٌ آخَرُ غَيرُ اللهِ شاركَهُ في هذا الخَلقِ والإبداع؟ بلْ أكثَرُهمْ جاهِلون، لا يَعلَمونَ ما هُمْ عَليهِ مِنْ جَهلٍ وضَلالٍ يُزري بعُقولِهم.
﴿أَمَّن يُجِيبُ الۡمُضۡطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكۡشِفُ السُّوٓءَ وَيَجۡعَلُكُمۡ خُلَفَآءَ الۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ اللَّهِۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل :62]
ومَنِ الذي يَستَجيبُ دُعاءَ المُضطَرّ، الذي أحوجَتْهُ الشدَّة، وخنقَهُ الكَرْب، فيَكشِفُ ما بهِ منْ ضُرّ؟ ومَنِ الذي يُهلِكُ جِيلاً ويُنشِئُ آخَر، ويَجعَلُكمْ مِنْ سُكّانِ الأرْض، فتَكونونَ خَلَفًا لسَلَف؟ أهُناكَ إلهٌ معَ اللهِ يُقَدِّرُ ذلكَ ويَتصرَّفُ فيه؟ ولكنْ ما أقَلَّ تذَكُّرَكمْ للنِّعْمَة، وتبَصُّرَكمْ بالحَقّ!
﴿أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ الۡبَرِّ وَالۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ الرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ اللَّهِۚ تَعَٰلَى اللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [النمل :63]
ومَنِ الذي يُرشِدُكمْ في ظُلُماتِ اللَّيالي في البَرِّ والبَحرِ إذا سافَرتُم، بما جعلَ لكمْ مِنَ الدَّلائلِ والعَلاماتِ في الأرْضِ وفي السَّماء؟ ومَنِ الذي يَبعَثُ الرِّياحَ لتُبَشِّرَ بنُزولِ المطَرِ بعدَ تشَكُّلِ السَّحاب؟ هَلْ هُناكَ إلهٌ آخَرُ يُساعِدُ اللهَ في ذلك؟ تعالَى وتقدَّسَ رَبُّ العالَمينَ عمَّا يُشرِكونَ به.
﴿أَمَّن يَبۡدَؤُاْ الۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ اللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [النمل :64]
أمْ مَنْ هوَ الذي يُوجِدُ الخَلْقَ أوَّلَ مرَّة، ثمَّ يُميتُهُ ويُعيدُ خَلْقَهُ مرَّةً أخرَى؟ ومَنِ الذي يَرزُقُكمْ مِنَ السَّماءِ فيُنزِلُ مِنها المطَر، ومِنَ الأرضِ أنواعَ الزَّرعِ والثَّمَر؟ أيوجَدُ معَ اللهِ مَنْ يَرزقُكم؟ قُلْ لهم: هاتُوا دَليلَكمْ إذًا على ما تدَّعونَهُ مِنْ وجودِ آلِهةٍ أُخرَى معَ الله، إذا كنتُمْ صادِقينَ في دَعواكُم.
﴿قُل لَّا يَعۡلَمُ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ الۡغَيۡبَ إِلَّا اللَّهُۚ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ﴾ [النمل :65]
قُلْ للمُشرِكينَ المُكَذِّبينَ أيُّها الرَّسُول: لا يَعلَمُ أحَدٌ ممَّنْ في السَّماواتِ والأرضِ الغَيبَ إلاّ الله، ولا يَدري أحَدٌ منهمْ متَى يُبعَثُ بعدَ الموت.
﴿بَلِ ادَّـٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي الۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ﴾ [النمل :66]
بلْ توَقَّفَ عِلمُهمْ وعَجَزَ عنْ مَعرِفَةِ شأنِ الآخِرَة، بلْ همْ في شَكٍّ مِنْ تحَقُّقِ هذا اليَومِ ووقوعِه، بلْ همْ في عَمايَةٍ عنْ دلائلِه، وجَهلٍ كبيرٍ به.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبٗا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخۡرَجُونَ﴾ [النمل :67]
وقالَ الكافِرونَ بالبَعثِ بعدَ المَوت: أإذا مِتنا، وتحوَّلَتْ أجسادُنا، نحنُ وآباؤنا وأجدادُنا الأقدَمون، إلى عِظامٍ وتُراب، فهلْ سنُخرَجُ مِنْ قُبورِنا أحياءً بعدَ ذلك؟
﴿لَقَدۡ وُعِدۡنَا هَٰذَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [النمل :68]
قالوا: لقدْ سبَقَ أنْ وُعِدَ آباؤنا وأجدادُنا بذلك، وما هذا سِوَى حِكاياتِ السَّابِقينَ وأكاذيبِهمُ التي سطَّروها في كتُبِهم.
﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَانظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُجۡرِمِينَ﴾ [النمل :69]
قُلْ لهمْ: امشُوا في الأرْضِ وانظُروا في الآثار، واقرَؤوا التَّاريخ، لتَعرِفوا ما آلَ إليهِ أمرُ المشرِكينَ المُكذِّبينَ بالرسُل، واعتَبِروا مِنْ ذلك، حتَّى لا تَكونَ عاقِبتُكمْ مثلَ عاقِبَتِهم.
﴿وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُن فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ﴾ [النمل :70]
ولا تَحزَنْ عَليهمْ لإصْرارِهمْ على الكُفرِ أيُّها الرَّسول، ولا يأخُذْكَ الهَمُّ والغَمُّ لإعراضِهمْ عنك، ولا يَضِقْ صَدرُكَ بمَكائدِهمْ ومُؤامراتِهم، فإنَّ اللهَ يؤَيِّدُكَ ويَعصِمُكَ منهم.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [النمل :71]
ويَقولُ لكَ المشرِكونَ مُستَبعدِينَ الأمر: متى يَكونُ وَقتُ العَذابِ المَوعودُ بهِ إنْ كنتُمْ صادِقينَ في قَولِكم؟
﴿قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعۡضُ الَّذِي تَسۡتَعۡجِلُونَ﴾ [النمل :72]
قُلْ لهم: عسَى أنْ يَكونَ اقتربَ بَعضُ العَذابِ الذي تَستَعجِلونَه.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَشۡكُرُونَ﴾ [النمل :73]
وإنَّ اللهَ ذو فَضلٍ على جَميعِ النَّاس، بما أسبغَ عَليهمْ مِنْ نِعَمِه، لكنَّ أكثرَهمْ لا يُقَدِّرُونَها ولا يَشكرونَ للمُنعِمِ بها، وهوَ يَرحَمُهمْ ولا يُعاجِلُهمْ بالعُقوبَة.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعۡلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمۡ وَمَا يُعۡلِنُونَ﴾ [النمل :74]
واللهُ مُحيطٌ بأقوالِهمْ وأحوالِهم، ويَعلَمُ ما يُخفُونَهُ في صُدورِهمْ مِنْ أسرَار، وما يُظهِرونَهُ مِنْ أقوالٍ وأعمَال، فلا يَغيبُ عنِ اللهِ منها شَيء، وسَوفَ يُحاسِبُهمْ عَليها.
﴿وَمَا مِنۡ غَآئِبَةٖ فِي السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ﴾ [النمل :75]
وما مِنْ شَيءٍ يَخفَى على النَّاس، في السَّماءِ كانَ أو في الأرْض، صَغيرًا كانَ أو كَبيرًا، إلاّ وهوَ مدَوَّنٌ عندَ اللهِ في اللَّوحِ المَحفُوظ، بَيِّنٌ لمَنْ يَنظُرُ فيهِ مِنَ المَلائكة.
﴿إِنَّ هَٰذَا الۡقُرۡءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَكۡثَرَ الَّذِي هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ﴾ [النمل :76]
إنَّ هذا القُرآنَ الجَليلَ يَذكرُ لليَهودِ والنَّصارَى أكثرَ الأمورِ التي يَختَلِفونَ فيها، ممَّا كانَ سبَبًا في ضَلالِهمْ وانحِرافِهم، ولو أنَّهمْ تأمَّلوا فيهِ وأنصَفوا، لاهتَدَوا إلى الحقِّ الذي فيه، ولكنَّهمْ عانَدوا وكابَروا وقلَّدوا، فضَلُّوا وأضَلُّوا، كَقَولِ النَّصارَى في المَسيحِ عَليهِ السَّلام، وكأمرِ النبيِّ المُبَشَّرِ به...
﴿وَإِنَّهُۥ لَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [النمل :77]
وإنَّ القُرآنَ هِدايَةٌ لمَنْ يؤمِنُ به، فيُرشِدُهمْ إلى الطَّريقِ الحَقّ، ورَحمَةٌ لهمْ وسَعادَةٌ في الدَّارَين، فيَأخذُهمْ إلى الفَوزِ والظَّفَر.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡعَلِيمُ﴾ [النمل :78]
إنَّ اللهَ يَفصِلُ بينَكمْ وبينَ اليَهودِ والنَّصارَى، أو بينَهمْ همْ يَومَ القيامَة، بحُكمِهِ العَدْل، وقَضائهِ الفَصْل، وهوَ العَزيزُ الذي لا يُرَدُّ حُكمُه، العَليمُ بأقوالِ العِبادِ وأفعالِهمْ ونيَّاتِهم.
﴿فَتَوَكَّلۡ عَلَى اللَّهِۖ إِنَّكَ عَلَى الۡحَقِّ الۡمُبِينِ﴾ [النمل :79]
فقُمْ بأداءِ رِسالَتِكَ كما يَنبَغي، وفَوِّضْ أمركَ كُلَّهُ إلى رَبِّك، فإنَّكَ على هِدايَةٍ واستِقامَة، وحَقٍّ واضِحٍ بَيِّن، وإنْ خالَفَكَ المشرِكونَ وكذَّبوك.
﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ الۡمَوۡتَىٰ وَلَا تُسۡمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوۡاْ مُدۡبِرِينَ﴾ [النمل :80]
إنَّكَ لا تُسمِعُ مَنْ كانَ مَيِّتَ القَلب، فهوَ لا يَفقَهُ ولا يَعي ما تَقول، كما لا تُسمِعُ مَنْ سَدَّ أذُنَيهِ عنْ سَماعِ الحَقّ، فهوَ لا يُريدُ سَماعَه، ولا يُريدُ أنْ يَنفُذَ إلى قَلبِه، فهؤلاءِ مُعرِضونَ عنْ رِسالَةِ رَبِّهم، مُخالِفونَ لأمرِه.
﴿وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي الۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [النمل :81]
ولا تَستَطيعُ أنْ تُرشِدَ أعمَى القَلبِ وتَصرِفَهُ عنِ الضَّلالِ الذي هوَ فيه، ولا تُسمِعُ إلاّ مَنْ فتحَ اللهُ قَلبَهُ للإيمان، وصدَّقَ أنَّ القُرآنَ مِنْ عندِ الله، فعندَئذٍ يَسمَعُ ما تَتلوهُ عَليه، وما تُرشِدُهُ إليه، لأنَّهُ مُسلِمٌ مُخلِصٌ في إيمانِه، مُنقادٌ للحَقِّ المطلوبِ منه.
﴿۞وَإِذَا وَقَعَ الۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ الۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل :82]
وإذا وجبَ عَليهمُ العَذابُ أخرَجنا لهمْ دابَّةً مِنَ الأرْض، على غَيرِ هَيئةِ الإنسَان، تُخاطِبُهمْ وتَقولُ لهم: إنَّ النَّاسَ كانوا لا يُوقِنونَ بالعَلاماتِ الدالَّةِ على قيامِ السَّاعَة.
﴿وَيَوۡمَ نَحۡشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ فَوۡجٗا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُمۡ يُوزَعُونَ﴾ [النمل :83]
واذكُرْ يَومَ القيامَة، عندَما نَحشُرُ مِنْ كُلِّ قَومٍ جَماعةً ممَّنْ يُكَذِّبُ برِسَالاتِ اللهِ ومُعجِزاتِه، فيُحبَسُ أوَّلُهمْ على آخرِهم، حتَّى يتلاحَقوا ويَجتَمِعوا في مَوقِفِ التَّوبيخِ والمُناقَشَةِ قَبْلَ أنْ يُقذَفوا في النَّار، ليَزدادوا حَسْرَةً وغَمًّا.
﴿حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النمل :84]
حتَّى إذا اجتَمَعوا ووَقَفوا بينَ يَدَي اللهِ تعالَى للحِساب، قالَ لهم: أكذَّبتُمْ بالمُعجِزاتِ التي أيَّدتُ بها رسُلي، وأعرَضتُمْ عنِ الكُتبِ التي أنزَلتُها لأجلِكم، الناطِقَةِ بلَقاءِ يَومِكمْ هذا، أمْ ماذا كنتُمْ تَعمَلونَ في الدُّنيا، ولماذا لم تُفَكِّروا فيها؟ بلْ كنتُمْ مُكَذِّبينَ جاهِلين.
﴿وَوَقَعَ الۡقَوۡلُ عَلَيۡهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمۡ لَا يَنطِقُونَ﴾ [النمل :85]
ووَجبَ عَليهمُ العَذابُ المُحَقَّق، بسَبَبِ شِركِهمْ وتَكذيبِهمْ بآياتِ الله، وبُهِتوا ولمْ يَنطِقوا بحُجَّةٍ واحِدَة.
﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا الَّيۡلَ لِيَسۡكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [النمل :86]
ألَمْ يَنظُروا ويَتفَكَّروا كيفَ خلَقنا اللَّيلَ وما فيهِ مِنْ سُكونٍ وظَلام، ليَستَريحوا مِنْ تعَبِ النَّهارِ ويَنامُوا، وجعَلنا النَّهارَ مُشرِقًا ليَعمَلوا ويَتدَبَّروا فيهِ أمرَ مَعاشِهم؟ وفي ذلكَ دلائلُ وعِبَرٌ على عظَمَةِ اللهِ وإبداعِهِ في خَلْقِه، وقُدرَتِهِ على البَعثِ بعدَ المَوت، وعلى صِدْقِ الآياتِ النَّاطِقَةِ بذلك، لمَنْ تدَبَّرَ وصدَّقَ به.