﴿۞وَمَن يَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا نُّؤۡتِهَآ أَجۡرَهَا مَرَّتَيۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقٗا كَرِيمٗا﴾ [الأحزاب :31]
ومَنْ يَخشَعْ مِنكُنَّ وتَستَجِبْ لأمرِ اللهِ ورَسُولِه، وتَعمَلْ عمَلاً صالِحاً، مِنْ عِبادَةٍ ونفَقَةٍ وصِلَةٍ وغَيرِها، نُضاعِفْ لها الثَّواب، وهيَّأنا لها رِزقًا حسَنًا مَرضيًّا في الجنَّة.
﴿يَٰنِسَآءَ النَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِالۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ الَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلۡنَ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا﴾ [الأحزاب :32]
يا نِساءَ النبيِّ، لَستُنَّ في القَدْرِ والمَنزِلَةِ مِثلَ سائرِ النِّساءِ إنْ داوَمتُنَّ على طاعَةِ اللهِ ورَسولِه، لِما امتَزْتُنَّ بهِ مِنْ شرَفِ الزَّوجيَّةِ لرَسُولِ اللهِ وأُمومَةِ المؤمِنين، فلا تُلِنَّ القَولَ، ولا تُرَقِّقْنَ الكلامَ إذا خاطَبتُنَّ الرِّجال، فيَطمَعَ مَنْ كانَ في قَلبِهِ فُجورٌ أو شَهوَةٌ ويَجِدَ سَبيلاً إلى الطَّمَعِ فيكُنّ، وقُلْنَ قَولاً حسَنًا فيهِ خَيرٌ وصَلاح، مِنْ غَيرِ خُضُوع.
﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ الۡجَٰهِلِيَّةِ الۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ الصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ الزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ الرِّجۡسَ أَهۡلَ الۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا﴾ [الأحزاب :33]
والْزَمْنَ بيوتَكُنَّ ولا تَخرُجْنَ مِنْ غَيرِ حاجَة، ولا تَمشِينَ بتبَختُرٍ وتكَسُّرٍ وتغَنُّج، ولا تُبدِينَ مَحاسِنَكُنَّ كشَأنِ الجاهِليَّة، وحافِظْنَ على إقامَةِ الصَّلاة، وآتِينَ الزَّكاةَ مِنْ أموالِكُنَّ لمُستَحِقِّيها، ودَاوِمْنَ على طاعَةِ اللهِ ورَسولِهِ واثبُتْنَ عَليها، إنَّما يُريدُ اللهُ بهذهِ الأحكامِ والتَّوجيهاتِ أنْ يُذْهِبَ عنكمُ الآثامَ والذُّنوبَ يا أهلَ البَيت، ويُطَهِّرَكمْ مِنها تَطهيرًا بَليغًا(111) .
(111) ويطهِّرَكم مِن الدنَسِ الذي يكونُ في أهلِ معاصي اللهِ تطهيرًا. (الطبري). واستعارةُ الرجسِ للمعصيةِ والترشيح بالتطهيرِ لمزيدِ التنفيرِ عنها. (روح البيان).
﴿وَاذۡكُرۡنَ مَا يُتۡلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنۡ ءَايَٰتِ اللَّهِ وَالۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب :34]
واذْكُرْنَ فَضْلَ اللهِ عَليكُنَّ وما ميَّزَكُنَّ به، مِنْ ذلكَ نُزولُ الوَحي في بُيوتِكُنَّ دونَ سَائرِ النَّاس، فاعْمَلْنَ بما أُنزِلَ على رَسُولِهِ مِنَ الآياتِ البَيِّنات، وسُنَّةِ نَبيِّهِ صلى الله عَليه وسلم، وعَلِّمْنَها النَّاس، واللهُ لَطيفٌ بعِبادِهِ المؤمِنين، عالِمٌ بما يُصلِحُ شَأنَهم.
﴿إِنَّ الۡمُسۡلِمِينَ وَالۡمُسۡلِمَٰتِ وَالۡمُؤۡمِنِينَ وَالۡمُؤۡمِنَٰتِ وَالۡقَٰنِتِينَ وَالۡقَٰنِتَٰتِ وَالصَّـٰدِقِينَ وَالصَّـٰدِقَٰتِ وَالصَّـٰبِرِينَ وَالصَّـٰبِرَٰتِ وَالۡخَٰشِعِينَ وَالۡخَٰشِعَٰتِ وَالۡمُتَصَدِّقِينَ وَالۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَالصَّـٰٓئِمِينَ وَالصَّـٰٓئِمَٰتِ وَالۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَالۡحَٰفِظَٰتِ وَالذَّـٰكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرٗا وَالذَّـٰكِرَٰتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا﴾ [الأحزاب :35]
في حَديثٍ حسَنٍ أو صَحيح، أنَّ أُمَّ عُمارَةَ الأنصاريَّةَ رَضيَ اللهُ عنها أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَت: ما أرَى كُلَّ شَيءٍ إلاّ للرِّجال، وما أرَى النِّساءَ يُذْكَرْنَ بشَيء. فنزَلَتِ الآيَة.
{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}: الدَّاخِلينَ تَحتَ مِظَلَّةِ الإسلام، المُنقادِينَ لحُكمِ الله. {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}: المُصَدِّقينَ باللهِ ورَسولِه، المُخلِصينَ في إيمانِهم. {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}: القائمِينَ بالطَّاعَة، المُمتَثِلينَ أمرَ اللهِ ورَسُولِه. {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} في أقوالِهم، فإنَّ الصِّدْقَ يَهدي إلى البِرّ، وهوَ مِنْ دَلائلِ الإيمان. {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} عنِ المعاصي، وعلى ما أُمِروا بهِ مِنَ الطَّاعَة، وعلى ما يُقَدِّرُهُ اللهُ عَليهمْ مِنَ البَلايا. {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ}: المُتَواضِعينَ للهِ بقُلوبِهمْ وجَوارِحِهم، الخائفِينَ مِنْ غضَبِهِ وعُقوبتِه. {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ}: زَكاةً ممّا يَجِبُ عَليهم، وتَطوُّعًا وإحسَانًا ومَعروفًا معَ النَّاس. {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}: فَرْضًا أو نَفْلاً. {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} عمَّا لا يَحِلُّ لهم. {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} باللِّسانِ والقَلب، قائمينَ وقاعِدينَ ومُضطَجِعين، تَسبيحًا وتَحميدًا وتَكبيرًا وتَهلِيلاً، وقِراءَةً للقُرآن؛ هيَّأ اللهُ للمُتَّصِفينَ بتلكَ الصِّفاتِ الجَليلَة، جزاءَ طاعَتِهمْ وإخلاصِهم، ذكورًا وإناثًا: مَغفِرَةً لِما اقتَرَفوهُ مِنَ الذُّنوب، وثَوابًا عَظيمًا، هوَ الجنَّة.
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب :36]
ولا يَصِحُّ ولا يَستَقيمُ لرَجُلٍ ولا لامرَأةٍ مِنَ المؤمِنينَ إذا حكمَ اللهُ ورسُولُهُ بشَيء، أنْ يَختارُوا مِنْ أمرِهمْ ما شَاؤوا، بلِ الواجِبُ عَليهمْ أنْ يَسمَعوا ويُطيعوا، ومَنْ يَعْصِ اللهَ ورَسُولَهُ ويَعْمَلْ برَأيهِ وهَواه، دونَ حُكمِ اللهِ ورَسُولِه، فقدْ ضَلَّ عنْ طَريقِ الحقّ، وانحرَفَ انحِرافًا بَيِّنًا.
وقدْ نزَلَتْ في ابنَةِ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَينبَ بنتِ جَحش، عندَما طَلبَ منها أنْ تقبَلَ الزَّواجَ مِنْ مَولاهُ زيدِ بنِ حارِثَة، فأبَت، فنزَلَتِ الآيَة، فوافقَت.
﴿وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ اللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا اللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى الۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ اللَّهِ مَفۡعُولٗا﴾ [الأحزاب :37]
واذكُرْ قَولكَ - أيُّها النبيُّ - لمَولاكَ زَيدٍ، الذي أنعمَ اللهُ عليهِ بالإسْلام، وأنعَمتَ عليهِ بالعِتقِ مِنَ الرِّقِّ ومَزيدِ القُرب: أَبْقِ على زَوجَتِكَ زَينَب، واتَّقِ اللهَ في أمرِها، ولا تُطَلِّقْها. وكانَ قدِ اشتَدَّ لِسانُها عليه، رَضيَ اللهُ عنهما. وتُسِرُّ في نَفسِكَ أيُّها الرَّسُولُ ما اللهُ مُظهِرُه، وهوَ أنَّ زَيدًا سيُطَلِّقُها وتتَزَوَّجُها بعدُ، وتَخافُ منِ اعتِراضِ النَّاسِ ولَومِهم، لكَونِكَ تزوَّجتَ زَوجةَ مَنْ تبَنَّيتَهُ سابِقًا بعدَ طَلاقِها منه، واللهُ أحَقُّ وأَولَى أنْ تَخافَهُ في كُلِّ أمر.
فلمَّا قضَى زَيدٌ حاجتَهُ منها وطلَّقَها، جَعلناها زَوجةً لك، حتَّى لا يَبقَى حرَجٌ على المؤمِنينَ في الزَّواجِ مِنْ زَوجاتِ أدعيائهمُ الذينَ تبنَّوهمْ مِنْ قَبل، بعدَ طلاقِهِنَّ وانقِضاءِ عِدَّتِهنّ، وكانَ أمرُ اللهِ وحُكمُهُ نافِذًا وحاصِلاً لا مَحالَة.
وكانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قدْ تبنَّى زَيدَ بنَ حارِثَةَ قَبلَ النبوَّة، فكانَ يُقالُ لهُ "زَيدُ بنُ محمَّد"، فنزَلَ الوَحيُ بمَنعِ التبَنِّي، كما مرَّ في الآيَتَينِ الرَّابِعَة والخامِسَةِ مِنْ هذهِ السُّورَة.
﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنۡ حَرَجٖ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُۥۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلُۚ وَكَانَ أَمۡرُ اللَّهِ قَدَرٗا مَّقۡدُورًا﴾ [الأحزاب :38]
ما كانَ هناكَ إثمٌ ولا حرَجٌ على النبيِّ فيما قسَمَ اللهُ لهُ وأحلَّه، وهذهِ سُنَّةُ اللهِ في أنبِيائهِ مِنْ قَبل، فلا يأمرُهمْ بشَيءٍ يَكونُ فيهِ عَليهمْ إثم، وكانَ أمرُ اللهِ وحُكمُهُ كائنًا ووَاقِعًا، لا مَعدِلَ عنه.
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ اللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبٗا﴾ [الأحزاب :39]
الذينَ يُبَلِّغونَ رِسالاتِ اللهِ إلى النَّاسِ ويُؤَدُّونَها بأمانَة(112) ، ويَخافُونَهُ ولا يَعصُونَه، ولا يَخافُونَ أحَدًا سِوَاه، مَهما كذَّبَهمُ المُناوِئونَ وآذَوهمْ وسَخِروا منهم، وكفَى باللهِ مُراقِبًا أعمالَ عِبادِه، ومُحاسِبَهمْ عَليها.
(112) المرادُ ما يتعلقُ بالرسالة، وهي سفارةُ العبدِ بين الله وبين ذوي الألبابِ من خلقه، أي: إيصالُ الخبرِ من الله إلى العبد. (روح البيان). يمدحُ تباركَ وتعالى {ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ} أي: إلى خلقه، ويؤدُّونها بأماناتها. (ابن كثير).
﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّـۧنَۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا﴾ [الأحزاب :40]
ما كانَ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أبا أحَدٍ مِنْ رِجالِكم، فليسَ هوَ أبًا لزَيدٍ وإنْ كانَ تبنَّاهُ قَبلَ النبوَّة، ولكنَّهُ رَسُولُ اللهِ إليكمْ وإلى النَّاسِ أجمَعين، وخاتَمُ الأنبِياءِ كُلِّهم، فلا نَبيَّ بَعدَه. وهوَ رَحيمٌ بكم، ومُشفِقٌ عَليكمْ كالأب. واللهُ عَليمٌ بكُلِّ شَيءٍ في الكَونِ مِنْ أمورِ النَّاسِ وغَيرِهم، لا تَخفَى عَليهِ خافِيَة.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذۡكُرُواْ اللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا﴾ [الأحزاب :41]
أيُّها المؤمِنون، اذكُروا الله، بالتَّسبيح، والتَّحميد، والتَّكبير، والتَّهليل، والتَّمجيد، والتَّقديس، ذِكْرًا كثيرًا، يَعُمُّ أغلبَ الأوقَاتِ والأحوَال، على ما هداكمْ إلى الإيمَان، وأنعمَ عَليكمْ بأنوَاعِ النِّعَم.
﴿وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب :42]
وقَدِّسُوهُ ونَزِّهوهُ مِنَ الشِّركِ والنَّقصِ وكُلِّ ما لا يَليقُ بجَلالِه، صَباحًا ومَساءً.
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِۚ وَكَانَ بِالۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا﴾ [الأحزاب :43]
واللهُ يَذكرُكمْ ما ذَكرْتُموه، ويَرحَمُكمْ بذلك، ويُثني عَليكمْ عندَ مَلائكتِه، وهمْ يَدعونَ ويَستَغفِرونَ لكمْ كذلك، ليُخرِجَكمُ اللهُ مِنْ ظُلُماتِ الجَهلِ والمعاصِي إلى نُورِ العِلمِ والإيمانِ والطَّاعَة، وكانَ رَحيمًا بالمؤمِنينَ إذْ هَداهُمْ للحَقِّ في الحيَاةِ الدُّنيا، وأعدَّ لهمْ ما يَسُرُّهمْ في الآخِرَة.
﴿تَحِيَّتُهُمۡ يَوۡمَ يَلۡقَوۡنَهُۥ سَلَٰمٞۚ وَأَعَدَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَرِيمٗا﴾ [الأحزاب :44]
والتحيَّةُ التي يُحَيَّونَ بها يَومَ لِقائه، هوَ قَولُهُ جَلَّ جَلالُهُ لهم: سَلَام، ويَعني: سَلِمتُمْ مِنْ كُلِّ مَخُوف، وهَنِئتُمْ بكُلِّ خَير. وهيَّأ اللهُ لهمْ مَكانًا حسَنًا وثَوابًا طيِّبًا.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا﴾ [الأحزاب :45]
أيُّها النبيُّ الكريم، لقدْ أرسَلناكَ شاهِدًا على أنَّ الرُّسُلِ قامُوا بتبلِيغِ رِسالَةِ رَبِّهم، وشاهِداً على مَنْ بُعِثتَ إليهم، تُشاهِدُ أحوالَهمْ ومَواقِفَهمْ مِنَ الرِّسالَة، ومُبَشِّرًا للمؤمِنينَ المُطيعِينَ بالجنَّة، ومُنذِرًا للكافِرينَ والعاصِينَ بالنَّار.
﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا﴾ [الأحزاب :46]
وداعيًا الخَلقَ إلى تَوحيدِ اللهِ وطاعَتِهِ بأمرِهِ لك، وكالسِّراجِ المُضيءِ الذي يُنيرُ الطَّريقَ في الظَّلامِ الدَّامِس، فيُهتدَى بكَ في ظُلُماتِ الجَهلِ والضَّلال.
﴿وَبَشِّرِ الۡمُؤۡمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضۡلٗا كَبِيرٗا﴾ [الأحزاب :47]
وبَشِّرِ المؤمِنينَ منهمْ بأنَّ لهمْ ثَوابًا عَظيمًا وعَطاءً جَزيلاً يَومَ القِيامَة.
﴿وَلَا تُطِعِ الۡكَٰفِرِينَ وَالۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى اللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلٗا﴾ [الأحزاب :48]
ولا تَسمَعْ مِنَ الكافِرينَ والمُنافِقينَ ولا تُشاوِرْهم، ولا تُدارِهمْ في أمرِ الدَّعوَةِ ولا تُلِنْ جانِبَكَ لهم، ولا تُبالِ بإيذائهم، واصبِرْ على ما يَنالُكَ منهم، وكِلْ أمرَهمْ إلى الله، واعتَمِدْ عَليهِ وثِقْ بهِ في جَميعِ أمُورِك، وكفَى باللهِ حافِظًا.
وذكَروا أنَّها مَنسوخَةٌ بآيةِ القِتال.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ الۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا﴾ [الأحزاب :49]
أيُّها المؤمِنون، إذا عقَدتُمْ على المؤمِنات، ثمَّ طلَّقتُموهنَّ قبلَ أنْ تُجامِعوهُنّ، فلا تَلزَمهُنَّ العِدَّة، ولهنَّ أنْ يتزَوَّجْنَ بعدَ الطَّلاقِ مُباشَرة، فأعطوهُنَّ المُتعَة، وهوَ ما تُكْرَمُ بهِ المرأةُ المطَلَّقةُ مِنْ مالٍ أو مَتاع، ويَختَلِفُ بحسَبِ حالِ الزَّوجِ وعُرفِ البلَد. وخَلُّوا سَبيلَهنَّ مِنْ غَيرِ إضرارٍ بهنّ، فلا تُؤذوهُنَّ ولا تُسمِعوهُنَّ كلامًا جارِحًا.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحۡلَلۡنَا لَكَ أَزۡوَٰجَكَ الَّـٰتِيٓ ءَاتَيۡتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيۡكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـٰتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَٰلَٰتِكَ الَّـٰتِي هَاجَرۡنَ مَعَكَ وَامۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ الۡمُؤۡمِنِينَۗ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ وَمَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ لِكَيۡلَا يَكُونَ عَلَيۡكَ حَرَجٞۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾ [الأحزاب :50]
أيُّها النبيُّ الكريم، لقدْ أحلَلنا لكَ مِنَ النِّساءِ زَوجاتِكَ اللَّواتي أعطَيتَهُنَّ مُهورَهُنّ، وأبَحنا لكَ التَّسَرِّيَ بما تمَلَّكتَهُنَّ عنْ طَريقِ الغنائم، والزَّواجَ مِنْ بَناتِ عَمِّك، وبَناتِ عمَّاتِكَ مِنْ نِساءِ قُرَيش، وبَناتِ خالِك، وبَناتِ خالاتِكَ مِنْ بَني زُهْرَة، اللَّاتي هاجَرْنَ معكَ مِنْ مكَّةَ إلى المدينَة، ويَحِلُّ لكَ الزَّواجُ مِنَ المرأةِ التي وهَبَتْ نَفسَها لك، إنْ شِئتَ أنْ تَتزَوَّجَها بغَيرِ صَداقٍ خالِصَةً لك، لا تَحِلُّ لأحَدٍ غَيرِكَ في الدُّنيا والآخِرَة.
واختُلِفَ في تَعيينِ الواهِبَةِ نَفسَها، وقدْ تَعَدَّدْنَ، كما يأتي في الآيَةِ التَّاليَة، وقدْ زَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم واحِدةً أحَدَ أصحابِهِ بما معَهُ مِنَ القُرآن، حيثُ لم يَكنْ لهُ حاجَةٌ في النِّساء.
قدْ عَلِمنا وبَيَّنَّا ما فرَضنا على المسلِمينَ في الزَّواجِ مِنَ الأحكام، وهوَ ألاّ يَتزَوَّجوا أكثرَ مِنْ أربَعِ نساءٍ حَرائر، مع اشتِراطِ الوَليِّ والمَهرِ والشُّهودِ، وما أوجَبنا مِنَ الأحكامِ عليهمْ في التزوُّجِ بالإماء، ولم نُوجِبْ عَليكَ شَيئًا منه، فاختارَ اللهُ لكَ ما هوَ أَولَى وأفضَلُ في دُنياك، وزادَكَ الواهِبَةَ نَفسَها لكَ مِنْ غَيرِ عِوَض، لئلاّ يَكونَ عَليكَ ضِيقٌ في ذلك. وكانَ اللهُ واسِعَ المَغفِرَة، كثيرَ الرَّحمَة.
﴿۞تُرۡجِي مَن تَشَآءُ مِنۡهُنَّ وَتُـٔۡوِيٓ إِلَيۡكَ مَن تَشَآءُۖ وَمَنِ ابۡتَغَيۡتَ مِمَّنۡ عَزَلۡتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكَۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن تَقَرَّ أَعۡيُنُهُنَّ وَلَا يَحۡزَنَّ وَيَرۡضَيۡنَ بِمَآ ءَاتَيۡتَهُنَّ كُلُّهُنَّۚ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمٗا﴾ [الأحزاب :51]
تُؤخِّرُ الزَّواجَ بمَنْ تَشاءُ مِنَ النِّساءِ الواهِباتِ أنفُسَهُنَّ لك، وتُؤوي إليكَ مَنْ تَشاءُ مِنهُنَّ فتَتزَوَّجُهنّ، ومَنْ ردَدْتَها فبإمكانِكَ أنْ تَعودَ فتُؤويها إليك، لا حرَجَ عَليكَ في ذلك.
وفي الصَّحيحَينِ وغَيرِهما قَولُ عائشَةَ رَضيَ اللهُ عنها: كنتُ أَغَارُ على اللَّاتي وهَبْنَ أنفُسَهُنَّ لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتَهَبُ المرأةُ نَفسَها؟ فأنزلَ اللهُ تَعالَى الآيَة. اهـ.
وهذا التَّخييرُ الذي خيَّرَكَ اللهُ معَهُنَّ أقرَبُ إلى رِضاهُنّ، وأقَلُّ لحُزنِهنّ، إذا عَلِمْنَ أنَّ هذا الأمرَ مِنَ الله، ويَرضَيْنَ بما أعطَيتَهُنَّ كُلَّهُنّ، واللهُ يَعلَمُ ما في قُلوبِكمْ مِنْ أمرِ النِّساءِ والمَيلِ إلى بَعضِهنّ. واللهُ عَليمٌ بما في الضَّمائرِ والسَّرائر، حَليمٌ، يَعفو عمَّا يَغلِبُ على القَلبِ مِنَ الميولِ ونَحوِها.
﴿لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا﴾ [الأحزاب :52]
لا يَحِلُّ لكَ أيُّها النبيُّ أنْ تتَزوَّجَ نِساءً أُخرَياتٍ بعدَ هذهِ التِّسع، اللَّواتي خَيَّرْتَهُنَّ فاختَرْنَك، جزاءً على صَنيعِهِنَّ، ولا أنْ تَستَبدِلَ بهنَّ غَيرَهُنَّ، بأنْ تُطَلِّقَ واحِدَةً وتَتزَوَّجَ بدَلَها، ولو أعجبَكَ جَمالُهنّ، إلاّ أنْ يَكُنَّ إماءً، فلَكَ الزَّواجُ بما شِئتَ منهُنّ. وكانَ اللهُ حافِظًا ومُطَّلِعًا على كُلِّ شَيء، فاحذَروا تَجاوزَ حُدودِه.
وهناكَ اختِلافٌ بينَ المفَسِّرينَ في كونِ الآيَةِ مَنسوخَةً أو مُحكَمَة.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَادۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَانتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي النَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَاللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ الۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب :53]
أيُّها المؤمِنون، لا تَدخُلوا مَنازِلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ أنْ تُدْعَوا إلى طَعامٍ فيُؤذَنَ لكمْ لِتأكُلوه، غَيرَ مُنتَظِرِينَ نُضْجَهُ واستِواءَه، ولكنْ إذا دُعِيتُمْ فادخُلوا وكُلُوا، فإذا أكَلتُمْ فتَفَرَّقوا واخرُجوا مِنْ مَنزِلِه، ولا تَجلِسوا لتَستأنِسوا بالحَديث، فإنَّ ذلكَ يَشُقُّ على النبيِّ لأُمورٍ تَخصُّهُ وأهلَه، وهوَ يَستَحيي أنْ يَطلُبَ منكمُ الانصِراف، واللهُ لا يَترُكُ تأديبَكمْ وبيانَ الحَقِّ حيَاءً.
وإذا أرَدتُمْ حاجَةً مِنْ أزواجِهِ، فاطلبوها مِنْ وراءِ سِتر، فهوَ أطهَرُ وأطيَبُ لقُلوبِكمْ وقُلوبِهنَّ مِنَ الشُّكوكِ والخَواطرِ الشَّيطانيَّة.
ولا يَحِلُّ ولا يَستَقيمُ لكمْ أنْ تَفعَلوا ما يتأذَّى منهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويَكرَهُهُ في شَيءٍ مِنَ الأشيَاء، ولا أنْ تَنكِحوا زَوجاتِهِ بعدَ وفاتِهِ أبَدًا، فإنَّ ذلكَ كانَ عندَ اللهِ أمرًا عَظيمًا وذَنْبًا كبيرًا.
﴿إِن تُبۡدُواْ شَيۡـًٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا﴾ [الأحزاب :54]
إنْ تُظهِروا شَيئًا على ألسِنَتِكم، أو تُسِرُّوهُ في صُدورِكم، فإنَّ اللهَ يَعلَمُه، ولا يَخفَى عليهِ شَيء، وسيُجازيكمْ على ما تَعمَلون.
﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا﴾ [الأحزاب :55]
ولا إثمَ عَليهِنَّ في تِرْكِ الحِجابِ أمامَ آبائهنّ، وأبنائهنّ، وإخوانِهنّ، وأبناءِ أخَواتِهنّ، والنِّساءِ المسلِمات، وما ملَكَتْ أيمانُهنَّ مِنَ الإماء (وتَفصيلُهُ في الآيَةِ 31 مِنْ سُورَةِ النُّور)، واخشَينَ اللهَ في كُلِّ ما تأتِينَ وتَذَرُنّ، في السرِّ والعَلانيَة، إنَّ اللهَ شاهِدٌ على أعمالِ العِبادِ كُلِّها، لا يَخفى عليهِ شَيءٌ مِنْ أمورِهمْ وأمورِهنّ.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّۚ يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾ [الأحزاب :56]
إنَّ اللهَ يُصَلِّي على النبيِّ محمَّدٍ، فيُثْنِي عَليهِ عندَ ملائكَتِهِ المقرَّبين، ويُعْلِي ذِكرَهُ ويَرحَمُه، والملائكَةُ يُصَلُّونَ عَليهِ ويَدْعُونَ له، على كثرَتِهم، وفي كُلِّ الأوقات، فصَلُّوا عَليهِ أنتُمْ أيضًا أيُّها المؤمِنون، وهو دُعاءٌ لهُ بالرَّحمَةِ وبرَفعِ درَجَتِهِ عندَ رَبِّه، اقتِداءً منكمْ باللهِ وملائكتِه، ولِما لهُ مِنْ حَقٍّ عَليكم، وتَعظيمًا لهُ ومحبَّةً وإكرامًا، وسَلِّموا عليه، أي قُولوا: السَّلامُ عَليكَ أيُّها النبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه.
وأكمَلُ هيئاتِ الصَّلاةِ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كما جاءَ مِنْ قَولِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في صَحيحِ مُسلِم: "اللهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما بارَكتَ على آلِ إبراهيم، في العَالَمينَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيد".
وجاءَ في صَحيحِ مُسلِمٍ قَولُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: "مَنْ صلَّى عليَّ صَلاةً، صلَّى اللهُ عَليهِ بها عَشْرًا".
اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى نَبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ صَلاةً وسَلامًا دائمَينِ لا يَنقَطِعانِ إلى يَومِ الدِّين.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤۡذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنۡيَا وَالۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾ [الأحزاب :57]
إنَّ الذينَ يؤذُونَ الله، بالكُفرِ به، أو الشِّركِ وما إليه، ويُؤذُونَ رَسُولَه، بتَكذيبِه، والاستِهزاءِ به، أو رَميهِ بالكَهانَةِ وغَيرِها ممّا يمَسُّ نبوَّتَه، لعَنَهمُ اللهُ وأبعَدَهمْ مِنْ رَحمَتِه، في الحيَاةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة، وهَيَّأ لهمْ عَذابًا مُذِلاًّ ومُهينًا في الآخِرَة.
﴿وَالَّذِينَ يُؤۡذُونَ الۡمُؤۡمِنِينَ وَالۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا اكۡتَسَبُواْ فَقَدِ احۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا﴾ [الأحزاب :58]
والذينَ يؤذونَ المؤمِنينَ بقَولٍ أو فِعلٍ، بغَيرِ جِنايَةٍ يَستَحِقُّونَها، أو يَنسِبونَ إليهمْ ما لم يَفعَلوهُ ولم يَقولوه، فقدْ قالوا كَذِبًا فَظيعًا، وارتكَبوا إثمًا ظاهِرًا وفِعلاً شَنيعًا.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾ [الأحزاب :59]
أيُّها النبيُّ الكريم، مُرْ زَوجاتِكَ وبناتِكَ، ونِساءَ المؤمِنينَ جَميعًا، بأنْ يَستَتِرْنَ ويَحتَشِمْنَ، ويُرْخِينَ عَليهِنَّ مِنْ أردِيَتِهنَّ ومُلائهِنَّ، فإنَّ ذلكَ أقرَبُ أنْ يُميَّزْنَ عنِ المتبَرِّجاتِ والعَواهِرِ ومَنْ إليهِنَّ، فلا يُتَعَرَّضُ لهنَّ بسُوءٍ مِنْ قِبَلِ الفاسِقين. واللهُ كثيرُ المغفِرَةِ لمَنْ خالَفَ ثمَّ تابَ فالتزَم، وكثيرُ الرَّحمَة، فيَعفُو ويَرحَم.
﴿۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ الۡمُنَٰفِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَالۡمُرۡجِفُونَ فِي الۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ [الأحزاب :60]
إذا لم يَنتَهِ المُنافِقونَ عمَّا همْ عليهِ مِنَ النِّفاقِ والكُفر، وضُعَفاءُ الإيمانِ الذينَ لا يَثبتُونَ على الإيمانِ كما يَنبَغي، ويتأثَّرونَ بمَقولاتِ المنافِقينَ وغَيرِهم، ومثلُهمُ المتذَبذِبونَ الذينَ يَبثُّونَ الشُّكوكَ والأخبارَ الكاذِبَةَ، والشَّائعاتِ الملفَّقَةَ والخَوفَ، ليُثيروا الفِتَنَ والاضطِراباتِ في المجتمَعِ المسلِم، لنُحَرِّضَنَّكَ عَليهمْ ونَدعُونَّكَ إلى قِتالِهم، ثمَّ لا يَبقُونَ معَكَ في المدينَةِ إلاّ زَمانًا يَسيرًا.
﴿مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا﴾ [الأحزاب :61]
مَطرودِينَ مُبعَدِينَ مِنْ رَحمَةِ الله، أينَما وُجِدوا أُسِروا وقُتِلوا أبلغَ قَتل.