تفسير الجزء 24 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الرابع والعشرون
24
سورة الزمر (32-75)
سورة غافر
سورة فصِّلت (1-46)

﴿۞فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدۡقِ إِذۡ جَآءَهُۥٓۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡكَٰفِرِينَ﴾ [الزمر:32]


وليسَ هُناكَ أظلَمُ ممَّنْ كذَبَ على اللهِ فجعلَ لهُ الشَّريكَ والولَد، وكذَّبَ بما جاءَ بهِ الرَّسُولُ مِنَ الحقِّ والصَّواب. أليسَ لهؤلاءِ المشرِكينَ المكذِّبينَ نارُ جهنَّمَ يَكونُ لهمْ مُستَقَرًّا إلى الأبَد؟

﴿وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُتَّقُونَ﴾ [الزمر:33]


والرسُلُ الذينَ جاؤوا بالحقِّ مِنْ عندِ رَبِّهم، وصدَّقُوا به، وبلَّغوهُ عنْ عَقيدَةٍ واقتِناع، والمؤمِنونَ الذينَ صدَّقوا بما جاؤوا بهِ واتَّبَعوه، أولئكَ الذينَ تجنَّبوا الشِّركَ وخافُوا ربَّهم.

﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ جَزَآءُ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الزمر:34]


لهمْ ما يَشاؤونَ وما يَشتَهونَ مِنَ النَّعيمِ عندَ رَبِّهم، وذلكَ هوَ جَزاءُ الذينَ صدَقوا في إيمانِهم، وأحسَنوا في عمَلِهم.

﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ الَّذِي عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ الَّذِي كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الزمر:35]


ليَغفِرَ اللهُ لهمْ أسوَأَ ما عَمِلوا مِنْ ذُنوب، ويُثيبَهمْ على أعمالهمُ الحسَنةِ أحسَنَ الثَّوابِ وأجزلَه.

﴿أَلَيۡسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ وَمَن يُضۡلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ﴾ [الزمر:36]


أليسَ اللهُ كافيًا عبدَهُ ونبيَّهُ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم وحافِظًا إيَّاهُ مِنْ سُوءِ الكائدينَ له؟ ويُخَوِّفونَكَ بالأصْنام، وأنَّكَ إذا ذَكرْتَها بسُوءٍ أصَابَتْكَ بِشَرّ؛ جَهلاً وضَلالاً منهم، ومَنْ يُضْلِلْهُ اللهُ - لعِلمِهِ أنَّهُ يَستَحِقُّ الضَّلالةَ - فليسَ لهُ مُرشِدٌ يأخذُ بيدِهِ إلى الحقّ.

﴿وَمَن يَهۡدِ اللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ أَلَيۡسَ اللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي انتِقَامٖ﴾ [الزمر:37]


ومَنْ يَهْدِهِ اللهُ ويُوَفِّقْهُ إلى طَريقِ الخَيرِ والصَّلاح، فلا أحدَ يَقدِرُ على صَرْفِهِ عنها. أليسَ اللهُ غالِبًا لا يُغلَب، شَديدَ الانتِقامِ ممَّنْ كفرَ وعانَد؟

﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَٰشِفَٰتُ ضُرِّهِۦٓ أَوۡ أَرَادَنِي بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِيَ اللَّهُۖ عَلَيۡهِ يَتَوَكَّلُ الۡمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر:38]


وإذا سألتَ المشرِكين: مَنِ الذي خلقَ السَّماوات العَظيمَة، والأرْضَ وما فيها وما عَليها؟ فيَقولون: اللهُ وَحدَه. فقُلْ لهم: أرأيتُمْ لو أنَّ اللهَ ابتَلاني بشِدَّةٍ وبَلاء، هلْ تَستَطيعُ آلهتُكمُ المزعُومَةُ أنْ تَكشِفَ عنِّي ما أصابَني مِنْ ذلك؟ وإذا رَحِمَني فأكرَمَني بَخيرٍ ونِعمَة، هلْ تَقدِرُ على أنْ تَمنعَهُ منِّي؟

إنَّها لا تَستَطيعُ أنْ تَفعلَ شَيئًا مِنْ ذلك. فقُلْ لهم: إنَّ كافيَّ مِنْ إصابَةِ الخَير، وحافِظِي مِنَ الشرّ، هوَ اللهُ وَحدَه، وعليهِ وَحدَهُ يَعتَمِدُ المُتوَكِّلونَ على رَبِّهم، لعِلمِهمْ أنَّ الخَيرَ والشرَّ بيدِه.

﴿قُلۡ يَٰقَوۡمِ اعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ﴾ [الزمر:39]


قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: اعمَلوا على طَريقَتِكمْ ما تُريدُون، واثبتُوا على ما أنتُمْ عليهِ مِنَ الشِّركِ والتَّكذيب - وهوَ تَهديدٌ لهمْ وليسَ بأمرٍ - وأنا عامِلٌ على طَريقَتي ومِنهَجي، وسَوفَ تَعلَمونَ مَنِ الجاني على نَفسِه،

﴿مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ﴾ [الزمر:40]


الذي يَحِلَّ عليهِ عَذابٌ يُذِلُّه، كقَتلٍ أو أسْر، كما كانَ في بَدر. ولهُ في الآخِرَةِ عَذابٌ دائم، لا مَحيدَ لهُ عنه.

﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ الۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِالۡحَقِّۖ فَمَنِ اهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ﴾ [الزمر:41]


لقدْ أنزَلنا عَليكَ القُرآنَ لأجلِ مَصلحَةِ النَّاسِ في مَعاشِهمْ ومَعادِهم، فمنِ اختارَ الهُدَى فقدْ نفعَ نَفسَه، ومَنِ اختارَ الضَّلالَةَ فقدْ أضَرَّ بنَفسِه، ولستَ حافِظًا عَليهمْ لتُجبِرَهمْ على الهِدايَةِ وتَمنعَهمْ مِنَ الكُفر، إنَّما عَليكَ البَلاغ.

﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَالَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا الۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ الۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر:42]


اللهُ سُبحانَهُ يَقبِضُ الأنفُسَ إليهِ عندَ مَوتِها، بأنْ يَقطعَ عَلاقتَها بالأبدَان، وكذلكَ عندَ مَنامِها، فيُمسِكُ التي قضَى بمَوتِها ولا يُردُّها إلى أبدانِها، ويَتركُ الأخرَى - النَّائمَةَ التي لم يُقَدِّرْ عليها الموتَ - لتَعودَ إلى أبدانِها عندَما تَستَيقِظ، حتَّى تَستَوفيَ رِزقَها وأجلَها وتَموت. وفي النَّوم، وإمساكِ الأنفُسِ وإرسالِها، عَلاماتٌ وأدِلَّةٌ على قُدرَةِ اللهِ واستِقلالِهِ بالتصَرُّفِ في شُؤونِ خَلقِه.

﴿أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَآءَۚ قُلۡ أَوَلَوۡ كَانُواْ لَا يَمۡلِكُونَ شَيۡـٔٗا وَلَا يَعۡقِلُونَ﴾ [الزمر:43]


بلِ اتَّخذَ المشرِكونَ آلهَةً مِنَ الأصْنامِ لتَشفعَ لهمْ عندَ الله، قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: إنَّ هذهِ الأصْنامَ لا تَفقَهُ شَيئًا، ولا تَعي ما تَطلبُونَ منها، فكيفَ تَتكلَّمُ معَ الله، وكيفَ تَشفَعُ لكمْ عندَه؟

﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ لَّهُۥ مُلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ ثُمَّ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [الزمر:44]


قُلْ لهم: إنَّ أمرَ الشَّفاعَةِ كُلَّهُ بيَدِ الله، فلا يَشفَعُ أحَدٌ إلاّ بإذنِهِ ورِضاه، لهُ مُلكُ السَّماواتِ والأرْض، ولهُ وَحدَهُ التصَرُّفُ في شَأنِهما، ثمَّ إليهِ تُرجَعونَ يَومَ القِيامَة، ليُحاسِبَكمْ على ما عَمِلتُم.

﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحۡدَهُ اشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِالۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ﴾ [الزمر:45]


وإذا ذُكِرَ اللهُ وحدَهُ دونَ آلِهةِ المشرِكين، فقيل: لا إلهَ إلاّ الله، انقَبَضَتْ ونَفِرَتْ قُلوبُ الذينَ لا يُؤمِنونَ بالمَعاد، ولم تَقبَلْه، وإذا ذُكِرَتْ أصنامُهمْ وَحدَها، أو ذُكِرَتْ معَ الله، إذا هُمْ يَفرَحونَ ويُسَرُّون؛ لحبِّهمْ لها!

﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ عَٰلِمَ الۡغَيۡبِ وَالشَّهَٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَيۡنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ﴾ [الزمر:46]


قُلْ أيُّها النبيُّ الكَريم: اللهمَّ خالِقَ السَّماواتِ والأرْضِ ومُبدِعَهما على غَيرِ مِثالٍ سبَق، عالِمَ ما غابَ عنْ أبصَارِنا وعِلمِنا وما نُشاهِدُه، أنتَ وَحدَكَ الذي تَفصِلُ بينَ عِبادِكَ فيما كانوا يَختَلِفونَ فيهِ في الحيَاةِ الدُّنيا. فاهدِنا اللهمَّ إلى الحقِّ بإذنِك، إنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقيم.

﴿وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَافۡتَدَوۡاْ بِهِۦ مِن سُوٓءِ الۡعَذَابِ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ﴾ [الزمر:47]


ولو كانَ للكافِرينَ جَميعُ ما في الدُّنيا مِنَ الأموالِ والذَّخائر، وضِعفَهُ معَه، لجعَلُوهُ فِديَةً لأنفُسِهمْ مِنَ العَذابِ الشَّديدِ يَومَ القيامَة. وظهَرَ لهمْ مِنْ أنوَاعِ العَذابِ الذي أعدَّهُ اللهُ لهم، ما لم يَكنْ لهمْ في الحُسبَان.

﴿وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الزمر:48]


وظهَرَ لهمْ مَساوِئُ أعمالِهم، مِنَ الشِّركِ والظُّلمِ والمَعاصي التي اقترَفوها في الدَّارِ الدُّنيا، وما يَستَحِقُّونَهُ عَليهِ مِنْ عُقوبَة، وأحاطَ بهمُ العَذابُ الذي كانوا يَستَهزِؤونَ بهِ ويَستَبعِدونَ وقوعَه.

﴿فَإِذَا مَسَّ الۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلۡنَٰهُ نِعۡمَةٗ مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمِۭۚ بَلۡ هِيَ فِتۡنَةٞ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [الزمر:49]


فإذا أصابَ الإنسَانَ بَلاء، مِنْ مرَضٍ وشِدَّةٍ وخَوف، تضرَّعَ إلينا في ذُلٍّ وصَغَار، وإذا آتَيناهُ نِعمَة، كزيادَةٍ في المالِ والولَد، وصِحَّةٍ وعافيَةٍ ورَفاهيَة، قال: إنَّما حصَّلتُ هذا بجُهدٍ منِّي ومَهارَةٍ في الإدارَةِ والتِّجارَة، فاستِحقَاقي ذلكَ هوَ عنْ جَدارَة. وليسَ الأمرُ كما زعَموا، بلْ هوَ اختِبارٌ وامتِحانٌ لهمْ فيما أعطَيناهُم، لنَنظُرَ ما الذي يَقولون، وماذا يَفعَلون، أيُطيعونَ أمْ يَعصُون؟ أيَشكرونَ أمْ يَكفُرون؟ ولكنَّ أكثرَهمْ لا يَعلَمونَ أنَّ الأمرَ كذلك، ولذلكَ فهمْ يَقولونَ ما يَقولون.

﴿قَدۡ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [الزمر:50]


لقدْ قالَ مثلَ مَقالَتِهمْ أفرادٌ وأُمَمٌ مِنْ قَبلِهم، كقارُونَ وغَيرِه، فلمْ يُفِدْهمْ هذا الكَلام، ولم يَنفَعْهمْ ما جمَعوهُ مِنْ حُطامِ الدُّنيا.

﴿فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْۚ وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ هَـٰٓؤُلَآءِ سَيُصِيبُهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُم بِمُعۡجِزِينَ﴾ [الزمر:51]


فأصابَتْهمْ عُقوبَةُ ما عَمِلوا مِنْ ذُنوبٍ وآثَام. والذينَ أشرَكوا مِنْ قَومِكَ يَنالُهمْ جَزاءُ ما كسَبوا مِنْ سَيِّئاتٍ كذلك، ولا مَهرَبَ لهمْ مِنْ ذلك، فإنَّ مَرجِعَهمْ إلى الله.

﴿أَوَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ اللَّهَ يَبۡسُطُ الرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [الزمر:52]


ألَا يَعلَمُ المشرِكونَ أنَّ اللهَ يُوَسِّعُ الرِّزقَ على مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه، ويُضَيِّقُ على مَنْ يَشاءُ منهم؟ إنَّ في تَوزيعِ الرِّزقِ بينَ النَّاس، وأحوالِهمْ ودرَجاتِهمْ فيه، وتنَقُّلِهمْ بينَ الفَقرِ والغِنَى، عِبَرًا ودَلالات، لمَنْ آمَنَ واعتَبَر.

﴿۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ يَغۡفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ الۡغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53]


قُلْ أيُّها الرَّسُولُ مِنْ مَعنَى كَلامِ الله: يا عِباديَ الذينَ أفرَطُوا في المَعاصي وأكثَروا مِنَ الذُّنوبِ والفَواحِش، لا تَيأسُوا مِنْ رَحمَةِ اللهِ ومَغفِرَتِه، فاللهُ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعَها، مَهما كانت، صَغيرَها وكبيرَها، سِرَّها وعَلانيَتَها، فاللهُ كثيرُ المَغفِرَةِ لذُنوبِ التَّائبين، عَظيمُ الرَّحمَةِ بعِبادِهِ المؤمِنين.

﴿وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ الۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾ [الزمر:54]


فارجِعوا إلى رَبِّكمْ وتُوبُوا إليه، وأخلِصوا لهُ الطَّاعَةَ والعمَل، قَبلَ أنْ يَحِلَّ بكمْ عَذابُه، ثمَّ لنْ تَجِدوا ناصِرًا يُنقِذُكمْ منه.

﴿وَاتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ الۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ﴾ [الزمر:55]


واتَّبِعوا القُرآنَ الذي أنزلَهُ اللهُ على عَبدِهِ محمَّدٍ النَّبيّ، قَبلَ أنْ يَفجَأَكمُ العَذابُ وأنتُمْ في غَفلَةٍ مِنْ ذلك.

﴿أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّـٰخِرِينَ﴾ [الزمر:56]


حتَّى لا تَقولَ نَفسٌ يَومَ القِيامَة: يا ندَمي ويا حَسرَتي على تَقصِيري في حَقِّ الله، وقدْ كنتُ مِنَ المُستَهزِئينَ بدِينِه، المُكَذِّبينَ برسُلِه.

﴿أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ اللَّهَ هَدَىٰنِي لَكُنتُ مِنَ الۡمُتَّقِينَ﴾ [الزمر:57]


أو تَقولَ نَفس: لو أنَّ اللهَ هَداني لكنتُ مِنَ المؤمِنينَ المُخلِصين.

﴿أَوۡ تَقُولَ حِينَ تَرَى الۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِي كَرَّةٗ فَأَكُونَ مِنَ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الزمر:58]


أو تَقولَ نَفسٌ حينَ ترَى العَذابَ أمامَها: لو أنَّ لي رَجعَةً إلى الدُّنيا فأكونَ ممَّنِ استَقامَ على الطَّاعَةِ وأحسنَ في العمَل.

﴿بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَاسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الزمر:59]


ولكنْ جاءَتْكَ آياتي ومُعجِزاتي وأنزَلتُ الكتُبَ أيُّها العَبد، فكذَّبتَ بها وسَخِرْتَ منها، وتكبَّرْتَ عنِ الاعتِقادِ بها واتِّباعِها، فكنتَ مِنَ الجاحِدينَ بها. ولم تَسلُكْ مَسالِكَ الهِدايَةِ ولم تَطلُبْها، بلِ استَهزَأتَ وأصرَرْتَ على الكُفرِ حتَّى مُتَّ عليه.

﴿وَيَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر:60]


وفي يَومِ القِيامَةِ ترَى وجوهَ الكافِرينَ المكذِّبينَ سَوداءَ قاتِمَة، لِما يَنالُهمْ مِنَ الشدَّة، ويَلحَقُهمْ مِنَ الحُزنِ والكمَد، ويَعتَريهمُ الخَوفُ مِنَ الأهوَال. أليسَ في جهنَّمَ مَأوًى وسِجنًا دائمًا للكافِرين؟

﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الزمر:61]


أمَّا المؤمِنونَ الذينَ أخلَصوا الطَّاعَةِ لرَبِّهم، وتَجنَّبوا مُخالفَةَ أمرِه، فإنَّ اللهَ يُنَجِّيهمْ مِنَ النَّار، لكونِهمْ مِنَ الفائزينَ الغانِمين، لا يُصيبُهمْ مَكروه، ولا يَكونونَ في هَمٍّ وغَمّ، بلْ همْ آمِنونَ سالِمون.

﴿اللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ﴾ [الزمر:62]


واللهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ في هذا الكَون، وهوَ مالِكُهُ والمُتصَرِّفُ فيه، وهوَ القائمُ بحِفظِه، وكُلُّ شَيءٍ فيهِ مَوكولٌ إليه.