﴿۞قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا الۡمُرۡسَلُونَ﴾ [الذاريات :31]
﴿قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ﴾ [الذاريات :32]
قالوا: لقدْ أُرسِلنا بالعَذابِ إلى قَومِ لُوطٍ الكافِرين،
﴿لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ﴾ [الذاريات :33]
لنُرسِلَ عَليهمْ حِجارَةً مِنْ طينٍ مُتحجِّر،
﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الذاريات :34]
مُعْلَمَةً، مَكتوبًا على كُلٍّ منها أسماؤهمْ مِنْ عندِ رَبِّك، لتُصيبَ هؤلاءِ المشرِكينَ الذينَ تَجاوَزوا الحدَّ في الفُجور، وأصَرُّوا على إتيانِ الرِّجالِ دونَ النِّساء، ولم يَنتَهوا.
﴿فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الذاريات :35]
فأخرَجنا مِنْ قُرَى قَومِ لُوطٍ مَنْ آمَن.
﴿فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ الۡمُسۡلِمِينَ﴾ [الذاريات :36]
فما وجَدنا بينَها غَيرَ بَيتٍ للمُسلِمين، وهوَ بَيتُ لُوطٍ عليهِ السَّلام.
﴿وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الۡعَذَابَ الۡأَلِيمَ﴾ [الذاريات :37]
وأَبقَينا في تلكَ القُرَى عِبرَةً وعَلامةً دالَّةً على ما أصابَهمْ مِنَ العَذابِ والنَّكالِ. وهيَ في مِنطقَةِ البَحرِ الميِّت، وآثارُهمْ مازالتْ مَوجودَةً حتَّى الآن. وفي ذلكَ عِبرَةٌ لمَنْ يَخافُونَ العُقوبَةَ والعَذاب، فيَبتَعِدونَ عمَّا كانَ عليهِ أولئكَ القَومُ مِنَ الفاحِشَةِ والرَّذيلَة.
﴿وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ﴾ [الذاريات :38]
وفي حَديثِ موسَى آيَةٌ وعِبرَة، إذْ أرسَلناهُ إلى فِرعَونَ وقَومِهِ بحُجَّةٍ ظاهِرَة، ومُعجِزَةٍ باهِرَة.
﴿فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ﴾ [الذاريات :39]
فأعرضَ عنِ الإيمَانِ بما جاءَ بهِ موسَى، وركنَ إلى قوَّتِهِ وسُلطانِه، وقال فيه: هوَ ساحِرٌ يَخدَعُ النَّاس، أو مَجنونٌ يُعَلِّمُهُ الجِنّ.
﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي الۡيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٞ﴾ [الذاريات :40]
وأصَرَّ على تَكذيبِ موسَى، ولم تَنفَعْ معَهُ نَصيحَةٌ أو مُعجِزَة، فانتقَمنا منه، وطرَحناهُ معَ جنودِهِ في البَحر، وهوَ مَلومٌ كافِرٌ طاغٍ.
﴿وَفِي عَادٍ إِذۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ الرِّيحَ الۡعَقِيمَ﴾ [الذاريات :41]
وفي خبَرِ عادٍ عِظَةٌ وعِبرَةٌ كذلك، فكذَّبوا نَبيَّهمْ هُودًا وتَمادوا في كُفرِهم، فانتقَمنا منهم، وأرسَلنا عَليهمُ الرِّيحَ الشَّديدَةَ التي لا نَفعَ فيها،
﴿مَا تَذَرُ مِن شَيۡءٍ أَتَتۡ عَلَيۡهِ إِلَّا جَعَلَتۡهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات :42]
لا تَتركُ شَيئًا ممَّا تَمرُّ به، مِنْ أنفُسِهمْ وأموَالِهمْ ومَواشيهم، إلاّ جعلَتْهُ هالِكًا باليًا.
﴿وَفِي ثَمُودَ إِذۡ قِيلَ لَهُمۡ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٖ﴾ [الذاريات :43]
وفي خبَرِ قَبيلَةِ ثَمودَ عِبرَةٌ لمَنْ يَعتَبِرُ كذلك، فكذَّبوا نَبيَّهمْ صالِحًا، وقدْ حذَّرَهمْ مِنْ إيذاءِ النَّاقَةِ التي كانتْ آيَةً لهم، فعقَروها، فقيلَ لهم: استَمتِعوا بالحيَاةِ ثلاثَةَ أيَّامٍ بعدَ هذهِ الجَريمَة.
﴿فَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَتۡهُمُ الصَّـٰعِقَةُ وَهُمۡ يَنظُرُونَ﴾ [الذاريات :44]
فاستَكبَروا عنِ الامتِثالِ لأمرِ الله، فأهلكَتْهمْ صاعِقَةٌ شَديدَة، بعدَ الأيَّامِ الثَّلاثَةِ المَضروبَةِ لأجَلِهم، وهمْ يرَونَ ذلكَ عِيانًا.
﴿فَمَا اسۡتَطَٰعُواْ مِن قِيَامٖ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ﴾ [الذاريات :45]
فما قَدَروا على النُّهوضِ بعدَ أنْ نزلَ بهمُ العَذاب، وما كانوا قادِرينَ على الانتِقامِ لأنفُسِهم.
﴿وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ﴾ [الذاريات :46]
وأهلَكنا قَومَ نُوحٍ مِنْ قَبلِ هؤلاء، إنَّهمْ كانوا قَومًا خارِجينَ عنِ الطَّاعَة، قائمينَ على الكُفرِ والمَعاصي.
﴿وَالسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات :47]
وبَنينَا السَّماءَ بقوَّةٍ وقُدرَة، وإنَّا لموسِعُونَها.
وقدْ ثبتَ لدَى العُلماءِ في هذا العَصرِ أنَّ الكَونَ في اتِّساعٍ مُستَمِرّ، وأنَّ المجَرَّاتِ يَتباعَدُ بَعضُها عنْ بَعضِ بسُرعاتٍ تَقتَرِبُ أحيانًا مِنْ سُرعَةِ الضَّوء!
﴿وَالۡأَرۡضَ فَرَشۡنَٰهَا فَنِعۡمَ الۡمَٰهِدُونَ﴾ [الذاريات :48]
والأرضَ بسَطناها ومَهَّدناها ليَستَقِرَّ عليها الإنسَان، وتَكونَ مُناسِبَةً لمَعيشَتِه، فنِعمَ الباسِطونَ والماهِدونَ نحن.
﴿وَمِن كُلِّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَا زَوۡجَيۡنِ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات :49]
ومِنْ كُلِّ جِنسٍ وصِنفٍ مِنَ الحيَوانِ والنَّباتِ خَلَقنا نَوعين: ذَكرًا وأُنثَى، لتَتذَكَّروا وتَعلَموا أنَّ خالِقَها واحِد. ومَنْ قَدَرَ على خَلقِها فهوَ قادِرٌ على إحيائها بعدَ مَوتِها.
﴿فَفِرُّوٓاْ إِلَى اللَّهِۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الذاريات :50]
فالتَجِؤوا إلى الله، واهرُبوا مِنْ عِقابِهِ إلى ثَوابِه، وممَّا سِواهُ إليه، بتَوحيدِهِ وطاعتِه، فإنِّي نَذيرٌ بَيِّنٌ لكم، أُحَذِّرُكمْ مِنْ العُقوبَةِ ما لم تُطيعوا.
﴿وَلَا تَجۡعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۖ إِنِّي لَكُم مِّنۡهُ نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الذاريات :51]
ولا تُشرِكوا باللهِ أحدًا، ولا تَعبُدوا غَيرَه، إنِّي أُنذِرُكمْ مِنْ عُقوبَةِ الله، فهوَ يَغفِرُ كُلَّ ذَنْبٍ إلاّ الشِّرك.
﴿كَذَٰلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُواْ سَاحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٌ﴾ [الذاريات :52]
وكما كذَّبَكَ قَومُكَ أيُّها الرسُول، وقالوا إنَّكَ ساحِرٌ أو مَجنون، كذلكَ ما أتَى الأقوامَ السَّابقينَ مِنْ رَسُولٍ إلاَّ قالوا فيهِ ساحِرٌ يَخدَعُ النَّاس، أو مَجنونٌ يُعلِّمُهُ الجِنّ.
﴿أَتَوَاصَوۡاْ بِهِۦۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ﴾ [الذاريات :53]
فهلْ أوصَى الأوَّلونَ والآخِرونَ بَعضُهمْ بَعضًا بأنْ يُكَذِّبوا الرسُل؟! بلْ حملَهمُ الطُّغيانُ على ذلك، وتَشابهَتْ قُلوبُهم، فقالُوا ما قالُوا.
﴿فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٖ﴾ [الذاريات :54]
فأعرِضْ عَنهم، ودَعكَ مِنْ جِدالِهم، فلا لَومَ عَليكَ بعدَ أنْ بذَلتَ الجُهد، وبلَّغتَ وأنذَرت.
﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ الذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الذاريات :55]
وذَكِّر، وعِظْ بالقُرآن، فإنَّ الوَعظَ والتَّذكيرَ يَنفَعُ مَنْ كانَ مِنَ المؤمِنين، أو مَنْ عَلِمَ اللهُ فيهمُ الاستِعدادَ للإيمَان.
﴿وَمَا خَلَقۡتُ الۡجِنَّ وَالۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾ [الذاريات :56]
إنَّما خلَقتُ الجِنَّ والإنسَ لغايَةٍ مُعيَّنة، وليُؤَدُّوا وَظيفَةً مهمَّةً مُحدَّدَة، هيَ سبَبُ وجودِهمْ في هذا الكون، وهوَ عِبادَتي.
﴿مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ﴾ [الذاريات :57]
لا أُريدُ أنْ يَرزُقوا أحدًا مِنْ خَلقي، ولا أُريدُ أنْ يُقَدِّموا لي طَعامًا، فلَستُ بحاجَةٍ إليهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الۡقُوَّةِ الۡمَتِينُ﴾ [الذاريات :58]
إنَّ اللهَ هوَ الذي يَرزُقُ جَميعَ الخَلق، فالكُلُّ مُفتَقِرٌ إليه، وهوَ الغَنيُّ عَنهم، القَويُّ المُقتَدِر، الشَّديدُ القوَّة، القادِرُ على كُلِّ شَيء.
﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ فَلَا يَسۡتَعۡجِلُونِ﴾ [الذاريات :59]
فإنَّ للَّذينَ كفَروا مِنْ قَومِكَ نَصيبًا مِنَ العَذاب، مثلَ نَصيبِ نُظرائهمْ مِنَ الأقوَامِ السَّابقين، الذينَ أهلكَهمُ الله، فلا يَطلبُوا استِعجالَ العَذاب، فإنَّهُ سيَأتيهمْ نَصيبُهمْ مِنْ ذلك.
﴿فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوۡمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ [الذاريات :60]
فالوَيلُ والهَلاكُ للَّذينَ كفَروا مِنْ يَومِ العَذابِ الشَّديدِ الذي يُوعَدونَ به، الذي لا مَحيدَ لهمْ عَنه، ولا مُنقِذَ لهمْ منه.
سورة الطور - مكية - عدد الآيات: 49
52