﴿وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡيَا﴾ [النجم :44]
وأنَّهُ سُبحانَهُ خلقَ المَوتَ والحياة، فأماتَ مَنْ أحياهُ في الدُّنيا، وأحيا مَنْ أماتَهُ يَومَ البَعث.
﴿وَأَنَّهُۥ خَلَقَ الزَّوۡجَيۡنِ الذَّكَرَ وَالۡأُنثَىٰ﴾ [النجم :45]
وأنَّهُ بقُدرَتِهِ خلقَ مِنْ نَوعِ الإنسَانِ وأنواعِ الحيَوانِ الزَّوجَين: الذَّكرَ والأُنثَى.
﴿مِن نُّطۡفَةٍ إِذَا تُمۡنَىٰ﴾ [النجم :46]
مِنْ نُطْفَةِ الذَّكَرِ إذا تدفَّقَتْ وصُبَّتْ في رَحِمِ الأُنثَى.
﴿وَأَنَّ عَلَيۡهِ النَّشۡأَةَ الۡأُخۡرَىٰ﴾ [النجم :47]
وأنَّ عليهِ سُبحانَهُ إعادَةَ الأحيَاءِ بعدَ الإماتَةِ يَومَ القِيامَة، وفاءً بوَعدِه.
﴿وَأَنَّهُۥ هُوَ أَغۡنَىٰ وَأَقۡنَىٰ﴾ [النجم :48]
وأنَّهُ تَعالَى أعطَى عِبادَهُ وملَّكَهمْ ما يُدَّخَرُ وما يُرضي مِنْ مَالٍ ومَتاع.
﴿وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ الشِّعۡرَىٰ﴾ [النجم :49]
وأنَّهُ رَبُّ هذا الكَوكبِ النيِّر، المعروفِ بالشِّعْرَى. وكانتْ طائفَةٌ مِنَ العرَبِ تَعبدُه!
﴿وَأَنَّهُۥٓ أَهۡلَكَ عَادًا الۡأُولَىٰ﴾ [النجم :50]
وأنَّهُ أهلكَ عادًا قَومَ هُود، بريحٍ قويَّةٍ عاتيَة؛ لتَكذيبِهمْ نبيَّهم.
وهؤلاءِ الأُوَل، وكانَ لهمْ عَقِب.
﴿وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبۡقَىٰ﴾ [النجم :51]
وأهلكَ ثَمودَ قَومَ صالحٍ بالصَّيحَة، ولم يُبقِ مِنْ كفَّارِهمْ أحدًا.
﴿وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ﴾ [النجم :52]
وأغرقَ قَومَ نُوحٍ بالطُّوفانِ قَبلَ هؤلاء، وكانوا أظلمَ منهمْ وأشدَّ تَمرُّدًا وتَمادِيًا في الكفرِ والضَّلالِ والفَساد، وقدْ عاشَ بينَهمْ نَبيُّهمْ ألفًا إلاّ خَمسينَ عامًا!
﴿وَالۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَىٰ﴾ [النجم :53]
وأسقطَ مَدائنَ قَومِ لُوط، فجعَلَ أعاليَها أسافِلَها، فقدِ ائتفَكتْ بأهلِها، أي انقلبَتْ بهم. وقدْ أثبتَتْ دراساتُ عُلومِ الأرضِ أنَّ طَبقاتِ الصُّخورِ في مِنطَقَةِ جَنوبِ البَحرِ الميِّتِ – مَوطِنِهمْ - مَقلوبَةٌ رأسًا على عَقِب.
﴿فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ﴾ [النجم :54]
فغطَّاها بما غطَّى مِنَ الحِجارَةِ التي أُرسِلَتْ على أهلِها.
﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ﴾ [النجم :55]
فبأيِّ نِعَمِ رَبِّكَ تُشَكِّكُ وتُجادِلُ أيُّها الإنسَان؟
﴿هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ النُّذُرِ الۡأُولَىٰٓ﴾ [النجم :56]
هذا محمَّدٌ رَسُولٌ مِنْ جنسِ الرسُلِ السَّابقين، أُرسِلَ إليكمْ كما أُرسِلوا إلى أقوامِهم.
﴿أَزِفَتِ الۡأٓزِفَةُ﴾ [النجم :57]
اقترَبَتِ القِيامَةُ ودنَت.
﴿لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾ [النجم :58]
لا أحدَ يَقدِرُ على أنْ يُظهِرَها غَيرُ الله. أو لا يَقدِرُ على أنْ يَرُدَّها عنِ الإنسَانِ إذا غَشيَتْهمْ أهوالُها إلاّ هوَ سُبحانَه.
﴿أَفَمِنۡ هَٰذَا الۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ﴾ [النجم :59]
أفمِنْ هذا القُرآنِ تَعجَبونَ أيُّها المشرِكونَ أنْ يَكونَ وَحيًا مِنَ الله؟
﴿وَتَضۡحَكُونَ وَلَا تَبۡكُونَ﴾ [النجم :60]
وتَستَهزِؤونَ بهِ وأنتُمْ تَضحَكون، ولا تَبكونَ خَوفًا ممَّا فيهِ مِنَ الوَعيد؟
﴿وَأَنتُمۡ سَٰمِدُونَ﴾ [النجم :61]
وأنتُمْ لاهونَ غافِلون، مُعرِضونَ عنهُ مُستَكبِرون؟
﴿فَاسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ وَاعۡبُدُواْ۩﴾ [النجم :62]
فاسجُدوا للهِ واخضَعوا له، وأخلِصوا لهُ الطَّاعَة.
سورة القمر - مكية - عدد الآيات: 55
54
﴿اقۡتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الۡقَمَرُ﴾ [القمر :1]
دَنا يَومُ القِيامَةِ وانشقَّ القمَرُ فِلقتَين. فانشِقاقُ القمَرِ مِنْ عَلاماتِ السَّاعَة.
في صَحيحِ البخاريِّ وغَيرِه، أنَّ أهلَ مكَّةَ سألوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ أنْ يُرِيَهمْ آيَة، فأراهمُ القمرَ شِقَّتَين، حتَّى رأَوا حِرَاءَ بينَهما.
وعندَما رأى المشرِكونَ ذلكَ قالوا: سحَرَنا محمَّد! فقالَ بَعضُهم: لئنْ كانَ سحرَنا ما يَستَطيعُ أنْ يَسحرَ النَّاسَ كُلَّهم. وقدْ روَى هذا الترمِذيُّ بإسنادٍ صَحيح.
وذكرَ ابنُ كثيرٍ أنَّ أحاديثَ انشِقاقِ القمَرِ مُتواتِرَةٌ بأسانيدَ صَحيحَة.
وقدْ كُشِفَ عنْ مَخطوطاتٍ وكتاباتٍ تاريخيَّةٍ قَديمَةٍ تؤرِّخُ لهذهِ المُعجِزَةِ في غَيرِ بِلادِ المسلِمين.
والذينَ صعَدوا إلى القمَرِ رأوا آثارَ هذا الانشِقاقَ فيه، وقالوا إنَّهُ انشَقَّ منذُ زمَنٍ قَديمٍ إلى قِسمَينِ مُنفَصِلَينِ ثمَّ التَحَما، بدَليلِ وجودِ شُقوقٍ صَخريَّةٍ مُتعَرِّجَةٍ وطَويلَةٍ تُمَزِّقُ القمرَ مِنْ سَطحِهِ إلى جَوفِه. وقدْ وُضِعَتْ أجهِزَةٌ خاصَّةٌ بالرَّصدِ الزِّلزاليِّ للتَّاكُّدِ مِنْ ذلك...
﴿وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ﴾ [القمر :2]
وإنْ يرَوا مُعجِزَةً ودَليلاً مِنْ عندِ رَبِّهمْ لا يأبَهونَ به، ولا يَعتَبِرونَهُ حُجَّةً وبُرهانًا على صِدقِ نَبيِّه، بلْ يَقولون: هذا سِحرٌ سحَرَنا بهِ محمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم)، وأنَّهُ زائلٌ سيَضمَحِلُّ معَ الزَّمَن!
﴿وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ﴾ [القمر :3]
وكذَّبوا النبيَّ عليهِ الصّلاَةُ والسَّلامُ وما أيَّدَهُ اللهُ بهِ مِنَ المُعجِزات، واتَّبَعوا أهواءَهمُ الباطِلَة، وأفكارَهمُ المُنحَرِفَة. وكُلُّ أمرٍ مِنَ الأُمورِ يَنتَهي إلى غايَةٍ يَستَقِرُّ عَليها، وعندَئذٍ يَتبيَّنُ لكُلٍّ عاقِبَتُه، إنْ خَيرًا فخَير، وإنْ شَرًّا فشَرّ.
﴿وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّنَ الۡأَنۢبَآءِ مَا فِيهِ مُزۡدَجَرٌ﴾ [القمر :4]
ولقدْ جاءَهمْ في القُرآنِ مِنْ أخبَارِ القُرونِ الماضيَة، وقَصَصِ الأُمَمِ المُكذِّبَةِ لرسُلِها وما حَلَّ بهمْ مِنَ العَذاب، ما فيهِ زَجرٌ لهمْ مِنَ التَّمادي في الكُفرِ والتَّكذِيب.
﴿حِكۡمَةُۢ بَٰلِغَةٞۖ فَمَا تُغۡنِ النُّذُرُ﴾ [القمر :5]
وأمرُ اللهِ مُحكَمٌ لا خلَلَ فيه، ولا يَضِلُّ عنْ هُداهُ إلاّ جاحِدٌ مُتعَنِّت، فأيُّ شَيءٍ تُغني الآياتُ والنُّذُرُ الواضِحَةُ عنْ شَقيٍّ عَنيد، وجاهِلٍ يَتَّبِعُ هوَاه؟
﴿فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ الدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ﴾ [القمر :6]
فأعرِضْ عَنهمْ ولا تُبالِ بهمْ مادامُوا كذلك. يَومَ يُنادِي المُنادِي ويَدعو إلى شَيءٍ مُنكَرٍ فَظيعٍ ومَهولٍ لا مَثيلَ له، هوَ يَومُ الجَزاءِ والحِساب، الشَّديدِ على الكافِرين.
﴿خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ الۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَادٞ مُّنتَشِرٞ﴾ [القمر :7]
ذَليلةً أبصارُهمْ مِنَ الخَوفِ والهَول، يَخرجُونَ مِنَ القُبورِ كأنَّهمْ جَرادٌ في كثرَتِهمْ وتمَوُّجِهم، وانتِشارِهمْ وسُرعَتِهم، وحَيرَتِهمْ وفزَعِهم.
﴿مُّهۡطِعِينَ إِلَى الدَّاعِۖ يَقُولُ الۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِرٞ﴾ [القمر :8]
مُسرِعينَ إلى مُنادِيهم، مُقبِلينَ عَليه، وقدْ شخَصَتْ أبصارُهمْ إلى السَّماء، يَقولُ الكافِرون: هذا يَومٌ صَعبٌ شَديد.
﴿۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَازۡدُجِرَ﴾ [القمر :9]
كذَّبَ قَبلَ قَومِكَ أيُّها الرسُولُ، قَومُ نوح، أرسَلناهُ إليهمْ ليُطيعوهُ ويَهتَدوا به، فكذَّبوا عَبدَنا نُوحًا وقالوا: هوَ مَجنون، وزجَروهُ وهدَّدوهُ إنْ لم يَنتهِ عنْ دَعوَتِهمْ إلى التَّوحيد، وقالوا: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}! [سورة الشعراء: 116].
﴿فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَغۡلُوبٞ فَانتَصِرۡ﴾ [القمر :10]
فلم يَستَجيبوا لدَعوَتِه، وقدْ بقيَ بينَهمْ ألفًا إلاّ خَمسينَ عامًا. ولمَّا يَئِسَ مِنْ إيمانِهمْ دعَا رَبَّهُ قائلاً: اللهمَّ إنِّي ضَعيفٌ مَقهور، لا أقوَى على مُقاوَمَتِهمْ والانتِقامِ منهم، فانتَقِمْ لدِينِك.
﴿فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ السَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ﴾ [القمر :11]
فأمَرنا السَّماءَ بأنْ يَتدَفَّقَ منها المطَرُ ويَنصَبَّ انصِبابًا شَديدًا.