﴿وَالَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا﴾ [النساء :16]
والرَّجُلانِ اللَّذانِ يَعملانِ الفاحشةَ بَعضُهما ببَعضٍ فآذُوهما، بالشَّتمِ والتَّعيير، والضَّربِ بالنِّعال.
فإذا أقلَعا عن جُرْمِهما ولم يَعودا إليه، وحَسُنَ سلوكُهما وصَلَحَتْ أعمالُهما، فاترُكوهما ولا تُعَنِّفوهما، فالتائبُ تُقبَلُ تَوبتُه. واللهُ كثيرُ قَبولِ التوبة، كثيرُ الرحمةِ بعبادهِ المؤمنين.
ثمَّ بيَّنتِ السُّنَّةُ مآلَ حُكمِهما في قولهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجدْتُموهُ يَعْمَلُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتُلوا الفاعِلَ والمفعولَ به"، كما في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواهُ الأربعةُ وغيرُهم.
﴿إِنَّمَا التَّوۡبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ السُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾ [النساء :17]
إنَّما يَتقبَّلُ اللهُ التوبةَ مِنَ الذينَ يَعملونَ المعاصيَ جهالةً وسفَهًا وهم يَعلَمُونَ سُوءَ عاقبتِها. وسُمِّي مُقتَرِفُ الذنبِ جاهِلاً لأنَّهُ يُقْدِمُ عليهِ وهوَ يَعْلَمُ مَغَبَّته! فهؤلاءِ إنْ تابوا قبلَ سَكراتِ الموتِ قَبِلَ اللهُ تَوبتَهم، واللهُ عَليمٌ بخَلقِه، حَكيمٌ فيما يَصنَعُ بهم.
﴿وَلَيۡسَتِ التَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ السَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ الۡـَٰٔنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [النساء :18]
ولا تُقبَلُ التَّوبةُ مِنَ الذينَ يَرتَكبونَ الذنوبَ حتَّى إذا عايَنوا الموت، وغَرْغَرَ الحَلْق، وجاءَتْ سَكرةُ الحَقّ، قالَ أحدُهمْ إنِّي تُبْتُ الآن، وكذا الكفّارُ الذينَ يَموتونَ على كفرِهم، لا يَنفعُهمْ نَدمُهمْ ولا تَوبتُهم عندَ الموت، فهؤلاءِ هيّأنا لهمْ عَذاباً شَديداً ومُؤلماً دائماً.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا﴾ [النساء :19]
أيُّها المؤمِنون، لا يَحِلُّ لكمْ أنْ تَرِثوا النِّساءَ كما تَرِثونَ الأموَال، وهُنَّ كارِهاتٌ لذلكَ أو مُكرَهاتٌ عليه، ولا يَحِلُّ لكمْ أنْ تُسيئوا عِشْرَتَهُنَّ وتُضَيِّقوا عليهنَّ وتَمنعُوهُنَّ منَ الزواجِ حتَّى يَدفَعْنَ إليكم ما أعطيتُموهنَّ مِنْ صَداقٍ أو بعضِه، إلاّ إذا اقتَرفنَ فاحِشةً، فحينئذٍ يَجوزُ لكمُ التَّضييقُ عليهنَّ ليَفتَدِينَ أنفُسَهُنَّ منكمْ بمَال، والفاحِشةُ هيَ الزَّنا، أو ما دونَه، كالنُّشوز، وسُوءِ العِشْرة، وإيذاء، وبَذاءَة، وسَلاطَة...
وأجمِلوا مَعَهُنَّ في القَول، وطَيِّبوا خاطِرَهُنّ، وأحسِنوا مَعَهنَّ في المبيتِ والنفقةِ وما إليها.
فإذا سَئمتُمْ صُحبَتَهنَّ مِنْ غَيرِ إساءةٍ مِنْ طَرَفِهِنَّ، فاصْبِروا على معاشَرتِهنّ، فلعَلَّ لكمْ فيما تَكرَهونَهُ خَيراً كَثيراً يَبدو في المستقبل، كولَدٍ صالحٍ في الدُّنيا، وأجرٍ كبيرٍ لكمْ في الآخرةِ جزاءَ صبرِكم.
وفي الحديثِ الصحيح: "لا يَفْرَكْ - أيْ لا يَكرهْ - مؤمِنٌ مؤمِنة، إنْ سَخِطَ منها خُلقاً رضيَ منها آخَر".
﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ اسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا﴾ [النساء :20]
وإذا أردتُمْ مُفارَقةَ امرأةٍ والزواجَ بأخرَى، وقدْ دَفعتُمْ إلى الأُولى صَداقاً كثيراً، فلا تأخُذوا منهُ شيئاً ولو كانَ قليلاً، أتأخُذونَهُ ظُلماً وزُوراً بيِّناً؟!
﴿وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا﴾ [النساء :21]
وكيفَ تأخُذونَ الصَّداقَ منهنَّ وقدْ حدَثَ بينَكمْ وبينَهنَّ الخَلوةُ والجِماع، وأخذنَ منكمْ عَهداً وَثيقاً، وهوَ حقُّ الصُّحبةِ والمعاشَرةِ الطيِّبة، كما قالَ اللهُ تعالى في شأنِهنّ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، أو أنَّ المقصودَ بالميثاقِ الغَليظِ عقدُ الزواج.
﴿وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَمَقۡتٗا وَسَآءَ سَبِيلًا﴾ [النساء :22]
ولا يَحِلُّ لكمْ أنْ تَنْكِحوا ما نَكحَهُ آباؤكمْ كما كانَ يُفْعَلُ في الجاهلية؛ تَكرِمةً لهم، وإعظاماً واحتِراماً أنْ توطَأ زوجاتهُم مِنْ قِبَلِ أبنائهم، إلاّ ما كانَ سلفَ منهُ في الجاهليَّة، فهوَ مَعفوٌّ عنه. فإنَّ هذا العملَ مَمقوتٌ مَبغوضٌ وسَبيلٌ سيِّء. وقدْ كانَ مَمقوتاً مُستحقَراً حتَّى في الجاهليَّة.
﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ الۡأَخِ وَبَنَاتُ الۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ الَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ الرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ الَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ الَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ الَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ الۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء :23]
حُرِّمَ عَليكمُ الزواجُ مِنْ أمَّهاتِكم، وبناتِكم، وأخواتِكم، وعمّاتِكم، وخالاتِكم، وبناتِ الأخ، وبناتِ الأُخت.
كما تَحْرُمُ عليكمْ أمَّهاتُكمُ اللَّواتي أرضَعنَكم، وأخواتُكمْ منَ الرَّضاعة.
ويَحْرُمُ عليكمُ الزواجُ مِنْ أمَّهاتِ زوجاتِكم (بمجرَّدِ العَقدِ على بناتِهنّ)، وبناتِ زوجاتِكم، فيَحْرُمُ عليكمُ الزواجُ ببناتِهنَّ بعدَ الدخولِ بأمَّهاتهنّ، فإذا لم تَكونوا دَخلتُمْ بأمَّهاتِهنَّ فلا حَرجَ منَ الزواجِ ببناتِهنّ، وسَواءٌ كانتْ تلكَ البناتُ في بيوتِكمْ أمْ لا.
ولا يَحِلُّ لكمُ الزَّواجُ مِنْ زوجاتِ أبنائكمُ الذينَ وَلَدْتُموهُمْ مِنْ أصلابِكم. بخِلافِ الأبناءِ الأدعياءِ (المُتَبَنِّين) فلا حرَجَ في ذلك.
ويَحْرُمُ عليكمْ في الزواجِ الجمعُ بينَ الأُختَين، إلا ما كانَ مِنْ أمرِ الجاهليَّة، فإنَّ اللهَ قدْ عَفا عَنكم، وغَفرَ لكم؛ رَحمَةً بكم.