﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَالۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾ [النساء :1]
أيُّها النَّاس، أطِيعُوا اللهَ واحذَروا مخالفةَ أمرِه، واتَّقوا عذابَه، هوَ الذي خَلقَكُمْ مِنْ نفسٍ واحِدة، هيَ آدم، وخَلَق َمنهُ زوجَهُ حَوّاء، خَلَقَها مِنْ ضِلْعٍ له، ونَشرَ منهما ذُكوراً وإناثاً كثيرِين.
واتَّقوا اللهَ بطاعتِكمْ إيّاه، وهوَ الذي تَتساءَلونَ بهِ وتقولون: أسألُكَ بالله.
واحذَروا مِنْ أنْ تَقطَعوا أرحامَكم، فإنَّ قَطيعتَها ممّا يَجِبُ أنْ يُخشَى ويُتَّقَى. واللهُ رَقيبٌ عَليكم، حافظٌ مطَّلعٌ على نيّاتكمْ وما يَصدُرُ عنكمْ مِنْ أقوالٍ وأفعَال، فيُجازيكمْ بها.
﴿وَءَاتُواْ الۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ الۡخَبِيثَ بِالطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبٗا كَبِيرٗا﴾ [النساء :2]
وأعطُوا اليَتامَى أموالَهم، ولا تَظلِموهمْ فتُبَدِّلوا الدنيءَ الحقيرَ منْ أموالِكمْ بالطيِّبِ الغالي منْ أموالِهم، وتَقولوا هذا بذاكَ ما دامَ مِنْ جنسٍ واحِد! ولا تَخلِطوا أموالَهمْ بأموالِكمْ وتأكلوها جَميعاً، فهو إثمٌ كبيرٌ، فاجتَنِبوه.
﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي الۡيَتَٰمَىٰ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ﴾ [النساء :3]
وإذا أردتُمُ الزواجَ بيَتيماتٍ وخَشِيتُمْ أنْ تَضُرُّوا بحُقوقِهنّ، كأنْ لا تُعطُوهنَّ صَداقَهنَّ كامِلاً مثلَ صَداقِ غيرِهنّ، فلا سبيلَ لكمْ إليه، إلاّ أنْ تَعدِلوا في ذلكَ مثلَ غيرِهنّ، فإنْ لم تَقدروا على العَدلِ فالنِّساءُ كَثيرَات، فتزوَّجوا سِواهنّ، إنْ شئتمُ الثنتينِ والثلاثَ والأربَع، حَلالاً طيِّباً، ولا زيادةَ على هذا العَدد، فإذا خَشِيتُمْ ألاّ تَعْدِلوا بينَهنَّ فانكِحوا واحِدةً وذَروا الجميع، أو انكِحوا ما ملكتْ أيمانُكمْ منَ الجوارِي السَّرارِي، بدونِ عَدّ، بطريقِ المُلكِ لا بطريقِ النِّكاح، فلا يَلزَمُ فيهنَّ منَ الحقوقِ ما يَلزمُ في الزَّوجاتِ الحرائر. واختيارُ الواحِدة، أو التسرِّي، هوَ أقربُ إلى ألاّ تَظلِموا.
﴿وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗا﴾ [النساء :4]
وأعطُوا النساءَ صَداقَهنَّ حَتْماً واجِباً، فإذا تَنازَلْنَ لكمْ عنْ قِسْمٍ منهُ عنْ طيبِ نفسٍ منهنَّ، فكلوهُ حَلالاً طَيِّباً.
﴿وَلَا تُؤۡتُواْ السُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمۡ قِيَٰمٗا وَارۡزُقُوهُمۡ فِيهَا وَاكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا﴾ [النساء :5]
ولا تُعطُوا غيرَ الرَّاشدينَ أموالَكم، ممَّنْ لا يُحسِنونَ تَصريفَها وتَدبيرَها وتَثميرَها، فالأموالُ لا تُهدَرُ ولا تُرمَى، ففيها معايشُكمْ ومصالحُكمْ، مِنْ تِجاراتٍ وغيرِها، وأعطُوا غيرَ الرَّاشدينَ ممَّنْ تَتولَّونَ أمورَهمْ حقوقَهم، منْ كُسوةٍ ومُؤنةٍ وطَعام، وأحسِنوا تَعامُلَكمْ مَعهم، فبَرُّوهم، وقولوا لهمْ كلاماً طيِّباً.
﴿وَابۡتَلُواْ الۡيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡهُمۡ رُشۡدٗا فَادۡفَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافٗا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْۚ وَمَن كَانَ غَنِيّٗا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡۖ وَمَن كَانَ فَقِيرٗا فَلۡيَأۡكُلۡ بِالۡمَعۡرُوفِۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ أَمۡوَٰلَهُمۡ فَأَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبٗا﴾ [النساء :6]
وإذا أرَدتُمْ أنْ تُمَكِّنوا اليَتامَى مِنْ أموالِهمْ فجرِّبوهمْ واختَبِروهمْ أوَّلاً، فإذا رأيتُمْ أنَّهمْ بَلغوا سِنَّ الزواج، وعَلِمتُمْ منهمْ صَلاحاً في الدِّين وقُدرةً على التدبيرِ والتَّصريف، فأعطُوهمْ أموالَهم، ولا تأكلوها مِنْ غيرِ حاجةٍ ضروريَّةٍ قبلَ بلوغِهم، ومَنْ كان في غِنىً عنْ مالِهمْ فلا يأكُلْ منهُ شيئاً، ومَنْ كانَ مُحتاجاً فليأكُلْ بالمَعروف، يَعني بالتي هيَ أحسَن، كما قالَ سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام:152]، فإذا أعطَيتُموهمْ أموالَهمْ فيَجبُ أنْ يكونَ هناكَ شُهودٌ في مَحضَرِ التَّسليم. وكفَى باللهِ مُحاسِباً وشَهيداً ورَقيباً على أولياءِ اليتامَى وقيامِهمْ على أمرهِمْ وما يَفعلونَهُ بأموالِهم.
﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ الۡوَٰلِدَانِ وَالۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ الۡوَٰلِدَانِ وَالۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبٗا مَّفۡرُوضٗا﴾ [النساء :7]
الجَميعُ سواءٌ في أصلِ الوِراثة، فللرِّجالِ نَصيبُهمْ ممّا تركَهُ الوالدانِ وأقرِباؤهم، وللنساءِ كذلكَ نَصيبُهنَّ ممّا تركَ الوالدانِ وأقرِباؤهنّ، سواءٌ كانتِ الترِكَةُ قَليلةً أو كَثيرة، حقًّا واجِباً مَفروضاً.
﴿وَإِذَا حَضَرَ الۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ الۡقُرۡبَىٰ وَالۡيَتَٰمَىٰ وَالۡمَسَٰكِينُ فَارۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗا﴾ [النساء :8]
وإذا حضرَ قِسمَةَ الترِكَةِ أقرباؤكمْ منَ اليتامَى والمساكينِ ممَّن لا يَرِثون، فأعطُوهمْ منها، وقُولوا لهمْ كلاماً حسناً تُطَيِّبونَ بهِ نفوسَهم.
﴿وَلۡيَخۡشَ الَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّةٗ ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ اللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدًا﴾ [النساء :9]
وليخَفِ اللهَ هؤلاءِ الذينَ يَحضرُهمُ الموتُ وقدْ تَركوا ذُرِّيةً صِغاراً خافَوا عليهمُ الفَقرَ والضَّياع، لضَعفِهمْ وعدَمِ قُدرتِهمْ على التكسُّب، فليتَّقوا اللهَ ولا يوصُوا بالكثيرِ مِنْ أموالِهمْ للآخَرينَ ويَدَعوا أولادَهمْ عالةً يَتكفَّفونَ الناس، بلْ بالمعروف. وقدْ بيَّنتِ السنَّةُ منْ بعدُ أنَّهُ لا تَجوزُ الوصيَّةُ بأكثرَ منَ الثُّلث.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ الۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا﴾ [النساء :10]
إنَّ الذينَ يأكلونَ أموالَ الأيتامِ حَراماً بغَيرِ حقّ، إنَّما يأكلونَ بذلكَ ناراً مِلْءَ بُطونِهمْ يومَ القيامة. وسيَكونُ جزاؤهمْ أنْ تُسْعَرَ بهمُ النارُ في جهنَّم، فيُحرَقونَ منَ الخارجِ أيضاً، فهيَ مُحيطةٌ بهمْ ظاهِراً وباطِناً، جزاءَ ظُلمِهمْ لليَتامَى الضُّعَفاء.
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ الۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءٗ فَوۡقَ اثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةٗ فَلَهَا النِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٞۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٞ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعٗاۚ فَرِيضَةٗ مِّنَ اللَّهِۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾ [النساء :11]
يأمرُكمُ اللهُ بالعَدلِ في أولادِكمْ عندَ تَقسيمِ الميرَاث، فللرَّجلِ ضِعْفُ ما هوَ للأنثَى، بحَسَبِ ما يأتي، فلا تُحرَمُ نصيبَها كما كانَ يُفْعَلُ بها في الجاهليَّة. أمّا الضِّعْفُ للرجُلِ فلأنَّهُ هوَ المسؤولُ عنِ النفقةِ لا المرأة، وهوَ الذي يَعمَلُ ويَتَكسَّبُ ويُتاجِرُ ويَتحَمَّلُ المَشقَّةَ لأجلِ ذلك، وليسَ مَطلوبٌ ذلكَ مَنَ المرأة، بلْ هيَ مَصُونةٌ مأمورٌ أنْ يُنفَقَ عليها، سواءٌ كانتْ عندَ أهلِها أو عندَ زوجِها، أو أنَّها تُنفِقُ على نفسِها وحدَها.
فإذا ماتَ الأبُ ولا وارِثَ لهُ سِوَى ذُرِّيتهِ منَ الذكورِ والإناث، اقتَسموا تَرِكتَهُ كلَّها، للذُّكورِ منهمْ ضِعْفُ ما للإناث.
فإذا لم يَكنْ عندَهُ ذُكور، لكنْ لهُ ابنتانِ فأكثر، فلهُنَّ ثلثا التَّرِكة.
وإذا كانتْ لهُ ابنةٌ واحدةٌ فلها نِصْفُ الترِكة.
ثمَّ يوزَّعُ باقي الميراثِ على أقربِ عاصِبٍ للميِّت:
فيكونُ لأبوَيه: لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُسُ منَ الميراث، إذا كانَ لهُ ولد: ابنٌ أو بنت.
فإذا لم يكنْ لهُ ولدٌ ووَرِثَهُ أبواهُ فقَط، فلأمِّهِ الثُّلُث، وسائرهُ لأبيه.
فإذا لم يَكنْ لهُ ولد، وكانَ لهُ إخوة، ومعهمُ الأبُ والأمّ، فلها معهمُ السُّدُس، وسائرُهُ للأب.
وهذا كلُّهُ بعدَ أنْ يُعطَى منَ التَّرِكةِ الدَّينُ الذي على الميِّت، وكذلكَ فَرْزُ الوصيَّةِ منها، إذا كانَ أوصَى منها.
وفي المسائلِ السابقةِ تفاصيلُ فَرعيَّةٌ تُنْظَرُ في كتبِ الفَرائض.
وقدْ ساوَينا بينَ الكلِّ في أصلِ المِيراث، ولا تَدرُونَ المتوقَّعَ في الخَيرِ والنَّفعِ الدنيويِّ والأخرَويِّ لكمْ منْ أيٍّ يَكون، في الآباءِ أو في الأبناء، فلهذا فرَضنا لهذا ولذاك، وساوَينا بينَ القِسمَينِ في أصلِ الميراث.
وهذا التفصيلُ في تقسيمِ الميراثِ فَرْضٌ منَ اللهِ عليكم، وبهِ قضَى، وهوَ عليمٌ حَكيمٌ، يُعطِي كلاًّ ما يَستَحِقُّ بحَسَبه، وليسَ للبشَرِ أنْ يُشَرِّعوا لأنفسِهم، وأنْ يُحَكِّموا هواهُمْ في ذلك، فاللهُ هوَ الذي أعطَى الأرزاقَ والأموَال، وهوَ الذي يَفرِضُ ويَقْسِم، وهوَ أعلمُ بمصلحتِهمْ منهمْ بها.
﴿۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ امۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا السُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي الثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ اللَّهِۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ﴾ [النساء :12]
ولكمْ أيُّها الأزواجُ نِصفُ ما تركتِ الزوجاتُ إذا لم يكنْ لهنَّ أولاد.
فإذا كانَ لهنَّ أولادٌ فلكمُ الربُع مِنْ تَرِكَتِهنّ.
وهذا بعدَ إيفاءِ الدَّينِ والوصيَّةِ مِنْ مِيراثِهنّ، إنْ كانَ عليهِنَّ دَيْن، أو أوصَينَ بوصيَّة.
وللزَّوجاتِ الرُّبُعُ منْ ميراثِكمْ أيُّها الأزواجُ إذا لم يَكنْ لكمْ ولد، فإذا ورِثَكمُ الأولادُ مَعَهنَّ فللزَّوجاتِ الثُّمُنُ منَ الميراث.
وهذا أيضاً بعدَ إيفاءِ الدَّينِ والوصيَّةِ مِنْ ميراثِكم، إذا كانَ عليكمْ دَيْنٌ أو أوصَيتُمْ بوصيَّة...
وإذا ماتَ الرجلُ ولا أصلَ يَرِثُهُ ولا فَرع، يَعني لا ولدَ لهُ ولا والِد، وإنَّما همْ حَواشيه، وكذا المرأةُ، ولهُ أخٌ أو أختٌ مِنْ أمّ، فلكلِّ واحدٍ منهما السُّدُس. فإذا كانوا أكثرَ منْ ذلكَ فهمْ شُركاءُ في الثلثِ مَهما بلغَ عَددُهم. وهذا أيضاً بعدَ رفعِ مِقدارِ الدَّينِ منَ التَّرِكة، وكذا الوصيَّةِ الموصَى بها، على أنْ تكونَ عادلةً لا ضَررَ فيها على الورثةِ ولا جَور، فلا يكونُ القَصدُ منها حِرْمانَ بعضِ الورثةِ منَ الميراث، أو إنقاصَه، أو الزيادةَ عليه.
ويُلاحَظُ أنْ لا وصيَّةَ لوارِث، ولا تَزيدُ على الثُّلُثِ لغَيرِ الوارِث.
وهذهِ الفَرائضُ وصيَّةٌ منَ الله، فهيَ واجِبَةُ الطَّاعة.
واللهُ عليمٌ بالمُضارِّ وغَيرِه، حَليمٌ بهم، فلا يؤاخِذُهمْ بمجرَّدِ صدورِ خطأ منهم، بلْ يُمهِلُهمْ ويبيِّنُ لهمْ حتَّى يَفهمُوا ويَعتَبِروا.
﴿تِلۡكَ حُدُودُ اللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ الۡفَوۡزُ الۡعَظِيمُ﴾ [النساء :13]
وتلكَ الفرائضُ والتَّشرِيعات، مِنْ بيانِ تَقديرِ مُستَحقَّات كلِّ وارِث، بحسَبِ قُربِهمْ وبُعدِهمْ عنِ الميِّت، وبقدرِ احتياجِهمْ وفَقدِهمْ لهُ بعدَ وفاتِه، وما إلى ذلك، هيَ حُدودٌ حَدَّها اللهُ بعِلمهِ وحِكمَتهِ لتَكونَ الفيصلَ في التَّوزيعِ والتَّقسيم، فلا تَتجاوَزوها، ولا تَعمَلوا بغَيرِها. ومَنْ يُطِعِ اللهَ ورسولَهُ مُلتَزِماً بفريضتهِ وقِسمتِه، مِنْ غيرِ حيلةٍ ولا خِيانة، يَلْقَ جزاءً طيِّباً مِنْ ربِّه، فيُدخلهُ جنّاتٍ تَجري في خلالِها الأنهار، معَ خلودٍ دائم، وهوَ فوزٌ عَظيم، لمنْ عَرَفَ خُطورةَ ذلكَ اليومِ وهولَهُ وشِدَّتَه.
﴿وَمَن يَعۡصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [النساء :14]
أمّا مَنْ عصَى وتَحايل، أو عَمِلَ بغير ِقِسْمةِ الله، مُؤثِراً إيّاهُ عليها، ويَكونُ بذلكَ غيَّرَ ما حكَم اللهُ بهِ وضَادَّهُ في حُكمِه، وغيرَ راضٍ مِنْ قِسمتِه، فإنَّ اللهَ يُدخِلهُ ناراً مُحرِقةً خالِدًا فيها، ويُعَذَّبُ فيها عَذاباً شديداً، معَ ذُلٍّ وهَوان.
﴿وَالَّـٰتِي يَأۡتِينَ الۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَاسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي الۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ الۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا﴾ [النساء :15]
والنساءُ اللَّواتي يأتينَ الفاحشةَ، فيَزْنِين، فلا بدَّ لإثباتِ ذلكَ مِنْ أربعةِ شُهود، فإذا شَهِدوا بذلك، فإنَّهنَّ يُحْبَسْنَ في بيتٍ ولا يُسْمَحُ لهنَّ بالخروجِ منهُ حتَّى يَمُتْن، أو يَنْتَظِرنَ حتَّى يجعلَ اللهُ لهنَّ مَخرَجاً.
والسبيلُ في مَخرَجِهنَّ هو الحُكمُ الناسِخُ لسابقِه، فهذا الحُكمُ كانَ في أوَّلِ الإسلام، ثمَّ صارَ إلى الرَّجْمِ للمتزوِّجِ والمتزوِّجة، والجَلدِ لغَيرِهما.
﴿وَالَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا﴾ [النساء :16]
والرَّجُلانِ اللَّذانِ يَعملانِ الفاحشةَ بَعضُهما ببَعضٍ فآذُوهما، بالشَّتمِ والتَّعيير، والضَّربِ بالنِّعال.
فإذا أقلَعا عن جُرْمِهما ولم يَعودا إليه، وحَسُنَ سلوكُهما وصَلَحَتْ أعمالُهما، فاترُكوهما ولا تُعَنِّفوهما، فالتائبُ تُقبَلُ تَوبتُه. واللهُ كثيرُ قَبولِ التوبة، كثيرُ الرحمةِ بعبادهِ المؤمنين.
ثمَّ بيَّنتِ السُّنَّةُ مآلَ حُكمِهما في قولهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجدْتُموهُ يَعْمَلُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتُلوا الفاعِلَ والمفعولَ به"، كما في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواهُ الأربعةُ وغيرُهم.
﴿إِنَّمَا التَّوۡبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ السُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٖ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيۡهِمۡۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾ [النساء :17]
إنَّما يَتقبَّلُ اللهُ التوبةَ مِنَ الذينَ يَعملونَ المعاصيَ جهالةً وسفَهًا وهم يَعلَمُونَ سُوءَ عاقبتِها. وسُمِّي مُقتَرِفُ الذنبِ جاهِلاً لأنَّهُ يُقْدِمُ عليهِ وهوَ يَعْلَمُ مَغَبَّته! فهؤلاءِ إنْ تابوا قبلَ سَكراتِ الموتِ قَبِلَ اللهُ تَوبتَهم، واللهُ عَليمٌ بخَلقِه، حَكيمٌ فيما يَصنَعُ بهم.
﴿وَلَيۡسَتِ التَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ السَّيِّـَٔاتِ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ الۡـَٰٔنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [النساء :18]
ولا تُقبَلُ التَّوبةُ مِنَ الذينَ يَرتَكبونَ الذنوبَ حتَّى إذا عايَنوا الموت، وغَرْغَرَ الحَلْق، وجاءَتْ سَكرةُ الحَقّ، قالَ أحدُهمْ إنِّي تُبْتُ الآن، وكذا الكفّارُ الذينَ يَموتونَ على كفرِهم، لا يَنفعُهمْ نَدمُهمْ ولا تَوبتُهم عندَ الموت، فهؤلاءِ هيّأنا لهمْ عَذاباً شَديداً ومُؤلماً دائماً.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَيَجۡعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيۡرٗا كَثِيرٗا﴾ [النساء :19]
أيُّها المؤمِنون، لا يَحِلُّ لكمْ أنْ تَرِثوا النِّساءَ كما تَرِثونَ الأموَال، وهُنَّ كارِهاتٌ لذلكَ أو مُكرَهاتٌ عليه، ولا يَحِلُّ لكمْ أنْ تُسيئوا عِشْرَتَهُنَّ وتُضَيِّقوا عليهنَّ وتَمنعُوهُنَّ منَ الزواجِ حتَّى يَدفَعْنَ إليكم ما أعطيتُموهنَّ مِنْ صَداقٍ أو بعضِه، إلاّ إذا اقتَرفنَ فاحِشةً، فحينئذٍ يَجوزُ لكمُ التَّضييقُ عليهنَّ ليَفتَدِينَ أنفُسَهُنَّ منكمْ بمَال، والفاحِشةُ هيَ الزَّنا، أو ما دونَه، كالنُّشوز، وسُوءِ العِشْرة، وإيذاء، وبَذاءَة، وسَلاطَة...
وأجمِلوا مَعَهُنَّ في القَول، وطَيِّبوا خاطِرَهُنّ، وأحسِنوا مَعَهنَّ في المبيتِ والنفقةِ وما إليها.
فإذا سَئمتُمْ صُحبَتَهنَّ مِنْ غَيرِ إساءةٍ مِنْ طَرَفِهِنَّ، فاصْبِروا على معاشَرتِهنّ، فلعَلَّ لكمْ فيما تَكرَهونَهُ خَيراً كَثيراً يَبدو في المستقبل، كولَدٍ صالحٍ في الدُّنيا، وأجرٍ كبيرٍ لكمْ في الآخرةِ جزاءَ صبرِكم.
وفي الحديثِ الصحيح: "لا يَفْرَكْ - أيْ لا يَكرهْ - مؤمِنٌ مؤمِنة، إنْ سَخِطَ منها خُلقاً رضيَ منها آخَر".
﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ اسۡتِبۡدَالَ زَوۡجٖ مَّكَانَ زَوۡجٖ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا فَلَا تَأۡخُذُواْ مِنۡهُ شَيۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا﴾ [النساء :20]
وإذا أردتُمْ مُفارَقةَ امرأةٍ والزواجَ بأخرَى، وقدْ دَفعتُمْ إلى الأُولى صَداقاً كثيراً، فلا تأخُذوا منهُ شيئاً ولو كانَ قليلاً، أتأخُذونَهُ ظُلماً وزُوراً بيِّناً؟!