﴿ثُمَّ لَمۡ تَكُن فِتۡنَتُهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشۡرِكِينَ﴾ [الأنعام :23]
ثمَّ لمّا رأوا ما همْ مُقْدِمونَ عليه، ولا بدَّ لهمْ منْ أنْ يُجِيبوا على ما اختُبِروا به، قدَّموا مَعذِرتَهمْ مُتبرِّئينَ مِنْ شِركِهم، بقولِهم: واللهِ يا ربَّنا لم نُشرِكْ بكَ شَيئاً! قالوا هذا بعدَ أنْ رأوا أنَّهُ لا يَدخلُ الجنَّةَ سِوَى أهلِ التوحيد، فنفَوا ما كانوا قائمينَ عليهِ في الدُّنيا.
ويومُ القيامةِ طَويل، تكونُ فيهِ حالات، هذهِ إحداها.
﴿انظُرۡ كَيۡفَ كَذَبُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡۚ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ﴾ [الأنعام :24]
فانظرْ كيفَ كذَبوا على أنفسِهمْ باعتذارِهمُ الباطلِ وتَبرُّئهمْ منَ الشِّرك، وقدْ زالتْ عنهمْ أوثانُهم، فلمْ تُغْنِ عنهمْ منَ اللهِ شيئاً، لا في الدُّنيا، ولا في الآخِرَة، وقدْ كانوا يَرجُونَ شفاعتَها ونُصرتَها، فبَطَلَ كلُّهُ في ذلكَ اليوم، بلْ كانتْ وَبالاً عليهمْ وعَذاباً.
﴿وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام :25]
ومنَ المشرِكينَ مَنْ يأتي إليكَ ويُصغِي إلى قراءَتك، ولكنْ بعَقلٍ غَيرِ وَاعٍ وقَلبٍ عارٍ عنِ الفَهم، فقدْ أنشَأنا على قُلوبِهمْ أغطيةً لئلاّ يَفهموا القُرآن، وفي آذانِهمْ صَمَماً وثِقلاً عنِ السَّماعِ النافِع، وذلكَ لجهلِهمْ بأمرِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ومكانتِه، وبُعدِهمْ عنْ شأنِ الرسالةِ وعظَمتِها. وإذا شاهدوا مُعجِزاتٍ وآياتٍ دالَّةً على صِدقهِ عليهِ الصلاةُ والسلام، لم يؤمِنوا بها، لفَرْطِ عِنادِهمْ وتقليدِهمْ آباءَهمْ جَهلاً وضَلالاً، حتَّى إذا جاؤوا إليكَ وخاصَموكَ وناظَروكَ في الحقّ، قالَ مُجادِلوك، الكافِرونَ برسالةِ اللهِ إليك، في تَكذيبٍ ومُكابَرة: ما هذا الذي جئتَ بهِ وتُحَدِّثُنا منهُ سِوَى أحاديثَ وأقاصيص، وتُرَّهاتٍ وأباطيلَ لا يُعَوَّلُ عليها، مأخوذةٌ مِنْ كتُبِ الأوائل.
﴿وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ﴾ [الأنعام :26]
وهؤلاءِ الكفَّارُ يَنهَونَ النَّاسَ عنِ الاستماعِ إلى رسولِ اللهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلَّمَ وأتباعِه، ويَتباعَدونَ عنه، تأكيداً لنَهيهِمْ وإظهاراً لنفورِهمْ منه، وما يُهلِكونَ بهذا الصَّنيعِ سِوَى أنفسِهم، فقدْ باؤوا بآثامِهمْ وآثامِ مَنْ مَنَعوهمْ مِنَ الإيمان، وعادَ وبالُ فِعلِهمْ وضلالِهمْ عَليهم.
وعنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما أنَّها نزَلتْ في أبي طالب، كانَ يَنهَى المشرِكينَ أنْ يُؤذوا محمَّداً صلى الله عليهِ وسلَّم، ويَنأَى عمّا جاءَ به.
﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الأنعام :27]
ولو نظَرتَ إليهمْ حينَما يُعاينونَ نارَ جهنَّمَ وما فيها مِنْ أنواعِ العَذاب والأهْوال، فعندَ ذلكَ يَقولون، وقدْ عَرَفوا ذَنْبَهمْ ومَصيرَهم: يا ليتنا نَرجِعُ إلى الدُّنيا ولا نُكَذِّبُ بالقُرآنِ ولا نَقولُ إنَّهُ أساطيرُ الأوَّلين، بلْ نؤمنُ ونَعملُ صالحاً كما يرضَى ربُّنا.
﴿بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ [الأنعام :28]
وليسَ الأمرُ كما قالوا، مِنْ عَزمِهمْ على التَّصديقِ بالآياتِ وتَشُوُّقهمْ إلى الإيمانِ إذا عادوا إلى الدُّنيا، بلْ قالوا ذلكَ خَوفاً مِنَ العَذاب، وقدْ ظهرَ لهمْ ما كانوا يُسِرُّونَهُ مِنْ إنكارِ تَحَقُّقِ يومِ القيامةِ وعدمِ الإيمانِ بثبوتِ النارِ والحِساب. أو أنَّ المقصودَ هوَ ما كانوا يُسِرُّونَهُ منَ الإيمانِ بصدقِ رسالةِ الرسُولِ ولكنَّهمْ كانوا يُخْفُونَهُ عنْ أتْباعِهم، هكذا جَهلاً وعِناداً وحِفاظاً على الزَّعامة. ولو أنَّهمْ رَجعَوا إلى الدُّنيا لعَادوا إلى حالِهمْ منَ الكُفرِ والتكذيبِ والمعانَدة، فهمْ كاذبونَ في قولِهم: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأنعام: 27].
﴿وَقَالُوٓاْ إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ﴾ [الأنعام :29]
وقالَ الكافِرونَ المكذِّبون: إنَّ الحياةَ التي نَعيشُها في الدُّنيا هي هذهِ فقط، ولا حياةَ غيرُها، ولا قيامةَ لنا بعدَ الموت.
﴿وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ قَالَ أَلَيۡسَ هَٰذَا بِالۡحَقِّۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَاۚ قَالَ فَذُوقُواْ الۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡفُرُونَ﴾ [الأنعام :30]
ولو نَظرْتَ إليهمْ وقدْ أُوقِفُوا بينَ يدَيْ ربِّهمْ للحِساب، وقالَ لهم: أليسَ المـَعادُ والعَذابُ حقًّا، وليسَ باطِلاً كما كنتُمْ تزعُمون؟ فقالوا في ذُلٍّ وانكِسار، وغمٍّ وخَوف: بلَى، هوَ حقٌّ واللهِ ربَّنا. وهذا أحَدُ المواقفِ الكثيرةِ يومَ القيامة. قالَ لهمْ ربُّهم: فذوقُوا اليومَ مسَّ العَذابِ الذي كنتُمْ تَكفُرونَ بهِ وتُنكِرونَه.
﴿قَدۡ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَتۡهُمُ السَّاعَةُ بَغۡتَةٗ قَالُواْ يَٰحَسۡرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطۡنَا فِيهَا وَهُمۡ يَحۡمِلُونَ أَوۡزَارَهُمۡ عَلَىٰ ظُهُورِهِمۡۚ أَلَا سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام :31]
لقدْ خَسِروا أنفسَهم، هؤلاءِ الذينَ كفَروا بيومِ الحِساب، وخابوا ونَدِموا، حتَّى إذا دقَّتْ عليهمْ ساعةُ يومِ القيامَةِ فَجأة، قالوا وقدْ عَلِموا ما قدَّموا مِنْ سُوءِ الفَعال: ما أشدَّ ندامَتَنا على ما قَصَّرنا وضَيَّعنا مِنْ أعمالِ الطَّاعةِ في الحياةِ الدُّنيا، وهمْ يَحمِلونَ آثامَهمْ وخطاياهُمْ على ظُهورِهم(33) ، ألا ما أسوَأَ وما أثقلَ ما يَحمِلون.
(33) ذكرُ الظهورِ كذكرِ الأيدي في قوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سورة الشورى: 30]، فإن المعتادَ حملُ الأثقالِ على الظهور، كما أن المألوفَ هو الكسبُ بالأيدي. (روح البيان).
﴿وَمَا الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ الۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأنعام :32]
وما الحياةُ الدنيا - في غالبِها - إلا كاللَّعبِ واللَّهوِ في عَدَمِ النَّفعِ والثَّبات، فلا يشتَغلُ العاقِلُ بما هوَ باطِلٌ وغُرورٌ ولا بقاءَ له، فهوَ سريعُ الزَّوال، قليلُ الانتِفاعِ به، والدَّارُ الآخِرَةُ وما يتعلَّقُ بها منْ ثَوابٍ ونَعيم، وخُلودٍ ورِضوانٍ منَ الله، خَيرٌ وأعظَمُ منْ ذلكَ المتاعِ القَليل، للَّذينَ يَبتَعدونَ عنِ الكُفرِ والعِناد، ويَفتَحونَ قلوبَهمْ للحقِّ والإيمان، أفلا تَفقَهونَ ذلكَ لتبتَعِدوا عمّا نَهى اللهُ عنه، وتُقبِلوا على ما رغَّبَكمْ فيهِ وحثَّكمْ عليه، وفيهِ مَنفَعةٌ لكمْ في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرة ؟!
﴿قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّـٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ اللَّهِ يَجۡحَدُونَ﴾ [الأنعام :33]
لقدْ عَلِمنا بما يَعتريكَ مِنْ حُزنٍ وغَمًّ بسبَبِ مخالفةِ قومِكَ لكَ وتَكذيبِهمْ إيّاك، وهمْ لا يتَّهمونَ شخصَكَ بالكذِب، فليستِ العداوةُ بَينكَ وبينَهمْ متعلِّقةً بأمورٍ شَخصيَّة، ولكنَّهمْ ظالمونَ مُعتَدون، يَكفُرونَ بآياتِ اللهِ التي توحَى إليك.
وقدْ نَزَلتْ في أبي جَهل، الذي قالَ لرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: إنّا لا نُكَذِّبُك، ولكنْ نُكَذِّبُ ما جئتَ به!
﴿وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ اللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الأنعام :34]
ولستَ أوَّلَ رَسُولٍ يُكَذَّبُ مِنْ قِبَلِ قومِه، فقدْ سَبقَكَ رُسلٌ كُذِّبوا فصَبروا على تكذيبِهمْ لهم، وثَبَتوا وبلَّغوا رِسالاتِ ربِّهم، وأُوذوا نتيجةَ ذلكَ حتَّى أتاهُمْ نصرُنا الذي وعَدناهم، ولا ناقضَ لِما حَكمَ بهِ اللهُ مِنْ نَصرِ أنبيائهِ على أعدائهم، وقدْ عرفتَ مِنْ خَبَرِهمْ كيفَ مُنحِوا النصرَ بتأييدهِ وقوَّتِه، فتأسَّ بهمْ واصبِرْ كما صبرَ أُوْلو العَزمِ منَ الرسُل، فلكَ فيهمْ أُسْوَة، وبهمْ قُدْوَة، حتَّى يأتيَ نصرُ اللهِ الموعُود.
﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكَ إِعۡرَاضُهُمۡ فَإِنِ اسۡتَطَعۡتَ أَن تَبۡتَغِيَ نَفَقٗا فِي الۡأَرۡضِ أَوۡ سُلَّمٗا فِي السَّمَآءِ فَتَأۡتِيَهُم بِـَٔايَةٖۚ وَلَوۡ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمۡ عَلَى الۡهُدَىٰۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الۡجَٰهِلِينَ﴾ [الأنعام :35]
وإذا شقَّ عليكَ إعراضُهمْ وعَظُمَ عليكَ مخالفتُهمْ بما جئتَ بهِ منَ القُرآن، فإنْ قَدَرتَ وتهيَّأَ لكَ أنْ تَطلُبَ سِرْباً في الأرض، أو دَرَجاً ومَرقاةً في السَّماءِ فتَصعَدَ فيه، فتأتيَهمْ منهما بآيةٍ أفضلَ ممّا آتيناهمْ بهِ ليؤمِنوا، فافعل. - وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ حريصاً أنْ يُتابِعَهُ جَميعُ الناس - ولو شاءَ اللهُ أنْ يَجمعَهُمْ على الهُدَى والإيمانِ لفَعل، ولكنَّهمْ لا يُحِبُّونَ ذلك، ولا يُريدونَ أنْ يَسمَعوا كلامَك، ولا أنْ يَتوجَّهوا إلى الخَير، فلا تَكنْ بهذا الحرصِ الشَّديدِ على إسلامِهم، ولا تَجزَعْ في مَواطنِ الصَّبر، ولا تَكوننَّ منَ الجاهِلينَ بذلك.
﴿۞إِنَّمَا يَسۡتَجِيبُ الَّذِينَ يَسۡمَعُونَۘ وَالۡمَوۡتَىٰ يَبۡعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ﴾ [الأنعام :36]
إنَّما يَستَجيبُ لكَ ويَقبَلُ منكَ دعوتَكَ منِ استمعَ إليكَ بوعي وفَهمٍ وتَدَبُّر. أمّا الكفّارُ الجَهَلةُ موتَى القُلوب، فسوفَ يَبعثُهمُ اللهُ مِنْ قبورِهمْ إلى المحشَر، ليكونَ مَرجِعَهمْ إلى الله، ويُعَذِّبَهمْ بأعمالِهم.
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يُنَزِّلَ ءَايَةٗ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام :37]
وقالَ المشرِكونَ في تَعنُّتٍ وضَلالٍ دونَ أنْ يَقتَنِعوا بآياتٍ سَابقةٍ رأوها منَ الرسُولِ صلى الله عليه وسلم: هلاّ أُنزِلتْ عليهِ آيةٌ خارِقةٌ تكونُ دليلاً على نبوَّتِه؟
فقلْ لهمْ يا نبيَّ الله: إنَّ اللهَ قادرٌ على أنْ يُنـزِّلَ آيةً خارقةً كما أنزلها مِنْ قبلُ على أنبياءَ سابقِين، ولا يُعجِزُهُ شيءٌ مِنْ ذلكَ وهوَ خالِقُ الكون، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يَعلمونَ أسبابَ الإمهالِ والتأخِير، فلو أنَّهُ سُبحانَهُ أنزلها وفقَ ما طَلبوا ثمَّ لم يؤمِنوا لعاجلَهمْ بالعُقوبة، كما فعلَ بالأمَمِ السَّابقة. {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} [سورة الإسراء: 59].
﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي الۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِي الۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يُحۡشَرُونَ﴾ [الأنعام :38]
وما منْ كائنٍ حيٍّ في الأرْض، أو طائرٍ يطيرُ بجناحَيهِ في الجوّ، إلاّ خَلْقٌ وأصنافٌ مُختلِفةٌ أمثالُكم، في أحوالِهمْ وأرزاقِهمْ وتَدبيرِهم، ما أغفَلنا ولا ترَكنا شَيئاً مُهمَلاً، بلْ كلُّ شيءٍ مُسَجَّلٌ ومحفوظٌ في كتابٍ عندَ الله، هوَ اللَّوحُ المحفوظ. ثمَّ يُحْشَرُ الخَلقُ كلُّهمْ إلى اللهِ يومَ القيامة. ويَبلُغُ مِنْ عدلِ اللهِ أنْ يأخذَ للجَمّاءِ من القَرْناء، ثمَّ يقول: كوني تُراباً.
والكلامُ الأخيرُ من قولِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه باختصارٍ في تَفسيرِ الآية، رواهُ الحاكمُ وصحَّحَه.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا صُمّٞ وَبُكۡمٞ فِي الظُّلُمَٰتِۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الأنعام :39]
والكافرونَ الذينَ كذَّبوا بالقُرآنِ وسائرِ الأدلَّةِ الواضِحات، مثَلُهمْ في قِلَّةِ علمِهمْ وعدمِ فَهمِهم، كالصُّمِّ الذينَ لا يَسمَعون، والبُكْمِ الذينَ لا يَتكلَّمون، وهمْ معَ ذلكَ في ظَلامِ لا يُبصِرون، فلا يَسمَعونَ الآياتِ سَماعَ المتفهِّمِ المتدبِّر، ولا يَقدِرونَ على النُّطقِ بالحقّ، لانجِذابِهمْ إلى التَّقليدِ الأعمَى وعدمِ تجاوبِهمْ معَ العَقلِ السَّويِّ والفِكرِ السَّليم، فهمْ في ظُلماتِ الكُفرِ والجهلِ والعِنادِ ماكِثون، وهوَ سُبحانَهُ المتصرِّفُ في خَلْقِه، فمَنْ وجدَ استعدادَهُ مائلاً إلى الكُفرِ والضَّلالِ أضلَّه، ومنْ وجدَ فيه خَيراً وقابِليَّةً لقَبولِ الحقِّ والتَّجاوبِ مع الإيمانِ أرشدَهُ إلى الطريقِ الصَّحيح.
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ اللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ السَّاعَةُ أَغَيۡرَ اللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الأنعام :40]
وقُلْ أيُّها النبيُّ الكريمُ للكافِرينَ: أرأيتُمْ إنْ أتاكُمْ عَذابٌ مِنْ عندِ اللهِ في الدُّنيا بسبَبِ كفرِكمْ وأعمالِكمُ السيِّئة، أو جاءَتكمُ السَّاعةُ بهولِها وحِسابِها وعَذابِها، فهلْ تَدعونَ غيرَ اللهِ لكَشفِ هذا الكَربِ عنكم؟ وأينَ يبقَى صِدقُكمْ في اتِّخاذِ الأصنامِ آلهة؟!
﴿بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام :41]
بلْ تَدعونَ اللهَ ربَّ العالمينَ في وقتِ الشَّدائدِ والضَّرورات، ولا تَدعونَ أحداً سِواه، فيدفَعُ عنكمُ الضُّرّ، ويُزيلُ عنكمُ الكَرْبَ إذا شَاء، وتَتركونَ ما كنتُمْ تُشرِكونَ بهِ معَ اللهِ مِنَ الأصنام، ولا تَدْعونَها يومَ شدَّتِكم.
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِالۡبَأۡسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام :42]
وقدْ أرسَلنا رُسلاً إلى أُمَمٍ كثيرينَ قبلَك، فكذَّبوهم، فعاقَبناهمْ بالقَحْطِ والضِّيقِ في العَيش، والأمراضِ والآلامِ ونَقصِ الأنفُس، لكي يَتضَرَّعوا إليَّ ويَدْعوني ويَتوبوا مِنْ كفرِهم.
﴿فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنعام :43]
فهلاّ لمَّا نزلَ بهمْ ابتلاؤنا تَذلَّلوا وتَضرَّعوا إلينا؟ ولكنَّهمْ أبَوا ذلكَ وبَقُوا على عِنادِهمْ وقَساوةِ قلوبِهمْ وجُمودِ عُقولِهم، واستمَرُّوا على ما كانوا عليه، وسَوَّلَ لهمُ الشَّيطانُ أنَّ ما أصابَهمْ ليسَ بسببِ ما كانوا يَعمَلونَ منَ الكُفرِ والمعاصي.
﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام :44]
فلمّا أعرَضوا عمّا ذكَّرْناهُمْ به، ونَسُوا ما وُعِظوا به، وخالَفوا ما أُمِروا بهِ منْ قِبَلِ رُسلِهم، وانهمَكوا في مَعاصيهم، حقَّ عليهمُ العَذاب، وحانَ وقتُ العِقاب، فأعطيناهمْ منَ الدُّنيا ما يَشتَهون، وجعَلناهُمْ في نِعمَةٍ ورَخاء، بدلَ الشدَّةِ والبَلاء؛ مكراً بهمْ واستِدراجاً لهم. حتَّى إذا اتَّخَموا وبَطِروا بما عندَهمْ منْ أموالٍ وأرزاقٍ ونِعَم، ولم يَقومُوا بحقِّها، عاقَبناهُمْ فَجأة، وأنزلنا بهمُ العَذابَ وهمْ غافِلون، وكانوا في قِمَّة فرَحِهمْ وسَكرَتِهم، ليَكونَ العَذابُ أوقعَ فيهمْ وأوجَع، فإذا همْ آيسِونَ منَ النَّجاةِ والرَّحمَة، أذلَّةٌ خاضِعون، ساكتونَ مُكتَئبون.
﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الۡقَوۡمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَالۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنعام :45]
لقدْ أُعطُوا منَ الدُّنيا ما يُريدون، ثمَّ أُخِذوا بما كانوا يَعمَلون، فاستُؤصِلوا بالعَذابِ عنْ آخِرِهم، ولم يَبقَ منهمْ أحَد. والحمدُ والشكرُ للهِ ربِّ العالمين، الذي أجرَى عليهمْ هذا الهَلاك، وخلَّصَ الناسَ مِنْ شُرورِهمْ وظُلمِهمْ وأفكارِهمُ المنحَرِفة. والمسلمُ يحمَدُ اللهَ على كفايتهِ شرَّ الظالمين.
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِنۡ أَخَذَ اللَّهُ سَمۡعَكُمۡ وَأَبۡصَٰرَكُمۡ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ اللَّهِ يَأۡتِيكُم بِهِۗ انظُرۡ كَيۡفَ نُصَرِّفُ الۡأٓيَٰتِ ثُمَّ هُمۡ يَصۡدِفُونَ﴾ [الأنعام :46]
قلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ المكذِّبين: أرأيتُمْ لو سلبَ اللهُ سمعَكمْ فكنتُمْ صُمّاً، وسلبَ أبصارَكُمْ فكنتُمْ عُمياً، وغطَّى على قلوبِكمْ فلمْ تَعرِفوا مِنْ أمورِ الدُّنيا شَيئاً، فهو الذي خلقَها فيكم، وقادرٌ أنْ يأخُذَها منكم، فمَنْ إلهٌ غَيرُهُ يأتيكمْ بذلكَ كلِّه؟ انظرْ كيفَ نبيِّنُ لهمُ الأدلَّةَ ونُكرِّرُها لتَكونَ مَنْفَذاً لهمْ إلى التفكُّرِ والإيمان، ومعَ ذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنها ويُكذِّبونَ بها!
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ اللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا الۡقَوۡمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام :47]
وقُلْ لهمْ مُذكِّراً إيّاهمْ في آخِرِ ما يوعَظُ بهِ النَّاس، قبلَ أنْ لا يُفيدَهمْ وَعظٌ ولا تَذكير: أرأيتُمْ إذا حَلَّ بكمْ عَذابُ اللهِ ونِقمتُهُ فَجأةً مِنْ غَيرِ مُقَدِّمات، فداهمَكمْ وأخذَ على أنفاسِكم، أو مُعاينةً وأنتُمْ تَرونَهُ يَنـزِلُ بكم، ليلاً أو نهاراً، ولا قُدرةَ لكمْ على إنقاذِ أنفُسِكمْ منه، لأنَّهُ يُحيطُ بكمْ منْ كلِّ جانب، أليسَ الهلاكُ والنَّكالُ يَكونُ على القَومِ الظالمينَ المكذِّبينَ أمثالِكم؟
﴿وَمَا نُرۡسِلُ الۡمُرۡسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَۖ فَمَنۡ ءَامَنَ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الأنعام :48]
وليسَ الهدفُ منْ إرسالِ الرسُلِ إلى الناسِ إلاّ أنْ يُبَشِّروهمْ بالخَيرِ والثوابِ الجَزيلِ لمنْ أطاعَه، ويُنذِروهمْ ويخوِّفوهمْ بالعِقابِ والعَذابِ لمنْ عصَى وأبَى. فمَنْ آمنَ بما جاءَ بهِ الرسُلُ وعَمِلَ صالحاً موافِقاً للشَّريعة، فلهمُ الأمانُ يومَ الجزاءِ عندما يَخافُ الكفَرَةُ الجاحِدون، ولا يُصيبُهمُ الهمُّ والغمُّ كما يُصيبُهم.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ الۡعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ﴾ [الأنعام :49]
والمكذِّبونَ بالآياتِ والمُعجِزاتِ التي بلَّغها الرسُل، تَبشيراً وإنذاراً، يُصيبُهمْ حظُّهمْ منَ العَذاب، بسبَبِ خُروجِهمْ عنْ طاعَةِ اللهِ ورسُلِه.
﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ الۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّۚ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي الۡأَعۡمَىٰ وَالۡبَصِيرُۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأنعام :50]
- قُلْ أيُّها النبيُّ للمُشرِكينَ مِنْ قَومِك، وهمْ يَقتَرِحونَ منَ الآياتِ ما يَقترِحون: إنَّني لا أملِكُ خَزائنَ ربِّي، ولا أقدِرُ على التصرُّفِ فيها كما أشاء، ولا أنْ أرزقَكُمْ منها ما تُريدون، ولا أقولُ لكمْ إنِّي أعلمُ الغَيبَ فأخبرُكمْ بما غابَ ممّا مضَى وبما سيَكون، ولا أعلمُ مِنْ ذلكَ سِوَى ما أطلَعَني اللهُ عليه، ولا أدَّعي أنِّي مِنَ الملائكة، بلْ واحِدٌ مِنَ البشَرِ أنعمَ اللهُ عليَّ بالوحي لأنذِرَكمْ به. ولا أخرجُ عمّا يوحَى إليَّ، فما أفعلهُ بتوجيهٍ منَ اللهِ وتَسديدٍ منه.
قلْ لهمْ: هلْ يَستَوي الضَّالُّ الذي لا يَدري كيفَ يَسير، والمُهتدي الذي يَمشي على نورٍ مِنْ ربِّه ويَعرِفُ طَريقَ الحقّ؟ إنَّهما لا يَستويان، أفلا تَتفهَّمونَ ذلك لتَرجِعوا إلى الحقِّ؟
﴿وَأَنذِرۡ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحۡشَرُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام :51]
وأنذِرْ وعِظْ بهذا القُرآنِ مَنْ يؤمِنُ بيَومِ القيامَة، الذينَ يخافونَ حِسابَ ربِّهم، يَرجُونَ ثوابَهُ ويَخافونَ عِقابَه، ليسَ لهمْ وليٌّ يَنصرُهمْ ولا شَفيعٌ يَتوسَّلونَ بهِ سِوَى الله، ليتَّقوا ربَّهمْ بهذا التذْكير.
﴿وَلَا تَطۡرُدِ الَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِالۡغَدَوٰةِ وَالۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنعام :52]
ولا تُبْعِدْ عنكَ المؤمِنينَ الذينَ يَعبدونَ ربَّهمْ ويَذكرونَهُ ويَسألونَهُ صَباحَ مساء، يَبتغونَ بذلكَ وجهَهُ الكريم، في إخلاصٍ تامّ، لا رياءً ولا سُمعَة، بلْ قرِّبْهُمْ إليكَ وجالِسْهُم، فليسَ عليكَ شَيءٌ مِنْ حِسابِ أعمالِهمْ وأرزاقِهم، وكذلكَ ليسَ عليهمْ شَيءٌ مِنْ حِسابِك، فإذا أبعدتَهمْ عنكَ كنتَ مُتجاوِزاً الحقّ.
والمرادُ انتِفاءُ الطَّرد. وهوَ تَنبيهٌ ودَرسٌ للمسلِمين.
﴿وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ اللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِالشَّـٰكِرِينَ﴾ [الأنعام :53]
وكذلكَ ابتلَينا واختبَرنا الناسَ بعضَهمْ ببَعض، الفقراءَ بالأغنياءِ والعَكس، والأشرافَ بمنْ دونَهمْ وبالعكس، ليقولَ المشرِكونَ المتكبِّرونَ في أصحابِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقدْ كانَ غالبُهمْ منَ الضُّعفاءِ والعَبيدِ في أوَّلِ البِعثَة: أهؤلاءِ هَداهمُ اللهُ إلى الإيمانِ فهمُ الأحسَنُ مِنْ بينِنا، أنحنُ نكونُ تبَعاً لهمْ وهمُ العبيدُ والفقراءُ ونحنُ الرؤساءُ والأثرياء؟ اطرُدْهُمْ عنكَ فلعلَّكَ إنْ طرَدتَهُمْ أنْ نتَّبِعَك.
أليسَ اللهُ مطَّلعاً على أحوالِهمْ وضمائرِهِمْ فهَداهُمُ إلى طريقِ الحقّ، ووفَّقهُمْ إلى ما فيهِ الخير؟ أليسَ عالماً بمنْ شكرَ نِعَمَةَ الإيمانِ عليهِ فقَبِلَهُ عندَه؟