تفسير الجزء 9 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء التاسع
9
سورة الأعراف (88-206)
سورة الأنفال (1-40)

﴿۞قَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ اسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَنُخۡرِجَنَّكَ يَٰشُعَيۡبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرۡيَتِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۚ قَالَ أَوَلَوۡ كُنَّا كَٰرِهِينَ﴾ [الأعراف:88]


قالَ السَّادةُ الزعماءُ الذينَ استَكبَروا عنْ قَبولِ الحقّ مِنْ قَومِ شُعَيب: سوفَ نُخرِجُكَ يا شُعَيبُ أنتَ ومَنْ آمنَ معكَ مِنْ بلدِنا، حتَّى لا تُزعِجَنا برسالتِك، أو لنُكرِهنَّكمْ على الرجوعِ إلى ما نحنُ عليهِ مِنْ دينِ آبائنا.

قالَ لهمْ شُعَيبٌ عليهِ السَّلام: حتَّى لو كنّا كارهينَ الشِّركَ والكُفر، مُبغِضينَ الظلمَ والفسَاد؟

﴿قَدِ افۡتَرَيۡنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنۡ عُدۡنَا فِي مِلَّتِكُم بَعۡدَ إِذۡ نَجَّىٰنَا اللَّهُ مِنۡهَاۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ اللَّهُ رَبُّنَاۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلۡنَاۚ رَبَّنَا افۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِالۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ الۡفَٰتِحِينَ﴾ [الأعراف:89]


إنَّنا نَكونُ كذَبنا على اللهِ كَذِباً عَظيماً إذا رجَعنا إلى مِلَّتكمْ وأشرَكنا معَ الله، بعدَ أنْ خلَّصَنا اللهُ منها ومِنْ ظُلماتِها، وعَلِمنا بُطلانَها عنْ طَريقِ رَسولِه، ولا يَحِقُّ لنا ولا يُعقَلُ أنْ نَعودَ في الكفر، إلا حالَ مَشيئةِ اللهِ لعَودِنا في حالِ انتِكاسِنا وخِذلانِنا. وهذا كلامُ أصحابِ شُعَيبٍ عليهِ السَّلام.

وقد أحاطَ اللهُ عِلماً بأحوالِ عِبادِه، فهوَ يَعرِفُ نيَّاتِهم وظواهرَهم، ومَنْ يَنوي الخيرَ ونَقيضَه، قدْ فوَّضنا أمرَنا إلى الله، واعتمدْنا عليهِ في أمورِنا كلِّها.

اللهمَّ إنَّا نسألُكَ أنْ تَفصِلَ بينَنا وبينَ قومِنا الذينَ أبَوا دينَك، وعتَوا وعانَدوا وظَلموا، فأنتَ الحقّ، وأنتَ خيرُ مَنْ قضَى وحَكَم.

﴿وَقَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَئِنِ اتَّبَعۡتُمۡ شُعَيۡبًا إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ﴾ [الأعراف:90]


ثم أصَرُّوا واستَكبَروا، وتمادَوا في الغَيِّ والضَّلال، وقَالَ لَهمْ أشرافُهمْ ورُؤسَاؤُهم، بعدَ أنْ رأوا ثباتَ النبيِّ شُعَيبٍ والمؤمِنينَ معه: إنَّكم إذا اتَّبعتُمْ شُعَيباً وفارقتُمْ دينَ آبائكم، فإنَّكمْ خاسِرونَ مَغبونون.

﴿فَأَخَذَتۡهُمُ الرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ﴾ [الأعراف:91]


فزَلزلَ اللهُ الأرضَ مِنْ تحتِهمْ وأهلكَهمْ أجمَعين، وصاروا موتَى خامِدين؛ لا أثرَ للحياةِ والحركةِ فيهم.

﴿الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَاۚ الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيۡبٗا كَانُواْ هُمُ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [الأعراف:92]


وصارَ هؤلاءِ الذين كذَّبوا النبيَّ شُعَيباً وأصابَهمُ الهَلاك، كأنَّهمْ لم يُقيموا في ديارِهمْ ولم يعمِّروها، لِمَا أصابَهمْ مِنْ عِقابٍ مُفزِعٍ رَهيب، لقدْ صارَ الذينَ كذَّبوا شُعَيباً همُ الخاسِرينَ الخائبين، في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة، وليسَ الخاسِرُ مَنِ استجابَ للحقِّ واتَّبعَ شُعَيباً.

﴿فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡۖ فَكَيۡفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوۡمٖ كَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف:93]


ثمَّ أعرضَ عنهمْ نبيُّهمْ وهمْ هَلْكَى بينَ الأنقاض، موبِّخاً إيَّاهمْ على كُفرِهمْ وعِنادِهم، مخاطِباً إيّاهم بقوله: لقدْ بلَّغتُكمْ ما أُمِرتُ بهِ منْ قِبَلِ ربِّي، واجتَهدتُ في نُصحِكمْ وتَحذيرِكم، ولكنَّكمُ استَكبرتُمْ ورَفضتُم؛ فكيفَ أحزَنُ عليكمْ وقدْ كفرتُمْ بما جئتُكمْ به، وجحَدتُمْ رسالةَ ربِّكم؟!

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّآ أَخَذۡنَآ أَهۡلَهَا بِالۡبَأۡسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف:94]


وما أرسَلنا نبيًّا في بلدٍ مِنَ البُلدانِ المُهلَكة، يدعو إلى دينِ اللهِ وينهاهُمْ عنِ الشرِّ والمنكرِ الذي همْ فيه، فيُكذِّبونَه، إلاّ ابتَليناهمْ - قبلَ الإهلاكِ - بالفَقرِ والحاجة، والسَّقَمِ والمرَض، لعلَّ نفوسَهم تَخضَعُ وتَلين، ليَلتجِؤوا إلى الله، ويَستَجيبوا لأمرِه، ويَتوبوا منْ ذنوبِهم، فيَكشِفَ ما نَزلَ بهم.

﴿ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا الضَّرَّآءُ وَالسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [الأعراف:95]


ولكنَّهم لم يتأدَّبوا بالشدَّة، ولم يَنْزَجِروا بالترْهيبِ والوَعيد، فبدَّلنا حالَهمْ منَ البؤسِ والشدَّةِ إلى الرَّخاءِ والنَّعِيم، حتَّى كَثُرَ عَددُهمْ ونَمَتْ أموالُهم؛ ليَشكروا اللهَ على ذلك، ولكنَّهم لم يَفعلوا، ولم يَعُدُّوا ذلكَ كلَّهُ ابتلاءً واختبارًا، بلْ قالوا: هذا شَيءٌ طَبيعيٌّ يُصيبُ النَّاسَ في كلِّ وقت، وقدْ سبقَ لآبائنا أنْ أصابَهمُ البلاءُ والشدَّة، كما نَعِموا في عيشِهمْ واستَمتَعوا، ونحنُ مثلُهمْ ومثلُ غيرِهمْ مِنَ الناس. فأخذَهمُ اللهُ بالعُقوبةِ وهمْ في غَفلة، وما كانَ يَخطُرُ ببالِهمْ شَيءٌ مِنْ ذلك.

﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ الۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَاتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [الأعراف:96]


ولو أنَّ أهلَ القُرَى والبُلدانِ المُهلَكة آمَنوا باللهِ ولم يُشرِكوا به، وصدَّقوا الرُّسلَ بما جاؤوا به، وخافوا اللهَ فابتَعدوا عمّا نهَى عنه، لبارَكنا في أرزاقِهمْ وأموالِهمْ منَ السَّماءِ والأرض، منَ المطَرِ والنبَات، فزِدنا فيها ونفَعْنا بها، ويسَّرنا عليهمْ تَحصِيلَها. ولكنِّهمْ عَصَوا اللهَ وكذَّبوا رُسُلَه، فعاقَبناهمْ بالعَذابِ والدَّمارِ جزاءَ كفرِهمْ وعِصيانِهم.

﴿أَفَأَمِنَ أَهۡلُ الۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا بَيَٰتٗا وَهُمۡ نَآئِمُونَ﴾ [الأعراف:97]


أفأمِنَ أهلُ القُرَى والبلدانِ منَ العُصاةِ المكذِّبينَ أنْ يأتيَهمْ عذابُنا ليلًا وهمْ نائمون؟

﴿أَوَأَمِنَ أَهۡلُ الۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا ضُحٗى وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ﴾ [الأعراف:98]


أمْ أمِنَ أهلُ القُرَى والبُلدانِ منَ الكافِرينَ أنْ يأتيَهم عذابُنا في وقتِ الضُّحَى وهمْ غافِلون، مَشغولون، يَلهُون.

﴿أَفَأَمِنُواْ مَكۡرَ اللَّهِۚ فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ اللَّهِ إِلَّا الۡقَوۡمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾ [الأعراف:99]


هلْ أمِنوا بأسَ اللهِ ونِقمتَه، بأنْ يَستدرِجَهمْ ليُهلِكَهمْ وهمْ سَاهونَ غافِلون؟ إنَّهُ لا يَأمَنُ عِقابَ اللهِ إلاّ الذينَ خَسِروا أنفسَهمْ وعرَّضوها لعِقابِه، لأنَّهمْ لا يؤمِنونَ بالجَزاءِ على الأعمال.

وحتَّى المسلِمونَ عليهمْ ألاّ يَتمادَوا في المعَاصي متَّكلينَ على رحمةِ اللهِ مِنْ غيرِ عَمل، وكأنَّهمْ أمِنوا مكرَ الله، عياذاً بهِ منْ غَضَبهِ وسَخَطِه.

﴿أَوَلَمۡ يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ﴾ [الأعراف:100]


ألمْ يَتبيَّنْ لمنْ يَخلُفونَ الأممَ الذينَ أهلكناهُم، فعَمِلوا أعمالَهم، وعصَوا رسُلَهم، وأصرُّوا على الكُفرِ كما أصرُّوا، أنْ لو نشاءُ فَعلنَا بهمْ كما فَعلنَا بمنْ قبلَهم، ونَختِمُ على قُلوبِهم، فلا يأبَهونَ بتَذكير، ولا يَعتَبِرونَ بدَليل، ولا يَتدبَّرونَ مَوعِظَة؛ جزاءَ عِصيانِهمُ وتمرُّدِهمْ واستِكبارِهمْ عنْ قَبولِ الحقّ؟!

﴿تِلۡكَ الۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِالۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الأعراف:101]


تلكَ القُرَى والبَلْداتُ الخاليةُ نَسرُدُ عليكَ بعضَ أخبارِ أهلِها وأحوالِهم، ممّا فيهِ عِظةٌ وتَذكير، وقدْ جاءَتْ رُسلُ كلِّ أمَّةٍ منهمْ بالمُعجِزاتِ البيِّنةِ والأدلَّةِ الكافيةِ على صِدقِ ما أَخبِروا به، وما كانوا لِيؤمِنوا في وقتٍ منَ الأوقاتِ، لقَساوةِ قُلوبِهمْ، وتَماديهمْ في الغَيِّ والضَّلال، واستِمرارِهمْ في التَّكذيب، وكفرِهم بما يأتي بهِ رسلُهمْ منَ المعجِزاتِ والحُجَجِ الواضِحات، وعاقبَهمُ اللهُ بسببِ كفرِهمْ ومواقفِهمُ السيِّئةِ المتعنِّتة، بأنْ ختَمَ على قلوبهمْ فلا يؤمِنون.

﴿وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَٰسِقِينَ﴾ [الأعراف:102]


ولم نجدْ لأكثرِ الأممِ الماضيةِ وفاءً بالعَهد، بلْ خَانوا، ونقَضوا ما عَاهدوا اللهَ عليه، ووجَدنا أكثرَهمْ خارجينَ عنِ الطَّاعةِ والامتِثال.

﴿ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف:103]


ثمَّ بَعثنا مِنْ بعدِ الرسُلِ المذكورِينَ موسَى عليهِ السَّلام، أرسَلناهُ بمُعجِزاتِنا وأدلَّتِنا البيِّناتِ إلى فِرعَونَ وقَومِه، فكفَروا بها عِناداً وطُغياناً، فعاقَبناهمْ بالغَرَق، فانظرْ كيفَ كانتْ عاقبةُ المكذِّبينَ المعانِدين.

﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرۡعَوۡنُ إِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأعراف:104]


وقالَ نبيُّ اللهِ موسَى لفِرعَونَ المتكبِّر: إنَّني مُرسَلٌ إليكمْ منْ قِبلِ ربِّ العالمَينَ كلِّهم، سيِّدِهمْ ومالكِ أمرِهم.

﴿حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ﴾ [الأعراف:105]


جديرٌ بي، وواجبٌ عليّ، ألاّ أُخبِرَ عنِ اللهِ إلاّ الحقَّ والصِّدْق، وقدْ جئتُكمْ منْ عِندهِ بمُعجِزةٍ ظَاهرةٍ لتَكونَ دَليلاً على صِدقي، فدَعْ بني إسْرائيلَ يأتوا معي إلى بيتِ المَقدس. وكانَ فِرعَونُ قدِ استَعبدَهمْ واستَعملَهمْ في الأعمالِ الشاقَّة.

﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـٰدِقِينَ﴾ [الأعراف:106]


قالَ فِرعَون: يا موسَى، إنْ كنتَ جئتَ بمُعجِزةٍ حقّاً، فأظهِرْها لنا، إنْ كنتَ صادقاً في دَعواك.

﴿فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ﴾ [الأعراف:107]


فألقَى موسَى عَصاهُ في الأرض، فإذا هيَ حيَّةٌ عَظيمة، ظاهِرةٌ للعِيان.

﴿وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ﴾ [الأعراف:108]


وأخرجَ يدَهُ منْ جيبهِ (وهوَ فَتحَةُ القَميصِ مِنْ أعلاه)، فإذا هي بيضاءُ ناصعةٌ تَشِعُّ نوراً، لمنْ يَنظرُ إليها.

﴿قَالَ الۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ عَلِيمٞ﴾ [الأعراف:109]


قالَ السَّادةُ الكُبَراءُ منْ قَومِ فِرعَون: إنَّ موسَى ساحرٌ متمكِّنٌ منْ علمِ السِّحر.

﴿يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ﴾ [الأعراف:110]


يريدُ أنْ يُخرِجَكمْ - يا شَعبَ مِصرَ - مِنْ ديارِكم. فبماذا تُشيرونَ في أمرهِ أيُّها السَّادة؟

﴿قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَأَرۡسِلۡ فِي الۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ﴾ [الأعراف:111]


قالَ لهُ قادتهُ ومُستَشاروه: أخِّرْهُ وأنْظِرْهُ وأخَاه، وابعَثْ إلى أقاليمِ مِصْرَ رجالاً منَ الشُّرْطةِ جامعين،

﴿يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ﴾ [الأعراف:112]


يَجمعوا السَّحَرةَ المَهَرةَ ويأتوكَ بهم.

﴿وَجَآءَ السَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ الۡغَٰلِبِينَ﴾ [الأعراف:113]


وجاءَ السَّحَرةُ واجتَمعوا عندَ فِرعَون، وقالوا له: أيَكونُ لنا عَطاءٌ إذا غَلَبْنا موسَى بسِحْرِنا؟

﴿قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ الۡمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف:114]


قالَ لهمْ فِرعَون: نعم، لكمُ الأجر، وستَكونونَ في منْزِلَةٍ رَفيعةٍ عِندي، ومنَ الرِّجالِ المقرَّبين إليّ.

﴿قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ الۡمُلۡقِينَ﴾ [الأعراف:115]


واجتَمعوا في السَّاحةِ المقرَّرةِ للمناظَرةِ والتحدِّي، وقال السَّحَرةُ لموسَى عليهِ السلام: إمَّا أنْ تُلقيَ عَصاك أوَّلاً، وإمَّا أنْ نُلقيَ حِبالَنا وعِصيَّنا قبلَك.

﴿قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ النَّاسِ وَاسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ﴾ [الأعراف:116]


قالَ لهمْ موسى: بلْ أَلقُوا أنتُمْ أوَّلاً. ويكونُ هذا أوقعَ في نُفوسِ المشاهِدين، حيثُ يرَونَ عملَ السَّحَرةِ أوَّلاً، ثمَّ التحدِّيَ والنتيجةَ مِنْ قِبَلِ موسَى عليهِ السَّلام. فلمّا ألقَوا ما عندَهم، خيَّلوا عملَهمْ إلى الأعْينِ على خِلافِ الحقِيقة، وأفزَعوهمْ فَزعاً شَديداً، وقدْ أبدَوا سِحراً رَهيباً، كانتْ عِصيُّهمْ وحِبالُهمْ تَبدو وكأنَّها حيَّاتٌ وأفاعيُّ كبيرةٌ تتحرَّك!

﴿۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ﴾ [الأعراف:117]


وعندَ ذلكَ أوحَينا إلى موسَى: أنْ ألقِ عَصاك. فألقَاها في الأرض، فإذا هي تَتحوَّلُ إلى ثُعبانٍ كَبيرٍ ضَخمٍ، تَبتلِعُ جميعَ ما أبدَى السَّحَرة، ممّا موَّهوا بهِ وأوهَموا المُشاهِدينَ أنَّها حيّاتٌ وأفاعيّ، التي ما كانتْ سِوَى سِحر، خُيِّلَ للناسِ أنَّها حَقيقة!

﴿فَوَقَعَ الۡحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف:118]


فظَهرَ الحقّ، وتبيَّنَ أنَّ ما كانَ مِنْ شأنِ موسَى مُعجِزةٌ لا يَقْدِرُ على أنْ يأتيَ بها إنسانٌ مِنْ عندِه، وظهرَ بُطلانُ ما كانَ عليهِ السَّحَرة، وقالوا: لو كانَ ما يَصنعُ موسَى سِحراً لبقيتْ حِبالنا وعِصيُّنا، فلمّا فُقِدَتْ عَلِمنا أنَّ ذلكَ منْ أمرِ الله.