تفسير سورة الإسراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الإسراء
17

﴿سُبۡحَٰنَ الَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ الۡمَسۡجِدِ الۡحَرَامِ إِلَى الۡمَسۡجِدِ الۡأَقۡصَا الَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ السَّمِيعُ الۡبَصِيرُ﴾ [الإسراء:1]


تعالَى اللهُ وتَقَدَّس، الذي سَرَى بعَبدهِ ونَبيِّهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم على البُراق، في جُزءٍ مِنَ اللِّيل، مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ بمكةَ المكرَّمةِ إلى المَسجِدِ الأقصَى بالقُدْس، مَوطِنِ الأنبياءِ عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلام، الذي أفَضْنا على ما حولَهُ مِنْ بَرَكاتِنا ورَحَماتِنا، لِنُريَ عَبدَنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ آياتِنا ومُعجِزاتِنا العَظيمَة، واللهُ سَميع، لا يَفوتُهُ سَماعُ حرَكَةٍ في الكون، بَصيرٌ بما خَفيَ وغَاب، لا يَغيبُ عَنهُ رؤيَةُ شَيء.

وكانَ الإسراءُ بهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَقظَةً لا مَنامًا، قَبلَ الهِجرَةِ بسَنة، ببَدَنهِ وروحِهِ عندَ أكثَرِ العُلماء، ثمَّ عُرِجَ بهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَخرَةِ بَيتِ المَقْدِسِ إلى السَّماواتِ السَّبع، واطَّلعَ على أحوالِ الجَنَّةِ والنّارِ هناك، ورأى الملائكة... وعادَ إلى مَكَّةَ مِنْ لَيلَتِه.

وجَرَتْ لهُ صلى الله عليه وسلم حوادِثُ كثيرَةٌ في إسرائهِ ومِعراجِه، منها أحاديثُ صَحيحَة، وكثيرٌ منها مَكذوبَة.

وللمَسجِدِ الأقصَى فَضائلُ عَظيمَة، وهوَ أحَدُ المساجِدِ الثلاثَةِ التي تُشَدُّ إليها الرِّحال.

﴿وَءَاتَيۡنَا مُوسَى الۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا﴾ [الإسراء:2]


وآتَينا موسَى التَّوراةَ لتَكونَ هاديًا لبني إسْرائيلَ إلى الحَقِّ والخَير، فلا يَضِلُّونَ ما تمَسَّكوا بها وجَعلوها دَليلاً لهم، فلا تتَّخِذوا أولياءَ مِنْ دوني، ولا تَكِلوا أمورَكمْ إلاّ إليّ، فلا رَبَّ لكمْ سِواي.

﴿ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا﴾ [الإسراء:3]


يا بني إسْرائيل، ذُرِّيةَ الثُّلَّةِ المؤمِنةِ التي نَجَّيناها وحمَلناها معَ نُوحٍ في السَّفينة، فكُونوا مؤمِنينَ مُخلِصينَ مِثلَهم. وكانَ عبدُنا نوحٌ نبيًّا رَسُولاً، شَكورًا لرَبِّه، يَحمَدُهُ على ما رزَقَهُ مِنْ طَعامٍ وشَراب، وعلى كُلِّ حَال.

﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي الۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي الۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا﴾ [الإسراء:4]


وأعلَمْنا بَني إسْرائيلَ أنَّكمْ ستَتجَبَّرونَ وتَطغَونَ في الأرضِ مرَّتَينِ طُغيانًا كبيرًا، يُصبِحُ لكمْ فيهما قوَّةٌ وسَيطرَةٌ كَبيرة، تَغلِبونَ فيهِ النَّاسَ بالظُّلمِ والعُدوان.

﴿فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ الدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا﴾ [الإسراء:5]


فإذا جاءَ وَقتُ الإفسادَةِ الأولَى، بعَثنا لمُحارَبَتِكمْ ومُغالبَتِكُمْ ناسًا ذَوي بأسٍ وبَطشٍ شَديد، يَقهَرونَكمْ ويَملِكونَ بلادَكمْ ويَستَبيحونَه، ويتَجوَّلونَ فيها دونَ حِسابٍ لقوَّةِ أحَد، وكانَ هذا وَعدًا نافِذًا لا يُخالَف.

﴿ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ الۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء:6]


حتَّى إذا ذُقتُمُ الوَيلَ والعَذاب، ومضَى زَمَن، أعَدْنا لكمُ القوَّةَ والغَلَبة، ونصَرناكمْ عَليهم، وأعطَيناكمُ المالَ بعدَما نُهِب، والولَدَ بعدَما سُلِب، وجعَلناكمْ أكثرَ جَيشًا، فصِرتُمْ أكثرَ قوَّة، عدَدًا وعُدَّة.

﴿إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ الۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ الۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا﴾ [الإسراء:7]


وإنَّ ثَمرَةَ صَلاحِكمْ وطاعَتِكمْ تَعودُ بالخَيرِ والنَّفعِ عَليكم، فإنَّكمْ إذا أحسَنتُمْ في أنفُسِكمْ وأعمالِكم، صَلَحَتْ أحوالُكم، وأعقبَكمْ ذلكَ نَصرًا وعِزًّا، وإذا انحرَفتُمْ وأفسَدتُمْ كانتْ عاقِبَةُ ذلكَ شرًّا وفَسادًا، وخَرابًا وهَلاكًا.

فإذا جاءَتِ المرَّةُ الثانيَةُ لإفسَادِكم، بعَثنا عَليكمْ ناسًا يُذِلُّونَكم، وليَدخُلوا بيتَ المَقدِسِ كما دخَلُوهُ أوَّلَ مرَّةٍ واستباحُوا ما فيهِ وصَاروا أصحابَ القوَّةِ والمَنَعَةِ فيه، ولِيُدَمِّروا ويُخَرِّبوا ما فيهِ مِنْ مالٍ وحَياةٍ ومُقَدَّساتٍ تَدميرًا فَظيعًا، ماداموا همُ الغالِبينَ الظَّاهِرينَ عَليه.

﴿عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء:8]


وعسَى أنْ يَصرِفَ اللهُ هذا العَدوَّ عَنكم، وإذا عُدتُمْ إلى الفَساد، عُدنا إلى العَذابِ والنَّكال، وبعَثنا عَليكمْ مَنْ يَقهَرُكمْ ويُذيقُكُمْ سُوءَ العَذاب. وما يَنتَظِرُكمْ في جَهنَّمَ مِنْ عَذابٍ أكبَرُ وأفظَعُ، وقدْ جَعلناهُ سِجنًا للكافِرين، لا مفَرَّ لهمْ منه.

وقدْ عاقبَهمُ اللهُ وأذَلَّهمْ مرَاتٍ في التَّاريخ، حتَّى صَاروا شَذَرَ مَذَر، متفَرِّقينَ في بُلدانِ العالَم، لا مَوطِنَ لهم، وهمْ مِنْ أقدَمِ الشُّعوب، ثمَّ أنشَؤوا لهمْ كِيانًا غَصَبوهُ مِنْ أُمَّةٍ على حِينِ ضَعْفٍ منها، وسيأتي اليومُ الذي يُذَلُّونَ فيهِ مَرَّةً أخرَى إنْ شاءِ الله.

﴿إِنَّ هَٰذَا الۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ الۡمُؤۡمِنِينَ الَّذِينَ يَعۡمَلُونَ الصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا﴾ [الإسراء:9]


إنَّ هذا القُرآنَ يُرشِدُ الناسَ إلى أحسَنِ الطُّرُقِ وأصلَحِها، وأوضَحِ السُّبُلِ وأبيَنِها، في جَميعِ شُؤونِهم، فهوَ نِظامُ حَياةٍ شامِلٌ، ويُبَشِّرُ المؤمِنينَ العامِلينَ بأحكامِهِ أنَّ لهمْ ثَوابًا عَظيمًا.

﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِالۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [الإسراء:10]


ويُنْذِرُ هذا القُرآنُ الذينَ لا يؤمِنونَ بالبَعثِ والحِساب، والجَنَّةِ والنَّار، أنَّ لهمْ عَذابًا شَديدًا، حَيثُ ترَكوا دِينَ اللهِ وراءَ ظُهورِهم.

﴿وَيَدۡعُ الۡإِنسَٰنُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِالۡخَيۡرِۖ وَكَانَ الۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا﴾ [الإسراء:11]


ومَنْ لم يَتَّخذِ القُرآنَ لهُ هاديًا ودَليلاً، تَخَبَّطَ في دُنياهُ وكانَ في ظَلام، ودعَا على نَفسِهِ بالشَّرِّ والعَذابِ كما يَدعو لها بالخَيرِ والمَصلحَة، حَقيقَةً أو بأعمالِهِ السيِّئةِ التي تُودِي بهِ إلى النَّار، والإنسانُ عَجولٌ بطَبعِه، يُسارِعُ إلى ما يَظنُّ فيهِ مَصلحَتُه، وإنْ كانتْ تَحمِلُ ضَرَرًا بعدَ النَّظَر، وهوَ غَيرُ مُطَّلِعٍ على عَواقِبِ الأمورِ حتَّى يَضبِطَ قيادَةَ العجَلَةِ في نَفسِه.

أو أنَّ المقصودَ أنَّ الإنسانَ لعَجلَتِهِ يَدعو على نَفسِهِ وأولادِهِ بما هوَ شَرّ، وأنَّ اللهَ لو استجابَ لدُعائهِ لهلَكَ به!

﴿وَجَعَلۡنَا الَّيۡلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ الَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا﴾ [الإسراء:12]


وجعَلنا اللَّيلَ والنَّهارَ آيَتَينِ كونيَّتَينِ عَظيمَتَين، وعَلامَتَينِ لا بُدَّ للإنسانِ منهُما، وقدْ مَحَونا الضَّوءَ مِنَ اللَّيلِ بإزاحَةِ حرَكَةِ الشّمسِ عَنهُ وجَعَلناهُ مُظلِمًا، ليَسكُنَ الإنسانُ ويَنام، ويَرتاحَ مِنْ تعَبِ النَّهار. وجعَلنا النَّهارَ مُضيئًا ليَطلُبَ فيهِ رِزقَه، ويُنجِزَ أعمالَه، ويَعلَمَ أوقاتَهُ وحِسابَه، والسَّاعاتِ والأيّامَ والشُّهورَ والسِّنين.

وكُلُّ شَيءٍ خلقَهُ اللهُ وسَخَّرَهُ لكمْ مُحكَمٌ ومُفَصَّلٌ بدِقَّةٍ وتَدبيرٍ تامّ، لا التِباسَ معَه، ولا تَقديمَ فيهِ ولا تأخِير.

﴿وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا﴾ [الإسراء:13]


وكُلُّ إنسانٍ مُلزَمٌ بما صَدَرَ منهُ باختِيارِه، مِنْ خَيرٍ وشَرّ، على حَسَبِ ما قُدِّرَ له، فيُحاسَبُ على ما قَدَّمَ ويُجازَى عَليهِ يومَ القِيامَة، فيُخرَجُ لهُ كِتابٌ يَراهُ مَفتوحًا، فيهِ جَميعُ أعمالِهِ طَوالَ حَياتِهِ في الدُّنيا، صَغيرُها وكبيرُها، ما أَسَرَّ منها وما أعلَن.

﴿اقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ الۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ [الإسراء:14]


هذهِ هيَ أعمالُكَ أيُّها الإنسَان، قدْ دُوِّنَتْ في هذا الكِتابِ كما وُعِدْتَ به، لم يَشُذَّ عَنها شَيء، ما نَسِيتَ وما لم تَنسَ، وليسَ فيها شَيءٌ خارِجَ الحِساب، فكُلُّها تَخُصُّك، اقرَأها كَلِمَةً كَلِمَة، وستَرَى أنَّكَ لم تُظلَمْ مِقدارَ ذَرَّة، ولا تَحتاجُ إلى شاهِدٍ يَشهَدُ لكَ أو عَليك، فكفَى بكَ حَسيبًا على عمَلِك، وأنتَ صاحِبُه.

﴿مَّنِ اهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا﴾ [الإسراء:15]


منِ اهتدَى إلى الحقِّ وعَمِلَ بهِ فإنَّ عاقِبَةَ هِدايَتِهِ تَعودُ عَليهِ بالحُسنَى، وتُكَلِّلُهُ السَّعادَةُ يَومَ القِيامَة، ومَنْ ضَلَّ عنِ الحقِّ فإنَّ عاقِبةَ ضَلالِهِ تَعودُ عَليه، ويُخزَى يَومَ القِيامَةِ ويُجازَى بشَرِّ ما عَمِل، فكُلٌّ يُسألُ عنْ عمَلِهِ ويُحاسَبُ عَليه، ولا يَحمِلُ أحَدٌ ذَنْبَ أحَد. ولا نُعَذِّبُ أحَدًا منَ العِبادِ على عمَلِهِ إلاّ بعدَ أنْ نبعَثَ رَسولاً يُبَيِّنُ لهمُ الحقَّ مِنَ الباطِل، ويُبلِّغُهمْ دِينَ اللهِ الحقّ، وتَقومَ عَليهمُ الحُجَّة.

﴿وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا الۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا﴾ [الإسراء:16]


وإذا أرَدنا أنْ نُدَمِّرَ قَريَةً أو مَدينَةً ونُهلِكَ أهلَها بأعمَالِهمُ السيِّئة، وقدْ كَثُرَ فيها المُتَرفُونَ المُتَنَعِّمون، الخائضُونَ في الفَواحشِ والمُوبِقات، والجبّارونَ الوالِغونَ في الجَرائمِ والحُرُمات، فانتشَرَ الفِسْقُ والضَّلال، والظُّلمُ والفسَاد، أمرناهُمْ بالطَّاعاتِ وسُلوكِ دَرْبِ الصَّلاح، فأبَوا وتمَرَّدوا، وطغَوا وأفسَدوا، فحَقَّ عَليها أمرُ اللهِ بالهَلاك، فأبَدْنا أهلَها، ودَمَّرناها تَدميرًا كامِلاً.

﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ الۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا﴾ [الإسراء:17]


وكَثيرًا ما أهلَكنا الأُممَ التي كذَّبَتْ رُسُلَها مِنْ بَعدِ زَمَنِ نُوحٍ عَليهِ السَّلام، ولستُمْ يا كُفّارَ قُرَيشٍ بأكرمَ على اللهِ منهم، فتوَقَّعوا العَذابَ ما دُمتُمْ مُكَذِّبينَ مِثلَهم. واللهُ مُحيطٌ بذُنوبِ عِبادِه، خَبيرٌ بظَواهِرِها وبَواطنِها، بَصيرٌ بخَيرِها وشَرِّها.

﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا﴾ [الإسراء:18]


مَنْ كانَ يَبغي الحَياةَ الدُّنيا ونَعيمَها السَّريعَ الزوَال، مُقتَصرًا فيها على الاستِمتاعِ بالشَّهَواتِ والملذَّات، دونَ اعتِبارٍ لليَومِ الآخِر، فسَنُعطيهِ منها ما نَشاءُ وليسَ كُلَّ ما يُريد، لمَنْ نُريدُ منهمْ لا كُلِّهم، ثمَّ هيَّأنا لهُ جَهنَّمَ يَدخلُها مُهانًا ذَليلاً، مُبْعَدًا مَطرودًا مِنْ رَحمَةِ الله.

﴿وَمَنۡ أَرَادَ الۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا﴾ [الإسراء:19]


ومَنِ ابتَغَى الدّاَرَ الآخِرَة، وصَبرَ على تَكاليفِ الدِّينِ الحقّ، والتزَمَ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولهِ صلى الله عليه وسلم، وكانَ مُؤمِناً صادِقًا في إيمانِه، مُصَدِّقًا بالحِساب، والثَّوابِ والعِقاب، فسَيُثابُ على عمَلِهِ خَيرًا، ويَلقَى جَزاءً مَقبولاً، ويُهنَّأُ بذلكَ منْ قِبَلِ المَلائكةِ الكِرام.

﴿كُلّٗا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا﴾ [الإسراء:20]


وكِلا الفَريقَين، أهلُ الدُّنيا وأهلُ الآخِرَة، نُعطيهِمْ مِنْ عَطائنا، وما كانَ رزقُ رَبِّكَ مَمنوعًا عنْ أحَدٍ مِنْ عِبادِهِ في الحَياةِ الدُّنيا.