تعالَى اللهُ وتَقَدَّس، الذي سَرَى بعَبدهِ ونَبيِّهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم على البُراق، في جُزءٍ مِنَ اللِّيل، مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ بمكةَ المكرَّمةِ إلى المَسجِدِ الأقصَى بالقُدْس، مَوطِنِ الأنبياءِ عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلام، الذي أفَضْنا على ما حولَهُ مِنْ بَرَكاتِنا ورَحَماتِنا، لِنُريَ عَبدَنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنْ آياتِنا ومُعجِزاتِنا العَظيمَة، واللهُ سَميع، لا يَفوتُهُ سَماعُ حرَكَةٍ في الكون، بَصيرٌ بما خَفيَ وغَاب، لا يَغيبُ عَنهُ رؤيَةُ شَيء.
وكانَ الإسراءُ بهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يَقظَةً لا مَنامًا، قَبلَ الهِجرَةِ بسَنة، ببَدَنهِ وروحِهِ عندَ أكثَرِ العُلماء، ثمَّ عُرِجَ بهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَخرَةِ بَيتِ المَقْدِسِ إلى السَّماواتِ السَّبع، واطَّلعَ على أحوالِ الجَنَّةِ والنّارِ هناك، ورأى الملائكة... وعادَ إلى مَكَّةَ مِنْ لَيلَتِه.
وجَرَتْ لهُ صلى الله عليه وسلم حوادِثُ كثيرَةٌ في إسرائهِ ومِعراجِه، منها أحاديثُ صَحيحَة، وكثيرٌ منها مَكذوبَة.
وللمَسجِدِ الأقصَى فَضائلُ عَظيمَة، وهوَ أحَدُ المساجِدِ الثلاثَةِ التي تُشَدُّ إليها الرِّحال.
وآتَينا موسَى التَّوراةَ لتَكونَ هاديًا لبني إسْرائيلَ إلى الحَقِّ والخَير، فلا يَضِلُّونَ ما تمَسَّكوا بها وجَعلوها دَليلاً لهم، فلا تتَّخِذوا أولياءَ مِنْ دوني، ولا تَكِلوا أمورَكمْ إلاّ إليّ، فلا رَبَّ لكمْ سِواي.
يا بني إسْرائيل، ذُرِّيةَ الثُّلَّةِ المؤمِنةِ التي نَجَّيناها وحمَلناها معَ نُوحٍ في السَّفينة، فكُونوا مؤمِنينَ مُخلِصينَ مِثلَهم. وكانَ عبدُنا نوحٌ نبيًّا رَسُولاً، شَكورًا لرَبِّه، يَحمَدُهُ على ما رزَقَهُ مِنْ طَعامٍ وشَراب، وعلى كُلِّ حَال.
ومَنْ لم يَتَّخذِ القُرآنَ لهُ هاديًا ودَليلاً، تَخَبَّطَ في دُنياهُ وكانَ في ظَلام، ودعَا على نَفسِهِ بالشَّرِّ والعَذابِ كما يَدعو لها بالخَيرِ والمَصلحَة، حَقيقَةً أو بأعمالِهِ السيِّئةِ التي تُودِي بهِ إلى النَّار، والإنسانُ عَجولٌ بطَبعِه، يُسارِعُ إلى ما يَظنُّ فيهِ مَصلحَتُه، وإنْ كانتْ تَحمِلُ ضَرَرًا بعدَ النَّظَر، وهوَ غَيرُ مُطَّلِعٍ على عَواقِبِ الأمورِ حتَّى يَضبِطَ قيادَةَ العجَلَةِ في نَفسِه.
أو أنَّ المقصودَ أنَّ الإنسانَ لعَجلَتِهِ يَدعو على نَفسِهِ وأولادِهِ بما هوَ شَرّ، وأنَّ اللهَ لو استجابَ لدُعائهِ لهلَكَ به!
وكُلُّ إنسانٍ مُلزَمٌ بما صَدَرَ منهُ باختِيارِه، مِنْ خَيرٍ وشَرّ، على حَسَبِ ما قُدِّرَ له، فيُحاسَبُ على ما قَدَّمَ ويُجازَى عَليهِ يومَ القِيامَة، فيُخرَجُ لهُ كِتابٌ يَراهُ مَفتوحًا، فيهِ جَميعُ أعمالِهِ طَوالَ حَياتِهِ في الدُّنيا، صَغيرُها وكبيرُها، ما أَسَرَّ منها وما أعلَن.
هذهِ هيَ أعمالُكَ أيُّها الإنسَان، قدْ دُوِّنَتْ في هذا الكِتابِ كما وُعِدْتَ به، لم يَشُذَّ عَنها شَيء، ما نَسِيتَ وما لم تَنسَ، وليسَ فيها شَيءٌ خارِجَ الحِساب، فكُلُّها تَخُصُّك، اقرَأها كَلِمَةً كَلِمَة، وستَرَى أنَّكَ لم تُظلَمْ مِقدارَ ذَرَّة، ولا تَحتاجُ إلى شاهِدٍ يَشهَدُ لكَ أو عَليك، فكفَى بكَ حَسيبًا على عمَلِك، وأنتَ صاحِبُه.