وإذا أنعَمنا على الإنسَانِ بالمَالِ والعافيَة، ونالَ ما يَرغَبُ ويَشتَهي، بَطِرَ واستَعلَى، ولَجَّ في الظُّلمِ وطغَى، وأعرَضَ عنْ طاعَةِ الله، فلمْ يَذكُرْهُ ولم يَشْكُرْه.
وإذا أصابَتْهُ المَصائبُ والحَوادِث، ونالَتْ منهُ الشَّدائدُ والنَّوازِل، انكفَأ على نَفسِه، فحَزِنَ وقَنَطَ، وظَنَّ أنْ لنْ يَحصُلَ لهُ خَيرٌ بعدَ هذا؛ لضَعفِهِ وشِدَّةِ جَزَعِهِ، إلاّ مَنْ رَحِمَ الله.
ويَسألُكَ المشرِكونَ عنْ حَقيقَةِ الرُّوح، فقُلْ لهم: هوَ مِنْ عِلمِ الغَيبِ الذي اختَصَّ اللهُ به، وسِرٌّ منْ أسرارِهِ الذي أودَعَهُ في بَعضِ كائناتِه، ولم يُطْلِعْكُمْ على أمرِه، وعِلمُكمْ مَحدودٌ بالنسبَةِ إلى عِلمِ الله، وما وهبَكمْ منهُ إلاّ القَليل.
قُلْ أيُّها الرَّسُول: لو أنَّ الإنسَ والجِنَّ كُلَّهمُ اجتَمَعوا وتَعاوَنوا على أنْ يأتوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لَما قَدَروا على ذلك، ولو بذَلوا كُلَّ ما في وسْعِهمْ منْ عِلمٍ وإبداعٍ ومَوهِبَةٍ ومَهارَة، فهوَ كلامُ اللهِ المُعجِزُ المُحْكَم، لا يَقدِرُ مَخلوقٌ على أنْ يأتيَ بمِثلِه، ولا بعَشرِ آياتٍ منه، ولا بسورةٍ قَصيرَةٍ منهُ لا تتَجاوزُ الثَّلاثَ آيات. ولو كانَ منْ كلامِ الخَلقِ لأتَوا بمِثلِه.
ولقدْ بيَّنَّا للنَّاسِ وكرَّرنا لهمْ في هذا القُرآنِ بأساليبَ شَتَّى، الأدِلَّةَ والبَراهينَ التي تُوَضِّحُ الحقَّ لهم، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يُريدون الصَّواب، أو لا يُريدونَ العمَلَ به، فيُعانِدونَ ويَجحَدون، ويُفَسِّرونَ الأمُورَ ويُتابِعونَها كما يوافِقُ أهَواءَهُمْ ومَصالِحَهمُ الدُّنيَويَّةَ الظَّاهِرَة.
وقالَ لكَ مُشرِكو مكَّةَ في تحَدٍّ وعِناد: لا نُسَلِّمُ بأنَّ هذا القُرآنَ مِنْ عندِ الله، ولا نُؤمِنُ بنبوَّتِك، حتَّى تَفجُرَ عَينًا تَجري في أرضِنا كالنَّهر.
ومَنْ يَهدِهِ اللهُ إلى الحَقّ، بما عَلِمَ منْ نيَّتِهِم في تقَبُّلِ ذلك، فهوَ المُهتَدي حقًّا. ومَنْ يُضْلِلْهُ الله، بما عَلِمَ منْ نيَّتِهِم في ذلك، وهوَ إعراضُهمْ عنِ الحَقِّ وعدَمُ استِعدادِهمْ لتقَبُّلِه، فهمُ الضَّالُّونَ الذينَ لنْ تَجِدَ لهمْ أنصَارًا مِنْ دونِ اللهِ يَهدونَهمْ إلى الحَقّ، ويَدلُّونَهمْ على طَريقِ النَّجاة، ويَعصِمُونَهمْ منْ عَذابِ الله.
ونَحشُرُهمْ يَومَ القِيامَة - حينَ يُبعَثونَ مِنْ قُبورِهم - زاحِفينَ مُنكَبِّينَ على وُجوهِهم، عُميًا لا يُبصِرون، وبُكمًا لا يَنطِقون، وصُمًّا لا يَسمَعون، كما صَمُّوا وعَمُوا عنِ الحَقِّ في الدُّنيا، ورفَضوا السُّجودَ للهِ خالقِهم. ومَصيرُهمْ نارُ جَهنَّم، كُلَّما سكَنَ لَهيبُها زِدناهُمْ وَقودًا وجَمْرًا ليَستَمِرَّ عَذابُهمْ فيها.
وعِندَما تعَجَّبَ رَجُلٌ مِنْ مَشي الكافِرِ على وجهِهِ وسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ ذلك، أجابَهُ قائلاً: "أليسَ الذي أمشاهُ على الرِّجْلَينِ قادِرًا على أنْ يُمْشِيَهُ على وَجهِهِ يَومَ القيامَة؟". رواهُ البُخاريّ.
قالَ ابنُ حجرٍ في "الفَتح": يؤخَذُ منْ مَجموعِ الأحاديث، أنَّ المُقَرَّبينَ يُحشَرونَ رُكبانًا، ومَنْ دونَهمْ منَ المُسلِمينَ على أقدامِهم، وأمَّا الكُفّارُ فيُحشَرونَ على وجوههِم.