تفسير سورة الإسراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الإسراء
17

﴿وَقُلۡ جَآءَ الۡحَقُّ وَزَهَقَ الۡبَٰطِلُۚ إِنَّ الۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا﴾ [الإسراء:81]


وقُلْ أيُّها الرَّسُول: جاءَ الإسلامُ الحَنيف، والشَّرْعُ العَظيم، وزالَ الشِّركُ والكُفر، فلا عِبادَةَ للأصنامِ بعدَ اليَوم، ولا ثَباتَ للبَاطل، ولا مَكانَ لهُ معَ وجودِ الحَقّ.

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا﴾ [الإسراء:82]


ونُنَزِّلُ منَ القُرآنِ ما يَكونُ شِفاءً وعِلاجًا لأمراضِ النَّفسِ والقَلب، مِنْ ضلالَةٍ وجَهالَة، ووَسوَسَةٍ وشَكّ، وزَيغٍ وقَلَق، وهَوًى وطمَع، وانحِرافٍ وزَلَل، فيُسَكِّنُ النَّفس، ويُطَمْئنُ القَلب.

وهوَ رَحمَة، ففيهِ الإيمانُ الصَّحيح، والدَّليلُ إلى الحَقّ، والثَّباتُ عَليه، والرَّغبَةُ في الخَيرِ والعمَلِ الصَّالِح، والتَّمهيدُ إلى رِضَى اللهِ ودُخولِ جَنَّتِه.

وهذا كُلُّهُ للمُؤمِنينَ بالقُرآن، المُتَّبِعينَ لهَديه، الذينَ جَعلوهُ دُستورًا لهم، يَتحاكَمونَ إليه، ويَجتَمِعونَ عَليه.

أمَّا الكافِرونَ به، فليسَ القُرآنُ شِفاءً لهمْ ولا رَحمَة، فهمْ يَكفُرونَ بمُنزلِه، ويُكَذِّبونَ المُنزَلَ عَليه، فيَزدادونَ ضَلالًا، وظُلمًا وفَسادًا، لبُعدِهمْ عنهُ ومُناقضَتِهمْ لأحكامِه، فهمْ خائبونَ خاسِرون.

﴿وَإِذَآ أَنۡعَمۡنَا عَلَى الۡإِنسَٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسٗا﴾ [الإسراء:83]


وإذا أنعَمنا على الإنسَانِ بالمَالِ والعافيَة، ونالَ ما يَرغَبُ ويَشتَهي، بَطِرَ واستَعلَى، ولَجَّ في الظُّلمِ وطغَى، وأعرَضَ عنْ طاعَةِ الله، فلمْ يَذكُرْهُ ولم يَشْكُرْه.

وإذا أصابَتْهُ المَصائبُ والحَوادِث، ونالَتْ منهُ الشَّدائدُ والنَّوازِل، انكفَأ على نَفسِه، فحَزِنَ وقَنَطَ، وظَنَّ أنْ لنْ يَحصُلَ لهُ خَيرٌ بعدَ هذا؛ لضَعفِهِ وشِدَّةِ جَزَعِهِ، إلاّ مَنْ رَحِمَ الله.

﴿قُلۡ كُلّٞ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلٗا﴾ [الإسراء:84]


قُلْ أيُّها الرَّسُول: كُلٌّ منَ المؤمِنِ والكافِرِ يَعمَلُ على ناحيَتِه، ومَذهَبِهِ ومِنهَجِه، الذي يوافِقُ حالَهُ ووِجهَتَه، ورَبُّنا أعلَمُ منّا ومِنكمْ بمَنْ هوَ أهدَى طَريقًا، ومَنْ هوَ أَضَلّ، وسيَجزي كُلاًّ بما عَمِل.

﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ الرُّوحِۖ قُلِ الرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ [الإسراء:85]


ويَسألُكَ المشرِكونَ عنْ حَقيقَةِ الرُّوح، فقُلْ لهم: هوَ مِنْ عِلمِ الغَيبِ الذي اختَصَّ اللهُ به، وسِرٌّ منْ أسرارِهِ الذي أودَعَهُ في بَعضِ كائناتِه، ولم يُطْلِعْكُمْ على أمرِه، وعِلمُكمْ مَحدودٌ بالنسبَةِ إلى عِلمِ الله، وما وهبَكمْ منهُ إلاّ القَليل.

﴿وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِالَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا﴾ [الإسراء:86]


وإذا أرَدنا أذهَبنا هذا القُرآنَ المُوحَى بهِ إليك، وحرَمناكَ والبشَريَّةَ منْ هذا العِلمِ النَّافِع، والخَبَرِ الصادِق، والخَيرِ العَميم، الذي هوَ شِفاءٌ ورَحمَة، ثمَّ لا تَجِدُ مَنْ يَتَعَهَّدُ لكَ بإعادَةِ ما حرَمناكَ منهُ إلَيك،

﴿إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّ فَضۡلَهُۥ كَانَ عَلَيۡكَ كَبِيرٗا﴾ [الإسراء:87]


ولكنْ لا نَشاءُ ذلك، رحمَةً منَ اللهِ بكَ وبالنَّاس، وفَضلُهُ كَبيرٌ عَليك، ومِنَّتُهُ عَظيمَةٌ على الخَلقِ أجمَعين، بإنزالِ هذا القُرآن، وغَيرِ ذلكَ مِنْ نِعَمِه.

﴿قُل لَّئِنِ اجۡتَمَعَتِ الۡإِنسُ وَالۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا الۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا﴾ [الإسراء:88]


قُلْ أيُّها الرَّسُول: لو أنَّ الإنسَ والجِنَّ كُلَّهمُ اجتَمَعوا وتَعاوَنوا على أنْ يأتوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لَما قَدَروا على ذلك، ولو بذَلوا كُلَّ ما في وسْعِهمْ منْ عِلمٍ وإبداعٍ ومَوهِبَةٍ ومَهارَة، فهوَ كلامُ اللهِ المُعجِزُ المُحْكَم، لا يَقدِرُ مَخلوقٌ على أنْ يأتيَ بمِثلِه، ولا بعَشرِ آياتٍ منه، ولا بسورةٍ قَصيرَةٍ منهُ لا تتَجاوزُ الثَّلاثَ آيات. ولو كانَ منْ كلامِ الخَلقِ لأتَوا بمِثلِه.

﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الۡقُرۡءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٖ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا﴾ [الإسراء:89]


ولقدْ بيَّنَّا للنَّاسِ وكرَّرنا لهمْ في هذا القُرآنِ بأساليبَ شَتَّى، الأدِلَّةَ والبَراهينَ التي تُوَضِّحُ الحقَّ لهم، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يُريدون الصَّواب، أو لا يُريدونَ العمَلَ به، فيُعانِدونَ ويَجحَدون، ويُفَسِّرونَ الأمُورَ ويُتابِعونَها كما يوافِقُ أهَواءَهُمْ ومَصالِحَهمُ الدُّنيَويَّةَ الظَّاهِرَة.

﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ الۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا﴾ [الإسراء:90]


وقالَ لكَ مُشرِكو مكَّةَ في تحَدٍّ وعِناد: لا نُسَلِّمُ بأنَّ هذا القُرآنَ مِنْ عندِ الله، ولا نُؤمِنُ بنبوَّتِك، حتَّى تَفجُرَ عَينًا تَجري في أرضِنا كالنَّهر.

﴿أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَعِنَبٖ فَتُفَجِّرَ الۡأَنۡهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفۡجِيرًا﴾ [الإسراء:91]


أو يَكونَ لكَ بُستانٌ فيهِ أشجَارُ النَّخيلِ والعِنَبِ الكثيرَة، وتُفَجِّرَ(73) فيها العُيونَ واليَنابيعَ فتَجري في خِلالِها الأنهارُ جرَيانًا.

(73) أي: تُجريها بقوة. (فتح القدير).

﴿أَوۡ تُسۡقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِاللَّهِ وَالۡمَلَـٰٓئِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء:92]


أو تُسقِطَ عَلينا السَّماءَ قِطَعًا كما زعَمتَ أنَّ ربَّكَ إنْ شَاءَ فَعَل، أو تأتيَ باللهِ والمَلائكةِ مُقابَلَةً وعِيانًا يَشهَدونَ بصِحَّةِ ما تَقول.

﴿أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي السَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا﴾ [الإسراء:93]


أو يَكونَ لكَ بَيتٌ مِنْ ذَهَب، أو تَصعَدَ في السَّماءِ ونحنُ نَنظُرُ إلَيك، ولنْ نُصَدِّقَ صُعودَكَ فيها حتَّى تُنَزِّلَ منها عَلينا كِتابًا نقرَأُ فيهِ أمْرَنا باتِّباعِك.

قُلْ لهمْ تَعَجُّبًا: تعالَى اللهُ وتنَزَّهَ عمّا لا يَليقُ به، ما أنا إلاّ رَسولٌ مِنَ البشَر، والمُعجِزاتُ ليسَتْ منْ صُنعِ الرُّسُل، وليسَ منْ أدَبِهمْ معَ رَبِّهمْ أنْ يَطلبوها منهُ إذا لم يأذَنْ لهمْ بها. واللهُ أعلَمُ بعِبادِهِ وما يصلُحُ مِنْ إنزالِه عَليهم. وبينَها ما لا يُجابونَ إليه، كنُزولِ اللهِ والملائكة. وقدْ ترَكوا القُرآنَ وراءَ ظُهورِهمْ وهوَ المُعجِزَةُ الكُبرَى الكافيَةُ للدَّلالةِ على نبوَّةِ النَّبيّ.

﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ الۡهُدَىٰٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا﴾ [الإسراء:94]


وما منعَ أكثرَ النَّاسِ منَ الإيمانِ بالرَّسُولِ بعدَ أنْ جاءَهمُ الوَحيُ بذلكَ مَقرونًا بالمُعجِزات، إلاّ كونَهمْ مُستَبعِدينَ ومُنكِرينَ أنْ يَكونَ الرسُولُ مِنَ البشَر!

﴿قُل لَّوۡ كَانَ فِي الۡأَرۡضِ مَلَـٰٓئِكَةٞ يَمۡشُونَ مُطۡمَئِنِّينَ لَنَزَّلۡنَا عَلَيۡهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكٗا رَّسُولٗا﴾ [الإسراء:95]


قُلْ لهمْ في حِكمَة: لو وُجِدَ في الأرْضِ ملائكَةٌ يَمشُونَ كما يَمشي البشَر، ساكِنينَ فيها، لنزَّلنا عَليهمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسولاً مِنْ جِنسِهم، ليَفهَموا منهُ ويَتمَكَّنوا مِنْ مُخاطَبتِه. وكُلُّ يأنَسُ بجِنسِهِ ونَوعِهِ ويَميلُ إليه.

﴿قُلۡ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا﴾ [الإسراء:96]


قُلْ للمُشرِكين: كفَى أنْ يَكونَ اللهُ وحدَهُ شَهيدًا على صِدقِ رسَالَتي إليكم، وأنِّي بلَّغتُها، وأنَّكمْ عانَدتُمْ وكفَرتُم، وهوَ عالِمٌ بظَواهِرِ عبادِهِ وبَواطنِهم، بَصيرٌ بأقوالِهمْ وأفعالِهمْ وأسبابِ تصَرُّفاتِهم، فيَهدي مَنْ يتقَبَّلُ الحقَّ منهم، ويُضِلُّ مَنْ يُعانِدُ ويِرفُض.

﴿وَمَن يَهۡدِ اللَّهُ فَهُوَ الۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُمۡ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِهِۦۖ وَنَحۡشُرُهُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ عُمۡيٗا وَبُكۡمٗا وَصُمّٗاۖ مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا﴾ [الإسراء:97]


ومَنْ يَهدِهِ اللهُ إلى الحَقّ، بما عَلِمَ منْ نيَّتِهِم في تقَبُّلِ ذلك، فهوَ المُهتَدي حقًّا. ومَنْ يُضْلِلْهُ الله، بما عَلِمَ منْ نيَّتِهِم في ذلك، وهوَ إعراضُهمْ عنِ الحَقِّ وعدَمُ استِعدادِهمْ لتقَبُّلِه، فهمُ الضَّالُّونَ الذينَ لنْ تَجِدَ لهمْ أنصَارًا مِنْ دونِ اللهِ يَهدونَهمْ إلى الحَقّ، ويَدلُّونَهمْ على طَريقِ النَّجاة، ويَعصِمُونَهمْ منْ عَذابِ الله.

ونَحشُرُهمْ يَومَ القِيامَة - حينَ يُبعَثونَ مِنْ قُبورِهم - زاحِفينَ مُنكَبِّينَ على وُجوهِهم، عُميًا لا يُبصِرون، وبُكمًا لا يَنطِقون، وصُمًّا لا يَسمَعون، كما صَمُّوا وعَمُوا عنِ الحَقِّ في الدُّنيا، ورفَضوا السُّجودَ للهِ خالقِهم. ومَصيرُهمْ نارُ جَهنَّم، كُلَّما سكَنَ لَهيبُها زِدناهُمْ وَقودًا وجَمْرًا ليَستَمِرَّ عَذابُهمْ فيها.

وعِندَما تعَجَّبَ رَجُلٌ مِنْ مَشي الكافِرِ على وجهِهِ وسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ ذلك، أجابَهُ قائلاً: "أليسَ الذي أمشاهُ على الرِّجْلَينِ قادِرًا على أنْ يُمْشِيَهُ على وَجهِهِ يَومَ القيامَة؟". رواهُ البُخاريّ.

قالَ ابنُ حجرٍ في "الفَتح": يؤخَذُ منْ مَجموعِ الأحاديث، أنَّ المُقَرَّبينَ يُحشَرونَ رُكبانًا، ومَنْ دونَهمْ منَ المُسلِمينَ على أقدامِهم، وأمَّا الكُفّارُ فيُحشَرونَ على وجوههِم.

﴿ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَقَالُوٓاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا وَرُفَٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقٗا جَدِيدًا﴾ [الإسراء:98]


وذلكَ العَذابُ جزاؤهمُ الذي يَستَحِقُّونَه؛ بسببِ كُفرِهمْ بآياتِ الله، وإنكارِهمُ البَعث. وقالوا: أإذا كُنَّا عِظامًا باليَةً وتُرابًا، أنُبعَثُ مِنْ جَديدٍ ونَصيرُ أحياءً كما كُنّا؟

﴿۞أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ قَادِرٌ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۡ وَجَعَلَ لَهُمۡ أَجَلٗا لَّا رَيۡبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّـٰلِمُونَ إِلَّا كُفُورٗا﴾ [الإسراء:99]


ألا يَتفَكَّرُ هؤلاءِ المُشرِكونَ ويَعلمونَ أنَّ اللهَ الذي خلقَ السَّماواتِ والأرضَ، بعِظَمِهما وسَعَتِهما وشِدَّتِهما وإحكامِهما وما فِيهما، قادِرٌ على أنْ يَخلُقَهمْ أحياءً بعدَ أنْ كانوا أمواتًا، وهمْ أصغَرُ وأضعَفُ مِنهما؟ وقدْ جعلَ مَوعِدًا لمَوتِهمْ أو بَعثِهم، سيَأتيهمْ لا مَحالة، ولكنْ أبَى الكافِرونَ إلاّ جُحودًا بآياتِنا، وتَماديًا في باطلِهم.

﴿قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ الۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ الۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا﴾ [الإسراء:100]


قُلْ لهؤلاءِ المُعانِدينَ المُكابِرين، الذينَ مَا يَزالونَ يُطالِبونَ بالمُعجِزاتِ كما يوافِقُ أهواءَهم، منْ بُيوتِ الذَّهَبِ والبَساتينِ والينابيعِ المُتفَجِّرَة، قلْ لهم: لو كنتُمْ تَملِكونَ خَزائنَ رزقِ اللهِ ونِعمِهِ الكثيرَة، لبَخِلتُمْ بها على عِبادِ الله، وامتَنَعتُمْ منْ إنفاقِها خَوفًا منْ أنْ يُصيبَكمُ الفَقْر، وكانَ الإنسَانُ بَخيلاً، قَليلَ الإنفَاق.

قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: اللهُ تعالَى يَصِفُ الإنسانَ منْ حَيثُ هو، إلاّ مَنْ وفَّقَهُ اللهُ وهَداه، فإنَّ البُخلَ والجَزَعَ صِفَةٌ له...