تفسير سورة الإسراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الإسراء
17

﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ إِذۡ جَآءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰمُوسَىٰ مَسۡحُورٗا﴾ [الإسراء:101]


وقدْ آتَينا نبيَّ اللهِ موسَى تِسعَ مُعجِزاتٍ واضِحات، هي: العَصا، واليَدُ البَيضاءُ مِنْ غَيرِ سُوء، والطُّوفان، والجَراد، والقُمَّل، والضَّفادِع، والدَّم، وأخْذُ فِرعَونَ وقَومِهِ بالسِّنين، ونَقصِ الثَّمرات. واسألْ مؤمِني أهلِ الكتابِ عنْ ذلك، إذْ جاءَ موسَى آباءَهمْ بالنُّبوَّةِ مؤيَّدًا بالمُعجِزات، فقالَ لهمْ فِرعَون: إنِّي أظُنُّكَ يا موسَى قدْ سُحِرت، واختلَّ عَقلُك، ولذلكَ قُلتَ ما قُلت.

﴿قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا﴾ [الإسراء:102]


قالَ موسَى عليهِ السَّلامُ يَرُدُّ عَليهِ في ثَباتٍ واطمِئنان: لقدْ عَلِمْتَ يَقينًا يا فِرعَونُ أنَّ هذهِ الآياتِ العَظيمَةَ لا يَقدِرُ على الإتيانِ بها أحَدٌ مِنَ البشَر، وما أنزَلَها إلاّ خالِقُ السَّماواتِ والأرضِ ومُدَبِّرُهما، وهي ظاهِرَةٌ مَكشوفَة، مُنيرَةٌ للبَصائر. فلَستُ ساحِرًا ولا مُختَلَّ العَقل، وما أراكَ يا فِرعَونُ إلاّ هالِكًا، مادُمتَ مُكّذِّبًا بآياتِ اللهِ ورَسولِه.

﴿فَأَرَادَ أَن يَسۡتَفِزَّهُم مِّنَ الۡأَرۡضِ فَأَغۡرَقۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ جَمِيعٗا﴾ [الإسراء:103]


فعَزَمَ فِرعَونُ على اللُّجوءِ إلى القوَّةِ حِفاظًا على مُلكِه، فأرادَ أنْ يُخرِجَ موَسى وقَومَهُ منْ أرضِ مِصرَ ولا يُبقي منهمْ أحَدًا، ولكنَّهُ عُوقِبَ جَزاءَ تَكذيبِهِ وتَكبُّرِهِ عنْ قَبولِ الحقّ، فأغرَقناهُ ومَنْ معَهُ في البَحر، ونَجَّينا موسَى وقَومَه.

﴿وَقُلۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ لِبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ اسۡكُنُواْ الۡأَرۡضَ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ الۡأٓخِرَةِ جِئۡنَا بِكُمۡ لَفِيفٗا﴾ [الإسراء:104]


وقُلنا لبَني إسْرائيل مِنْ بَعدِ إهلاكِ فِرعَون: اسكُنوا أرضَ مِصرَ والشَّام، فإذا جاءَتِ السَّاعَةُ أتَينا بكمْ جَميعًا إلى المَوقِفِ مختَلِطين، أنتُمْ وعَدوُّكم، لنُجازيَ كُلاًّ بما عَمِل.

﴿وَبِالۡحَقِّ أَنزَلۡنَٰهُ وَبِالۡحَقِّ نَزَلَۗ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا﴾ [الإسراء:105]


لقدْ أنزَلنا هذا القُرآنَ بالحَقِّ والعَدل، ففيهِ حُكمُ اللهِ وأمرُهُ ونَهيُه، الذي لا يَكونُ إلاّ صِدقًا وعَدلًا، ونَزَّلناهُ على رَسُولِنا محمَّدٍ مَحروسًا مَحفوظًا، دونَ زيادَةٍ ولا نُقصان، وما أرسَلناكَ إلاّ رَسُولاً مُبَشِّرًا للمُطيعينَ بالثَّواب، ونَذيرًا للعاصِينَ منَ العِقاب.

﴿وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا﴾ [الإسراء:106]


وأنزَلنا القُرآنَ على محمَّدٍ رَسولِ اللهِ مُفَرَّقًا مُنَجَّمًا حسَبَ الوقائع، وليسَ دُفعَةً واحِدَة؛ لتَقرَأهُ على النَّاسِ على تُؤدَةٍ وتَرَسُّل، فإنَّهُ أكثَرُ عَونًا على الفَهم، وأيسَرُ للحِفظ، وأوقَعُ في النَّفسِ بعدَ الوَقائعِ والمَصالِح.

﴿قُلۡ ءَامِنُواْ بِهِۦٓ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوٓاْۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦٓ إِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ يَخِرُّونَۤ لِلۡأَذۡقَانِۤ سُجَّدٗاۤ﴾ [الإسراء:107]


قُلْ لهؤلاءِ الكافِرين: آمِنوا بهذا القُرآنِ أو لا تُؤمِنوا به، فهوَ كَلامُ اللهِ وحَقٌّ في ذاتِه، وإيمانُكمْ بهِ لا يَزيدُهُ كَمالاً، وعدَمُ إيمانِكمْ بهِ لا يُقَلِّلُ منْ كَمالِهِ شَيئاً. إنَّ العُلماءَ العارِفينَ بالكتُبِ السَّماويَّةِ مِنْ قَبلِ أنْ يَنزِلَ القُرآن - وقدْ عرَفوا مَضمونَها وعَلاماتِ النبوَّةِ فيها - إذا يُتلَى عَليهمْ يُبادِرونَ إلى السُّجودِ على وجوهِهم؛ تَعظيمًا لأمرِ الله، وشُكرًا لهُ على ما أنعَمَ عَليهمْ منْ مَعرِفَةِ الحقِّ واتِّباعِه.

﴿وَيَقُولُونَ سُبۡحَٰنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولٗا﴾ [الإسراء:108]


ويَقولون: تعالَى اللهُ رَبُّنا وتَنَزَّهَ عنْ إخلافِ وَعدِهِ الذي وعدَ بهِ أنبياءَهُ السَّابقينَ مِنْ بَعثِ هذا النبيِّ الأُمِّيّ، فإنَّ ما وعدَ بهِ حَقٌّ وصِدق، وواقِعٌ مُطابِق.

﴿وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩﴾ [الإسراء:109]


ويَقَعونَ على وُجوهِهمْ ساجِدينَ لله، خضوعًا لهُ وشُكرًا لإنجازِ الوَعد، يَبكونَ مِنْ خَشيَةِ الله، ويَزيدُهمْ سَماعُ القُرآنِ إيمانًا وتَسليمًا، وعِلمًا ويَقينًا.

﴿قُلِ ادۡعُواْ اللَّهَ أَوِ ادۡعُواْ الرَّحۡمَٰنَۖ أَيّٗا مَّا تَدۡعُواْ فَلَهُ الۡأَسۡمَآءُ الۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَابۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا﴾ [الإسراء:110]


قُلْ أيُّها الرَّسُول: اُدعوا اللهَ باسمِه، أو باسمِ الرَّحمن، فلا فَرقَ في ذلك، فهوَ ذو الأسماءِ الحُسنَى، والرَّحمنُ; واحِدٌ منْ أسمَائه.

ولا تَرفَعْ صَوتَكَ بالقُرآنِ في الصَّلاة، ولا تَخفِضْهُ بحَيثُ لا يُسمَع، وليَكنْ بينَ الجَهرِ والمُخافَتَة.

روَى الشَّيخانِ وغَيرُهما - واللَّفظُ لمُسلمٍ - عنِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهما في هذهِ الآية، قال: نزَلَتْ ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتوارٍ في مَكَّة، فكانَ إذا صَلَّى بأصحابِه رفَعَ صَوتَهُ بالقُرآن، فإذا سَمِعَ ذلكَ المشرِكونَ سَبُّوا القُرآنَ ومَنْ أنزلَهُ ومَنْ جاءَ به، فقالَ اللهُ تعالَى لنبيِّه: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} فيسمعَ المشرِكونَ قِراءَتك، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عنْ أصحابِك، أسمِعهمُ القُرآنَ ولا تَجهَرْ ذلكَ الجَهر، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}، يَقول: بينَ الجَهرِ والمُخافتَة.

﴿وَقُلِ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي الۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ الذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا﴾ [الإسراء:111]


وقُل: الحمدُ للهِ والمَجدُ والثَّناءُ لهُ على وحدَانيَّتِهِ وتَنَزُّههِ عنِ الشَّريكِ والوَلَد، ولم يَكنْ لهُ شَريكٌ في أُلوهيَّتِه، ولم يَكنْ لهُ وليٌّ وناصِرٌ ليَرفعَهُ مِنْ ذُلّ، فهوَ عَزيزٌ بنَفسِه، عَظيمٌ في شَأنِه، قَويٌّ غالِبٌ على كُلِّ شَيء، ومَجِّدْهُ وعَظِّمْهُ تَعظيمًا، واثنِ عَليه، بحَمدِهِ، وذِكرِ صِفاتِهِ العُليا وأسمائهِ الحُسنَى.
في حَديثٍ صَحيحٍ رواهُ الترمذيُّ وغَيرُهُ عنْ عائشةَ رَضيَ اللهُ عَنها قالت: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَنامُ حتَّى يَقرأَ الزُّمَرَ، وبَني إسرائيل"، وهيَ سورَةُ الإسراء.