تفسير سورة الكهف

  1. سور القرآن الكريم
  2. الكهف
18

﴿الَّذِينَ كَانَتۡ أَعۡيُنُهُمۡ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكۡرِي وَكَانُواْ لَا يَسۡتَطِيعُونَ سَمۡعًا﴾ [الكهف:101]


الذينَ كانتْ أعيُنُهمْ –وهمْ في الدُّنيا- مُحاطَةً بغِشاوَةٍ غَليظَةٍ تَحجُبُ عنهمْ آياتي وذِكري، فقدْ تعَامَوا عنها، وصَمُّوا آذانَهمْ عنْ سَماعِ الحقّ، لئلاّ يَعقِلوا عنِ اللهِ دِينَه.

﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيٓ أَوۡلِيَآءَۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ نُزُلٗا﴾ [الكهف:102]


أفظَنَّ الكافِرونَ أنْ يَتَّخِذوا عِبادًا لي آلِهةً يَعبُدونَهمْ مِنْ دُوني، وأنصارًا يَتَّقونَ بهمْ بأسي؟ سيَظهَرُ لهمْ تَبَرُّؤهمْ منهمْ يَومَ القِيامَة. وقدْ هيَّأنا لهمْ جَهنَّمَ لتَكونَ لهمْ مَنزِلاً يَسكُنونَ فيه، ومَثوًى يُخَلَّدونَ فيه.

﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِالۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا﴾ [الكهف:103]


قُلْ: هلْ أُخبِرُكمْ بالذينَ خَسِروا أعمالَهمْ خَسارَةً بيِّنَة، ونَدِموا أشدَّ النَّدامَة؟

﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾ [الكهف:104]


الذينَ ضاعَ جُهدُهمْ وبطَلَ عمَلُهمُ الذي عَمِلوهُ في الدُّنيا، وهمْ يَظنُّونَ أنَّهمْ يَقومونَ بأعمالٍ حسَنَةٍ مَرْضِيَّة؟

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ وَزۡنٗا﴾ [الكهف:105]


أولئكَ الأخسَرونَ همُ الذينَ جحَدوا آياتِ اللهِ ومُعجِزاتِه التي أيَّدَ بها رُسُلَه، وكفَروا بيومِ المَعاد، فلا حِسابَ في نظَرِهمْ ولا جَزاءَ بعدَ المَوت، فهؤلاءِ بطَلَتْ أعمالُهمْ مهما ظنُّوا أنَّها حسنَة، لأنَّهمْ لم يَصدُروا فيها عنْ إيمانٍ وعمَلٍ صالِح، فهيَ غَيرُ قائمةٍ على شَريعَةٍ مَشروعَةٍ ومَقبولَةٍ عندَ الله، بلْ هيَ منْ أهوائهمْ وتَسويلِ الشَّيطانِ لهم، فلا نَجعَلُ لهؤلاءِ يَومَ القِيامَةِ وَزنًا ولا اعتِبارًا.

وفي الصَّحيحَينِ قَولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّهُ ليَأتي الرَّجُلُ العَظيمُ السَّمينُ يَومَ القِيامَة، لا يَزِنُ عندَ اللهِ جَناحَ بَعوضَة". وقال: "اقْرَؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}".

﴿ذَٰلِكَ جَزَآؤُهُمۡ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتَّخَذُوٓاْ ءَايَٰتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ [الكهف:106]


فإذا كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّ جزاءَهمْ جَهنَّمُ؛ بسَبَبِ كُفرِهم، واستِهزائهمْ بآياتي ومُعجِزاتي، وتكذيبِهمْ كتُبي ورسُلي.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ الۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا﴾ [الكهف:107]


إنَّ الذينَ آمَنوا، وأتْبَعوا إيمانَهمْ بالعمَلِ الصَّالِح، وهوَ المُوافِقُ لشَرعِ الله، كانتْ لهمْ فيما سبَقَ في عِلمِ الله، جَنَّاتُ الفِردَوسِ مَنزِلاً ومُقامًا.

وفي صَحيحِ البُخاريِّ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ المرفوع: "إنَّ في الجَنَّةِ مائةَ درَجَةٍ أعَدَّها اللهُ للمُجاهِدينَ في سَبيلِه، كُلُّ درَجتَينِ ما بينَهما كما بينَ السَّماءِ والأرض، فإذا سألتُمُ اللهَ فسَلُوهُ الفِردَوس، فإنَّهُ أوسَطُ الجَنَّةِ وأعلَى الجَنَّة، وفَوقَهُ عَرشُ الرَّحمن، ومنهُ تَفَجَّرُ أنهارُ الجَنَّة".

﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا﴾ [الكهف:108]


مُقيمينَ فيها أبَدًا، لا يَطلبونَ تحَوُّلاً عنها إلى غَيرِها، ولا يُفَضِّلونَ سِواها.

﴿قُل لَّوۡ كَانَ الۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ الۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا﴾ [الكهف:109]


قُل: لو كانَ البَحرُ حِبرًا مُعَدًّا للقَلَمِ الذي تُكتَبُ بهِ كَلِماتُ رَبِّي، لفَنيَ ماءُ البَحرِ قَبلَ أنْ تَنتَهي كلِماتُ رَبِّي، لعَدَمِ تَناهيها، ولو جِئنا بمثلِ ماءِ البَحرِ بُحورًا أخرَى تَمُدُّهُ بالماء.

﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾ [الكهف:110]


قُلْ أيُّها الرَّسولُ الكريم: ما أنا إلاّ بشَرٌ مثلُكم، إلاّ أنِّي تمَيَّزتُ عنكمْ بوَحي اللهِ إليّ، فمَنْ زعَمَ أنِّي كاذِبٌ فليَأتِ بمِثلِ ما أُوحيَ إليّ. وإنَّ الإلهَ الذي أدعوكمْ إلى عِبادَتِهِ هوَ إلهٌ واحِدٌ لا شَريكَ له، فمَنْ كانَ يأمُلُ الكَرامَةَ والبُشرَى مِنْ رَبِّه، وحُسنَ الثَّوابِ منْ عِندِه، فليَعمَلْ عمَلاً صالِحاً يَكونُ مُوافِقًا للشَّرع، ولا يُشرِكْ بعبادَةِ ربِّهِ أحَدًا، فلا يُرائي بعمَلِه، ولا يُرِدْ بهِ سِوَى وَجهه.

قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: وهذانِ رُكنا العمَلِ المُتَقَبَّل: لا بُدَّ أنْ يَكونَ خالِصًا لله، صَوابًا على شَريعَةِ رَسولِ الله.

وأخرجَ الحاكِمُ وصحَّحَهُ ووافَقَهُ الذَّهبيّ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهما قال: قالَ رَجُل: يا رَسولَ الله، إنِّي أَقِفُ المَوقِفَ أريدُ وجهَ الله، وأريدُ أنْ يُرَى مَوطِني. فلمْ يَرُدَّ عَليهِ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم شَيئًا، حتَّى نزَلَتْ: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.

وسُورَةُ الكَهفِ سُورَةٌ عَظيمَة، ولها فَضائل، منها قَولُهُ صلى الله عليه وسلم في حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ الصَّحيحِ مَوقوفًا: "مَنْ قرأَ سُورَةَ الكَهفِ يَومَ الجُمُعَة، أضاءَ لهُ النُّورَ ما بينَهُ وبينَ البَيتِ العَتيق". رواهُ الدارْميّ. وفي صَحيحِ مُسلمٍ منْ حَديثِ أبي الدَّرداءِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَفِظَ عَشرَ آياتٍ منْ أوَّلِ سُورَةِ الكَهف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّال".