أيُّها الناس، اعبُدوا الربَّ الذي خلقَكمْ ومَنْ قبلَكم(2)، وَحِّدُوهُ بالعبادةِ ولا تُشْرِكوا بهِ شيئًا؛ فإنَّ الذي تَفرَّد بالخلْقِ هو الذي يُفْرَدُ بالعبادة، ولعلَّكُمْ بهذهِ العبادةِ الصافيةِ تكونونَ منَ المطيعينَ المُهتَدِين.
(2) أي: من زمنٍ قبلَ زمانكم من الأمم. فـ {مِنْ} ابتدائيةٌ متعلقةٌ بمحذوف. وفي الوصفِ به إيماءٌ إلى سببِ وجوبِ عبادتهِ تعالى، فإنَّ خلقَ أصولهم من موجباتِ العبادةِ كخلقِ أنفسهم. وفيه دلالةٌ على شمولِ القدرة، وتنبيهٌ من سنَّةِ الغفلة، أي أنهم كانوا فمضَوا، وجاؤوا وانقضَوا، فلا تنسَوا مصيركم، ولا تستجيزوا تقصيركم. (روح البيان).
وإذا كُنتُمْ في شكٍّ منْ نُبوَّة محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيُّها الكافِرون، فهاتُوا سُورَةً مِنْ مِثْلِ ما جاءَ به، واستعينوا بمن شِئْتُمْ منْ أعوانِكمْ في ذلك، إذا كنتُمْ صادِقينَ في أنَّ القُرآنَ مِنْ عندِ غَيرِ الله.
هوَ الإلهُ الحقّ، الذي خلقَ الأرضَ وما فيها لأجلِكم، ثمَّ استوَى إلى السماءِ (ذهبَ كثيرٌ من المفسِّرينَ إلى أنَّ معناها: قصدَ إلى السماء) فخلقَها سبعَ طبقاتٍ وأحكمَها، وعِلمُهُ محيطٌ بجميعِ ما خَلق، لا يَخفى عليهِ شَيء.
واعلمْ يا نبيَّ اللهِ أنَّ ربَّكَ قالَ لملائكتِه: سأجعلُ بني آدمَ خُلفاءَ في الأرض، يَخلُفُ بعضُهم بعضاً، وأسخِّرُ جميعَ ما خلقتُهُ فيها منْ طاقاتٍ وخاماتٍ لهم.
وقدْ فَهِمتِ الملائكةُ منَ الطبيعةِ البشريَّة، أو بإلهامٍ منَ الله، أنَّ منَ البشرِ مَنْ يُفسِدُ في الأرض، ويَستغلُّ طاقاتِها في غيرِ وجهتِها الصَّحيحة، فقالوا استِعلاماً واستكشافاً عنِ الحكمةِ في ذلك، لا اعتراضاً على اللهِ سُبحانَه: يا ربَّنا، أتجعلُ في هذهِ الأرضِ مَنْ يَعيثُ فساداً، ويُريقُ الدماءَ بغَيرِ حقّ، مُتجاوزينَ الحِكمَةَ والصَّواب؟ وإذا كانَ الهدفُ منِ استخلافِهمْ فيها عبادتَك، فها نحنُ نُنَـزِّهُكَ ونَحمَدُكَ ونُمَجِّدك، ونعبدُكَ ونصلِّي لك؟
فقالَ اللهُ لهم: إني أعلمُ منَ المصلحةِ في استخلافِهمْ فيها ما لا تَعلمون، فإذا كانَ فيهمْ مُفسِدون، فإنَّهُ يَكونُ منهمْ أنبياءُ وصِدِّيقون، وأولياءُ للهِ مقرَّبون، وعُلماءُ عامِلون، وعُبّادٌ خاشِعون، وشُهداءُ أبرارٌ في عِلِّيين.
وطلبَ اللهُ مِنْ أبينا آدمَ أنْ يَذكرَ للملائكةِ أسماءَ الأشياء، مِنْ أعلامٍ وحيواناتٍ وجمادات، فأنبأهمْ بها، وظهرَ فضلُهُ في ذلك، منْ علمِ ما لا يَعلمونه، فقالَ اللهُ لهم: ألم أقلْ لكمْ إنِّي أعلمُ علمَ الغَيب، فلا يَخفى عليَّ شيءٌ مِنْ أمرِهمْ وأمرِكمْ وما في الكونِ جميعاً، وأعلمُ ما تُسِرُّونَ في أنفسِكمْ وما تُظهِرونَه، فما خفيَ عليَّ قولُكم: مَنْ يُفسدُ فيها، ولا خفيَ عليَّ أمرُ إبليسَ في خلافِ أمرِي والتكبُّرِ على طاعتي.
تكريرٌ وتحذيرٌ مِنْ جَديد، لآدمَ وذرِّيتِه، حتَّى لا يَقعوا في الخطأ مرَّةً أخرى: انزِلوا إلى الأرض، فإذا بَعثتُ إليكمْ أنبياءَ ورُسلاً، وأنزلتُ عليكمْ كتُباً لتهتَدوا بها، واتَّبعتُمْ هذا الهَدي، فلا تَضِلُّونَ في الدنيا، ولا تَشقَوْنَ في الآخِرَة، ولا تَحزنونَ على ما فاتَكمْ منْ أمورِ الدنيا، ولا تخافونَ ما ينتظرُكمْ يومَ القيامة.
يا أبناءَ إسرائيلَ (يعقوبَ) النبيِّ الكريمِ المطيعِ لله، تذكَّرُوا نِعمتي عَليكمْ أنْ جعلتُ منكمْ أنبياءَ ومُلوكاً، وأنزلتُ عليكمُ الكتُب، وأنجَيتُكُمْ مِنْ عُبوديةِ فِرعَونَ وآلِه... وأوفوا بالعهدِ الذي طَلبتُ منكمُ الإيفاءَ به، وهوَ اتِّباعُ دينِ الإسلامِ ومتابعةُ النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إذا أُرسِل، فإذا وَفَيتُمْ بالعهدِ الذي في أعناقِكم، رَضِيتُ عنكمْ وأدخلتُكمُ الجنَّة، وإنْ لم تَفعَلوا فاذكروا ما أنزلتُ بآبائكمْ مِنَ النِّقم، كالمسخِ وغيره، فإنِّي قادرٌ على أنْ أُنزلَ بكمْ ما أنزلتهُ بهم.