تفسير سورة الحج

  1. سور القرآن الكريم
  2. الحج
22

﴿وَلَهُم مَّقَٰمِعُ مِنۡ حَدِيدٖ﴾ [الحج:21]


ولهمْ سِياطٌ أو مَطارِقُ مِنْ حَديدٍ، يُضرَبونَ بها.

﴿كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا مِنۡ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الۡحَرِيقِ﴾ [الحج:22]


كُلَّما حاوَلوا الخُروجَ مِنْ جهَنَّم - لِما يَلحَقُهُمْ مِنْ غَمٍّ وكرْبٍ عَظيمٍ مِنْ عَذابِها - ضُرِبوا بالمَقامِعِ فأُعِيدوا مِنْ أعالِيها إلى أسَافلِها، وقالَتْ لهمُ المَلائكة: ذوقُوا هذا العَذابَ المُحرِقَ المُهين، الذي كنتُمْ بهِ تُكَذِّبون.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدۡخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ﴾ [الحج:23]


والمؤمِنونَ الصَّالِحون، الذينَ صَدَقوا في إيمانِهم، وأحسَنوا في أعمالِهم، يُدْخِلُهمُ اللهُ جَنّاتٍ عالِيات، تَجري مِنْ تَحتِ أشْجارِها وقُصورِها الأنهَار، يُزَيَّنونَ فيها بأساوِرَ مِنْ ذهَب، ويُؤتَونَ لؤلؤًا صَافيًا جَميلاً، ويَلبَسونَ فيها الحَرير، في مُقابِلِ ثيابٍ مِنْ نارٍ للكافِرين.

﴿وَهُدُوٓاْ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ الۡحَمِيدِ﴾ [الحج:24]


وهَدَى اللهُ المؤمِنينَ ووَفَّقَهمْ إلى الكَلامِ الطيِّبِ المُبارَكِ الذي يُرضِي رَبَّهم، كما هَداهمْ إلى طَريقِ الحَقِّ، التي تأخذُهمْ إلى الجنَّة.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالۡمَسۡجِدِ الۡحَرَامِ الَّذِي جَعَلۡنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الۡعَٰكِفُ فِيهِ وَالۡبَادِۚ وَمَن يُرِدۡ فِيهِ بِإِلۡحَادِۭ بِظُلۡمٖ نُّذِقۡهُ مِنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ﴾ [الحج:25]


إنَّ الكافِرينَ الذينَ زادُوا في إجرامِهم، بأنْ فتَنوا المؤمِنينَ عنْ دينِهمْ ومنَعوهمْ مِنْ إتيانِ المَسجِدِ الحرامِ لقضَاءِ مناسِكِهم، وقدْ جاؤوا مِنْ مَكانٍ بَعيد، بدَعوَى المشرِكينَ أنَّهمْ همُ القائمونَ عَليه، المسؤولونَ عنه، وقدْ جعلَهُ اللهُ قِبْلَةً ومُتَعَبَّدًا، للمُقيمِ والبَعيدِ سَواء، ومَنْ يُرِدْ بالمَسجِدِ الحرامِ شَرًّا، ويَنوي فيهِ اقتِرافَ إثم، أو أمرٍ فَظيعٍ مِنَ المَعاصي، بعَزيمَةٍ وإصْرارٍ منه، كشِركٍ وغَيرِه، نُذِقْهُ عَذابًا مؤلِمًا كبيرًا.

﴿وَإِذۡ بَوَّأۡنَا لِإِبۡرَٰهِيمَ مَكَانَ الۡبَيۡتِ أَن لَّا تُشۡرِكۡ بِي شَيۡـٔٗا وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالۡقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج:26]


واذكُرْ لهؤلاءِ المشرِكينَ الذينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عنِ المَسجِدِ الحرام، أنَّا أنزَلنا إبراهيمَ مَكانَ هذا البَيت، وأرشَدناهُ إليه، وأذِنّا لهُ في بِنائه، وأمَرناهُ بتَوحيدِ العِبادَةِ لنا فيه، وتَنزيهِ بيتيَ الحرامِ مِنَ الأوثانِ والأقذار، لمَنْ يَطوفُ به، ويَقومُ بالعِبادَةِ فيه، فيُصَلُّونَ للهِ وحدَه، يَركَعونَ لهُ ويَسجُدون، ولا يُشرِكونَ بهِ شَيئًا.

﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ﴾ [الحج:27]


ونادِ في النَّاسِ بالحَجِّ يا إبراهيم، اُدْعُهمْ إلَيهِ وَأْمُرْهمْ به، يأتُوا البيتَ مُشاةً، ورُكبانًا على كُلِّ بَعيرٍ مَهزول، قدْ جَهِدَهُ السَّيرُ فهَزَلَ مِنَ التَّعَبِ والجُوع، وهيَ آتيَةٌ مِنْ كُلِّ طَريقٍ بَعيدَة.

﴿لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ اسۡمَ اللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ الۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ الۡبَآئِسَ الۡفَقِيرَ﴾ [الحج:28]


ليَشهَدوا منافِعَ لهم، دُنيَويَّةً وأُخرَويَّة، مِنْ تِجارَة، وعِبادَة. وليَذكُروا اللهَ في الأيَّامِ العَشرِ المُبارَكاتِ مِنْ ذي الحِجَّة، ذاتِ الفَضْلِ الكبير، وليَشكُروهُ على ما رزَقَهمْ مِنَ الأنعَام، مِنَ الهَدي والأضَاحي، وهيَ الإبِلُ والبقَرُ والغَنَمُ والمـَعْز، فاذبَحوها يَومَ النَّحر، واذكُروا اسمَ اللهِ عَليها، وكُلوا مِنْ لُحومِها، وأطعِموا منها المُضطَرَّ الفَقير.

﴿ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِالۡبَيۡتِ الۡعَتِيقِ﴾ [الحج:29]


ثمَّ ليُؤَدُّوا نُسُكَهم، ويَحلِقوا شُعورَهم، ويُقَلِّموا أظافِرَهم، ويَلبَسوا ثيابَهم، ولْيُوفُوا بما نَذَرُوهُ مِنْ أعمَالِ البِرِّ في حَجِّهم، مِنْ هَدْي وغَيرِه، ولْيَطُوفوا بالبَيتِ القَديم -الذي هوَ أوَّلُ بَيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ للعِبادَة - طوافَ الإفاضَة، وهوَ رُكنٌ مِنْ أركانِ الحجّ.

﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ الۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَاجۡتَنِبُواْ الرِّجۡسَ مِنَ الۡأَوۡثَٰنِ وَاجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ الزُّورِ﴾ [الحج:30]


ذلكَ ما أمرَكُمُ اللهُ بهِ مِنْ أدَاءِ المَناسِك، ومَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ الله، بعمَلِ ما أُمِرَ به، والانتِهاءِ عمَّا نُهيَ عنه، فهوَ خَيرٌ لهُ عندَ الله، فيُثابُ عَلى ذلك يَومَ الحِساب، ويُكرَمُ بدُخولِ الجَنَّة.

وأُحِلَّ لكمْ لحمُ الأنعَام(87)، إلاّ ما يُتلَى عليكم، مِنْ قَولِهِ تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ} [سورة المائدة: 3]. فاجتَنِبوا الأوثانَ القَذِرَة، واجتَنِبوا قَولَ الزُّور، فهيَ كَذِبٌ وبُهتان، ومِنَ الكَبائر.


(87) هيَ الإبِلُ والبقرُ والغنمُ والمـَعْز.

﴿حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيۡرَ مُشۡرِكِينَ بِهِۦۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ الطَّيۡرُ أَوۡ تَهۡوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ﴾ [الحج:31]


مائلينَ مِنْ كُلِّ دِينٍ مُنحَرِفٍ إلى الدِّينِ الحَقّ، مُخلِصِينَ لله، غَيرَ مُشرِكينَ بهِ شَيئًا مِنَ الأشيَاء، ومَنْ يُشرِكْ باللهِ فقدْ ضَلَّ وتَاه، وهوَ كأنَّما سقَطَ مِنَ السَّماء، فتأخُذُهُ الطَّيرُ بسُرعَةٍ وتأكلُ لَحمَه، أو تُسْقِطُهُ الرِّيحُ وتَقذِفُ بهِ إلى مَكانٍ بَعيدٍ مُهلِك. فهذا مِثالٌ للمُشرِكِ الذي يَسقُطُ مِنْ أوجِ الإيمانِ إلى حَضيضِ الكُفر، فتتَقاذَفُهُ الأهواءُ المُرْدِيَةُ حتَّى تُهلِكَه.

﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى الۡقُلُوبِ﴾ [الحج:32]


هذا، ومَنْ يُعَظِّمْ أوامِرَ الله، ويَلتَزِمْ شَرائعَ دِينِه، ومِنْ ذلكَ الهَدْيُ والأضَاحي، فإنَّهُ مِنْ أفعالِ المُتَّقينَ الذينَ يَخشَونَ رَبَّهم.

﴿لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الۡبَيۡتِ الۡعَتِيقِ﴾ [الحج:33]


ولكمْ في هذهِ البُدْنِ (الإبِلِ والبقَرِ) مَنافِع، مِنْ نَسلِها ولبَنِها ورُكوبِها، إلى أنْ تَجعَلوها هَدْيًا، فإذا سَمَّيتُموها بذلكَ فلا يُنتَفَعُ بها، إلاّ عندَ الضَّرورَة. ثمَّ إنَّ انتِهاءَها إلى البيتِ الحَرام، ويَعني أرضَ الحرَم، في مِنَى، حيثُ وقتُ حلولِ نَحرِها ووجوبِه(88).

(88) المعنى: ثم بعدَ تلك المنافع، هذه المنفعةُ العظمَى، وهي وقتُ حلولِ نحرها ووجوبِه، حالَ كونها متهيئةً إلى {الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: إلى الحرم، الذي هو في حكمِ البيت، فإن المرادَ به الحرمُ كلُّه، كما في قولهِ تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا} [سورة التوبة: 28] أي: الحرمَ كلَّه. فإن البيتَ وما حولَهُ نُزِّهتْ عن إراقةِ دماءِ الهدايا، وجعلَ مِنَى منحرًا. (روح البيان).

﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ اسۡمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ الۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ الۡمُخۡبِتِينَ﴾ [الحج:34]


وشرَعَ اللهُ لكُلِّ أهلِ دِينٍ أنْ يَذبَحوا لهُ نُسُكَهمْ على وَجهِ التقَرُّب، ليَذكروا اسمَ اللهِ عندَ ذَبحِها على ما رزَقَهمْ مِنْ هذهِ الأنعَام(89)، فمَعبودُكمْ واحِدٌ أيُّها النَّاس، وهوَ اللهُ الواحِدُ الأحَد، وإنْ تنَوَّعَتْ شَرائعُ الأنبِياء، فأسلِموا وجوهَكمْ إليه، وأطيعُوه، وأخلِصوا لهُ العِبادَة، ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا، وبشِّرِ المؤمِنينَ الخاشِعينَ لله، الرَّاضينَ بحُكمِه، بالمَثوبَةِ الحُسْنَى.

(89) هيَ الإبِلُ والبقرُ والغنمُ والمـَعْز.

﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَالصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ وَالۡمُقِيمِي الصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾ [الحج:35]


الذينَ إذا ذُكِرَ اللهُ عندَهمْ خافَتْ وخشَعَتْ لهُ قُلوبُهم، والصَّابرينَ على ما أصابَهمْ مِنَ البَلايا والمِحَنِ والتَّكاليف، والمواظبينَ على الصَّلاةِ في أوقاتِها، فلا يَصرِفُهمْ عنها شَيء، والذينَ يُنفِقونَ ممّا آتاهمُ اللهُ في وجُوهِ البِرِّ والإحسَان.

﴿وَالۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ اللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَاذۡكُرُواْ اسۡمَ اللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ الۡقَانِعَ وَالۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الحج:36]


والبُدْنَ - وهيَ الإبِلُ البَدينةُ، وقدْ تُطلَقُ على البقَرِ أيضًا - جعَلناها مِنْ شَعائرِ الدِّين، فتُهدَى إلى بَيتِ اللهِ الحرام، وتُذبَحُ هُناك، فهيَ مِنْ نُسُكِ الحَجّ. ويَكونُ لكمْ بذلكَ ثَوابٌ كبير، معَ ما يُنتَفَعُ بها في الدُّنيا، فاذكُروا اسمَ اللهِ عَليها عندَ ذَبحِها، وقولوا: "بسمِ اللهِ واللهُ أكبَر"، وهيَ قائمَةٌ مَعقولَةٌ إحدَى يَدَيها، قدْ صَفَّتْ رِجلَيها وإحدَى يَدَيها. فإذا وقعَتْ على الأرضِ مَذبوحَة، فكُلوا منها، وأطعِموا المتَعفِّفَ عن السؤال، الراضِي بما يُعطَى، والمتَعَرِّضَ لكم بالسؤال.

وبمثلِ هذا ذلَّلناها لكمْ لتَنتَفِعوا بها، على الرَّغمِ مِنْ كِبَرِ حَجمِها، فتَركَبونَها، وتَحلُبونَها، وتَذبَحونَها، لعلَّكمْ بذلكَ تَشكرونَ اللهَ على نِعَمِه.

﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الحج:37]


لنْ يَصِلَ إلى اللهَ شَيءٌ مِنْ لحُومِ هذهِ الهَدايا والأضاحي التي تتَصدَّقونَ بها، ولا مِنْ دِمائها، ولنْ تَنفعَهُ شَيئًا، ولكنْ يَصِلُ إليهِ مِنْ ذلكَ التَّقوى مِنْ قُلوبِكم، والإخلاصُ فيما تتَقرَّبونَ بهِ إليه، ومِنْ أجلِ ذلكَ سَخَّرَها لكم، وجعلَها طائعَةً مُنقادَة، لتُعَظِّموه، وتَعرِفوا نِعَمَهُ عَليكم، وما أرشَدَكمْ لمَعالِمِ دِينِهِ ومَناسِكِ حَجِّه، وبشِّرِ المُطيعينَ لله، المُخلِصينَ له، بما يُفرِحُهمْ يَومَ الدِّين.

﴿۞إِنَّ اللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ﴾ [الحج:38]


إنَّ اللهَ يَحفَظُ عِبادَهُ المؤمِنين، ويَدفَعُ عَنهمْ شَرَّ أعدائهمُ المُشرِكين، ويَنصُرُهمْ عَليهم، إنَّ اللهَ يَبغُضُ الخائنينَ في عُهودِهمْ ومَواثيقِهم، الجاحِدينَ لنِعَمِهِ عَليهم.

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج:39]


أَذِنَ اللهُ للمُؤمِنينَ بقِتالِ المشرِكينَ الذينَ يُقاتِلونَهم؛ لأنَّهمْ ظُلِموا وأُوذُوا، وإنَّ اللهَ قادِرٌ على نَصرِهم، ولو بدَوا ضُعَفاء.

قالَ ابنُ عَبّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهما: هيَ أوَّلُ آيَةٍ نزَلَتْ في القِتال.

﴿الَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا اسۡمُ اللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:40]


الذينَ أخرجَهمُ المشرِكونَ مِنْ مكَّةَ بغَيرِ إساءَةٍ ولا ذَنبٍ ارتَكَبوه، إلاّ لعِبادتِهمُ اللهَ وحدَه، وهوَ ليسَ بذَنب، ولكنَّهُ عندَ المشرِكينَ كَبير!

ولولا إذنُ اللهِ للمُؤمِنينَ بقِتالِ الكفّار، وتَشجيعِهمْ على الجِهاد، لأبادَهمُ الكافِرونَ وهدَموا مساجِدَهم.

ولولا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهمْ ببَعض، وصَدُّ شَرِّ بَعضِهمْ بآخَرين، لفسَدَتِ الأرض، وأكلَ القَويُّ الضَّعيف، وهُدَّتْ مَعابِدُ الرُّهبان، وبيوتُ العِبادَةِ للنَّصارَى واليَهود، ومَساجِدُ المسلِمين، التي يُذكَرُ فيها اسمُ اللهِ كثيرًا.

ولَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُ دِينَهُ ونبيَّه، واللهُ قَويٌّ قادِرٌ على كُلِّ ما يُريدُه، مَنيعٌ في سُلطانِه، نافِذٌ أمرُه، لا يَقدِرُ أحَدٌ على رَدِّه.