تفسير سورة الحج

  1. سور القرآن الكريم
  2. الحج
22

﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي الۡأَرۡضِ أَقَامُواْ الصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِالۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ الۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ الۡأُمُورِ﴾ [الحج:41]


الذينَ إنْ نصَرناهمْ وآتَيناهمُ الحُكمَ والسُّلطانَ في الأرْض، ثبَتوا على دينِ الله، وحافَظوا على حُدودِه، فأقامُوا الصَّلاةَ في وَقتِها ولم يُفَرِّطوا فيها، وأعطَوا الزَّكاةَ للفُقَراءِ والمُحتاجينَ كما أمرَهمُ الله، وأمَروا بالخَيرِ والعَدلِ والصَّلاح، ونهَوا عنِ الشرِّ والبَغي والفَساد. ومَرجِعُ كُلِّ أمرٍ إلى حُكمِ الله، ليُجازيَ كُلاًّ بما عَمِل.

﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَعَادٞ وَثَمُودُ﴾ [الحج:42]


وإنْ يُكَذِّبْكَ هؤلاءِ المشرِكون، فقدْ كُذِّبَ رسُلٌ مِنْ قَبلِك. فقدْ خالَفَ قَومُ نُوحٍ نبيَّهمْ وكذَّبوهُ على مدَى قُرون. وهكذا كانَ مَوقِفُ عادٍ مِنْ نبيِّهمْ هُود، ومَوقِفُ ثَمودَ مِنْ صالِح، عَليهما السَّلام.

﴿وَقَوۡمُ إِبۡرَٰهِيمَ وَقَوۡمُ لُوطٖ﴾ [الحج:43]


وقَومُ إبراهيمَ أصَرُّوا على عِبادَةِ الأصْنامِ وكذَّبوا نبيَّهمْ حتَّى أوقَدوا النِّيرانَ ورمَوهُ فيها، وأنقَذَهُ الله. وقَومُ لُوطٍ أصَرُّوا على فاحِشَةِ اللِّواطِ وكذَّبوا نبيَّهمْ كذلك.

﴿وَأَصۡحَٰبُ مَدۡيَنَۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰۖ فَأَمۡلَيۡتُ لِلۡكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ [الحج:44]


وكذا كانَ مَوقِفُ أصحَابِ مَدْيَنَ مِنْ نبيِّهمْ شُعَيب. وكذَّبَ فِرعَونُ وقَومُهُ كليمَ اللهِ موسَى.

وكُلُّ هؤلاءِ الأنبِياءِ كانوا مؤيَّدينَ بالآياتِ والمُعجِزاتِ العَظيمَة، والدَّلائلِ البيِّنَةِ التي تُثبِتُ صِحَّةَ ما جاؤوا بهِ مِنْ عندِ رَبِّهم، ولكنَّ أقوامَهمْ عانَدوا واستَكبَروا، إلاّ مَنْ رَحِمَ الله، فأمهَلتُ الكافِرينَ المكذِّبينَ وأخَّرتُهمْ إلى أجَلٍ مُسَمًّى، ثمَّ أهلَكتُهمْ بعدَ مُضيِّ وقتِ الإمهَال، فكيفَ كانتْ عُقوبتي لهم؟ فاعتَبِروا يا كُفَّارَ مَكَّة.

﴿فَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرٖ مُّعَطَّلَةٖ وَقَصۡرٖ مَّشِيدٍ﴾ [الحج:45]


وكمْ مِنْ قَريَةٍ دَمَّرناها على أهلِها لأنَّهمْ كذَّبوا رسُلَ اللهِ وأصَرُّوا على الكُفر، فأعمِدَتُها وحيطانُها ساقِطَةٌ على سُقوفِها. وكمْ مِنْ بئرٍ قدْ نَضَبَ ماؤها وغارَ في الأرض، بعدَ أنْ كانتْ مليئةً تَنضَحُ بالماء، يَنتَفِعُ بها أهلُها. وكمْ مِنْ قَصرٍ كانَ مُرتَفِعًا حَصينًا، مَليئًا بالحرَكةِ والحَياة!

﴿أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى الۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى الۡقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج:46]


أفلا يَسيرونَ في الأرْض، ويَقرَؤونَ التَّاريخ، ويَنظُرونَ إلى الآثار، ويَتفَكَّرونَ في أحوالِ الأُمَمِ والحضَارات، ويَعتَبِرونَ مِنْ مَصارِعِهم، وما حَلَّ بهمْ مِنَ الفَجائعِ والنِّقَم، فتَكونَ لهمْ قُلوبٌ خاشِعَةٌ تَفقَهُ وتَعتَبِر، وآذانٌ تَسمَعُ وتَعِي؟ وليسَتِ المُشكِلَةُ في عُيونِهمُ التي يُبصِرونَ بها، ولكنَّها في بَصيرَتِهمُ التي عَميَت، وقُلوبِهمُ التي انغَلَقَت، فلا يَدخلُها نورُ الإيمان، ولا تَنفُذُ إليها الآياتُ والعِبَر.

﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِالۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ اللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج:47]


ويَستَعجِلُكَ كُفَّارُ مَكَّةَ بالعَذابِ الذي خوَّفتَهمْ به، لأنَّهمْ لا يُصَدِّقونَك، ولا يؤمِنونَ بنبوَّتِك، فيَستَهزِؤونَ بك، ويَتحَدَّونَكَ إنْ أتيتَهمْ بالعَذاب، واللهُ لا يُخْلِفُ وعدَهُ إنْ وعَدَ بالانتِقامِ مِنْ أعداءِ دِينِه. وهوَ قادِرٌ على الانتِقامِ في أيِّ وقت، ولكنَّهُ لا يُعَجِّلُ بالعُقوبَة، فهوَ يُحِبُّ لعِبادِهِ أنْ يَهتَدوا، ويُعطيهمْ فُرصَةً كافيَةً ومُناسِبَةً ليَتفكَّروا ويتَّعِظوا، وهوَ حَليمٌ صَبور، يُمهِلُ الكافِرينَ حتَّى لو آذَوا أنبِياءَهُ وقتَلوا عِبادَهُ المؤمِنين، لئلاّ يَبقَى لهمْ عُذرٌ عندَ الله، إذا أهلكَهمْ في الدُّنيا، أو أدخلَهمُ النَّارَ يَومَ القيامَة.

وتَقديرُ الزَّمَنِ عندَ اللهِ غَيرُ ما هوَ عندَ البشَر، فاليَومُ الواحِدُ عندَهُ بمِقدارِ ألفِ سنَةٍ عندَكم، ولذلكَ فهوَ لا يَستَعجِلُ العُقوبَة.

﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ أَمۡلَيۡتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٞ ثُمَّ أَخَذۡتُهَا وَإِلَيَّ الۡمَصِيرُ﴾ [الحج:48]


وكمْ مِنْ قَريَةٍ أنظَرتُ أهلَها وأمهَلتُهم، وهمْ ظالِمون، يُكذِّبونَ رُسُلي ويَسخَرونَ منهم، ثمَّ أخَذتُهمْ بالعَذابِ بعدَ انتِهاءِ الأجَلِ المَضروبِ لهم، وإليَّ مَرجِعُ أهلِ القُرَى والنَّاسِ جَميعًا، لأحْكُمَ لهمْ أو عَليهم، منْ خِلالِ مَواقِفِهمْ وأعمالِهم.

﴿قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الحج:49]


قُلْ للنَّاسِ أيُّها الرَّسُول: إنَّما أنا مُبَلِّغُ رِسالَةِ الله، ومُنذِرٌ بَيِّنٌ فيما أُنذِرُ به، وأمرُ العَذابِ إلى الله، إنْ شاءَ عجَّلَهُ للعاصِينَ منكم، وإنْ شاءَ أخَّرَه، أو رَفعَهُ عنهم.

﴿فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ [الحج:50]


فمَنْ آمنَ مِنكمْ وعَمِلَ عمَلاً حسَنًا، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ لهُ ما أسلَفَ منْ ذَنب، ولهُ عندَهُ رِزقٌ كريمٌ لا يَنقَطِعُ أبَدًا.

﴿وَالَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ الۡجَحِيمِ﴾ [الحج:51]


والذينَ خالَفوا أمرَ نبيِّنا، وبذَلوا جُهدَهمْ لصَرفِ النَّاسِ عنْ دينِنا، فأولئكَ قدْ أُعِدَّ لهمْ نارٌ شَديدَةٌ ليُعَذَّبوا فيها.

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى الشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلۡقِي الشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ اللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [الحج:52]


ولمْ نُرسِلْ قَبلَكَ رَسولاً ولا نَبيًّا إلاّ إذا قرَأ شَيئًا مِنَ الآياتِ ألقَى الشَّيطانُ الشُّبَهَ والتَّخَيُّلاتِ في قراءةِ ذلكَ النبيّ، ألقَاها على أنصَارِهِ وأوليائهِ مِنَ المشرِكينَ والمنافِقين، ليُجادِلوهُ بالباطِل، ويَرُدُّوا ما جاءَ بهِ مِنْ عندِ رَبِّه، فيُبطِلُ اللهُ ما يُثيرُهُ الشَّيطانُ مِنْ شُبَهٍ وأبَاطيلَ بتَوفيقِ النبيِّ للرَدِّ عَليها، أو بإنزالِ آياتٍ أخرَى مِنَ القُرآنِ تَرُدُّ عَليها.

ويأتي اللهُ بهذهِ الآياتِ مُحكَمَةً مُثبَتَةً، لا تَقبَلُ الرَّدَّ والمُعارَضَة، ولا تَبقَى هُناكَ شُبهَةٌ في الوجهِ الصَّواب.

واللهُ عَليمٌ بما يَفعَلُهُ النَّاسُ كُلُّهم، حَكيمٌ فيما يَحكُمُ ويُدَبِّر.

ويورِدُ هنا بَعضُهمْ قِصَّةَ الغرانيقِ المَشهورَة، وهيَ كَذِبٌ لم يَصِحَّ منها شَيء.

﴿لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي الشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَالۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ الظَّـٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ﴾ [الحج:53]


وليَجعَلَ اللهُ بما يُلقي الشَّيطانُ مِنْ هذهِ الأباطيلِ ابتِلاءً واختِبارًا للَّذينَ في قُلوبِهمْ شَكٌّ مِنَ المُنافِقين، والقاسِيَةِ قُلوبُهمْ مِنَ المشرِكينَ المُعانِدين، وإنَّهمْ لفي ضَلالٍ مُبِين، ومُخالَفَةٍ للحَقّ، وعَداوَةٍ ظاهِرَة.

﴿وَلِيَعۡلَمَ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡعِلۡمَ أَنَّهُ الۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الحج:54]


وليَعلمَ العُلماءُ المُخلَصونَ الثابِتونَ على الحَقّ، أنَّ ما أوحَينا إلى رَسولِنا وأثبَتناهُ في القُرآن، هوَ الحقُّ المُنْزَلُ مِنْ رَبِّهم، فيؤمِنوا بهِ ويُصَدِّقوه، فتَسكُنَ لهُ قُلوبُهمْ وتَخشَعَ له، وإنَّ اللهَ يُرشِدُ عِبادَهُ المؤمِنينَ إلى نُورِ الحقِّ ويَرزُقُهمُ اتِّباعَه، ويُبَصِّرُهمْ بالباطِلِ ويَرزُقُهمُ اجتِنابَه.

﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ﴾ [الحج:55]


ولا يَزالُ الذينَ كفرُوا في شَكٍّ مِنْ هذا القُرآنِ حتَّى تأتيَهمُ القِيامَةُ فَجأةً وهمْ في لَهوٍ وغُرور، فلا تُقبَلُ منهمْ تَوبَةٌ ولا عمَل، أو يأتيَهمْ يَومُ عَذابِها، وسيَكونُ يَومًا شَديدًا، لا مَثيلَ له، ولا يَومَ بعدَه.

﴿الۡمُلۡكُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡۚ فَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ فِي جَنَّـٰتِ النَّعِيمِ﴾ [الحج:56]


في ذلكَ اليَومِ يَكونُ الأمرُ والسُّلطانُ كُلُّهُ للهِ بلا مُنازِع، فلا مُلكَ يَومَئذٍ لأحَدٍ سِوَاه، لا حَقيقَةً ولا مَجازًا، ويَقضي اللهُ بينَ النّاسِ بالحَقِّ والعَدل، فالذينَ آمَنوا وأخلَصوا في إيمانِهم، وأتْبَعوهُ بالعمَلِ الصَّالحِ الموافِقِ للدِّين، في نَعيمٍ مُقيمٍ بالجنَّة.

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا فَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ﴾ [الحج:57]


والذينَ كفَروا وعانَدوا وأصَرُّوا على الكُفر، وكذَّبوا بآياتِنا ومُعجِزاتِنا الواضِحات، فلهمْ عَذابٌ مؤلِمٌ قاسٍ يُهينُهمْ ويُذلُّهم، مُقابِلَ استِكبارِهمْ وإعراضِهمْ عنِ الحَقِّ في الدُّنيا.

﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ لَيَرۡزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ الرَّـٰزِقِينَ﴾ [الحج:58]


والذينَ فارَقوا أوطانَهم، وترَكوا أهالِيهمْ وأموالَهمْ في طاعَةِ اللهِ وطلَبِ رِضاه، وقاتَلوا في سَبيلِهِ نُصرَةً لدِينِه، فقُتِلوا، أو ماتوا مِنْ غَيرِ قِتال، فقدْ حصَلَ لهمُ الأجرُ والثَّواب، وسيُجري اللهُ عَليهمْ مِنْ رِزقِهِ في الجنَّةِ مِنَ النِّعَمِ الكثيرَةِ ما تَقَرُّ بهِ عُيونُهم، واللهُ خَيرُ مَنْ يُثيبُ المؤمِنينَ على أعمالِهم، وخَيرُ مَنْ يَرزُقُهمْ ويُنعِمُ عَليهم، ويَزيدُهمْ مِنْ فَضلِه.

﴿لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٞ﴾ [الحج:59]


سيُدْخِلُهمْ مُدْخَلاً كَريمًا، وهوَ الجنَّة، يَرضَونَهُ ويَحمَدونَ اللهَ عَليهِ ويَشكرونَهُ على مَزيدِ إكرامِه، ففيهِ ما تَشتَهيهِ أنفُسُهمْ وتَبتَهِجُ لهُ قُلوبُهم. وهوَ سُبحانَهُ عَليمٌ بهِجرَتِهمْ وجِهادِهمْ وما يَستَحِقُّونَهُ مِنْ ثَواب، حَليمٌ بهم، فيَعفو عَنهمْ ويَغفِرُ لهمْ ويُكرِمُهم.

﴿۞ذَٰلِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيۡهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُۚ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ﴾ [الحج:60]


هذا، ومَنْ عاقبَ الجاني، فأخذَ منهُ حقَّهُ بمثلِ ما جَنَى عَليه، ثمَّ عادَ إلى عُقوبَتِهِ مرَّةً أخرَى زيادَةً على حَقِّه، فإنَّ اللهَ يَنصُرُهُ عَلى مَن جنَى عليه، ويُمَكِّنهُ منَ الانتِقامِ منه، ولو بَعدَ حين. واللهُ عَفُوٌّ، مُحِبٌّ للعَفو، فأحِبُّوا العَفوَ مِثْلَه، غَفور، يَتجاوَزُ عنْ ذنوبِ الناسِ إذا رأى منهمْ تَوبَةً وندَمًا، فاعفُوا عَنهمْ أنتُمْ كذلكَ واغفِروا لهم، ليُعامِلَكمُ اللهُ بعَفوِهِ ومَغفِرَتِه، كما تَعامَلتُمْ بذلكَ معَ عِبادِه.