تفسير سورة الحج

  1. سور القرآن الكريم
  2. الحج
22

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيۡلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيۡلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ﴾ [الحج:61]


واللهُ مالِكُ المُلكِ ومُدَبِّرُ الأمرِ كُلِّه، ومِنْ ذلكَ أنَّهُ سُبحانَهُ يَجعَلُ الضِّياءَ في النَّهارِ ويُقَلِّلُ منهُ حتَّى يَدخُلَ في ظُلمَةِ اللَّيلِ الخَفيفَة، ثمَّ يأتي الظَّلام، وتَخِفُّ ظُلمَتُهُ شَيئًا فشَيئًا، حتَّى يَدخُلَ في نورِ النَّهار.

واللهُ سَميعٌ لأقْوالِ النَّاس، خَبيرٌ بها، لا يَخفَى عَليهِ شَيءٌ منْ ذلك، سَواءٌ جَهَروا بها أمْ أسَرُّوا، فليَتَّقوا اللهَ في أقوالِهمْ وأعمالِهم، فإنَّها تُحصَى عَليهمْ ثمَّ تُوزَن.

فهذهِ سُنَّةُ اللهِ في الطَّبيعَة، لا تَختَلِف، وللهِ سُنَنٌ في المُجتَمَعِ كذلك، فليَحذَروا وليَعتَبِروا.

﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ الۡبَٰطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡعَلِيُّ الۡكَبِيرُ﴾ [الحج:62]


ذلكَ بأنَّ اللهَ هوَ الإلهُ الحَقّ، فلا يُعبَدُ إلاّ هو، وأنَّ ما يَعبدُهُ المشرِكونَ منَ الأصْنامِ وغَيرِها هوَ الباطِل، فلا أُلوهيَّةَ لها، فهيَ لا تَخلُق، ولا تَضُرّ، ولا تَنفَع. وأنَّ اللهَ هوَ العَليُّ على جَميعِ الأشياء، فلا شَيءَ أعلَى منه، الكبيرُ الذي لا أعظمَ منهُ ولا أكبَر، فكُلُّ شَيءٍ دونَه.

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ الۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ﴾ [الحج:63]


ألمْ تَنظُرْ أيُّها المُبصِرُ كيفَ أنزَلَ للهُ المطرَ مِنَ السَّحاب، فيُصيبُ الأرْض، ويَختَلِطُ ببُذورِ النَّباتِ وجُذورِ الشَّجَر، فتَصيرُ خَضراء، بعدَ أنْ كانتْ جَرداءَ قاحِلَة؟ واللهُ عالِمٌ بخَفيَّاتِ الأمُور، خَبيرٌ بدَقائقِها، ومنها مَصالِحُ العِبادِ ومَقاديرُ المطَر. وهوَ سُبحانَهُ قادِرٌ على إعادَةِ الحياةِ إلى الأمواتِ عندَ البَعث، كما أعادَ الحَياةَ إلى الأرضِ بإحياءِ النَّباتِ فيها.

﴿لَّهُۥ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الۡغَنِيُّ الۡحَمِيدُ﴾ [الحج:64]


للهِ مُلكُ السَّماواتِ والأرض، ولهُ تَدبيرُهما والتصَرُّفُ فيهما، وهوَ الغَنيُّ الذي لا يَحتاجُ إلى شَيء، وكُلُّ شَيءٍ يَحتاجُ إليه، المَحمودُ في جَميعِ صِفاتِهِ وأقوالِهِ وأفعالِه.

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الۡأَرۡضِ وَالۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي الۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحج:65]


ألمْ تَنظُرْ وتَتفَكَّرْ أيُّها العاقِلُ كيفَ ذلَّلَ اللهُ لكمْ ما في الأرْضِ لتَنتَفِعوا بها وتَقضُوا بها حوائجَكم، مِنَ الدوابِّ والنَّباتِ والمَعادِنِ وغَيرِها.

وهذهِ السُّفُنُ بأنوَاعِها وأحجَامِها تَمخُرُ عُبابَ البِحار، بتَسخيرِهِ وتَهيئتِهِ المياهَ لذلك، بحسَبِ ما يَضَعُ اللهُ فيها مِنْ نواميسَ وقوانينَ فيزيائيَّة، فتَطفو عَليها، فتَحمِلُكمْ وما تَرغَبونَ مِنْ حاجاتِكمْ لتَنقُلَكمْ إلى ما وراءَ البِحار.

ومِنْ لُطفِهِ وقُدرَتِهِ تَعالَى إمساكُ السَّماءِ لئلاّ تقَعَ على الأرض، إلاّ إذا شاءَ ذلك، بما وضَعَ فيها أيضًا مِنْ نواميس، وجعلَها قَويَّةً مُتماسِكة.

واللهُ رَؤوفٌ بعِبادِه، رَحيمٌ بهم، فأمَّنَ لهمُ الأرْضَ التي يَعيشونَ عَليها حتَّى لا تَسقُطَ عَليها أجرامٌ سَماويَّةٌ فتُهلِكَهم، وسخَّرَ لهمْ ما فيها لأجلِ مَصالحِهم.

﴿وَهُوَ الَّذِيٓ أَحۡيَاكُمۡ ثُمَّ يُمِيتُكُمۡ ثُمَّ يُحۡيِيكُمۡۗ إِنَّ الۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ﴾ [الحج:66]


وكيفَ تَكفرُونَ باللهِ أو تَعبدُونَ غَيرَه، وهوَ الذي خلقَكمْ ولمْ تَكونوا شَيئًا، ثمَّ يُميتُكمْ عندَما تَحينُ آجالُكم، ثمَّ يَبعَثُكمْ مِنْ قُبورِكمْ للبَعثِ والحِساب. إنَّ الإنسانَ جَحودٌ بنِعَمِ اللهِ وآلائه، على الرَّغمِ مِنْ ظُهورِها ووضُوحِها.

﴿لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي الۡأَمۡرِۚ وَادۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الحج:67]


لكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ وضَعنا شَريعَةً خاصَّةً بهمْ يَعمَلونَ بها، فلا تتأثَّرْ بمُنازَعَةِ المشرِكينَ وأهلِ المِلَلِ لك، ولا يَصرِفَنَّكَ ذلكَ عَمَّا أنتَ عَليهِ مِنَ الحَقّ، وادْعُهمْ وادْعُ النَّاسَ جَميعًا إلى تَوحِيدِ اللهِ وعِبادَتِه، فإنَّكَ على طَريقٍ سَوِيٍّ لا اعوِجاجَ فيه.

﴿وَإِن جَٰدَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الحج:68]


وإذا ناقَشوكَ وخاصَموكَ في أمرِ الدِّينِ وقدْ ظَهرَتِ الحُجَّةُ عَليهم، فقُلْ لهمْ على سَبيلِ الوَعيدِ والتَّهديد: اللهُ أعلَمُ بما تَخوضُونَ فيهِ مِنَ العِنادِ والبُطلان.

﴿اللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [الحج:69]


وفي يَومِ القِيامَةِ يَقضِي اللهُ بينَكمْ فيما كنتُمْ تَختَلِفونَ فيه، وستَعرِفونَ المُحِقَّ مِنَ المُبطِلِ حينَئذ، وكُلٌّ يُجازَى على ما عَمِل.

﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ اللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٞ﴾ [الحج:70]


ألمْ تَعلَمْ وتتَفكَّرْ أنَّ اللهَ قدْ أحاطَ عِلمُهُ بما في السَّماءِ والأرْض، فلا يَخفَى عَليهِ شَيءٌ مِنْ ذلك، ومنهُ أقوالُ الكافِرينَ وأعمالُهم؟ وإنَّ ذلكَ كُلَّهُ مُدَوَّنٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ عندَ رَبِّك. وعِلمُ اللهِ بجَميعِ ذلكَ سَهلٌ عَليه، فلا يَصعُبُ عَليهِ أمر، ولا يَنِدُّ عَنهُ شَيء.

﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَمَا لَيۡسَ لَهُم بِهِۦ عِلۡمٞۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٖ﴾ [الحج:71]


وهؤلاءِ المشرِكونَ يَعبدُونَ الأصْنامَ عنْ جَهلٍ وبُطلان، فلمْ يُنزِلِ اللهُ بجَوازِ عِبادَتِها حُجَّةً ودَليلاً، وليسَتْ هُناكَ ضَرورَةٌ عَقليَّةٌ لعِبادَتِها، وإنَّما اختلَقوا ذلكَ مِنْ عُقولِهمُ المَريضة، وليسَ هُناكَ مَنْ يُوافِقُهمْ ويُؤيِّدُهمْ على مَذهَبهمْ هذا في الحَياةِ الدُّنيا، ولا مَنْ يَنصُرُهمْ ويَدفَعُ عنهمُ العَذابَ في الآخِرَة.

﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الۡمُنكَرَۖ يَكَادُونَ يَسۡطُونَ بِالَّذِينَ يَتۡلُونَ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۗ قُلۡ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكُمُۚ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْۖ وَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [الحج:72]


وإذا قرَأتَ عَليهمْ آياتِ القُرآنِ الواضِحات، التي فيها دَعوَتُهمْ إلى التَّوحيد، والإنكارُ عَليهمْ فيما هُمْ فيهِ مِنْ شِركٍ وضَلال، تَعرِفُ في وجُوهِ الكافِرين َالكراهَةَ والإنكارَ بعُبوسِها وإعراضِها، على الرَّغمِ مِنْ صِحَّتِها وقوَّةِ حُجَّتِها، ويَكادونَ أنْ يَبطِشوا بالذينَ يَقرَؤونَ عَليهمُ الآياتِ مِنْ شِدَّةِ غَيظِهم.

قُلْ لهمْ أيُّها النبيُّ الكريم: أفأُخبِرُكمْ بما يَغيظُكمْ أكثَر، وما يَكونُ وبالُهُ عَليكُمْ أعظَم؟ نارُ جَهنَّم، التي أعَدَّها اللهُ للكافِرين، وبئسَ هذا المَنزِلُ الذي تَصيرونَ إليه، وتَذوقونَ فيهِ أشدَّ العَذاب.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَاسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ اجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ الذُّبَابُ شَيۡـٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالۡمَطۡلُوبُ﴾ [الحج:73]


أيُّها النَّاس، لقدْ ضَربَ اللهُ مَثَلاً في حقَارَةِ الأصْنامِ وسَخافَةِ عُقولِ عابِديها، حَقيقٌ بأنْ تَستَمِعوا إليهِ وتَتفَكِّروا فيه. إنَّ هذهِ الأصْنامَ التي تدَّعونَ أنَّها آلِهَةٌ وتَعبدُونَهمْ مِنْ دونِ الله، لا يَستَطيعونَ أنْ يَخلُقوا ذُبابًا، ولو اجتمَعَ جَميعُ أصْنامِ الأرْضِ على ذلك، على الرَّغمِ مِنْ أنَّ الذَّبابَ حشَرَةٌ صَغيرَة، خَفيفَةٌ ضَعيفَة. وإذا اختطَفَ شَيئًا منهم، أو ممّا عَليهم، فلا يَستَطيعونَ كَفَّهُ عَنهم، ولا استِرجاعَهُ منه، فهمْ جامِدونَ لا يَتحَرَّكون، لا يَنفَعونَ ولا يَضُرُّون، ولا يَستَطيعونَ أنْ يَنتَصِروا لأنفُسِهم، ولا أنْ يُدافِعوا عنْ عابِديهمْ بشَيء.

لقدْ ضَعُفَ الصَّنَمُ كما عَلِموا، وضَعُفَ الذُّبابُ، الذي هوَ مِنْ أضعَفِ وأذَلِّ الحيَوانات. فليَنظُروا ما يَعبدُون.

﴿مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦٓۚ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج:74]


إنَّهمْ لم يَعرِفوا اللهَ حقَّ مَعرِفَتِه، ولم يُعَظِّموهُ حَقَّ تَعظيمِه، حينَ عبَدوا معَهُ غَيرَه، واللهُ هوَ القَويُّ بقُدرَتِهِ على جَميعِ الكَائنات، العَزيزُ الذي غلبَ كُلَّ شَيءٍ وقَهَرَه.

﴿اللَّهُ يَصۡطَفِي مِنَ الۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلٗا وَمِنَ النَّاسِۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٞ﴾ [الحج:75]


واللهُ يَختارُ مِنَ المَلائكَةِ مَنْ يَكونَ وسيطًا بينَهُ وبينَ أنبِيائهِ ورسُلِه، كما يَختارُ مِنْ عِبادِهِ رسُلاً يُبَلِّغونَهمْ رِسالاتِه. واللهُ سَميعٌ لأقوَالِ عِبادِهِ ورُسُلِهِ جَميعًا، بَصيرٌ بهمْ وبأحوالِهم.

﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرۡجَعُ الۡأُمُورُ﴾ [الحج:76]


يَعلَمُ ما قَبلَ أحوالِ الرُّسُل، وأحوالَهمْ وأحوالَ أقوامِهمْ وما يُبَلِّغونَه، وما يَكونُ الأمرُ بعدَهم. وإلى اللهِ تَصيرُ الأمُورُ كُلُّها، فهوَ الذي بيدِهِ كُلُّ شَيء، ولهُ الحُكمُ الأخير.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارۡكَعُواْ وَاسۡجُدُواْۤ وَاعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَافۡعَلُواْ الۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩﴾ [الحج:77]


أيُّها المؤمِنون، صَلُّوا لله، واخضَعوا في صَلاتِكمْ لهُ جَلَّ جَلالُه، وخَرُّوا لهُ سُجَّدًا، ووَحِّدوهُ في عِبادَتِكمْ له، ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا، وصِلُوا أرحامَكم، وتمَسَّكوا بمكارِمِ الأخْلاق، لكي تَسعَدوا وتَفوزوا برِضَى اللهِ وجنَّتِه.

﴿وَجَٰهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ اجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي الدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمۡ إِبۡرَٰهِيمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ الۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِۚ فَأَقِيمُواْ الصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوٰةَ وَاعۡتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ الۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج:78]


وقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ كما يَنبَغي، وأخلِصوا جِهادَكمْ لهُ وحدَه، ولا تَخافُوا في ذلكَ أحَدًا، فقدِ اختارَكمْ لدِينِهِ مِنْ بينِ سَائرِ الأُمَم، وشَرَّفَكمْ بأكمَلِ شَرع، وخصَّكمْ بأفضَلِ رَسول، وما جعَلَ عَليكمْ في الدِّينِ مِنْ ضِيقٍ ومَشَقَّة، فلمْ يُكَلِّفْكمْ بما لا تُطيقون، وإذا شَقَّ عَليكمْ أمرٌ منهُ في ظُروفٍ تَطرَأُ عَليكم، فقدْ جعَلَ لكمْ في ذلكَ فرَجًا ومَخرَجًا، ووَسَّعَ عَليكمْ كما وَسَّعَ مِلَّةَ أبيكمْ إبراهيم.

قالَ الحسَنُ البَصريُّ رَحِمَهُ الله: جعلَ اللهُ حُرمَةَ إبراهيمَ عَليهِ السَّلام، كحُرمَةِ الوالِدِ على ولَدِه.

واللهُ سَمَّاكمُ المُسلِمينَ مِنْ قَبلِ أنْ يَنزِلَ القُرآن، في الكتُبِ المُتَقَدِّمِة، كما سَمَّاكمْ بهِ في هذا القُرآن، ليَكونَ الرَّسولُ شَهيدًا عَليكمْ يَومَ القيامَةِ أنَّهُ قدْ بلَّغَكم، وتَكونوا أنتُمْ شُهداءَ على النَّاسِ أنَّ أنبِياءَهمْ قدْ بَلَّغوهم، كما نطقَ بهِ القُرآن، المُنْزَلُ على رَسولِ الأُمَّةِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

فقابِلوا هذهِ النِّعمَةَ العَظيمَةَ بشُكرِ اللهِ ومُلازَمَةِ طاعَتِه، فأقيمُوا الصَّلاةَ في أوقاتِها وواظِبوا على أدائها، وآتُوا الفُقَراءَ والمُحتاجِينَ حَقَّهمْ مِنْ أموالِكم. واللهُ ناصِرُكمْ ومُتَوَلِّي أَمرِكم، ونِعمَ الوَليُّ الحافِظُ هو، والنَّاصِرُ لكم، ولنْ يَضِيعَ مَنْ كانَ اللهُ وليَّهُ ولنْ يُخذَل.