﴿قَدۡ أَفۡلَحَ الۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [المؤمنون :1]
قدْ سَعِدَ المؤمِنونَ وفازوا ببُغيَتِهم.
﴿الَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ﴾ [المؤمنون :2]
الذينَ همْ ساكِنونَ خائفُونَ في صَلاتِهم، قدْ خشَعَتْ قُلوبُهمْ وخضَعَتْ جَوارِحُهم.
﴿وَالَّذِينَ هُمۡ عَنِ اللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ﴾ [المؤمنون :3]
والذينَ همْ مُعرِضونَ عنِ الكَلامِ الباطِل، وما لا فائدَةَ فيه.
﴿وَالَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ﴾ [المؤمنون :4]
والذينَ يؤَدُّونَ زَكاةَ أموالِهمْ للفُقَراءِ والمُحتاجِين.
وكانَ أصلُ الزَّكاةِ واجِبًا في مَكَّة، ثمَّ فُرِضَتْ بمقاديرِها في المَدينَة.
﴿وَالَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ﴾ [المؤمنون :5]
والذينَ يُحافِظونَ على فُروجِهمْ مِنَ الحَرام، فهمْ أعِفَّةٌ، لا يَرتَكِبونَ الفَواحِش.
﴿إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون :6]
ولا يَقرَبونَ سِوَى ما أحَلَّ اللهُ لهمْ مِنْ أزوَاجِهم، أو ما مَلَكَتْ أيمانُهمْ منَ السَّراري(90) ، فلا حرَجَ عَليهمْ في ذلكَ ولا لَوم.
(90) {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}: المرادُ بذلك الإماء. (فتح القدير وغيره).
فإذا تزوَّجها صاحبُها قيلَ لها سُرِّيَّة.
﴿فَمَنِ ابۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡعَادُونَ﴾ [المؤمنون :7]
فمَنْ طلبَ غَيرَ زَوجاتِهِ وإمَائه، فهوَ مِنَ المُعتَدين، المُتجاوزينَ الحَلالَ إلى الحَرام.
﴿وَالَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ﴾ [المؤمنون :8]
والذينَ همْ مؤتَمَنونَ على أماناتِهمْ وعُهودِهم، حافِظونَ لها ومُوفُونَ بها، فلا يَخونونَ ولا يَغدِرون.
﴿وَالَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ﴾ [المؤمنون :9]
والذينَ يُحافِظونَ على صَلواتِهمُ المَفروضَةِ عَليهم، فيُؤدُّونَها في وَقتِها، وبأركانِها وشُروطِها.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡوَٰرِثُونَ﴾ [المؤمنون :10]
فأولئكَ المؤمِنونَ همْ أصحابُ حَقٍّ يَنتَظِرُهمْ ليَنالُوه.
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [المؤمنون :11]
الذينَ يَنالُونَ جنَّةَ الفِردَوسِ ويَمكثونَ فيها أبدًا، لا يَموتُونَ فيها ولا يَخرُجونَ منها.
والفِردَوسُ "أعلَى الجنَّة، وأوسَطُ الجنَّة، ومنهُ تَفَجَّرُ أنهارُ الجنَّة، وفَوقَهُ عَرْشُ الرَّحمن"، كما في الصَّحِيحَين.
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا الۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ﴾ [المؤمنون :12]
ولقدْ خلَقنا أصلَ الإنسانِ (آدمَ) مُستَلاًّ مِنَ الطِّين.
﴿ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ﴾ [المؤمنون :13]
ثمَّ جعَلنا نَسلَ جنسِ الإنسانِ مِنْ مَنيّ، وأودَعناهُ مُستَقرًّا مَتمَكِّنًا مَحفوظًا مِنَ الفسَاد، وهوَ الرَّحِم.
﴿ثُمَّ خَلَقۡنَا النُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا الۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا الۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا الۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحۡسَنُ الۡخَٰلِقِينَ﴾ [المؤمنون :14]
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً}: وهيَ قِطعَةٌ مِنَ الدَّمِ الغَليظِ المُتجَمِّدِ يتَعلَّقُ بجِدارِ الرَّحِم. {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً}: وهيَ قِطعَةُ لَحمٍ كأنَّها مَمْضوغَة. {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً}: حيثُ يتَحوَّلُ قسمٌ مِنْ كُتَلِ المُضغَةِ إلى أنسِجَةٍ عَظمِيَّة، لتَشكيلِ العَمودِ الفِقَريّ، والهَيكَلِ العَظمي، فيَظْهَرُ أوَّلُ مَلامحِ الإنسَانِ في أوَّلِ الأسبُوعِ السَّابع. {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً}: فتَنتَشِرُ العضَلاتُ في العِظام، وتُكتَسَى باللَّحمِ في نِهايَةِ الأسبوعِ السَّابِع، وتَعتَدِلُ الصُّورَةُ الأوَّليَّة، حيثُ يَستَوي العَمودُ الفِقَريُّ وغَيرُه. ثمَّ جعَلناهُ خَلقًا آخَر، فنفَخنا فيهِ الرُّوح، وجعَلنا لهُ السَّمعَ والبصَر، حتَّى استوَى إنسانًا ناطِقًا عاقِلاً. فتعالَى اللهُ وتَعاظَمَ شأنُه، في عِلمِهِ وقُدرَتِهِ وإبداعِه، الذي أحسنَ كُلَّ شَيءٍ خلَقَه.
﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون :15]
ثمَّ إنَّكمْ بعدَ النَّشأةِ تَموتُون.
﴿ثُمَّ إِنَّكُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ تُبۡعَثُونَ﴾ [المؤمنون :16]
ثمَّ إنَّكمْ بعدَ مَوتِكمْ تُبعَثونَ يَومَ القِيامَةِ مِنْ قُبورِكمْ للحِسابِ والجَزاء.
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ﴾ [المؤمنون :17]
ولقدْ خلَقنا فَوقَكمْ سَبعَ سَماواتٍ طِباقًا، بَعضُها فَوقَ بَعض، وما كُنَّا مُهمِلينَ أمرَ المَخلُوقات، بلْ كُنّا لهمْ حافِظين، ولشُؤونِهمْ ومَصالحِهمْ مُدَبِّرين.
﴿وَأَنزَلۡنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّـٰهُ فِي الۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ﴾ [المؤمنون :18]
وأنزَلنا مِنَ السَّحابِ مطَرًا بمِقدارِ ما يَكفيكُمْ مِنَ الشُّربِ والسَّقي، لا كثيرًا فيُفسِدُ الزُّروعَ والبُيوت، ولا قَليلاً يَنقُصُ عنْ حاجتِكمْ وحاجَةِ مواشيكُمْ وزُروعِكم. وجعَلناهُ ساكِنًا ثابِتًا في الأرْض، يغذَّى بهِ النَّبات، أو يَزيدُ مِنْ ماءِ العُيونِ والآبارِ والأنهار، ونحنُ قادِرونَ على إزالَتِه، فلنْ تَجِدوا إذًا ما تَنتَفِعونَ منه، فتَموتونَ أنتُمْ وداوابُّكمْ عطَشًا.
﴿فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّـٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ﴾ [المؤمنون :19]
فأخرَجنا لكمْ بهذا الماءِ بَساتينَ خَضراءَ جَميلَةً نافِعَة، مِنْ نَخيلٍ وأعنَابٍ وغَيرِها، لكمْ فيها فواكِهُ وخُضْرَواتٌ مِنْ جَميعِ الثِّمار، وتأكلونَ منْ زُروعِها وثِمارِها ما تَرغَبون.
﴿وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِالدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ﴾ [المؤمنون :20]
وأنشَأنا لكمْ بالماءِ شَجرَةَ زَيتونٍ تَخرُجُ مِنْ جبَلِ سَيناء، تُثمِرُ الدُّهْنَ، وهوَ الزَّيت، فيُسرَجُ منه، ويُصبَغُ فيهِ الخُبز، أي يُغمَسُ فيهِ للائتِدام.
وذُكِرَ أنَّ طُورَ سَيناءَ (وهوَ الجبَلُ الذي كلَّمَ اللهُ عليهِ موسَى عليهِ السَّلام) خُصَّ بالزَّيتونِ لأنَّهُ نبَتَ بهِ أوَّلاً.
وفي حَديثٍ صَحيحٍ أو حسَنٍ رواهُ الحاكمُ وغَيرُه، قَولُهُ صلى اللهُ عليه وسلم: "ائتَدِموا بالزَّيتِ وادَّهِنوا به، فإنَّهُ يَخرُجُ مِنْ شَجرَةٍ مُبارَكة".