﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٖ﴾ [الشعراء :101]
ولا قَريبٌ شَفيقٌ يُهِمُّهُ أمرُنا ويتَوجَّعُ لنا، فيواسِينا أو يَنفَعُنا،
﴿فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَكُونَ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :102]
فلو كانتْ لنا رَجعَةٌ إلى الدُّنيا فنَكونَ مُؤمِنين، ونَعمَلَ بطاعَةِ رَبِّنا ونَكونَ منَ الصَّالِحين.
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :103]
وفي ذلكَ عِبرَةٌ لمَنِ اعتَبَر، ومَوعِظَةٌ لمَنِ اتَّعَظ، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يُهِمُّهمْ أمرُ الإيمان، ويُؤْثِرُونَ الدُّنيا على الدِّين.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء :104]
واللهُ قَويٌّ لا يُغالَب، يُعَذِّبُ المُجرِمينَ الذينَ عبَدُوا الأصنَامَ وأطاعُوا الشَّياطينَ ورُؤوسَ الكُفرِ والضَّلال، رَحيمٌ بعِبادِهِ المؤمِنين، الذينَ استَجابوا لأمرِهِ وأطاعُوه، وآثَروا اتِّباعَ الحقِّ على الهَوَى والشَّهوات.
﴿كَذَّبَتۡ قَوۡمُ نُوحٍ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء :105]
كذَّبَ قَومُ نوحٍ رَسُولَهم، على الرَّغمِ مِنْ دَعوَتِهِ بينَهمْ مئاتِ السِّنين.
وجاءَ لفظُ الرُّسُل بالجَمع، باعتِبارِ أنَّ رِسالَتَهمْ واحِدَة، فإنَّ الآخِرَ جاءَ بما جاءَ بهِ الأوَّل، فمَنْ كذَّبَ واحِدًا فقدْ كذَّبَهم.
﴿إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء :106]
إذْ قالَ لهمْ أخوهمْ في النسَبِ نوح: ألَا تَخافُونَ اللهَ بعِبادَتِكمُ الأصنَام، ألَا تَدفَعونَ عذَابَهُ عنكمْ بالإيمَانِ بهِ وطاعَتِه؟
﴿إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ﴾ [الشعراء :107]
إنِّي رَسولٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ إليكمْ لأجلِ مَصلَحَتِكم.
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء :108]
فاخشَوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَه، وانتَهوا عمَّا نَهاكمْ عنهُ مِنَ الشِّرك، وأطيعُوني فيما أُبَلِّغُكمْ منْ عندِه.
﴿وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء :109]
ولا أسألُكمْ على تَبليغِ رِسالَةِ اللهِ مالاً تُكافِؤونَني عَليه، إنما أطلُبُ الثَّوابَ منَ اللهِ وحدَه.
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء :110]
فاحذَروا عِقابَ اللهِ يا قَوم، وابتَعِدوا عمِّا نهاكُمْ عنه، وأطِيعوهُ فما يأمرُكمْ بهِ مِنَ التَّوحيدِ وإخلاصِ العِبادَةِ لهُ وحدَهُ لا شَريكَ له، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ بهِ بوحي منه.
﴿۞قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الۡأَرۡذَلُونَ﴾ [الشعراء :111]
قالَ الكافِرونَ المُستَكبِرونَ لنَبيِّ اللهِ نوح: أنؤمِنُ برِسالَتِكَ وقدِ اتَّبعَكَ أدنَى فِئاتِ المُجتَمَعِ مِنَ الضَّعَفَةِ والفُقَراء، فنتسَاوَى معَهمْ بذلك؟!
﴿قَالَ وَمَا عِلۡمِي بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الشعراء :112]
قالَ لهمْ نوحٌ عَليهِ السَّلام: ليسَ عليَّ مِنْ مُستَوَى مَكانَتِهمْ شَيء، إنَّما كُلِّفْتُ أنْ أدْعُوَهمْ إلى اللهِ فاستَجابوا، وأنا أقبَلُ منهمْ تَصديقَهم، ولو كانوا على أيِّ حالٍ مِنَ المَعيشَة، ومِنْ أيِّ طبَقَةٍ في المُجتمَع.
﴿إِنۡ حِسَابُهُمۡ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيۖ لَوۡ تَشۡعُرُونَ﴾ [الشعراء :113]
وما مُحاسبَتُهمْ على ما يَعمَلونَ إلاّ على رَبِّ العالَمين، فهوَ الذي يتَولَّى سَرائرَهم، ولو شعَرتُمْ بشَيءٍ مِنْ هذا لعَلِمتُمْ أنَّهُ الحقّ، ولمَا عِبتُموهُمْ على إيمانِهمْ وطاعَتِهم.
﴿وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :114]
ولنْ أطرُدَ عِبادَ اللهِ المؤمِنين، سَواءٌ آمنتُمْ أمْ لم تُؤمِنوا.
﴿إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الشعراء :115]
ما أُرسِلتُ إلاّ نَذيرًا، مُكَلَّفًا برِسالَةٍ واضِحَةٍ بيِّنَة، أَعِظُ النَّاسَ وأزجُرُهمْ عنْ مُخالَفَةِ أمرِ الله، شُرفاءَ كانوا أو دونَهم، فالرِّسَالَةُ للجَميع.
﴿قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الۡمَرۡجُومِينَ﴾ [الشعراء :116]
ولكنَّ قومَ نُوحٍ كانوا كافِرينَ مُجرِمين، فلمْ يُجيبوا دَعوتَه، ولم يتَحَمَّلوا وَعظَه، فأرادوا إسكاتَهُ بأيِّ طَريقَة، فقالوا له: يا نُوح، إذا لم تَتوَقَّفْ عنِ الدَّعوَةِ إلى هذا الدِّين، وعنْ ذَمِّ آلِهَتِنا، فسَوفَ تَكونُ مِنَ المَرجومينَ بالحِجارَة!
﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ﴾ [الشعراء :117]
فناجَى نُوحٌ رَبَّهُ قائلاً: اللهمَّ إنَّ قَومي استَمَرُّوا في تَكذيبي، وأصَرُّوا على الكُفر، على الرَّغمِ مِنْ طولِ المُدَّةِ التي دعوتُهمْ فيها.
﴿فَافۡتَحۡ بَيۡنِي وَبَيۡنَهُمۡ فَتۡحٗا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :118]
اللهمَّ فاحكُمْ بَيني وبينَهمْ حُكمًا يَستَحِقُّهُ كُلٌّ منّا، وأنقِذني ومَنْ تَبِعَني مِنَ المؤمِنينَ مِنْ شُرورِهمْ ومَكائدِهم.
﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي الۡفُلۡكِ الۡمَشۡحُونِ﴾ [الشعراء :119]
فنَجَّيناهُ ومَنْ آمنَ معَهُ في السَّفينَةِ المَملوءَةِ بالأمتِعَةِ والناسِ ومِنْ كُلِّ زَوجَينِ اثنَينِ مِنَ الحيَوانات، التي أمرَ اللهُ نبيَّهُ أنْ يَحمِلَها معَه.
﴿ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا بَعۡدُ الۡبَاقِينَ﴾ [الشعراء :120]
ثمَّ أغرَقنا - بعدَ إنجائهمْ - قَومَهُ الباقين، مِنَ الكافِرين.