﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :121]
وفي ذلكَ عِبرَةٌ لمَنِ تدَبَّر، وعِظَةٌ لمَنِ اتَّعَظ، وكانَ أكثَرُهمْ كافِرين.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء :122]
واللهُ قَويٌّ لا يُغالَب، يُعاقِبُ المجرِمينَ بما يَستَحِقُّون، ويَعفو عنْ عِبادِهِ المؤمِنينَ المُنيبِينَ ويَرحَمُهم.
﴿كَذَّبَتۡ عَادٌ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء :123]
كذَّبَتْ قَبيلَةُ عادٍ رَسُولَهمْ هودًا، وهيَ بذلكَ كذَّبَتْ كُلَّ المُرسَلين، فرِسالَتُهمْ واحِدَة، وعَقيدَتُهمْ واحِدَة.
﴿إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء :124]
إذْ قالَ لهمْ أخوهمْ في النَّسَبِ هُود: ألَا تَخافُونَ عَذابَ اللهِ وتَدفَعونَهُ عنْ أنفُسِكمْ بالإيمَانِ بهِ وطاعَتِه؟
﴿إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ﴾ [الشعراء :125]
قالَ لهم: إنَّني رَسولٌ إليكمْ مِنْ عندِ الله، مؤتَمَنٌ على وَحيه، صادِقٌ فيما أُبَلِّغُكم.
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء :126]
فاخشَوا اللهَ واحذَروا نِقمتَه، وأطيعوني فيما آمرُكمْ بهِ وأنهاكمْ عنه، فإنَّهُ لخَيرٍ تتَمنَّونَه.
﴿وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء :127]
ولا أطلبُ منكمْ أُجرَةً مِنْ مالٍ أو مَتاعٍ مُقابِلَ تَبليغِ رسالَةِ رَبِّي، حتَّى لا تَقولوا إنَّهُ يُريدُ أنْ يُثرِيَ مِنْ خِلالِ هذهِ الدَّعوَة، إنَّما أطلبُ الأجرَ والثَّوابَ مِنَ اللهِ وحدَه.
﴿أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةٗ تَعۡبَثُونَ﴾ [الشعراء :128]
يا قَوم، ما لكم تُضَيِّعونَ جُهودَكمْ وأوقاتَكمْ مِنْ دُونِ فائدَة، فتَبنونَ في مُلتقَى كُلِّ طَريقٍ مَعْلَمًا، أو مُجَسَّمًا بارِزًا لا حاجةَ لكمْ إليه؟!
﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ﴾ [الشعراء :129]
وتَبنونَ قُصورًا مُشَيَّدَة، أو مصانِعَ ضَخمَةً للمِياه، وكأنَّكمْ ستَخلُدونَ في الدُّنيا، ولا تَحسُبونَ حِسابًا للمَوتِ والثَّوابِ والعِقاب.
﴿وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء :130]
وإذا أَخَذتُمْ شَيئًا أو عاقَبتُمْ على أمْر، فضَرَبتُمْ أو انتَقَمتُم، فعَلتُمْ ذلكَ بقوَّةٍ وغِلْظَة، وجبَروتٍ وغضَب، دونَ مُراعاةِ أدَبٍ أو حِسابِ أثَرٍ مَكروهٍ له.
﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء :131]
فاحذَروا غضَبَ اللهِ واترُكوا هذهِ الأفعَال، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ به، فإنَّهُ أفضَلُ لكم.
﴿وَاتَّقُواْ الَّذِيٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الشعراء :132]
واحذَروا عِقابَ الله، الذي أنعمَ عَليكمْ وأعطاكمْ مِنَ الخيراتِ ما تَعرِفون، فإنَّهُ قادِرٌ على سَلبِها منكم.
﴿أَمَدَّكُم بِأَنۡعَٰمٖ وَبَنِينَ﴾ [الشعراء :133]
أعطاكمْ مِنَ الأنعامِ ما يَفي بحاجاتِكمْ ويَنفَعُكمْ في مَعاشِكم، مِنَ الإبِلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْز، وسهَّلَ لكمُ الاستِفادَةَ منها، ووَهبَكمُ البَنينَ نِعمَةً وزِينَةً وبَهجَة لكم، وعَونًا لكمْ في أعمالِكم.
﴿وَجَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ﴾ [الشعراء :134]
وأعطاكمُ البسَاتينَ الكثيرَةَ والأنهارَ التي تَملأ أرضَكم، فتَزدادونَ غِبطَةً ورَفاهيَة.
﴿إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ﴾ [الشعراء :135]
وإنِّي أخشَى إنْ لم تتَّقوا ربَّكم، ولم تَشكروهُ على هذهِ النِّعَم، أنْ يُعاقِبَكمْ عُقوبَةً عَظيمَة، في الحَياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة.
﴿قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡنَآ أَوَعَظۡتَ أَمۡ لَمۡ تَكُن مِّنَ الۡوَٰعِظِينَ﴾ [الشعراء :136]
لكنَّ عادًا لم يَشكُروا رَبَّهم، ولم يتَّعِظوا بنصَائحِ نبيِّهم، فقالوا لهُ في استِخفافٍ ولامُبالاة: إنَّ كلامَكَ وعدَمَهُ عندَنا سَواء، وإنَّكَ إنْ وعَظْتَ أو لم تَعِظ، لم نَرجِعْ عمَّا نحنُ عَليه.
﴿إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا خُلُقُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء :137]
وقالوا: ما هذا الذي جئتَ بهِ سِوَى خُرافاتٍ وحِكاياتٍ اختلَقَها الأوَّلون.
﴿وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الشعراء :138]
وقالوا مُستَمرِّينَ في كُفرِهم: ولا بَعْثَ بعدَ المَوت، فلا نُحاسَبُ على أعمالِنا ولا نُعَذَّبُ عَليها.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :139]
وهكذا كذَّبوا نبيَّهمْ هُودًا، واستَكبَروا عنِ اتِّباعِ الحَقّ، فأهلَكناهُمْ برِيحٍ شَديدَةٍ عاتيَة، جَزاءَ فِعلِهمُ السيِّء، وفي ذلكَ عِبَرٌ كثيرَةٌ للأحيَاء، لمَنْ تفَكَّرَ منهمْ وتدَبَّر، وعقَلَ فوَعَى. ومعَ كُلِّ هذهِ الدَّعوَة، والتَّبليغِ المُستَمِرّ، وضَربِ الأمثَال، وسَردِ الأخبَارِ التي فيها عِظاتٌ وعِبَر، فإنَّ أكثرَهمْ لا يؤمِن!
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء :140]
واللهُ قَويٌّ لا يُقْهَر، يُمهِلُ الكافِر، وقدْ يَمُدُّ لهُ في الأجَل، وهوَ لهُ بالمرصَاد. وهوَ سُبحانَهُ رَحيمٌ بعِبادِهِ المؤمِنين، الذينَ يُطيعونَهُ، ولا يُخالِفونَ أمرَ نَبيِّه.