تفسير سورة الشعراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الشعراء
26

﴿كَذَّبَتۡ ثَمُودُ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء:141]


كذَّبتْ قَبيلَةُ ثَمودَ رَسولَهمْ صالِحًا، ومَنْ كذَّبَ رَسولاً واحِدًا فقدْ كذَّبَ جميعَ الرُّسُل، لأنَّهمْ كُلَّهمْ يَدعونَ إلى عَقيدَةٍ واحِدَة.

﴿إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء:142]


إذْ قالَ لهمْ أخوهمْ في النَّسَبِ صالِح: ألا تَخافونَ عَذابَ اللهِ ومَقتَه، وأنتُمْ تَعبدونَ غَيرَه، وهوَ خالِقُكمْ والمُنعِمُ عَليكم؟

﴿إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ﴾ [الشعراء:143]


وقالَ لهمْ عليهِ السَّلام: إنَّني رَسولٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ إليكم، أمينٌ على وَحْيه، أصدُقُكمْ خبرَ ما أرسَلَني به.

﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء:144]


فاتَّقوا غضبَهُ وانتِقامَهُ بتَوحيدِهِ وطاعَتِه، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ به، فإنِّي لا أقولُ لكمْ إلاّ خَيرًا.

﴿وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:145]


ولا أطلُبُ منكمْ مالاً على هذا الذي أدعوكمْ إليه، إنَّما أطلبُ ثَوابَهُ مِنْ رَبِّ العالَمين.

﴿أَتُتۡرَكُونَ فِي مَا هَٰهُنَآ ءَامِنِينَ﴾ [الشعراء:146]


هلْ تَظُنُّونَ أنَّكمْ ستُتْرَكونَ في الدُّنيا هكذا آمِنينَ مُتَنَعِّمين؟

﴿فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٖ﴾ [الشعراء:147]


في بسَاتينَ جَميلَةٍ وأنهارٍ جاريَةٍ سُعدَاءَ مُخَلَّدين؟

﴿وَزُرُوعٖ وَنَخۡلٖ طَلۡعُهَا هَضِيمٞ﴾ [الشعراء:148]


وبينَ زُروعٍ خَضراءَ فَسيحَة، وثِمارٍ يانِعَةٍ شَهيَّة، ونَخلٍ قدْ رَطُبَ ثَمرُهُ فأينعَ وطَاب؟

﴿وَتَنۡحِتُونَ مِنَ الۡجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ﴾ [الشعراء:149]


وتَنحِتونَ البُيوتَ منَ الجِبالِ في حِذْقٍ ومَهارَةٍ للتَّرَفُّهِ والتَّنَعُّم؟ (وهيَ مدائنُ صالِحٍ المَعروفَة، في بِلادِ الحرَمَين).

﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء:150]


فاتَّقوا اللهَ وانتَهوا عنْ مُخالَفَةِ أمرِهِ والشِّرْكِ به، وأطيعُوني فيما أُبَلِّغُكمْ مِنْ عندِه، فإنَّكمْ ستُحاسَبونَ على ما تَعمَلون.

﴿وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ الۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الشعراء:151]


ولا تُطيعوا مَنْ يأمرُكمْ بالكُفرِ والضَّلالِ مِنَ المشرِكين.

﴿الَّذِينَ يُفۡسِدُونَ فِي الۡأَرۡضِ وَلَا يُصۡلِحُونَ﴾ [الشعراء:152]


الذينَ يُفسِدونَ في الأرْضِ بالمَعاصي، ولا يُصلِحونَ في أمرٍ مِنَ الأُمور، فقدِ اختلطَ الفسَادُ بأعمالِهمْ كُلِّها، لبُعدِهمْ عنْ دِينِ اللهِ وطَريقِهِ المُستَقيم.

﴿قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الۡمُسَحَّرِينَ﴾ [الشعراء:153]


فأجابَهُ قَومُهُ وقدْ أوغَلوا في الكُفرِ والعِناد: ما أنتَ إلاّ مَسحورٌ مَخدوع.

﴿مَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا فَأۡتِ بِـَٔايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـٰدِقِينَ﴾ [الشعراء:154]


قالوا: ولستَ سِوَى بشَرٍ مِثلِنا، وإذا كُنتَ صادِقًا في ادِّعائكَ النبوَّة، فَأتِنا بمُعجِزَة.

﴿قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِرۡبٞ وَلَكُمۡ شِرۡبُ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ﴾ [الشعراء:155]


فقالَ لهم: هذهِ ناقَةٌ مُبارَكَةٌ مِنْ عندِ الله، لم يَملِكْها أحَد، تَشرَبُ مِنَ النَّهرِ يَومًا، وأنتُمْ تَشرَبونَ منهُ يَومًا، ولا تُزاحِموها في يَومِها.

﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَظِيمٖ﴾ [الشعراء:156]


ولا تَقْرَبوها بسُوء، كضَرْبٍ أو ذَبح، فإذا فعَلتُمْ ذلكَ حلَّتْ بكمْ نِقمَةُ الله، وأصابَكمْ منهُ عَذابٌ كبير.

فمَكثوا حينًا مِنَ الدَّهرِ يَنتَفِعونَ بلبَنِها... ثمَّ اتَّفَقوا على ذَبحِها!

﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصۡبَحُواْ نَٰدِمِينَ﴾ [الشعراء:157]


فذَبَحوا النَّاقَة، وأصبَحوا نادِمينَ عندَما عايَنوا العَذابَ الذي وعدَهمْ بهِ نبيُّهم.

﴿فَأَخَذَهُمُ الۡعَذَابُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء:158]


فقدْ حلَّتْ بهمْ نِقمَةُ الله، وزُلزِلَتِ الأرضُ مِنْ تحتِهمْ زِلزالاً شَديدًا، وجاءَتْهُمْ صَيحَةٌ عَظيمَةٌ جَعَلَتْهمْ هامِدينَ لا حِراكَ بهم.

وفيما حَلَّ بهمْ مِنَ العَذابِ عِبرَةٌ لمَنْ أرادَ أنْ يَعتَبِر.

وعلى الرَّغمِ مِنْ أنَّ المُعجِزَةَ كانتْ واضِحَةً لجَميعِهم، إلاّ أنَّ أكثرَهمْ كفَروا وعصَوا.

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء:159]


واللهُ قَويٌّ لا يُغالَب، يَنتَقِمُ ممَّنْ أصَرَّ على الكُفرِ واستمَرَّ فيه، في الدُّنيا أو في الآخِرَة، أو يَذوقُ العَذابَين. وهوَ سُبحانَهُ رَحيمٌ بعِبادِهِ المؤمِنينَ المُطيعين، فيَغفِرُ لهمْ ويُكرِمُهمْ بجنَّاتِ النَّعيم.

﴿كَذَّبَتۡ قَوۡمُ لُوطٍ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء:160]


وكذَّبَ قَومُ لُوطٍ نبيَّهمْ، وهمْ بهذا كذَّبوا جَميعَ المُرسَلين، فإنَّ رِسالَتَهمْ واحِدَة.