تفسير سورة الشعراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الشعراء
26

﴿إِذۡ قَالَ لَهُمۡ أَخُوهُمۡ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء:161]


إذْ قالَ لهمْ لوطٌ أخُوهمْ في النَّسَب، أو الإنسانيَّة، أو لكَونِهِ واحِدًا منهم، وقدْ ذُكِرَ أنَّهمْ كانوا مِنْ أصهارِه، قالَ لهم: ألا تَخافونَ اللهَ بمُخالَفَتِكمْ أمرَهُ واستِمرارِكمْ في عمَلِ الفَواحشِ والمَعاصي؟

﴿إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ﴾ [الشعراء:162]


إنِّي رَسولٌ إليكمْ مِنْ قِبَلِ رَبِّكم، صادِقٌ فيما أُخبِرُكمْ بهِ مِنْ عِندِه، أمينٌ على وَحيه.

﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء:163]


فابتَعِدوا عمَّا نَهاكمُ عَنهُ لئلاّ يُعَذِّبَكم، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ بهِ وأنهاكمْ عَنه، فإنَّهُ لصالِحِكم، في حياتِكمْ وبعدَ مماتِكم.

﴿وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:164]


ولا أطلبُ منكمْ أُجرَةً على تَبليغِ رِسالَةِ الله، إنَّما أطلبُ ثَوابَهُ مِنَ اللهِ وحدَه.

﴿أَتَأۡتُونَ الذُّكۡرَانَ مِنَ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:165]


يا قَوم، أتأتونَ الذُّكورَ مِنْ بَني آدمَ في أدبارِهم،

﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء:166]


وتَترُكونَ ما خلقَ اللهُ لكمْ منَ الزَّوجاتِ وهُنَّ محَلُّ الاشتِهاء؟ بلْ أنتُمْ قَومٌ شاذُّونَ ظالِمون، مُتجاوِزونَ الحَلالَ إلى الحَرام.

﴿قَالُواْ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ يَٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الۡمُخۡرَجِينَ﴾ [الشعراء:167]


لكنَّ قَومَهُ تَمادَوا في غَيِّهمْ وفُحشِهمْ وقالوا: إذا لم تَكُفَّ عنَّا دَعوَتَك، ولم تَنتَهِ عنِ الإنكارِ عَلينا، فستَكونُ مِنَ المَنفيِّينَ مِنْ أرضِنا.

﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الۡقَالِينَ﴾ [الشعراء:168]


قالَ لهمْ عَليهِ السَّلام: إنَّني مِنَ المُبغِضينَ لعمَلِكمْ غايَةَ البُغض، وأنا بَريءٌ منكمْ وممَّا تَعمَلون.

﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهۡلِي مِمَّا يَعۡمَلُونَ﴾ [الشعراء:169]


ودَعا ربَّهُ قائلاً: اللهمَّ خَلِّصني وأهلي منهمْ ومِنْ سُوءِ عَمَلِهم، ومنَ العَذابِ الذي يستَحقُّونَه، فإنَّهمْ مُجرِمونَ عاصُون.

﴿فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ﴾ [الشعراء:170]


فنَجَّيناهُ وأهلَهُ كُلَّهمْ مِنْ بينِهم،

﴿إِلَّا عَجُوزٗا فِي الۡغَٰبِرِينَ﴾ [الشعراء:171]


إلاّ امرأتَهُ العَجوزَ الكافِرَة، التي كانتْ مائلَةً إلى قَومِها، فكانتْ مِنَ الباقينَ معَهمْ في القَريَة.

﴿ثُمَّ دَمَّرۡنَا الۡأٓخَرِينَ﴾ [الشعراء:172]


ثمَّ أهلَكنا الآخَرينَ مِنْ غَيرِ المؤمِنين.

﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَسَآءَ مَطَرُ الۡمُنذَرِينَ﴾ [الشعراء:173]


وأمطَرنا عَليهمْ حِجارَة، زيادَةً في عَذابِهمْ والسُّخطِ عَليهم، فبئسَ مَطَرُهمُ الذي كذَّبوا نبيَّهمْ أنْ يأتيَهمْ به.

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء:174]


وفي ذلكَ كُلِّهِ عِبرَةٌ لأصحَابِ العُقولِ المُستَقيمَة، الذينَ يَقرَؤونَ فيَتدَبَّرونَ ويَعتَبِرون. فإنَّ ما كانَ عليهِ قَومُ لوطٍ فاحِشَةٌ سَيِّئةٌ بَغيضَة، وشُذوذٌ مُنكَر، إضافَةً إلى ما يُسَبِّبُهُ مِنْ أمراضٍ جِنسيَّةٍ وغَيرِ جِنسيَّة، كشفَ عَنها الطبُّ الحَديث.

ومعَ أنَّ النُّصحَ لهمْ كانَ دَعوَةً إلى فِطرَةٍ وطهارَةٍ واستِقامَة، إلاّ أنَّهمْ رفَضوهُ وأصَرُّوا على الفاحِشَة، فكانَ أكثَرُهمْ كافِرينَ بدَعوَةِ نبيِّهم.

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء:175]


واللهُ قَويٌّ عَزيز، قَدْ يُعاقِبُ الكافِرينَ المُتَمَرِّدينَ عُقوبَةً شَديدَةً في الدُّنيا، لتَكونَ عِبرَةً لآخَرين، وسيُعَذَّبُونَ في الآخِرَةِ عَذابًا أشَدَّ وأبقَى. والمؤمِنونَ المتَّقونَ يَرحَمُهمُ رَبُّهم، لصَبرِهمْ على طاعَتِهِ وما كَلَّفَهمْ به.

﴿كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الشعراء:176]


وكذَّبَ أصحَابُ الأيكَةِ رَسولَهم، ومَنْ كذَّبَ رَسولاً فقدْ كذَّبَ الرُّسُلَ كُلَّهم، فرِسالَتُهمْ واحِدَة، ومُعتقَدُهمْ واحِد.

والأَيكَةُ: الشَّجَرُ الكثيرُ المُلتَفّ، وأصحابُها أهلُ مَدْيَنَ، أو غَيرُهم.

﴿إِذۡ قَالَ لَهُمۡ شُعَيۡبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء:177]


إذْ قالَ لهمْ رَسولُهمْ شُعَيب: ألَا تتَّقونَ عَذابَ اللهِ بتَركِ مَعاصيه؟

﴿إِنِّي لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِينٞ﴾ [الشعراء:178]


إنِّي رَسولٌ إليكمْ مِنْ عندِ رَبِّكمْ لأُنذِرَكم، وأنا صادِقٌ فيما أُبَلِّغُكمْ مِنْ وَحيه، مُؤْتَمَنٌ على ذلك.

﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشعراء:179]


فانتَهوا عمَّا نَهاكُمُ اللهُ عَنهُ لتَحفَظوا أنفُسَكمْ مِنْ عُقوبتَه، وأطيعُوني فيما آمرُكمْ بهِ وأنهاكُمْ عَنه، فلا آمرُكمْ إلاّ بخَير، ولا أنهاكمْ إلاّ عنْ شَرّ.

﴿وَمَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:180]


ولا أطلُبُ منكمْ مالاً على هذا الذي أُبَلِّغُكم، فإنِّي أبتَغي بذلكَ وجهَ اللهِ وحدَه، ومنهُ أطلبُ الأجرَ والثَّواب.