ولا تَسمَعْ مِنَ الكافِرينَ والمُنافِقينَ ولا تُشاوِرْهم، ولا تُدارِهمْ في أمرِ الدَّعوَةِ ولا تُلِنْ جانِبَكَ لهم، ولا تُبالِ بإيذائهم، واصبِرْ على ما يَنالُكَ منهم، وكِلْ أمرَهمْ إلى الله، واعتَمِدْ عَليهِ وثِقْ بهِ في جَميعِ أمُورِك، وكفَى باللهِ حافِظًا.
واختُلِفَ في تَعيينِ الواهِبَةِ نَفسَها، وقدْ تَعَدَّدْنَ، كما يأتي في الآيَةِ التَّاليَة، وقدْ زَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم واحِدةً أحَدَ أصحابِهِ بما معَهُ مِنَ القُرآن، حيثُ لم يَكنْ لهُ حاجَةٌ في النِّساء.
قدْ عَلِمنا وبَيَّنَّا ما فرَضنا على المسلِمينَ في الزَّواجِ مِنَ الأحكام، وهوَ ألاّ يَتزَوَّجوا أكثرَ مِنْ أربَعِ نساءٍ حَرائر، مع اشتِراطِ الوَليِّ والمَهرِ والشُّهودِ، وما أوجَبنا مِنَ الأحكامِ عليهمْ في التزوُّجِ بالإماء، ولم نُوجِبْ عَليكَ شَيئًا منه، فاختارَ اللهُ لكَ ما هوَ أَولَى وأفضَلُ في دُنياك، وزادَكَ الواهِبَةَ نَفسَها لكَ مِنْ غَيرِ عِوَض، لئلاّ يَكونَ عَليكَ ضِيقٌ في ذلك. وكانَ اللهُ واسِعَ المَغفِرَة، كثيرَ الرَّحمَة.
تُؤخِّرُ الزَّواجَ بمَنْ تَشاءُ مِنَ النِّساءِ الواهِباتِ أنفُسَهُنَّ لك، وتُؤوي إليكَ مَنْ تَشاءُ مِنهُنَّ فتَتزَوَّجُهنّ، ومَنْ ردَدْتَها فبإمكانِكَ أنْ تَعودَ فتُؤويها إليك، لا حرَجَ عَليكَ في ذلك.
وفي الصَّحيحَينِ وغَيرِهما قَولُ عائشَةَ رَضيَ اللهُ عنها: كنتُ أَغَارُ على اللَّاتي وهَبْنَ أنفُسَهُنَّ لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتَهَبُ المرأةُ نَفسَها؟ فأنزلَ اللهُ تَعالَى الآيَة. اهـ.
وهذا التَّخييرُ الذي خيَّرَكَ اللهُ معَهُنَّ أقرَبُ إلى رِضاهُنّ، وأقَلُّ لحُزنِهنّ، إذا عَلِمْنَ أنَّ هذا الأمرَ مِنَ الله، ويَرضَيْنَ بما أعطَيتَهُنَّ كُلَّهُنّ، واللهُ يَعلَمُ ما في قُلوبِكمْ مِنْ أمرِ النِّساءِ والمَيلِ إلى بَعضِهنّ. واللهُ عَليمٌ بما في الضَّمائرِ والسَّرائر، حَليمٌ، يَعفو عمَّا يَغلِبُ على القَلبِ مِنَ الميولِ ونَحوِها.
ولا يَحِلُّ ولا يَستَقيمُ لكمْ أنْ تَفعَلوا ما يتأذَّى منهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ويَكرَهُهُ في شَيءٍ مِنَ الأشيَاء، ولا أنْ تَنكِحوا زَوجاتِهِ بعدَ وفاتِهِ أبَدًا، فإنَّ ذلكَ كانَ عندَ اللهِ أمرًا عَظيمًا وذَنْبًا كبيرًا.
إنَّ اللهَ يُصَلِّي على النبيِّ محمَّدٍ، فيُثْنِي عَليهِ عندَ ملائكَتِهِ المقرَّبين، ويُعْلِي ذِكرَهُ ويَرحَمُه، والملائكَةُ يُصَلُّونَ عَليهِ ويَدْعُونَ له، على كثرَتِهم، وفي كُلِّ الأوقات، فصَلُّوا عَليهِ أنتُمْ أيضًا أيُّها المؤمِنون، وهو دُعاءٌ لهُ بالرَّحمَةِ وبرَفعِ درَجَتِهِ عندَ رَبِّه، اقتِداءً منكمْ باللهِ وملائكتِه، ولِما لهُ مِنْ حَقٍّ عَليكم، وتَعظيمًا لهُ ومحبَّةً وإكرامًا، وسَلِّموا عليه، أي قُولوا: السَّلامُ عَليكَ أيُّها النبيُّ ورَحمَةُ اللهِ وبرَكاتُه.
وأكمَلُ هيئاتِ الصَّلاةِ على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كما جاءَ مِنْ قَولِهِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في صَحيحِ مُسلِم: "اللهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيم، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد، كما بارَكتَ على آلِ إبراهيم، في العَالَمينَ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيد".
وجاءَ في صَحيحِ مُسلِمٍ قَولُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: "مَنْ صلَّى عليَّ صَلاةً، صلَّى اللهُ عَليهِ بها عَشْرًا".
اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى نَبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ صَلاةً وسَلامًا دائمَينِ لا يَنقَطِعانِ إلى يَومِ الدِّين.
إنَّ الذينَ يؤذُونَ الله، بالكُفرِ به، أو الشِّركِ وما إليه، ويُؤذُونَ رَسُولَه، بتَكذيبِه، والاستِهزاءِ به، أو رَميهِ بالكَهانَةِ وغَيرِها ممّا يمَسُّ نبوَّتَه، لعَنَهمُ اللهُ وأبعَدَهمْ مِنْ رَحمَتِه، في الحيَاةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة، وهَيَّأ لهمْ عَذابًا مُذِلاًّ ومُهينًا في الآخِرَة.