تفسير سورة فاطر

  1. سور القرآن الكريم
  2. فاطر
35

﴿الۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ جَاعِلِ الۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي الۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [فاطر:1]


الحَمدُ للهِ والثَّناءُ عَليهِ بما هوَ أهلُه، مُوجِدِ السَّماواتِ والأرضِ ومُبدِعِهما على غَيرِ مِثالٍ سابِق، جاعلِ المَلائكةِ وسائطَ بينَهُ وبينَ خَلقِهِ لتَبليغِهمْ أوامِرَه، ذَوي أجنِحَةٍ يَطيرونَ بها، منهمْ مَنْ لهُ جَناحان، ومنهمْ مَنْ لهُ ثَلاثَة، ومنهمْ مَنْ لهُ أربَعَة، ومنهمْ مَنْ لهُ أكثَر، ويَزيدُ اللهُ في الخَلْق، أو الأجنِحَةِ، ما يَشاء، واللهُ قادِرٌ على كُلِّ شَيء، لا يَصعُبُ عَليهِ أمر.

﴿مَّا يَفۡتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [فاطر:2]


إذا أطلقَ اللهُ للنَّاسِ رَحمَةً مِنْ عندِه، مِنْ نِعمَةٍ، وأمْنٍ، وعِلمٍ، وصِحَّةٍ، فلا يَقدِرُ أحَدٌ على مَنعِ عَطائه، وإذا حبسَهُ عَنهمْ فلا يَقدِرُ أحَدٌ على مَنحِهِ لهم، واللهُ عَزيزٌ يَغلِبُ ولا يُغلَب، حكيمٌ، فلا يُقَدِّرُ إلاّ ما فيهِ مَصلحَةٌ وحِكمَة.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ اذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ اللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ اللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ﴾ [فاطر:3]


أيُّها النّاس، تَذكَّروا نِعَمَ اللهِ الكثيرَةَ عَليكم، وقُوموا بأداءِ حَقِّها، فاشْكروا لواهبِها واعبُدوه، فإنَّهُ لا خالِقَ غَيرُ اللهِ يأتي بها لكم، مِنَ السَّماءِ والأرْض، فيُنزِلُ المطَر، ويُنبِتُ الزَّرعَ لأجلِكم، فهوَ الإلهُ الحقُّ الذي يَجِبُ ألاّ يُعبدَ إلاّ هو، فكيفَ تَكذِبونَ وتدَّعونَ أنَّ الأصنامَ أيضًا آلِهة؟

﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرۡجَعُ الۡأُمُورُ﴾ [فاطر:4]


وإذا كذَّبكَ المشرِكونَ أيُّها الرسُولُ وخالَفوا ما جِئتَ به، فقدْ سبقَ أنْ كذَّبَ مُشرِكونَ مثلُهمْ أنبِياءَهم، فصبَروا، فتأسَّ بهم، واصبِرْ مثلَهم، وإلى اللهِ مآلُ الأمورِ كُلِّها يَومَ القِيامَة، فيَجزي كُلاًّ بما عَمِل.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الۡغَرُورُ﴾ [فاطر:5]


أيُّها النَّاس، إنَّ قيَامَ السَّاعَةِ حَقٌّ لا رَيبَ فيه، فلا تُلهيَنَّكمُ الحيَاةُ الدُّنيا بزينَتِها ونَعيمِها عنِ الآخِرَة، ولا يَخدَعَنَّكمُ الشِّيطانُ ويَصرِفنَّكمْ عنِ اتِّباعِ الحقّ، بكيدِهِ وتَزيينِهِ الشرَّ والمعاصيَ في نفُوسِكم.

﴿إِنَّ الشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّٞ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6]


إنَّ الشَّيطانَ عَدوٌّ قَديمٌ لكم، فاجعَلوهُ أنتُمْ أيضًا عَدوًّا لكم، وكونُوا على حذَرٍ منهُ حتَّى لا يُضِلَّكم، فإنَّهُ يَجهَدُ في دَعوَتِكمْ إلى الكُفرِ والضَّلال، لتُوافِقوه، وتَدخُلوا معَهُ عَذابَ السَّعير.

﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ﴾ [فاطر:7]


الذينَ كفَروا وكذَّبوا رسُلَ اللهِ مَصيرُهمْ عَذابٌ مؤلِمٌ قاس، جَزاءَ كُفرِهمْ وطاعَتِهمُ الشَّيطان، والذينَ آمَنوا وأخلَصوا في إيمانِهم، وأتْبَعوهُ بالعمَلِ الصَّالِح، فأولئكَ يَغفِرُ اللهُ ما فرَطَ منهمْ مِنْ ذُنوب، ولهمْ ثَوابٌ عَظيم.

﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ﴾ [فاطر:8]


أفمَنْ حسَّنَ الشَّيطانُ لهُ عمَلَهُ السيِّئَ، حتَّى بَدا لهُ أنَّ ما يَقومُ بهِ مِنْ أعمالٍ هيَ جَيِّدَةٌ وصَحيحَة، أفتَحزَنُ عَليهِ وتَتألَّمُ لحالِه؟ فإنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ مِنَ النَّاس، ويَهدِي مَنْ يَشاءُ منهم، فهوَ المُطَّلِعُ على قُلوبِهمْ والعالِمُ بما يَميلونَ إليه، وما يَستَعِدُّونَ لهُ ويَعزِمونَ عليه، فلا تتَحسَّرْ على حالِهم، ولا تَهتَمَّ بكُفرِهمْ وهَلاكِهم، فاللهُ عَليمٌ بما يَعمَلونَ مِنَ الأعمَالِ السيِّئة.

﴿وَاللَّهُ الَّذِيٓ أَرۡسَلَ الرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ الۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ﴾ [فاطر:9]


اللهُ سُبحانَهُ هوَ الذي بعثَ الرِّياحَ لتُحرِّكَ السَّحابَ وتَنشرَهُ، ثمَّ سُقناهُ إلى أرْضٍ يابِسَةٍ جَرداءَ لا نَباتَ فيها، فأحيَينَاها بالمطَر، فأنبَتنا فيها الزَّرعَ والثَّمَر، وكما أحيا اللهُ الأرْضَ بعدَ مَوتِها، كذلكَ يَكونُ إحيَاؤكمْ بعدَ المَوتِ للبَعثِ والحِساب.

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ الۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ الۡكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالۡعَمَلُ الصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَالَّذِينَ يَمۡكُرُونَ السَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر:10]


مَنْ أرادَ أنْ يَكونَ قَويًّا عَزيزًا، مُهابًا مَنيعًا، فليتَعزَّزْ بطاعَةِ الله، وليَتقَوَّ بالتقَرُّبِ إليهِ والالتِزامِ بأوَامرِه، فإنَّهُ بذلكَ يَحصُلُ لهُ مَقصُودُه، فإنَّ العِزَّةَ كُلَّها لله، فهوَ المالِكُ والمُتصَرِّفُ في شُؤونِ خَلقِه، فيُعِزُّ مَنْ يُطيعُه، ويُذِلُّ مَنْ يُخالِفُه، إنْ عاجِلاً أو آجِلاً.

واللهُ يَقبَلُ منكمُ الكَلامَ الطيِّبَ المُبارَك، وإليهِ سُبحانَهُ يَصعَدُ الذِّكرُ، والتِّلاوَة، والدُّعاء. والعمَلُ الحسَنُ المُوافِقُ للشَّرعِ هوَ الذي يَرفَعُ الكَلامَ الطيِّب، الذي يَدلُّ على الإخْلاص، وعلى مُوافقَةِ ما شرَعَ اللهُ لعِبادِهِ مِنَ القَولِ والعمَل.

والذينَ يَعمَلونَ السيِّئات، أو يُراؤونَ بأعمالِهمْ ليُوهِموا أنَّهمْ في طاعَةِ الله، لهمْ عَذابٌ شَديدٌ مؤلِم، ومَكرُ أولئكَ المُفسِدينَ، المُشرِكينَ أو المُرائين، يَفسُدُ ويَبطُل، ولا يَبقَى لهُ أثَرٌ مِنْ خَير، فهوَ لم يُبْنَ على الشَّرعِ والطَّاعَة، وإنَّما بُنيَ على الهوَى والضَّلال.

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَٰجٗاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٖ وَلَا يُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٞ﴾ [فاطر:11]


هوَ اللهُ الخالِقُ القادِر، الذي خلقَ أصلَكمْ مِنْ تُراب، ثمَّ جعلَ نَسلَكمْ مِنْ نُطفَة، وهيَ المَنيُّ للرَّجُلِ والمَرأة، ثمَّ جعلَكمْ أزواجًا: ذُكرانًا وإناثًا. وما تَحمِلُ مِنْ أُنثَى مِنْ حَمْل، ولا تضَعُ مِنْ مَولود، إلاّ وهوَ عالِمٌ به، لا يَخفَى عليهِ مِنْ ذلكَ شَيء. ولا يُعطَى أحَدٌ مِن طُولِ عُمُرٍ، ولا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِ آخَر، إلاّ وهوَ مُسَجَّلٌ في اللَّوحِ المَحفُوظ، وإنَّ تَقديرَ الأعمارِ وكِتابَةَ الآجالِ أمرٌ سَهلٌ هيِّنٌ على الله.

﴿وَمَا يَسۡتَوِي الۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى الۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [فاطر:12]


ومِنْ آثارِ قُدرَةِ اللهِ ونِعمَتِه: البَحران، العَذْبُ والمالِح، وهُما بالرَّغمِ مِنْ كَونِهما ماءً، إلاّ أنَّهما لا يَستَويان، فهذهِ الأنهارُ الجاريَةُ بينَ العُمرانِ والبَراري عَذبَةٌ سَهلٌ شَرابُها، وهذهِ البِحارُ الواسِعَةُ مُرَّةٌ أو شَديدَةُ المُلوحَة، ومعَ ذلكَ فإنَّكمْ تأكُلونَ مِنْ كِليهما لحومَ الأسمَاكِ والحِيتانِ الغَضَّةَ الطريَّة، وتَستَخرِجونَ مِنَ المالِحَةِ اللُّؤلُؤ والمَرجانَ وتَتَّخِذونَ منهما زِينَة، وترَى السُّفُنَ والبَواخِرَ تَشقُّ البِحارَ مُقبِلَةً ومُدْبِرَة، لتَطلُبوا رِزقَكُمْ مِنْ فَضلِ الله، في البِحار، أو بالتِّجارَةِ في الأسفَار، ولتَشكرُوهُ على ما سخَّرَهُ لكم، وأنعمَ بهِ عَليكم.

﴿يُولِجُ الَّيۡلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيۡلِ وَسَخَّرَ الشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ الۡمُلۡكُۚ وَالَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا يَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِيرٍ﴾ [فاطر:13]


هوَ الذي يُدخِلُ اللَّيلَ في النَّهار، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيل، ويأخذُ مِنْ طُولِ هذا فيَزيدُ على قِصَرِ هذا، فيَتفاوَتُ بذلكَ طُولُهما حسَبَ الفُصولِ والأقطَار، كُلٌّ بمِقدارٍ ومِيزان، وسخَّرَ الشَّمسَ والقمَرَ فجعَلَهما مُذَلَّلَينِ طائعَينِ لِما يُرادُ منهما في خِدمَةِ الإنسَان، ويَجرِيانِ بسُرعَةٍ مَعروفَة، إلى حَدٍّ مُعَيَّن، ليَتكوَّنَ مِنْ حرَكاتِهما اللَّيلُ والنَّهار، والشَّهرُ والسَّنة. والذي قدَّرَ هذا كُلَّهُ هوَ اللهُ رَبُّكم، الذي لا إلهَ غَيرُه، لهُ الخَلقُ والمُلكُ والتصَرُّفُ في الكَونِ كلِّه. أمَّا أصْنامُكمُ التي تَعبدونَها مِنْ دُونِ الله، وتدَّعونَ أنَّها آلِهة، فلا تَملِكُ أصغرَ وأحقَرَ شَيء، كالقِشرَةِ الرَّقيقَةِ التي تَكونُ على النَّواة.

﴿إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا اسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ وَيَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ يَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرٖ﴾ [فاطر:14]


إنَّها جَماداتٌ لا تَفقَهُ شَيئًا، وإذا دعَوتُموها لا تَسمَعُ دُعاءَكم، ولو أنَّها سَمِعَت – فرَضًا - فلا قُدرَةَ لها على إجابةِ طلَبِكم، فلا رُوحَ فيها ولا حيَاة، ويَومَ القِيامَةِ تَتبرَّأُ هذهِ الأصْنامُ منكم، حيثُ يُنطِقُها اللهُ فتتَكلَّمُ وتَقول: {مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [سورة يونس: 28]، أي: لم تَكونوا تَعبُدونَنا بطلَبِنا، وإنَّما كنتُمْ تُطيعُونَ أهواءَكم، وتُوالُونَ الشَّياطين. ولا يُنَبِّئُكَ بمِثلِ هذا الأمرِ مِثلُ خَبيرٍ بها، فهوَ العالِمُ بالغَيب، والمُطَّلِعُ على عَواقبِ الأمُور، وهوَ اللهُ سُبحانَه.

﴿۞يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الۡفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِۖ وَاللَّهُ هُوَ الۡغَنِيُّ الۡحَمِيدُ﴾ [فاطر:15]


أيُّها النَّاس، أنتُمُ المُحتاجُونَ إلى الله، واللهُ غَنيٌّ بذاتِه، لا يَحتاجُ إلى شَيءٍ مِنْ عِبادَتِكمْ أو مُساعدَتِكم، وهوَ المَحمودُ في إحسانِهِ إليكمْ وإلى الخَلقِ أجمَعين.

﴿إِن يَشَأۡ يُذۡهِبۡكُمۡ وَيَأۡتِ بِخَلۡقٖ جَدِيدٖ﴾ [فاطر:16]


ولو أرادَ اللهُ لأذهبَكمْ أيُّها النَّاسُ وأهلكَكمْ جَميعًا، وأتَى بخَلقٍ جَديد.

﴿وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٖ﴾ [فاطر:17]


وليسَ هذا بصَعبٍ على الله، فإنَّهُ تَعالَى إذا قالَ للشَّيءِ كُنْ، فيَكون.

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِالۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ الصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى اللَّهِ الۡمَصِيرُ﴾ [فاطر:18]


ولا يَحمِلُ أحَدٌ ذَنْبَ آخَر، ولا يُعاقَبُ بذَنْبِ غَيرِه، وإذا دعَتْ نَفسٌ أثقَلَتْها الذُّنوبُ والآثامُ غيرَها إلى حَمْلِ ما عَليها مِنْ ذُنوبٍ يومَ القيامة، فإنَّها لا تَستَجيب، ولا يُحمَلُ عَنها شَيء، وإنْ كانَ طالِبُهُ مِنْ ذَوي قَرابتِه، فالكُلٌّ مَشغُولٌ بنَفسهِ وحَالِه. وهمْ قدْ حمَلوا أثقَالَ إضْلالِهمْ معَ أثقَالِ ضَلالِهمْ، والكلُّ مِن أوزارِهم، لا مِن أوزارِ غيرِهم(118).

وهؤلاءِ الكافِرونَ لا يَتَّعِظونَ بكَلامِك، لأنَّهمْ لا يُؤمِنونَ بالبَعثِ والحِسابِ على الأعمَال، إنَّما يَنفَعُ الوَعظُ والإنذارُ مَنْ يَخافونَ اللهَ وهمْ لم يرَوه، ويَخشَونَ عَذابَهُ وهوَ غائبٌ عَنهم، وواظَبوا على إقامَةِ الصَّلاةِ كما فرَضَها عَليهم.

ومَنْ أصلحَ نَفسَهُ وعَمِلَ عمَلاً حسَنًا، فإنَّ نَفعَهُ وثَوابَهُ يَعودُ عَليه، وإلى اللهِ المَرجِعُ والحِساب، فيُجازي كُلاًّ بما عَمِل، وبما يَستَحِقُّ مِنْ نَعيمٍ أو عَذاب.


(118) إذا كانَ المقصودُ يومَ القيامةِ فلا إشكالَ في الآية، وهو ما ذهبَ إليه ابنُ كثير وغيره.. قال: "وإنْ تَدْعُ نفسٌ مثقلَةٌ بأوزارها إلى أن تُساعَدَ على حملِ ما عليها من الأوزار، أو بعضه، {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} أي: وإن كان قريباً إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كلٌّ مشغولٌ بنفسهِ وحاله". ووجَّهَهُ العلّامةُ الشوكاني بأوضحَ منه، فقال: المعنى لا تحملُ نفسٌ حملَ نفسٍ أخرى، أي: إثمها، بل كلُّ نفسٍ تحملُ وزرها. ولا تخالِفُ هذه الآيةُ قوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [سورة العنكبوت: 13]؛ لأنهم إنما حمَلوا أثقالَ إضلالهم مع أثقالِ ضلالهم، والكلُّ من أوزارهم، لا من أوزارِ غيرهم، ومثلُ هذا حديث: "مَن سنَّ سنَّةً سيِّئة، فعليه وزرُها، ووزرُ مَن عملَ بها إلى يومِ القيامة"، فإن الذي سنَّ السنَّةَ السيئةَ إنما حملَ وزرَ سنَّتهِ السيِّئة".

﴿وَمَا يَسۡتَوِي الۡأَعۡمَىٰ وَالۡبَصِيرُ﴾ [فاطر:19]


وكما لا يَستَوي الأعمَى والبَصير، كذلكَ لا يَستَوي الكافِرُ والمؤمِن، والجاهِلُ والعالِم.

﴿وَلَا الظُّلُمَٰتُ وَلَا النُّورُ﴾ [فاطر:20]


وكما لا تَستَوي الظُّلُماتُ والنُّور، كذلكَ لا يَستَوي الكُفرُ والإيمان، والباطِلُ والحقّ.