تفسير سورة فاطر

  1. سور القرآن الكريم
  2. فاطر
35

﴿۞إِنَّ اللَّهَ يُمۡسِكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا﴾ [فاطر:41]


اللهُ سُبحانَهُ هوَ الذي يَحفَظُ السَّماواتِ والأرضَ حتَّى لا تَضطَرِبا ويَنفَرِطَ نِظامُهما فيَضمَحِلاّ، وإذا اختلَّ نِظامُهما وأشرَفَتا على الزَّوال، فلا يَقدِرُ على حِفظِهما وإبقائهمَا سِواه. واللهُ حَليمٌ إذْ لم يُعَجِّلْ عُقوبَةَ الكافِرين، بلْ أمهَلَهمْ وأنظرَهم، وهوَ واسِعُ المَغفِرَةِ لمنْ تابَ وأناب، فيغَفِرُ الذُّنوبَ ولو كانتْ كبيرَةً وكثيرَة.

﴿وَأَقۡسَمُواْ بِاللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى الۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا﴾ [فاطر:42]


وقدْ حلفَ المشرِكونَ قَبلَ مَبعَثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، واجتهَدوا في الحَلِفِ باللهِ أبلغَ ما يَكون، أنَّهُ إذا بُعِثَ فيهمْ رَسُولٌ فلنْ يُكَذِّبوهُ ولنْ يُعانِدُوهُ كما فعَلتِ الأُمَمُ السَّابقَةُ معَ رسُلِهم، بلْ سيَكونونَ طائعينَ لهُ ومُناصِرِينَ إيَّاه، وبذلكَ يَكونُونَ أهدَى وأطوَعَ مِنْ جَميعِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ معَ أنبِيائهم، فلمَّا جاءَهمُ الرسُولُ محمَّدٌ مُؤيَّدًا بمُعجِزةِ القُرآنِ العَظيمَة، لم يَزِدْهمْ ذلكَ إلاّ بُعدًا عنِ الحقِّ وهُروبًا منه!

﴿اسۡتِكۡبَارٗا فِي الۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ السَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ الۡمَكۡرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحۡوِيلًا﴾ [فاطر:43]


استِكبارًا عنِ اتِّباعِ الحقِّ، وإفراطًا منهمْ في العِناد، وإمعانًا في العمَلِ السيِّءِ، والكَيدِ لرَسُولِ اللهِ، والصدِّ عنْ سَبيلِ الله، ولا يُحيطُ وَبالُ هذا الكَيدِ والعُدوانِ إلاّ بأهلِه، الذينَ خطَّطوا لهُ أو نفَّذوه، فما يَنتَظِرونَ إلاّ عُقوبةَ اللهِ لهمْ كما فَعلَ بالكافِرينَ المُكَذِّبينَ مِنْ قَبلِهم، فلنْ تَجِدَ لهذهِ السنَّةِ المتَّبَعَةِ في خَلقِهِ تغَيُّرًا وتبَدُّلاً، ولنْ تَجِدَ لها تحَوُّلاً وانتِقالاً.

﴿أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا﴾ [فاطر:44]


أوَلمْ يُسافِروا ويَمرُّوا بآثارِ مَنْ قَبلَهمْ مِنَ القُرَى المُهلَكَةِ بسبَبِ تَكذيبِهمْ رسُلَهم؟ وكانوا أكثرَ قوَّةً منهم، وأكثرَ أموَالاً وأولادًا، ولكنَّ ذلكَ لم يُغْنِ عنهمْ شَيئًا أمامَ قوَّةِ اللهِ وإرادَتِهِ في الانتِقام، فلا يَفوتُهُ شَيءٌ ممَّا في السَّماواتِ والأرْض، فكلُّ ما فيهما تحتَ مَشيئَتِهِ وتَصرُّفِه، وهوَ عَليمٌ بما فيهما، قادِرٌ على الانتِقامِ ممَّنْ عَصاه.

﴿وَلَوۡ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا﴾ [فاطر:45]


ولو يُعاقِبُ اللهُ النَّاسَ بما فعَلوا مِنَ السيِّئاتِ والجَرائم، لَما أبقَى أحَدًا على ظَهرِ الأرْض، ولكنَّهُ حَليمٌ رَحيم، يُمهِلُهمْ ويُؤخِّرُهمْ إلى أجَلٍ مُحَدَّد، هوَ قِيامُ السَّاعَة، فإذا جاءَ هذا الوَعدُ الحقُّ حاسبَهمْ على أعمالِهم، وجازاهُمْ عَليها بما يَستَحِقُّونَ مِنْ ثَوابٍ أو عِقاب، واللهُ بَصيرٌ بأحوالِ عِبادِهِ وبما عَمِلُوهُ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، خَفيًّا كانَ أو مُعلَنًا.