﴿يسٓ﴾ [يس :1]
حُروفٌ مُقَطَّعَةٌ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حَديثٌ صَحيح، واختلفَ المفسِّرونَ في دَلالَتِها.
﴿وَالۡقُرۡءَانِ الۡحَكِيمِ﴾ [يس :2]
أُقسِمُ بهذا القُرآنِ الذي أُحكِمَتْ آياتُه، وأُجِلَّ أمرُه، ورُفِعَ شَأنُه.
﴿إِنَّكَ لَمِنَ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [يس :3]
إنَّكَ نَبيٌّ مُرسَل، مَبعُوثٌ مِنْ قِبَلِ رَبِّ العالَمين.
﴿عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [يس :4]
على النَّهجِ السَّويِّ والطَّريقِ القَويم.
﴿تَنزِيلَ الۡعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ [يس :5]
مُنزَّلٌ مِنْ عندِ اللهِ ذي العِزَّةِ والقوَّة، الرَّحيمِ بعِبادِهِ المؤمِنين.
﴿لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ﴾ [يس :6]
لتُنذِرَ بهذا القُرآنِ قَومًا لم يُنذَرْ آباؤهمُ الأدْنَون، فهمْ جَميعًا غافِلونَ عنِ الهُدَى والإيمَان، بَعيدونَ عنِ الحقِّ والصَّواب.
﴿لَقَدۡ حَقَّ الۡقَوۡلُ عَلَىٰٓ أَكۡثَرِهِمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [يس :7]
لقدْ وجبَ العَذابُ على أكثَرِهم، بما عَلِمَهُ اللهُ مِنْ أحوالِهمْ ومَواقِفِهمْ مِنَ الدَّعوَة، فهمْ لا يُؤمِنونَ بها.
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى الۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ﴾ [يس :8]
لقدْ جعَلنا في أعناقِهمْ أغْلالاً(121) ، فأيديهمْ مَشدودَةٌ إليها تحتَ ذُقونِهم، وقدْ رفَعوا رُؤوسَهمْ قَسْرًا، ونظَرُهمْ إلى الأمام، فلا يقدِرونَ أنْ يلتَفِتوا بأعناقِهمْ إلى مصدَرِ النُّور، ولا يَستَطيعونَ أنْ يَبسُطوا أيديَهمْ بخَير، ولا يخفِضُونَ رُؤوسَهمْ للحقّ، فلا يُذعِنونَ للإيمَان.
(121) الأغلال: جمعُ غُلّ، بضمِّ الغين، وهو حلقةٌ عريضةٌ من حديد، كالقِلادة، ذاتُ أضلاع... (التحرير).
الغُلُّ ما أحاطَ بالعنقِ، على معنى التثقيفِ والتضييقِ والتعذيبِ والأسر، ومع العنقِ اليدان أو اليدُ الواحدة. هذا معنى التغليل. (ابن عطية).
﴿وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ سَدّٗا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدّٗا فَأَغۡشَيۡنَٰهُمۡ فَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ﴾ [يس :9]
وجعَلنا مِنْ أمامِهمْ سدًّا مانِعًا، ومِنْ خَلفِهمْ سدًّا مانِعًا، فجعَلنا على أبصارِهمْ أغطيَة، فهمْ لا يَقدِرونَ على إبصارِ شَيءٍ مِنَ الهُدَى والنُّور، فنُفوسُهمْ قاتِمَة، وقُلوبُهمْ مُنغَلِقَة، وأسماعُهمْ مَسدودَة، وأعينُهمْ مُغَطَّاة.
﴿وَسَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [يس :10]
والأمرُ عندَهمْ سَواء، إنْ أنذَرتَهمْ بالقُرآنِ ووَعظتَهمْ بهِ أمْ لم تُنذِرْهم، فإنَّهمْ غَيرُ مُهيَّئينَ للإيمَان، وغَيرُ مُستَعِدِّينَ لقَبولِ الحقّ. ولِما عَلِمَ اللهُ فيهمْ مِنْ ذلك، فقدْ قضَى عَليهمْ بما يَستَحِقُّونَه.
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكۡرَ وَخَشِيَ الرَّحۡمَٰنَ بِالۡغَيۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةٖ وَأَجۡرٖ كَرِيمٍ﴾ [يس :11]
إنَّما يَقبَلُ إنذارَكَ ويَنتَفِعُ بهِ الذينَ يتَّبِعونَ القُرآن، ويَخافونَ اللهَ ويتَّقونَهُ وإنْ لم يرَوه، وهمْ يَعلَمونَ أنَّهُ يَراهُمْ ويطَّلِعُ على أعمالِهم، فبَشِّرْ هؤلاءِ بمَغفِرَةٍ لذنُوبِهم، وثَوابٍ كبيرٍ لهم، وأجرٍ حسَنٍ يَنتَظرُهم.
﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ الۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ﴾ [يس :12]
سنُحيي الأموَاتَ جَميعًا يَومَ القِيامَة، ونكتُبُ كُلَّ ما قدَّمُوا مِنْ أعمَال، ممَّا باشَرُوهُ بأنفُسِهم، وما كانوا سبَبًا له، بأنْ كانوا دُعاةَ أمرٍ، فاتَّبعَهُ مَنْ بعدَهم، فنَكتبُ آثارَهمْ عَليهمْ أيضًا، وجَميعُ الأشياءِ مَكتوبٌ ومَحفوظٌ في أُمِّ الكتاب: اللَّوحِ المَحفوظ.
﴿وَاضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلًا أَصۡحَٰبَ الۡقَرۡيَةِ إِذۡ جَآءَهَا الۡمُرۡسَلُونَ﴾ [يس :13]
واضرِبْ هذا المثَلَ الذي يَنطَبِقُ على حالِ المُشرِكين، فهؤلاءِ أصحابُ قَريَةٍ كانوا مُشرِكينَ مِثلَهم، فجاءَهمُ المُرسَلون.
ذكرَ قَتادَةُ مِنْ بينِ المفسِّرينَ القُدامَى وتابعَهُ كثيرٌ مِنَ المتأخِّرين، أنَّ المَقصودَ بالمُرسَلينَ الثَّلاثَةُ الذينَ أرسلَهمْ عيسَى عليهِ السَّلامُ إلى أهلِ أنطاكيَة، وقدْ نقدَهُ ابنُ كثيرٍ واستَبعدَه، وذكرَ أنَّ الصَّحيحَ أنَّهمْ رُسُلُ الله.
﴿إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ اثۡنَيۡنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ فَقَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ﴾ [يس :14]
إذْ أرسَلنا إليهمْ في المرَّةِ الأُولَى اثنَينِ منهم، يَعِظانِهمْ ويَدعُوانِهمْ إلى اتِّباعِ الدِّينِ الحقّ، لكنَّهمْ كذَّبوهما، فشدَدْنا أزرَهما برَسُولٍ ثالِث، فقالوا لأهلِ القَريَة: نحنُ مُرسَلونَ إليكم، ونَدعوكُمْ إلى عِبادَةِ اللهِ وحدَه، وأنْ تَترُكوا ما أنتُمْ عَليهِ مِنْ شِرك.
﴿قَالُواْ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ الرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ﴾ [يس :15]
فرَدُّوهمْ وقالوا لهم: أنتُمْ لستُمْ سِوَى بشَرٍ مثلِنا، فلِمَ أُوحيَ إليكمْ ولم يُوحَ إلينا؟ ما أنزَلَ اللهُ عَليكمْ شَيئًا ممَّا تدَّعون، وأنتُمْ كاذِبونَ فيما تَقولون.
﴿قَالُواْ رَبُّنَا يَعۡلَمُ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ﴾ [يس :16]
قالَ لهمُ المُرسَلون: إنَّ اللهَ الذي أرسلَنا إليكمْ يَعلَمُ أنَّنا صادِقونَ فيما نَقول، ولو كذَبْنا لخذَلَنا وانتقَمَ منَّا.
﴿وَمَا عَلَيۡنَآ إِلَّا الۡبَلَٰغُ الۡمُبِينُ﴾ [يس :17]
والذي عَلينا هوَ أنْ نُبَلِّغَكمْ ما أُرسِلنا بهِ تَبليغًا واضِحًا بيِّنًا على الوَجهِ المَطلوب.
﴿قَالُوٓاْ إِنَّا تَطَيَّرۡنَا بِكُمۡۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهُواْ لَنَرۡجُمَنَّكُمۡ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [يس :18]
قالوا للمُرسَلين: لقدْ تَشاءَمنا بكمْ ولم نرَ في مَجيئكمْ خَيرًا، وإذا لم تَنتَهوا عنْ دَعوَتِكمْ فسَوفَ نَرميكُمْ بالحِجارَة، أو يُصيبُكمْ منَّا عُقوبَةٌ شَديدَة.
﴿قَالُواْ طَـٰٓئِرُكُم مَّعَكُمۡ أَئِن ذُكِّرۡتُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ﴾ [يس :19]
قالَ لهمُ الرسُل: إنَّ ما أصابَكمْ وتَشاءَمتُمْ بهِ منَّا هوَ بسبَبِ عَقيدَتِكمُ الفاسِدَةِ وأعمالِكمُ السيِّئة، فشُؤمُكمْ مَردودٌ عَليكم، فإذا وعَظناكمْ ودعَوناكمْ إلى الحقّ، جابَهتُمونا بهذا الكلامِ واتَّهَمتُمونا بما لم نَفعَلْه، بلْ أنتُمْ عُصاةٌ مُشرِكون، قدْ تجاوَزتُمُ الحدَّ في العِصيان.
﴿وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا الۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ اتَّبِعُواْ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [يس :20]
وجاءَ رَجُلٌ مِنْ طرَفِ المَدينَةِ يُسرِعُ في مَشيهِ حِرصًا على إيصَالِ نُصحِهِ إلى قَومِه، وقدْ هَمُّوا بإيذاءِ الرسُلِ الذينَ أُرسِلَ إليهم، فقالَ لهم: يا قَوم، اتَّبِعوا هؤلاءِ المُرسَلينَ الذينَ يَدْعونَكمْ إلى الحقّ،