تفسير سورة يس

  1. سور القرآن الكريم
  2. يس
36

﴿اتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسۡـَٔلُكُمۡ أَجۡرٗا وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [يس:21]


اتَّبِعوا هؤلاءِ الصَّادِقينَ العَفيفينَ الذينَ لا يَطلُبونَ مالاً مِنْ ورَاءِ تَبليغِ رِسالَتِهم، وهمْ مُهتَدونَ إلى الحقّ، ثابِتونَ عَليه،

﴿وَمَالِيَ لَآ أَعۡبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [يس:22]


ولماذا لا أعبدُ الإلهَ الذي خلقَني، وما الذي يَمنَعُني مِنْ ذلكَ ومِنْ إخلاصِ العِبادَةِ لهُ وَحدَه، وإليهِ تُرجَعونَ يَومَ البَعث، ليُحاسِبَكمْ على أعمالِكمْ ويُجازيَكُمْ عَليها؟

﴿ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً إِن يُرِدۡنِ الرَّحۡمَٰنُ بِضُرّٖ لَّا تُغۡنِ عَنِّي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَا يُنقِذُونِ﴾ [يس:23]


وهلْ يُعقَلُ أنْ أجعلَ معَ اللهِ أصْنامًا أعبدُها، فإذا أرادَ اللهُ أنْ يُصيبَني بمُصيبَة، مِنْ فَقرٍ ومرَضٍ وبَلاء، لا تُفيدُني شَفاعَتُهمْ شَيئًا، ولا يَستَطيعونَ أنْ يُنقِذوني مِنْ ضُرٍّ أصابَني؟

﴿إِنِّيٓ إِذٗا لَّفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [يس:24]


إنَّني إنْ فعَلتُ ذلكَ فأنا زائغٌ وعلى انحِرافٍ بَيِّنٍ لا يَخفَى.

﴿إِنِّيٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَاسۡمَعُونِ﴾ [يس:25]


لقدْ آمَنتُ برَبِّكمُ الذي خلَقَكمْ ورَزقَكم، فاسمَعوا قَولي وتفَكَّروا فيهِ واقبَلُوه، فهوَ خَيرٌ لكم.

﴿قِيلَ ادۡخُلِ الۡجَنَّةَۖ قَالَ يَٰلَيۡتَ قَوۡمِي يَعۡلَمُونَ﴾ [يس:26]


فمات، أو قُتِل، فوَجبَتْ لهُ الجنَّة، فلمَّا رأى الثَّوابَ على الإيمانِ والصَّبرِ على الطَّاعَةِ قال: يا لَيتَ قَومي يَعلَمونَ،

﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الۡمُكۡرَمِينَ﴾ [يس:27]


بالذي وهبَ لي رَبِّي، فغفَرَ لي ذَنبي ورَحِمَني، وأكرَمَني مِنْ فَضلِهِ بجنَّاتِ النَّعيم.

﴿۞وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِن جُندٖ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ [يس:28]


وما أنزَلنا على قَومِ ذلكَ الرَّجُلِ الصَّالحِ المَقتولِ ملائكةً لإهلاكِهم، وما كنَّا مُنزِليهم، فقدْ قدَّرنا عَليهمْ عُقوبةً أُخرَى.

﴿إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ خَٰمِدُونَ﴾ [يس:29]


فما هيَ إلاّ صَيحَةٌ واحِدَةٌ حتَّى كانوا خامِدينَ هامِدينَ لا حَراكَ بهم.

﴿يَٰحَسۡرَةً عَلَى الۡعِبَادِۚ مَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [يس:30]


يا حَسرَةَ العِبادِ المكذِّبين، ويا خَيبتَهمْ ونَدامتَهمْ على أنفُسِهمْ على ما ضَيَّعوا مِنْ أمرِ الله، فما كانَ يأتِيهمْ رَسولٌ مِنْ عندِ اللهِ إلاّ ويَجحَدونَ ما أُرسِلَ به، ويَسخَرونَ منه.

﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ الۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ﴾ [يس:31]


ألمْ يُخبَرِ المشرِكونَ ويُشاهِدوا آثارَ مَنْ أهلَكنا مَنْ قبلَهمْ مِنَ المكذِّبين؟ ولنْ يَرجِعوا إليهمْ ليُخبِروهمْ بما حلَّ بهمْ مِنَ العَذاب، أو لنْ يَرجِعوا إلى الدُّنيا ليَعيشوا مرَّةً أُخرَى.

﴿وَإِن كُلّٞ لَّمَّا جَمِيعٞ لَّدَيۡنَا مُحۡضَرُونَ﴾ [يس:32]


وإنَّهمْ جَميعًا، الأُمَمَ الماضيَةَ والآتيَة، مُحضَرونَ جَميعًا إلينا يَومَ القِيامَة؛ لمُحاسبَتِهمْ على أعمالِهم.

﴿وَءَايَةٞ لَّهُمُ الۡأَرۡضُ الۡمَيۡتَةُ أَحۡيَيۡنَٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبّٗا فَمِنۡهُ يَأۡكُلُونَ﴾ [يس:33]


وهذهِ دَلالَةٌ مُشاهَدَةٌ واضِحَةٌ أمامَهم، تَدُلُّ على وجودِ الله، وقُدرَتِهِ على البَعثِ والإحيَاء، وهيَ الأرْضُ القاحِلَةُ الجَرداءُ التي لا نبَاتَ فيها، أحيَيناها بالمطَر، فأنبتَتِ الثِّمارَ والزُّروع، ليتغذَّى النَّاسُ مِنْ ثِمارِها وحُبوبِها، ويُطعِموها أنعامَهم.

﴿وَجَعَلۡنَا فِيهَا جَنَّـٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ وَفَجَّرۡنَا فِيهَا مِنَ الۡعُيُونِ﴾ [يس:34]


وجعَلنا فيها بَساتينَ مِنْ أشجَارِ النَّخيلِ والأعنَابِ ذاتِ الثِّمارِ الشهيَّةِ والمُفيدَة، وجعَلنا فيها الأنهارَ واليَنابيعَ العَذبَة،

﴿لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ﴾ [يس:35]


ليَأكُلوا مِنْ ثمَراتِ ما ذُكِر، ممَّا لذَّ وطابَ، وما عَمِلَتْهُ أيديهمْ بحَولِ اللهِ وقوَّتِه، مِنْ غَرسٍ وسَقي، أو ما يَعصِرونَ منها ويُجَفِّفونَه، أفلا يَشكرونَ للهِ نِعمَتَهُ عَليهم، علَى هذا وغَيرِه؟

﴿سُبۡحَٰنَ الَّذِي خَلَقَ الۡأَزۡوَٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ الۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [يس:36]


تنَزَّهَ اللهُ عنِ الشَّريكِ والنَّظير، وتقدَّسَ عنْ كُلِّ نَقصٍ وعَيب، الذي خلقَ الأزواجَ كُلَّها، الذَّكَرَ والأُنثَى، وأنواعَها وأصنافَها، ممَّا تُنبِتُ الأرضُ مِنْ زَرعِ وثمَر، ومِنَ الإنسانِ نَفسِه، وممَّا لم يَصِلْ إليهِ عِلمُهم. {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة الذاريات: 49].

﴿وَءَايَةٞ لَّهُمُ الَّيۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ﴾ [يس:37]


ودَليلٌ آخَرُ على قُدرَةِ اللهِ سُبحانَه، هوَ هذا اللَّيل، الذي نَنزِعُ منهُ النَّهارَ فيُقبِلُ اللَّيل، فإذا هُمْ قدْ فَقَدوا الضِّياءَ ودخَلوا في الظَّلام.

﴿وَالشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ الۡعَزِيزِ الۡعَلِيمِ﴾ [يس:38]


والشَّمسُ نَجمٌ عَظيمٌ مُلتَهِب، تَدورُ حَولَ نَفسِها وتَجري في اتِّجاهٍ واحِد، وتَنتَهي في جرَيانِها إلى مُستقَرِّها الأخِير، الذي لا يَعلَمُ مَوعِدَهُ إلاّ الله. وهذا مِنْ تَقديرِ اللهِ العَزيزِ الذي لا يَصعُبُ عَليهِ شَيء، العَليمِ الذي لا يَغيبُ عنهُ شَيءٌ ممَّا بثَّهُ في الكَون.

﴿وَالۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالۡعُرۡجُونِ الۡقَدِيمِ﴾ [يس:39]


والقمَرُ أقرَبُ جِرْمٍ سَماويٍّ إلى الأرْض، قدَّرنا أنْ يَسيرَ سَيرًا آخَر، في مُحيطٍ خاصٍّ به - ليُستدَلَّ بهِ على مُضيِّ الشُّهور -، ويأخذُ في التَّناقُصِ شَيئًا فشَيئًا بعدَ أنْ كانَ مُستَديرًا، ليَعودَ هِلالاً مُقوَّسًا، كعِذْقِ النَّخلَةِ اليابسِ المُنحَني.

﴿لَا الشَّمۡسُ يَنۢبَغِي لَهَآ أَن تُدۡرِكَ الۡقَمَرَ وَلَا الَّيۡلُ سَابِقُ النَّهَارِۚ وَكُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ﴾ [يس:40]


وكُلُّ شَيءٍ في هذا الكَونِ يَسيرُ بنِظامٍ ومِيزانٍ ودِقَّةٍ مُتناهيَة، فلا تَصطَدِمُ الشَّمسُ في سَيرِها بالقمَر، فإنَّ لكُلٍّ منهما مجرًى مُحدَّدًا لا يتَجاوَزُهُ في سَيرِه، ولا يَسبِقُ اللَّيلُ النَّهارَ فيَأتي قَبلَ أوانِه، فإنَّ لكُلٍّ منهما وَقتًا مُحدَّدًا، وبِدايَةً ونِهايَة. وكُلُّ المَجرَّاتِ والنُّجومِ والكواكِبِ تَدورُ حَولَ نَفسِها في حرَكةٍ مِحوَريَّة، وتَدورُ في مَداراتِها حرَكةً انتِقاليَّة... والكَونُ كُلُّهُ يتحرَّكُ بإذنِ اللهِ وتَدبيرِه.