تفسير سورة يس

  1. سور القرآن الكريم
  2. يس
36

﴿وَءَايَةٞ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُمۡ فِي الۡفُلۡكِ الۡمَشۡحُونِ﴾ [يس:41]


ودَليلٌ آخَرُ على القُدرَةِ الربَّانيَّة، أنَّا سخَّرنا البَحرَ لتَجريَ عليها السُّفُن، فتَحمِلُ ذُرِّيَّةَ بَني آدمَ، وتُملأُ بالأمتِعَةِ ولا تَغرَق.

﴿وَخَلَقۡنَا لَهُم مِّن مِّثۡلِهِۦ مَا يَرۡكَبُونَ﴾ [يس:42]


وخلَقنا لهمْ في البَرِّ ما يَحمِلونَ عليهِ ويَركَبونَه، مِثلَما يَركَبونَ السُّفُنَ في البَحر، كالإبِلِ والبِغالِ وغَيرِها.

﴿وَإِن نَّشَأۡ نُغۡرِقۡهُمۡ فَلَا صَرِيخَ لَهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنقَذُونَ﴾ [يس:43]


وإذا أرَدنا أنْ نُغرِقَهمْ في البَحرِ وهمْ في سفُنِهم، فلا يَقدِرُ أحَدٌ على أنْ يُغيثَهم، ولا أنْ يُنقِذَهمْ مِنَ الغرَق،

﴿إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّنَّا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٖ﴾ [يس:44]


إلاّ إذا كانَ إنقاذُهمْ برَحمَةٍ مِنْ عندِنا، ليَبقوا في الحيَاةِ إلى المدَّةِ التي حدَّدناها لهم.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيكُمۡ وَمَا خَلۡفَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [يس:45]


وإذا قيلَ للمُشرِكين، وقدْ أعرَضوا عنِ الآياتِ الكونيَّة: احفَظوا أنفُسَكمْ في الحياةِ الدُّنيا مِنَ الذُّنوبِ والمعاصِي، ولا تُعَرِّضوها للعُقوبَةِ والنَّارِ في اليَومِ الآخِر، ليَرحمَكمُ اللهُ ويؤمِّنَكمْ مِنْ عَذابِه.

﴿وَمَا تَأۡتِيهِم مِّنۡ ءَايَةٖ مِّنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِمۡ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ﴾ [يس:46]


ولكنَّهمْ مُعرِضون، فما تأتيهمْ مُعجِزاتٌ وأدِلَّةٌ ناطِقَةٌ بالحقِّ وصِدقِ الرسُول، إلاّ استَنكَفوا عَنها، ولم يأبَهوا بها.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ اللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [يس:47]


وإذا قيلَ لهم: أعطُوا الفُقَراءَ والمُحتاجينَ ممَّا رزقَكمُ اللهُ مِنْ أموَال، قالَ الكافِرونَ للمؤمِنينَ في مُخاصَمَةٍ وجَهَالَة: أنُطعِمُ هؤلاءِ الفقَراءِ الذينَ لو شَاءَ اللهُ لأطعَمَهمْ وأغناهُم؟ ما أنتُمْ إلاّ على خطأٍ بَيِّنٍ في طلَبِكمْ هذا منَّا، فنَحنُ نُوافِقُ مَشيئةَ اللهِ في عدَمِ إعطاءِ المالِ لهم، وأنتُمْ تُطالِبونَ مُخالفَةَ مَشيئَتِه!

وجَهِلوا سُنَّةَ اللهِ في ذلك، والحِكمَةَ مِنَ الفَقرِ والغِنَى، ومِنَ الإنفاق.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [يس:48]


ويَقولُ المشرِكونَ وقدِ استَبعَدوا أمرَ البَعثِ والنُّشور: ومتَى يَكونُ يَومُ القيامَةِ إنْ كنتُمْ صادِقينَ في زَعمِكمْ بأنَّهُ آتٍ؟

﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ﴾ [يس:49]


إنَّهمْ لا يَنتَظِرونَ إلاّ صَيحَةً واحِدَة، مُفزِعَةً هائلَة، وهيَ النَّفخَةُ الأُولى في الصُّوْر، تأخذُهمْ وهمْ يتَخاصَمونَ في مُعاملاتِهمْ وتِجاراتِهم، دونَ أنْ يَخطُرَ ببالِهمْ شَيءٌ ممَّا فاجَأهُم.

﴿فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ تَوۡصِيَةٗ وَلَآ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ يَرۡجِعُونَ﴾ [يس:50]


فلا يَتمَكَّنونَ مِنْ أنْ يُوصُوا بشَيءٍ مِنْ أُمورِهم، ولا أنْ يَرجِعوا إلى أهليهم، بلْ تَفجَؤهُمُ الصَّيحَة، فيَموتونَ حيثُ كانوا.

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ﴾ [يس:51]


ونُفِخَ في الصُّوْر - النَّفخَةُ الثَّانيَةُ - فإذا همْ يَخرُجونَ مِنَ القُبورِ إلى رَبِّهمْ مُسرِعين.

﴿قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحۡمَٰنُ وَصَدَقَ الۡمُرۡسَلُونَ﴾ [يس:52]


قالوا مُتعَجِّبين، وقدْ كانوا مِنَ الكافِرينَ بالمَعاد: يا هلاكَنا! مَنِ الذي بعَثَنا مِنْ قُبورِنا ومَراقِدِنا؟!

إنَّ هذا ما وعدَ اللهُ به، وصدَقَ أنبِياؤهُ المُرسَلونَ فيما قالوا، وما أنذَروا بهِ الكافِرين.

﴿إِن كَانَتۡ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ فَإِذَا هُمۡ جَمِيعٞ لَّدَيۡنَا مُحۡضَرُونَ﴾ [يس:53]


ما هيَ إلاّ صَيحَةٌ واحِدَةٌ عَظيمَة - هيَ النَّفخَةُ الأخيرَةُ في الصُّوْرِ - حتَّى كانوا جَميعًا مُحضَرينَ للحِسابِ والجَزاء.

﴿فَالۡيَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [يس:54]


في هذا اليَومِ المَعهود، لا تُظلَمُ نَفسٌ مِنَ النُّفوس، بَرَّةً كانتْ أو فاجِرَة، ولا تُجزَونَ - أيُّها النَّاسُ - إلاَّ ما كنتُمْ تَعمَلونَ في الدُّنيا، إنْ خَيرًا فخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ.

﴿إِنَّ أَصۡحَٰبَ الۡجَنَّةِ الۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ﴾ [يس:55]


إنَّ أصحابَ الجنَّةِ يَومَ القِيامَةِ في فرَحٍ ونَعيم، ومعَ حُورٍ عِين، قدْ شغَلَهمْ ذلكَ عنْ كُلِّ شَيء.

﴿هُمۡ وَأَزۡوَٰجُهُمۡ فِي ظِلَٰلٍ عَلَى الۡأَرَآئِكِ مُتَّكِـُٔونَ﴾ [يس:56]


وازدَادوا فرَحًا وسُرورًا أنَّهمْ معَ أزوَاجِهمْ في ظِلالٍ وارِفَة، على الأسِرَّةِ مُتَّكِئونَ مُتنَعِّمون.

﴿لَهُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ﴾ [يس:57]


لهمْ في الجنَّةِ ما لَذَّ وطابَ مِنْ أنواعِ الفاكِهَة، وكُلِّ ما يَشتَهونَهُ ويَطلُبونَهُ لأنفُسِهم.

﴿سَلَٰمٞ قَوۡلٗا مِّن رَّبّٖ رَّحِيمٖ﴾ [يس:58]


ويُحَيِّيهمُ اللهُ تَحيَّةً مُبارَكةً مِنْ عندِهِ ويَقولُ لهم: سَلام. وفيهِ مِنْ أمانِ اللهِ والاطمِئنانِ والرِّضا ما فيه.

﴿وَامۡتَٰزُواْ الۡيَوۡمَ أَيُّهَا الۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يس:59]


أمَّا أنتُمْ أيُّها الكافِرونَ المُجرِمون، فتَميَّزوا عنِ المؤمِنين، وانفَرِدوا عنهم؛ لتَلقَوا مَصيرَكمْ في النَّار.

﴿۞أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ الشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [يس:60]


ألمْ آمُرْكُمْ يا بَني آدمَ ألاّ تُطيعُوا الشَّيطانَ فيما يُزَيِّنُهُ لكمْ مِنَ المعاصِي، وأنَّهُ ظاهِرُ العَداوَةِ لكم؟