في هذا اليَومِ المَخوفِ الذي نُحاسِبُهمْ فيهِ على أعمالِهم، يُنكِرُ الكافِرونَ والمُنافِقونَ أنَّهمُ اقترَفوا آثامًا وكذَّبوا رسُلاً، ويَحلِفونَ على ذلك، فنَختِمُ على أفواهِهمْ فلا يَستَطيعونَ الكَلام، وتُكَلِّمُنا أيديهمْ بما فعلَت، وتَشهَدُ أرجُلُهمْ بما كسبَت.
وما علَّمْنا النبيَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم الشِّعرَ، فلا يُحسِنُ نَظمَهُ ولا قَولَه، ولا يَصلُحُ له، فهوَ ليسَ مِنْ طَبعِهِ ولا وُظيفَتِهِ التي هيَّأها اللهُ فيه، فكيفَ تدَّعُونَ أنَّهُ شاعِرٌ يا كفَّارَ مكَّة؟! وما هذا القُرآنُ المُوحَى إليهِ إلاّ مَوعِظَةٌ وتَذكِرَة، وقُرآنٌ واضِحٌ بيِّنٌ لمَنْ تأمَّلَهُ وتدبَّرَه، لا يَلتَبِسُ بهِ الشِّعرُ ألبتَّة، فيهِ العِظَةُ والقِصَّة، والحُكمُ والخبَر، والثَّوابُ والعِقاب، وهوَ أمرٌ ونَهيٌ وبَيانٌ مِنْ رَبِّ العالَمين.
ليُنذِرَ هذا القُرآنُ كُلَّ حَيٍّ عاقِلٍ على وَجهِ الأرْض، ولا يَنتَفِعُ بهِ إلاّ مَنْ كانَ قَلبُهُ حيًّا، مُنفَتِحًا على الحقِّ، مُستَعِدًّا لقَبولِه، وليَكونَ حُجَّةً على الكافِرين، فقدْ صُرِّفَ لهمُ القَولُ فيه، وحُذِّروا، ورُدَّ على شُبُهاتِهم، فلا يَلوموا إلاّ أنفُسَهمْ إذا عُوقِبوا لعدَمِ إيمانِهمْ به.
فلا تَهتَمَّ بقَولِهم، ولا تَتحسَّرْ على تَكذيبِهمْ لكَ واتِّهامِهمْ بأنَّكَ ساحِرٌ أو شاعِر، فهمْ جُهَلاءُ لا يَفقَهون. نحنُ نَعلَمُ ما يُسِرُّونَ في أنفُسِهمْ مِنَ العقَائدِ الباطِلَة، وما يُظهِرونَ مِنَ الشِّركِ والتَّكذيبِ والأذَى، وسنُحاسِبُهمْ على كُلِّ ذلك، ونَجزيهمْ عَليها بما يَستَحِقُّونَ مِنْ عَذاب.
وضَرَبَ هذا الكافِرُ بالبَعثِ مثَلاً لنا، ونَسِيَ بَدْءَ خَلقِنا له، فجاءَ إلى الرسُولِ صلى الله عليه وسلم وفي يَدِهِ عَظْمٌ قَديم، ففَتَّتَهُ أمامَهُ وقالَ له: أتَزعُمُ أنَّ اللهَ يَبعَثُ هذا بَعدَما أَرِم؟
فقالَ لهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نعَم، يَبْعَثُ اللهُ تعالَى هذا، ويُميتُك، ثمَّ يُحييك، ثمَّ يُدخِلُكَ نارَ جهنَّم". رواهُ الحاكمُ وصحَّحه.