﴿صٓۚ وَالۡقُرۡءَانِ ذِي الذِّكۡرِ﴾ [ص :1]
حَرفُ الصَّادِ مِنَ الحروفِ المقَطَّعَة، التي لا يُعرَفُ مَعناها.
أُقسِمُ بالقُرآنِ ذي القَدْرِ العَظيم، المُشتَملِ على التَّذكِرَةِ والمَوعِظَة، ممَّا يَحتاجُهُ النَّاسُ في أمرِ مَعاشِهمْ ومَعادِهم.
﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٖ وَشِقَاقٖ﴾ [ص :2]
إنَّ الكافِرينَ لم يَنتَفِعوا به، لأنَّهمْ في استِكبارٍ عنِ الإذعَانِ له، وامتِناعٍ منَ الإيمانِ به، ومُخالَفَةٍ ومُخاصَمَةٍ لرَدِّهِ وإبطالِه.
﴿كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ﴾ [ص :3]
ما أكثرَ مَنْ أهلَكنا مِنْ قَبلِهمْ مِنَ الأُمَمِ المكذِّبَةِ برسُلِها، المُصِرَّةِ على الكُفر، فاستَغاثُوا باللهِ ودعَوهُ مُخلِصينَ حينَ عايَنوا نُزولَ العَذابِ بهم، ولكنَّهُ ليسَ وقتَ فِرارٍ ولا إجابَة.
﴿وَعَجِبُوٓاْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٞ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ الۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٞ كَذَّابٌ﴾ [ص :4]
وتعَجَّبَ المشرِكونَ لمَّا بُعِثَ فيهمْ رَسُولٌ مِنْ جِنسِهمْ يُنذِرُهم، وأنكَروا احتِمالَ وقُوعِه، وقالَ الكافِرونَ برِسالَةِ رَبِّهم: هذا الرَّجلُ ساحِرٌ فيما يأتي بهِ مِنَ المُعجِزات، كاذِبٌ فيما يُسنِدُهُ إلى رَبِّهِ مِنْ كَلام.
﴿أَجَعَلَ الۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ﴾ [ص :5]
وقالوا في جَهل: أجعَلَ العِبادَةَ لإلهٍ واحِدٍ دونَ الآلهَةِ الأُخَر؟ إنَّ هذا أمرٌ يَدعو إلى العجَب، إنَّهُ مُخالِفٌ لِمَا ألِفْناه.
﴿وَانطَلَقَ الۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ امۡشُواْ وَاصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ﴾ [ص :6]
وانطلقَ قادَةُ قُرَيشٍ وكُبَراؤها مِنْ مَجلسِ أبي طالبٍ وهمْ يَقولون: اخرُجوا وابقُوا ثابتينَ على عِبادَةِ آلهَتِكم، ولا تَسمَعوا لِما يَدعوكمْ إليهِ محمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم)، ولا تَقولوا: لا إله إلاّ الله، وإنَّ هذا الذي يَدعو إليهِ يُريدُ مِنْ وَرائهِ أمْرًا.
﴿مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي الۡمِلَّةِ الۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا اخۡتِلَٰقٌ﴾ [ص :7]
قالوا: لم نَسمَعْ بهذا الذي يَدعو إليهِ مِنَ التَّوحيدِ ونَبذِ الشِّركِ في آخِرِ الأديان - وهوَ النَّصرانيَّة، فإنَّهمْ كانوا على الشِّركِ - فما هذا الذي يَذكرهُ محمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) سِوَى تَخرُّصٍ وافتِراء.
﴿أَءُنزِلَ عَلَيۡهِ الذِّكۡرُ مِنۢ بَيۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّن ذِكۡرِيۚ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ [ص :8]
أوَقدْ أُوحيَ إليهِ القُرآنُ مِنْ بَينِنا ونحنُ الرُّؤَساءُ والأشرَاف؟ بلْ همْ في ارتيابٍ مِنَ القُرآنِ الذي يَدعو إلى التَّوحيد، بلْ لأنَّهمْ لم يَذوقوا عَذابَ الله، ولو أنَّهُ تَعالَى أنزلَ بهمْ نِقمتَهُ لآمَنوا.
﴿أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ الۡعَزِيزِ الۡوَهَّابِ﴾ [ص :9]
أهمُ الذينَ يَملِكونَ نِعمةَ اللهِ ويَتصَرَّفونَ فيها ويَختارونَ الأنبياءَ المُوحَى إليهمْ مِنْ غَيرِهم، وهوَ اللهُ القاهِرُ على خَلقِه، الذي يَهَبُ مَنْ يَشاءُ ما يَشاءُ مِنْ عندِه؟
﴿أَمۡ لَهُم مُّلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ فَلۡيَرۡتَقُواْ فِي الۡأَسۡبَٰبِ﴾ [ص :10]
أمْ أنَّ للمُشرِكينَ مُلكَ السَّماواتِ السَّبْعِ والأرَضينَ السَّبْعِ وما فيهما وما بينَهما ليتَصرَّفوا فيها كما يَشاؤون؟ إذًا فليَصعَدوا في طرُقِها ومَعارجِها، ولْيأتوا منها بالوَحي إلى مَنْ يَختارُون.
﴿جُندٞ مَّا هُنَالِكَ مَهۡزُومٞ مِّنَ الۡأَحۡزَابِ﴾ [ص :11]
إنَّهمْ جُنودُ الكُفر، الذينَ سيُهزَمونَ ويُغلَبون، كما غُلِبَ الذينَ تحزَّبوا على رسُلِ اللهِ مِنْ قَبل، فلا تَهتمَّ بما يَقولون.
﴿كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَعَادٞ وَفِرۡعَوۡنُ ذُو الۡأَوۡتَادِ﴾ [ص :12]
لقدْ كذَّبَتْ قَبلَ هؤلاءِ المشرِكينَ أُمَمٌ سابِقَة، كقَومِ نُوح، وقَبيلَةِ عَاد، وفِرعَونَ الذي ثبَّتَ مُلكَهُ بأعمِدَةٍ قَويَّة، وحَماهُ بجُنودٍ كثُر.
﴿وَثَمُودُ وَقَوۡمُ لُوطٖ وَأَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ الۡأَحۡزَابُ﴾ [ص :13]
وكقَبيلةِ ثَمود، وقَومِ لُوط، وأصْحابِ الأيْكَة، وهمْ أهلُ مَدْيَن، وكانَ هؤلاءِ مِنَ الكافِرينَ الذينَ تَحزَّبوا على الأنبِياء.
﴿إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ﴾ [ص :14]
كُلُّ هؤلاءِ كذَّبوا رسُلَهم، وأصَرُّوا على الكُفر، فوَجبَ عَليهمْ حُكمُ اللهِ بإهلاكِهم، ولم يَنفَعْهمْ تَحزُّبُهمْ وقُوَّتُهمْ شَيئًا.
﴿وَمَا يَنظُرُ هَـٰٓؤُلَآءِ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٖ﴾ [ص :15]
وما يَنتَظِرُ كُفَّارُ مكَّةَ إلاّ صَيحَةً قويَّةً مُفزِعَةً واحِدَةً تأتي عندَ قيامِ السَّاعَة، لا تَسكنُ ولا تُرَدّ، بلْ تأتي في وقتِها ولا تَرجِع.
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ يَوۡمِ الۡحِسَابِ﴾ [ص :16]
وقالوا في تَهكُّمٍ وسُخريَة: ربَّنا عَجِّلْ لنا حظَّنا مِنَ العَذابِ الذي تَوعَّدتَنا به!
﴿اصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذۡكُرۡ عَبۡدَنَا دَاوُۥدَ ذَا الۡأَيۡدِۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ﴾ [ص :17]
اصبِرْ على ما يَقولونَ مِنَ الأذَى والتَّكذيبِ أيُّها الرَّسُول. واذكُرْ أمرَ عَبدِنا داود، ذي القوَّةِ في العِبادَةِ والجِهاد، إنَّهُ كانَ كثيرَ التَّوبَةِ والرُّجوعِ إلى الله.
﴿إِنَّا سَخَّرۡنَا الۡجِبَالَ مَعَهُۥ يُسَبِّحۡنَ بِالۡعَشِيِّ وَالۡإِشۡرَاقِ﴾ [ص :18]
إنَّا سخَّرنا معَهُ الجِبالَ الشَّامِخات(127) ، فإذا سبَّحَ سبَّحَتْ ورجَّعَتْ معَه(128) ، في آخِرِ النَّهارِ وعندَ شُروقِ الشَّمس.
(127) {سَخَّرْنَا الْجِبَالَ} أي: ذلَّلناها. (روح البيان).
(128) {يُسَبِّحْنَ}: تسبيحُهنَّ تقديسٌ بلسانٍ قالٍ لائقٍ بهنّ، نظيرَ تسبيحِ الحصَى المسموعِ في كفِّ النبي ِّصلى الله عليه وسلم، وقيل: تقديسٌ بلسانِ الحال... (روح المعاني).
﴿وَالطَّيۡرَ مَحۡشُورَةٗۖ كُلّٞ لَّهُۥٓ أَوَّابٞ﴾ [ص :19]
وكذلكَ الطَّير، سخَّرَها اللهُ لتَجتَمِعَ إليهِ وتُسبِّحَ معَه، وكُلٌّ مُطيعٌ يًسَبِّحُ معَه.
﴿وَشَدَدۡنَا مُلۡكَهُۥ وَءَاتَيۡنَٰهُ الۡحِكۡمَةَ وَفَصۡلَ الۡخِطَابِ﴾ [ص :20]
وقوَّيْنا مُلكَهُ بالهَيبَةِ والحرَسِ وكَثرَةِ الجنود، وكُلِّ ما يُثَبِّتُ حُكمَهُ وسُلطتَهُ، وآتَيناهُ النبوَّةَ والفَهمَ والفِطنَة، والتبصُّرَ في الحُكمِ والقَضاءِ بينَ المُتنازِعين.