تفسير سورة فصلت

  1. سور القرآن الكريم
  2. فصلت
41

﴿حمٓ﴾ [فصلت:1]


حروف مُقَطَّعَةٌ ...اختلفَ المفسِّرونَ في دَلالَتِها.

﴿تَنزِيلٞ مِّنَ الرَّحۡمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت:2]


هذا القُرآنُ تَنزيلٌ مِنَ اللهِ المُتَّصِفِ بالرَّحمَةِ العَظيمَةِ الدَّائمَة.

﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ﴾ [فصلت:3]


كتابٌ بُيِّنَتْ أحكامُه، وفُصِّلَ حَلالُهُ وحرَامُه، وأمرُهُ ونَهيُه، ووَعدُهُ ووَعيدُه، قُرآناً بلِسانٍ عَربيٍّ مُبِين، يَعرِفُ مَعانيَهُ الرَّاسِخونَ في العِلم، المُتَمَكِّنونَ منه.

﴿بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ﴾ [فصلت:4]


فيهِ تَبشيرٌ بالمَثوبَةِ الحُسنَى لمَنْ آمنَ وعَمِلَ بما فيه، وإنذارٌ بالنَّارِ لمنْ كفرَ بهِ وصدَّ عنه، فأعرَضَ أكثَرُهمْ عنْ تَدبُّرِهِ وقَبولِه، معَ بيانِهِ ووضوحِه؛ تَكبُّرًا وعِنادًا، فهمْ لا يُصغُونَ إليه، ولا يَقبَلونَه.

﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَاعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ﴾ [فصلت:5]


وقالَ لكَ المشرِكون: إنَّ على قُلوبِنا أغطيَةً كثيفَةً ممَّا تَدعونا إليهِ مِنَ الإيمانِ والتَّوحيد، وفي آذانِنا صَمَمٌ وثِقْلٌ، فلا نَسمَعُ ما تَقولُ ولا نَفهَمُه، ومِنْ بَينِنا وبينِكَ حاجِزٌ غَليظٌ في الدِّين، فلا يُمكِنُ أنْ نَلتَقي، فاعمَلْ أنتَ على طَريقَتِكَ ودِينِك، ونحنُ نَعمَلُ على طَريقَتِنا ولا نتَّبِعُك.

﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَاسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَاسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ﴾ [فصلت:6]


قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: لماذا تَضَعونَ هذا الحاجِزَ بينَكمْ وبينَ الحقّ؟ وما أنا إلاّ بشَرٌ مِثلُكم، إلاّ أنِّي تميَّزتُ عنكمْ بوَحي اللهِ إليّ، فمنْ زعَمَ أنِّي لستُ كذلك، فَليَأتِ بمثلِ ما أُوحيَ إليّ. أدعُوكمْ إلى عِبادَةِ الإلهِ الواحِدِ الذي لا شَريكَ له، فامتَثِلوا أمرَه، وأخلِصوا في العِبادَةِ لهُ وَحدَه، ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا، واستَغفِروهُ مِنْ ذُنوبِكمْ وأعمالِكمُ السيِّئة، والخَسارَةُ والهَلاكُ لمَنْ يَبقَى على الشِّركِ والعِصيان.

﴿الَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ الزَّكَوٰةَ وَهُم بِالۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ﴾ [فصلت:7]


الذينَ لا يُؤتُونَ الزَّكاة؛ لبُخلِهم، وعدَمِ شَفقَتِهمْ على الفُقَراءِ والمُحتاجِين، وهمْ يَجحَدونَ البَعثَ والحِساب، والجنَّةَ والنَّار، ولذلكَ فهمْ يَتصَرَّفونَ دونَ خَوفٍ مِنْ رَقابَةٍ عَليهم، ومُحاسبَةٍ على أعمالِهم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ﴾ [فصلت:8]


إنَّ الذينَ آمَنوا وأخلَصُوا في طاعَتِهم، وعَمِلوا الأعمَالَ الحسَنَةَ المُوافِقَةَ للشَّريعَة، لهمْ ثَوابٌ كبيرٌ في الآخِرَة، لا يَنقَطِعُ عنهمْ أبَدًا.

﴿۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [فصلت:9]


قُلْ للمشرِكينَ أيُّها النبيُّ الكريم: أتَكفُرونَ باللهِ الخالِقِ العَظيم، الذي خلقَ الأرضَ في يَومَين، وتَجعَلونَ لهُ نُظَراءَ مِنَ الحِجارَةِ وتَعبدُونَها معَه؟ ذلكَ هوَ رَبُّ العالَمينَ كُلِّهم، خالقُهمْ ومالِكهمْ والمتصَرِّفُ في شُؤونِهم.

﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ﴾ [فصلت:10]


وجعَلَ في الأرْضِ جِبالاً ثابِتَةً ظاهِرَةً مِنْ فَوقِها، لئلاَّ تَميلَ وتَضطَرِبَ بكم، وبارَكَ فيها، فأودعَ فيها الخَيرَ الكثيرَ ممَّا هوَ نافِعٌ ومُذَلَّلٌ لكم، مِنَ البِحارِ والأشجارِ وأنواعِ المَعادِنِ والنَّباتِ والحيَوان، وحدَّدَ كمِّيَّتَها ومِقدارَ الحاجَةِ إليها، وقسَمَ نَصيبَها للنَّاسِ والبَهائم، في أربعَةِ أيَّام. وهذا جَوابٌ مُهَيَّأٌ لمَنْ سَألَ عنْ خَلقِ الأرْضِ والأقوَاتِ فيها.

﴿ثُمَّ اسۡتَوَىٰٓ إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ائۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت:11]


ثمَّ استَوَى اللهُ سُبحانَهُ إلى السَّماءِ (ذهبَ كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ إلى أنَّ مَعناها قَصَدَ إلى السَّماءِ) وهيَ دُخَانٌ، فقالَ لها وللأرْض: افعَلا ما آمرُكما، واستَجيبا لِما أقولُ لكما طَواعيَةً، وإلاّ أتَيتُما كَرْهًا، قالَتا: أَتَيناكَ يا رَبَّنا مُطيعَينِ مُنقادَين.

﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ الۡعَزِيزِ الۡعَلِيمِ﴾ [فصلت:12]


فأتَمَّ خَلقَ السَّماءِ سَبعَ طَبَقاتٍ وأحكمَها في يَومَين، وخلقَ في كُلٍّ منها ما هوَ مُهَيَّأٌ ومُقدَّرٌ لها. وزَيَّنَّا السَّماءَ القَريبَةَ مِنَ الأرْضِ بالكوَاكبِ المُنيرَة، المُشرِقَةِ بأضوَائها وتَلألُئها وحُسنِ مَنظَرِها، وحِفظًا للسَّماءِ مِنَ الشَّياطين، لئلاَّ تَصعدَ إليها وتَستَمِعَ إلى المَلائكة، فيُرمَونَ بالشُّهُبِ مِنْ أنحاءِ السَّماء. وهذا كُلُّهُ مِنْ صُنعِ اللهِ وتَقديرِهِ، العَزيزِ في مُلكِهِ فلا يُقهَر، العَليمِ بأقوالِ عِبادِهِ وأفعالِهمْ جَميعِها.

﴿فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ﴾ [فصلت:13]


فإنْ أعرَضَ المشرِكونَ عمَّا جئتَهمْ بهِ مِنَ الحقِّ، فقُلْ لهم: إنِّي أُنذِرُكمْ صاعِقَةً قويَّةً مُهلِكةً تَحِلُّ بكمْ إذا أصرَرْتُمْ على الكُفرِ والتَّكذِيب، كما حَلَّتْ بعَادٍ قومِ هود، وثَمودَ قومِ صالح.

﴿إِذۡ جَآءَتۡهُمُ الرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا اللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ﴾ [فصلت:14]


إذْ أرسلَ اللهُ رسُلاً إلى آبائهمْ مِنْ قَبلِهم، ثمَّ أرسَلَ هُودًا إلى عاد، وصَالِحًا إلى ثَمود، وبَذَلوا الجُهدَ في تَبليغِهمْ ونُصحِهم، وتَذكيرِهمْ وتَخويفِهم، ألاّ تَعبُدوا إلاّ الله، ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا.

وقالوا في جِدالٍ باطِل: لو شَاءَ اللهُ أنْ يَرسِلَ رسُلاً لجعَلَهمْ مِنَ الملائكةِ وأرسَلَهمْ إلينا.

وقالوا أخيرًا: فإنَّا نَكفرُ بما أُرسِلتُمْ به، ولا نتَّبِعكمْ فيما جِئتُمْ به!

﴿فَأَمَّا عَادٞ فَاسۡتَكۡبَرُواْ فِي الۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ الۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ﴾ [فصلت:15]


فأمَّا قَبيلَةُ عادٍ فقدْ طغَوا وتجبَّروا في الأرْضِ بغَيرِ حَقّ، وقالوا في غُرور: ليسَ هُناكَ مَنْ هوَ أقوَى منَّا! أوَلمْ يَتفَكَّروا فيمَنْ هوَ أقوَى منهمْ حقًّا، وهوَ خالِقُهمُ الذي جعَلَهمْ بهذهِ الخِلْقَةِ الضَّخمَة، وأمدَّهمْ بالقوَّة؟ وكانوا يَكفُرونَ بالمُعجِزاتِ التي آتَينَاها رسُلَنا.

﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ الۡخِزۡيِ فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ الۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ﴾ [فصلت:16]


فانتقَمنا منهم، وأرسَلنا عَليهمْ عاصِفَةً قَويَّةً شَديدَةَ الهُبوب، في أيَّامٍ مُتَتابِعات، نَكِدَاتٍ مَشؤومَات، حتَّى أبَدناهُمْ عنْ آخِرِهم، لنُذيقَهمْ في الدُّنيا عَذابَ الذُّلِّ والصَّغار، ولهمْ في الآخِرَةِ عَذابٌ أشَدُّ إهانَةً وإيلامًا، ولنْ يَكونَ هُناكَ مَنْ يَنتَصِرُ لهمْ ويَدفَعُ عنهمُ العَذابَ الذي همْ فيه.

﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَاسۡتَحَبُّواْ الۡعَمَىٰ عَلَى الۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ الۡعَذَابِ الۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [فصلت:17]


وأمَّا قَبيلَةُ ثَمودَ، فقدْ بيَّنَّا لهمْ سَبيلَ الهُدَى ودعَوناهمْ إليه، فاختَاروا الضَّلالَ عَليه، وكذَّبوا رَسُولَهمْ صالِحًا، فعُوقِبوا بصاعِقَةٍ قَويَّةٍ مُهلِكةٍ جعَلَتْهمْ أذِلَّةً مُهانين، جَزاءَ تَكذيبِهمْ وإصرارِهمْ على الكُفر.

﴿وَنَجَّيۡنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾ [فصلت:18]


وأنقَذنا مِنْ بينِهمُ المؤمِنينَ الصَّادِقين، الذينَ كانوا يُطيعونَ اللهَ ويَخافونَ عِقابَه.

﴿وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ﴾ [فصلت:19]


واذكُرْ لهمْ ذلكَ اليَومَ الشَّديد، الذي يُساقُ فيهِ أعداءُ اللهِ الكافِرونَ ويُدفَعونَ إلى نارِ جهنَّمَ الموقَدَة، وقدْ حُبِسَ أوَّلُهمْ على آخِرِهمْ حتَّى يَتلاحَقوا ويَجتَمِعوا؛ ليُقذَفوا في النَّار.

﴿حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [فصلت:20]


حتَّى إذا حضَروا ووقَفوا على النَّار، شَهِدَتْ على أعمالِهمُ التي ارتَكبوها جَوارِحُهمْ وأجسادُهم: سَمعُهمْ وأبصارُهمْ وبشَرَتُهم، لا تَكتُمُ شَيئًا.