تفسير سورة الشورى

  1. سور القرآن الكريم
  2. الشورى
42

﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ﴾ [الشورى:41]


وللَّذي أخذَ بحَقِّهِ بَعدَما ظُلم، فلا بأسَ عليه، ولا يُعاقَب، فقدْ قامَ بعمَلٍ مَشروع.

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظۡلِمُونَ النَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي الۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ الۡحَقِّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [الشورى:42]


إنَّما المؤاخَذَةُ على مَنْ ظَلَموا، فبَدَؤوا بالاعتِداء، أو تَجاوَزوا في أخذِ حَقِّهم، ويُريدونَ البَغيَ والإفسَادَ في الأرضِ بغَيرِ وَجهِ حَقّ، فهؤلاءِ يَجِبُ أنْ يُمنَعوا مِنَ الظُّلم، ولهمْ عُقوبَةٌ شَديدَة.

﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ الۡأُمُورِ﴾ [الشورى:43]


ومَنْ صبَرَ على الأذَى، وعفَا عمَّنْ ظلَمَه، وتركَ الانتِصارَ لنَفسِهِ ابتِغاءَ وَجهِ اللهِ تَعالَى، فإنَّ ذلكَ الصَّبرَ والعَفوَ مِنَ الأخْلاقِ الكريمَة، والأفعالِ الحَميدَة، التي عَليها ثَوابٌ جَزيل.

﴿وَمَن يُضۡلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِيّٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى الظَّـٰلِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ الۡعَذَابَ يَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدّٖ مِّن سَبِيلٖ﴾ [الشورى:44]


ومَنْ عَلِمَ اللهُ أنَّهُ مُستَحِقٌّ للضَّلالِ جعلَهُ مِنْ أهلِ الضَّلال، ولنْ تَجِدَ أحَدًا يَلي هِدايَتَهُ بعدَ ذلك. وترَى الكافِرينَ حينَ يَرَونَ العَذابَ يَومَ القِيامَةِ يَقولون: هلْ مِنْ رَجعَةٍ إلى الدُّنيا حتَّى نُؤمِنَ ونَعمَلَ صالِحًا؟ {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الأنعام: 27].

﴿وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ الۡخَٰسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ الظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ﴾ [الشورى:45]


وتَراهُمْ يُعرَضونَ على النَّارِ(136) مُتضَائلينَ مُتَصاغِرين، مِنَ الذُّلِّ والهَوان، يُسارِقونَ النَّظرَ إلى النَّارِ خُفيَة، خَشيَةَ تصَوُّرِ أنفُسِهمْ وهمْ يُرمَونَ فيها ويُعَذَّبون، وقالَ المؤمِنونَ يَومَئذ: إنَّ الخاسِرينَ الخَسارَةَ الكُبرَى يَومَ القِيامَة، همُ الذينَ خَسِروا أنفُسَهمْ وأهالِيهم، وصَاروا جَميعًا في النَّار، ألَا إنَّ الكافِرينَ في عَذابٍ دَائمٍ لا يَنقَطِع.

(136) معنى عرضِهم على النار: إحراقُ أرواحِهم وتعذيبُهم بها، من قولهم: عُرِضَ الأسارى على السيفِ إذا قُتلوا به، قالَ في القاموس: عَرضَ القومَ على السيفِ قتلَهم، وعلى السوطِ ضربَهم. (روح البيان، عند تفسيرِ الآيةِ 46 من سورةِ غافر).

﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِۗ وَمَن يُضۡلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِيلٍ﴾ [الشورى:46]


وما كانَ لهمْ مِنْ أوْلياءَ يَتوَلَّونَ أمرَهم، فيَنتَصِرونَ لهم، ويُنقِذونَهمْ ممَّا همْ فيهِ مِنْ عَذاب، ومَنْ يُضلِلْهُ اللهُ لاستِحقاقِهِ ذلك، فليسَ لهُ طَريقٌ إلى الحقِّ والصَّوابِ في الدُّنيا، والفَوزِ والنَّجاةِ في الآخِرَة.

﴿اسۡتَجِيبُواْ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ اللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإٖ يَوۡمَئِذٖ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٖ﴾ [الشورى:47]


أيُّها النَّاس، استَجيبُوا لرَبِّكمْ لِما يَدعوكمْ إليهِ مِنَ التَّوحيدِ والطَّاعَة، قَبلَ أنْ يأتيَ يَومُ القِيامَة، الذي لا يَقدِرُ أحَدٌ على أنْ يَمنعَ وقوعَه، ليسَ لكمْ يَومَئذٍ مَلاذٌ تَلتَجِؤونَ إليهِ مِنْ عَذابِه، ولا مَجالَ لإنكارِ ما اقترَفتُموهُ مِنْ جَرائمَ وآثَام، ولو أنكَرتُمْ لشَهِدَتْ عَليكمْ جَوارِحُكم.

﴿فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا الۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا الۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ الۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ﴾ [الشورى:48]


فإنْ كذَّبَكَ المشرِكون، وأعرَضوا عمَّا تَدعوهُمْ إليه، فلستَ موَكَّلاً بهدايَتِهم، ما عليكَ سِوَى تَبليغِ رسالَةِ رَبِّك، وإنَّا إذا أنعَمنا على الإنسَانِ بالأمنِ والصِّحَّةِ والغِنَى، سُرَّ بذلكَ واستَبشَر، وإذا ابتُليَ الناسُ بالخَوفِ والمرَضِ والفَقر، بسبَبِ ظُلمِهمْ وإفسادِهم، نَسُوا النِّعمَةَ التي أُوْلُوها مِنْ قَبل، وزعَموا أنَّهمْ لا يَستَحِقُّونَ الابتِلاءَ الذي ابتُلُوا به!

﴿لِّلَّهِ مُلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى:49]


للهِ وَحدَهُ مُلكُ السَّماواتِ العَظيمَة، والأرْضِ وما فيها، وهوَ وحدَهُ المُتصَرِّفُ فيها، ومُدَبِّرُ شَأنِها، يَخلُقُ فيها ما يَشاء، ويَرزُقُ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ البناتِ دونَ البَنين، ويَرزُقُ مَنْ يَشاءُ منهمُ البَنينَ دونَ البَنات،

﴿أَوۡ يُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانٗا وَإِنَٰثٗاۖ وَيَجۡعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِيمٞ قَدِيرٞ﴾ [الشورى:50]


أو يَجمَعُ لهمْ بينَ الذُّكورِ والإنَاث، ويَجعَلُ مَنْ يَشاءُ منهمْ عَقيمًا لا يُولَدُ له، وهوَ عَليمٌ بأحوالِ عِبادِهِ وبمَنْ يَستَحِقُّ منهمْ هذا دُونَ ذاك، قادِرٌ على ما يَشاءُ مِنْ ذلك، ولهُ الحِكمَةُ العُليا في الخَلقِ والتَّدبير.

﴿۞وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحۡيًا أَوۡ مِن وَرَآيِٕ حِجَابٍ أَوۡ يُرۡسِلَ رَسُولٗا فَيُوحِيَ بِإِذۡنِهِۦ مَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ عَلِيٌّ حَكِيمٞ﴾ [الشورى:51]


وما كانَ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ أنْ يُكلِّمَهُ اللهُ إلاّ وَحيًا، وهوَ الإلقاءُ في القَلب، في اليقَظَةِ أو في المَنام، أو مِنْ وَراءِ حِجاب، فيُسمَعُ صَوتُهُ ولا يُرَى هو، كما في تَكلُّمِهِ تَعالَى معَ موسَى عَليهِ السَّلام، أو يُرسِلَ مَلَكًا إليه، فيُوحي إلى النبيِّ بأمرِ اللهِ ما يَشاءُ أنْ يُوحيَه، وهوَ حالُ كثيرٍ مِنَ الأنبِياءِ عَليهمُ الصَّلاةُ والسَّلام. وهوَ المُتعالي على صِفاتِ المَخلوقين، الحَكيمُ فيما يُوحي ويَشرَع.

﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحٗا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا الۡكِتَٰبُ وَلَا الۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الشورى:52]


وكما أوحَينا إلى الرسُل، أوحَينا إليكَ هذا القُرآنَ العَظيم، الذي هوَ حَياةٌ للقُلوب، ما كنتَ تَعرِفُ مِنْ قَبلُ ما هوَ القُرآن، ولا الإيمانُ بمَعالِمِهِ التي بيَّنَها اللهُ لكَ بالوَحي، ولكنْ جَعَلنا القُرآنَ نورًا وحقًّا نَهدي بهِ مَنْ نَشاءُ هِدايَتَهُ مِنْ عِبادِنا، وإنَّكَ أيُّها النبيُّ تَهدي بذلكَ النُّورِ إلى طَريقِ اللهِ المُستَقيم،

﴿صِرَٰطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُۥ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الۡأُمُورُ﴾ [الشورى:53]


وهوَ دِينُ الإسلامِ الذي أمرَ اللهُ به، الذي لهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وما بينَهما، خَلقًا ومُلكًا وتصَرُّفًا، وإلى اللهِ تُرْجَعُ الأمورُ كلُّها يَومَ القيامَة، وهوَ وحدَهُ الذي يَفصِلُ فيها.