الحُروفٌ المُقَطَّعَةُ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حَديثٌ صَحيح، واللهُ أعلمُ بمُرادِها.
﴿تَنزِيلُ الۡكِتَٰبِ مِنَ اللَّهِ الۡعَزِيزِ الۡحَكِيمِ﴾ [الأحقاف :2]
تَنزيلُ القُرآنِ على الرسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم هوَ بلا رَيبٍ مِنَ اللهِ العَزيزِ القَويِّ الذي لا يُرَدُّ أمرُه، الحَكيمِ في أقوالِهِ وأفعالِه.
﴿مَا خَلَقۡنَا السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِالۡحَقِّ وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ﴾ [الأحقاف :3]
ما خَلَقنا السَّماواتِ العَظيمةَ، والأرْضَ الواسِعَةَ، وما بينَهما، إلاّ بالحقِّ والعَدل، ولحِكمَةٍ وغاية، وإلى مُدَّةٍ مُعيَّنة، والذينَ كفَروا وكذَّبوا برِسالاتِنا مُعرِضونَ عنْ هذهِ الحِكمَة، التي تَدلُّ على وجودِ اللهِ وقُدرَتِه، وهمْ غَيرُ مُبالينَ بما أُعلِموا بهِ وخُوِّفوا منه، مِنَ البَعثِ والأهوَال، والحسَابِ والعِقاب.
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي السَّمَٰوَٰتِۖ ائۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الأحقاف :4]
قُلْ للمُشرِكينَ أيُّها الرسُول: أرَأيتُمْ هذهِ الأصْنامَ التي تَعبُدونَها، ومعَها جَميعُ المَعبوداتِ الباطِلَة، أخبِروني أيَّ شَيءٍ خَلَقوا في الأرْضِ حتَّى تَجعَلوهمْ في مَوقعِ الألوهيَّةِ وتَعبُدوهم؟ أمْ أنَّ لهمْ شَراكةً معَ اللهِ في خَلقِ السَّماوات؟ هاتُوا كتابًا مُنزَلاً مِنْ عندِ اللهِ قَبلَ القُرآنِ النَّاطقِ بالتَّوحيد، أو بَقيَّةً مِنْ عِلمٍ يُساندُكمْ على مَسلَكِكم، ويأمرُكمْ بعِبادَةِ هذهِ الأصْنام، إنْ كنتُمْ صادِقينَ في دَعواكم.
﴿وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّن يَدۡعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسۡتَجِيبُ لَهُۥٓ إِلَىٰ يَوۡمِ الۡقِيَٰمَةِ وَهُمۡ عَن دُعَآئِهِمۡ غَٰفِلُونَ﴾ [الأحقاف :5]
وليسَ هُناكَ أضَلُّ ممَّنْ يَدعو أحجارًا وأخشابًا مِنْ دونِ الله، لا يَسمَعونَ مَعبوديهم، ولا يَقدِرونَ على تَلبيَةِ طلَبٍ ولا قَضاءِ حاجَةٍ لهم، حتَّى يَومِ القِيامَة، وهمْ غافِلونَ عنْ دُعائهم، لا يَدرونَ ماذا يَقولون، فهمْ جَماداتٌ لا حَياةَ فيها، لا يَتكلَّمونَ ولا يَسمَعون.
﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمۡ أَعۡدَآءٗ وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمۡ كَٰفِرِينَ﴾ [الأحقاف :6]
وإذا حُشِرَ النَّاسُ يَومَ القيامَةِ وحُوسِبوا، كانتِ الآلهَةُ المَزعومَةُ أعداءً لمنْ عَبدوهم، فَضلاً عنْ أنْ يَنصُروهمْ أو يَنفَعوهمْ بشَيء، وسيُكذِّبونَ بعِبادَةِ الكافِرينَ لهم، فهمْ لم يَطلبوا منهمْ ذلك، فكانتْ عِبادَتُهمْ لهمْ هوًى ورَغبَةً مِنْ أنفُسِهمْ هم.
﴿وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ هَٰذَا سِحۡرٞ مُّبِينٌ﴾ [الأحقاف :7]
وإذا تُتلَى على المشرِكينَ آياتٌ مِنْ كتابِنا، واضِحاتُ الدَّلالَةِ على الحقِّ والتَّوحيد، قالوا للقُرآنِ لمَّا جاءَهمْ مِنْ عندِ الله، عِنادً واستِكبارًا، ومِنْ غَيرِ تأمُّلٍ وتَدبُّر: هذا سِحرٌ بَيِّن!
﴿أَمۡ يَقُولُونَ افۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ افۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ الۡغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الأحقاف :8]
بلْ يَقولون: إنَّ الرسُولَ اختَلقَهُ مِنْ عندِهِ ونَسبَهُ إلى الله! قُلْ لهم: على فرَضِ أنَّني كذَبتُ على اللهِ وادَّعَيتُ الرِّسالَة، فلا تَقدِرونَ على أنْ تَمنَعوني أو تُنقِذوني مِنْ عُقوبَةِ اللهِ إذا عذَّبَني على افتِرائي عَليه، فكيفَ أكذِبُ عليهِ سُبحانَه؟! واللهُ أعلَمُ بما تَتكلَّمونَ فيهِ مِنَ التَّكذيبِ بوَحي اللهِ والطَّعنِ في آياتِه، وكفَى باللهِ بيني وبينَكمْ أنَّهُ يَشهَدُ لي بالصِّدقِ والبَلاغ، ويَشهَدُ عَليكمْ بالكذِبِ والجُحود، وهوَ الغَفورُ لمنْ تابَ وأناب، الرَّحيمُ بمَنْ آمَنَ واستَجاب.
﴿قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعٗا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ [الأحقاف :9]
قُلْ لهم: لستُ أوَّلَ رَسولٍ يُبعَث، فالرسُلُ قَبلي كثُر، ولمْ أُخالِفْهمْ بما جَاؤوا بهِ مِنَ التَّوحيد، ولا أدري ما يُفعَلُ بي ولا بكمْ في الدُّنيا، فهلْ أُخرَجُ مِنْ مَوطني أمْ أُقتَل؟ وأنتم، هلْ تُؤمِنونَ أمْ تَبقُونَ على كُفرِكمْ فيُهلِكُكمُ الله؟ ولا أتَّبِعُ إلاّ ما يُنزِلُ اللهُ عليَّ مِنْ وَحي، وما أنا إلاّ مُنذِرٌ بيِّنُ الإنذارِ لكمْ مِنْ عِقابِ الله.
﴿قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهۡدِي الۡقَوۡمَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأحقاف :10]
قُلْ للمشرِكينَ أيُّها الرسُول: أرأيتُمْ إنْ كانَ هذا الذي يُوحَى إليَّ مِنَ القُرآنِ مِنْ عندِ الله، وليسَ كذِبًا ولا سِحرًا كما تَزعُمون، فكذَّبتُمْ بهِ أنتُم، وشَهِدَ بصِدقِهِ وصِحَّتِهِ شاهِدٌ مِنْ بَني إسرائيلَ مُطَّلِعٌ على أسرارِ الوَحي، عالِمٌ بالكتُبِ السَّماويَّة، فآمنَ هوَ به، واستَكبَرتُمْ أنتُمْ عنِ الإيمَانِ به، فما تَظنُّونَ أنْ يَصنعَ اللهُ بكم؟ واللهُ لا يَهدي مَنْ تَجاوزَ الحقَّ واستَكبَرَ عنْ قَبولِ الإيمَان.
والشَّاهِدُ هوَ الصَّحابيُّ عَبدُ اللهِ بنُ سلاّمٍ رَضيَ اللهُ عنه، الذي كانَ يَهوديًّا فأسلَم، وشَهِدَ لهُ الرسُولُ صلى الله عليه وسلم بالجنَّة.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ﴾ [الأحقاف :11]
وقالَ الكافِرونَ لمَنْ آمنَ مِنْ أصحابِك: لو كانَ القُرآنُ خَيرًا لم يَسبِقْنا إليهِ مَنْ بلَغَنا إسلامُهم - وكانوا يرَونَ فَضلَهمْ على أمثالِ صُهَيبٍ وبِلالٍ وعَمَّارٍ وغَيرِهمْ رَضيَ اللهُ عَنهم -. وبما أنَّهمْ لم يَهتَدوا بالقُرآنِ كما اهتدَى بهِ مَنْ أسلَم، فسيَطعَنونَ فيهِ ويَقولون: هوَ أساطيرُ الأوَّلين!
﴿وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الأحقاف :12]
ومِنْ قَبلِ هذا القُرآنِ الكتابُ الذي أنزَلناهُ على موسَى عليهِ السَّلام، وهوَ التَّوراة، الذي جعَلناهُ إمامًا يُقتدَى به، ورَحمةً مِنَ اللهِ لمَنْ آمنَ به، وهذا القُرآنُ كتابٌ مُصَدِّقٌ لِما قَبلَهُ مِنَ الكتُبِ السَّماويَّةِ السَّابقَة، بلُغَةٍ عَربيَّةٍ بَيِّنة، ليَكونَ نَذيرًا للكافِرينَ مِنَ العُقوبَةِ والنِّيران، وبَشيرًا للمؤمِنينَ بالثَّوابِ والجِنان.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسۡتَقَٰمُواْ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الأحقاف :13]
إنَّ الذينَ آمَنوا، وقالوا رَبُّنا اللهُ وَحدَه، ثمَّ ثَبتوا على إيمانِهمْ وإخلاصِهم، ولم يَخلِطوهُ بشِركٍ ورِياء، فلا يَتوقَّعوا مَكروهًا مِنْ أمرِ الآخِرَة، ولا همْ يَحزَنونَ على ما خلَّفوا مِنْ أمرِ الدُّنيا.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ الۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأحقاف :14]
أولئكَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ والنَّعيمِ الدَّائم، جَزاءَ ما كانوا يَعمَلونَهُ مِنَ الأعمالِ الصَّالحة.
﴿وَوَصَّيۡنَا الۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ إِحۡسَٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهٗا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهٗاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ الَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ الۡمُسۡلِمِينَ﴾ [الأحقاف :15]
وأمَرنا الإنسَانَ بالإحسَانِ إلى والدَيه، يَبَرُّهما ويَعطِفُ عَليهما، ويُنفِقُ عَليهما، حَمَلَتْهُ أمُّهُ في بَطنِها بتعَبٍ ومَشقَّة، ووَضعَتْهُ بمشقَّةٍ وألَم، مِنَ الطَّلْقِ وشِدَّتِه، ومُدَّةُ حَملِهِ وفِطامِهِ عامانِ ونِصفُ العام، فأقَلُّ الحَملِ سِتَّةُ شُهور، والرَّضاعُ التَّامُّ المُنتَهي بالفِطامِ عامان.
حتَّى إذا اشتدَّ ساعِدُه، واستوَى عَقلُه، وبلَغَ أربَعينَ سَنة، فاكتَملَ قُوَّةً وفَهمًا، دَعا اللهَ قائلاً: رَبِّ ألهِمني ووَفِّقْني لأشكُرَ فَضلَكَ ونِعمتَكَ التي مَننتَ بها عَليَّ وعلى والديَّ بالإيمَانِ والإسْلام، وألهِمني ومُنَّ عَليَّ بأنْ أقومَ بالأعمَالِ الصَّالحةِ التي تُحِبُّها وتَرضَى بها، واجعَلِ الإيمَانَ والصَّلاحَ ساريًا في نَسلي، إنِّي تُبتُ إليكَ مِنْ كُلِّ عمَلٍ لا تَرضاه، وإنِّي ممَّنْ أسلَموا نُفوسَهمْ إليك، وأخلَصوا قُلوبَهمْ لك.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـَٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ الۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ الصِّدۡقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف :16]
فهؤلاءِ نتقَبَّلُ عنهمْ طاعاتِهمْ وأعمالَهمُ الصَّالحةَ التي عَمِلوها في الحيَاةِ الدُّنيا، ونَغفِرُ لهمْ سَيِّئاتِهمْ فلا نُعاقبُهمْ عَليها، فهمْ مِنْ أصحابِ الجنَّة، وَعْدَ الصِّدقِ الذي وعَدَهمُ اللهُ به، وهوَ أنْ يَتقَبَّلَ منهمْ طاعتَهم، ويَتجاوزَ عنْ سيِّئاتِهم.
﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ الۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [الأحقاف :17]
والكافِرُ العاقُّ لوالدَيهِ يَقولُ عندَ دَعوَتِهما إيَّاهُ للإيمَانِ مُتَضجِّرًا منهما: أتَعِدانِني أنْ أُبعَثَ مِنَ القَبرِ بعدَ الموت، وقدْ مَضَتْ أجيالٌ مِنْ قَبلي ولم يُبعَثْ أحَدٌ منهمْ لأصَدِّقَ ذلك؟ ووالِداهُ يَلتَجئانِ إلى الله، ويَدعوانِهِ إلى الإيمَانِ باللهِ وباليَومِ الآخِر، ويَقولانِ له: ويَلَكَ آمِنْ فهوَ خَيرٌ لك، إنَّ البَعثَ بعدَ الموتِ حقٌّ وصِدق. فيَقولُ مُنكِرًا له: ما هذا الذي تَقولانِ إلاّ أباطيلُ الأوَّلينَ سطَّروها في كتُبِهم!
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيۡهِمُ الۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ الۡجِنِّ وَالۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ﴾ [الأحقاف :18]
أولئكَ المُكذِّبونَ باليَومِ الآخِرِ وجبَ عَليهمُ العَذاب، معَ أُمَمٍ مُكذِّبَةٍ سلَفَتْ مِنَ الجِنِّ والإنس، إنَّهمْ جَميعًا خابوا وخَسِروا خَسارَةً كبيرَةً بذلك.
﴿وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [الأحقاف :19]
ولكلٍّ مِنَ الفَريقَين، المؤمِنَينِ والكافِرَين، مَنازِلُ ومَراتِبُ بحسَبِ عمَلِهمْ في الدُّنيا، وليُعطيَهمُ اللهُ أُجورَ أعمالِهمْ وافيةً تامَّة، إنْ خَيرًا أو شَرًّا، وهمْ لا يُظلَمونَ شَيئًا، فلا يُنقَصُ مِنْ ثَواب، ولا يُزادُ في عِقاب.
﴿وَيَوۡمَ يُعۡرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذۡهَبۡتُمۡ طَيِّبَٰتِكُمۡ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنۡيَا وَاسۡتَمۡتَعۡتُم بِهَا فَالۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ الۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ فِي الۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ الۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَفۡسُقُونَ﴾ [الأحقاف :20]
ويُقالُ للكافِرينَ وهمْ يُعَذَّبونَ في النَّار: لقدِ استَوفَيتُمْ لذَّاتِكمْ في الحيَاةِ الدُّنيا، وتمَتَّعتُمْ بزينَتِها وشَهواتِها كما رَغِبتُم، وأنكَرتُمُ المَعادَ والحِساب، ولم تُبالُوا بنِداءِ رَبِّكم، وعانَدتُمْ وتَكبَّرتُم، فاليَومَ تُجزَونَ عَذابَ الذُّلِّ والهَوان، بما كنتُمْ تَستَكبِرونَ عنْ قَبولِ الحقّ، بغَيرِ حقّ، وبما كنتُمْ تُفسِدونَ في الأرْض، وتَعصُونَ اللهَ ولا تَكتَرثونَ بفِعلِ الحرام.