﴿وَأَخۡذِهِمُ الرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ النَّاسِ بِالۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا﴾ [النساء :161]
وبسبَبِ تعامُلِهمْ بالرِّبا، وتَحايُلِهمْ في أخذهِ بأنواعِ الحِيَل، وقدْ نُهوا عنْ ذلكَ في التَّوراة.
وبسبَبِ أكلِهمْ أموالَ الناسِ بغَيرِ الحقّ، كالرِّشا في الحُكم، والتَّحريفِ والتَّزويرِ بالهدايا، وما إليها منَ الوجوهِ المحرَّمة. وقدْ هيّأنا للمُصِرِّينَ منهمْ على الكُفرِ - إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ - عَذاباً مُؤلماً مُوجعاً في الآخِرَة، إضافةً إلى معاقَبتِهمْ في الدُّنيا؛ لظُلمِهمْ وعِصيانِهم.
﴿لَّـٰكِنِ الرَّـٰسِخُونَ فِي الۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَالۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَالۡمُقِيمِينَ الصَّلَوٰةَۚ وَالۡمُؤۡتُونَ الزَّكَوٰةَ وَالۡمُؤۡمِنُونَ بِاللَّهِ وَالۡيَوۡمِ الۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ [النساء :162]
وليسَ اليَهودُ كلُّهمْ كذلك، فإنَّ الثابِتينَ منهمْ في العِلمِ النافعِ ممَّنْ أسلمَ منْ عُلمائهم، وأولي البصائرِ ممَّن آمنَ منهم، مثلَ عبدِالله بنِ سلاّم وأصحابِه، يؤمنونَ بالقُرآن، وبالكتبِ المُنْـزَلةِ مِنْ قَبل، وهمْ يُقيمونَ الصَّلاةَ على وجهِها، ويُعطُونَ الزكاةَ المفروضَةَ عَليهم، ويؤمِنونَ باللهِ الواحدِ الأحَد، وبالبَعثِ بعدَ الموت، والجزاءِ على الأعمال، فأولئكَ سنؤتيهمْ ثَواباً جَزيلاً وأجراً عَظيماً على ما آمَنوا وصَدَّقوا.
﴿۞إِنَّآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ كَمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ نُوحٖ وَالنَّبِيِّـۧنَ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ وَالۡأَسۡبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَٰرُونَ وَسُلَيۡمَٰنَۚ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا﴾ [النساء :163]
وقدْ طَلَبَ منكَ أهلُ الكتابِ أنْ تُنَـزِّلَ عليهمْ كتاباً منَ السَّماء، وشأنُكَ في الوحي شأنُ سائرِ الأنبياءِ الموحَى إليهم، فقدْ أوحَينا إليكَ كما أوحَينا إلى نوحٍ، وإلى مَنْ تَلَوهُ منَ الأنبياء، إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباطِ - وهمْ أولادُ يعقوبَ -، وعيسى، ويونُس، وهارون، وسُلَيمان، وآتَينا داودَ الزَّبُور(30) .
(30) هو أحدُ أسفارِ الكتابِ المقدَّسِ عند اليهود. أُنزلَ على داودَ عليه السلام، وفيه مواعظُ وأمثال، كان بنو إسرائيلَ يترنَّمون بفصوله. (ينظر التحرير والتنوير).
﴿وَرُسُلٗا قَدۡ قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا﴾ [النساء :164]
ورُسُلاً آخَرينَ قَصَصنا عليكَ خبرَهمْ في القُرآنِ قبلَ هذهِ السُّورة، وآخَرينَ لم نَقصُصْهمْ عليكَ مِنْ قَبل، وكلَّمَ اللهُ موسَى تَكليماً، بلا واسِطة.
﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ الرُّسُلِۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا﴾ [النساء :165]
لقدْ أرسَلنا رُسُلاً يُبَشِّرونَ الناسَ بالثَّوابِ العَظيمِ لمنْ أطاعوا أنبياءَهم، ويُنذِرونَ مَنْ كذَّبوهمْ وخالَفوهمْ بالعِقابِ والعَذاب، حتَّى لا يَكونَ لهمْ عُذرٌ يومَ الحِساب، ولئلاّ يَقولوا ربَّنا ما أرسلتَ إلينا رُسلاً يُعَلِّمونَنا، وما أَنزَلْتَ علينا كتُباً نَهتدي بها. واللهُ عَزيزٌ في مُلكِه لا يُغالَب، حكيمٌ في أمرهِ وتَدبيرِه.
﴿لَّـٰكِنِ اللَّهُ يَشۡهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَالۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء :166]
فإنْ لم يَشهدْ لكَ المشرِكونَ وأهلُ الكتابِ أيُّها النبيُّ الكرِيم، وجحَدوا نبوَّتَكَ وكذَّبوك، فاللهُ يَشهَدُ بنبوَّتِكَ وصِدقِك، ويَشهَدُ بالقُرآنِ الذي أنزلَهُ عَليك، أنزلَهُ بعِلمِهِ الذي لا يَعلمُهُ غَيرُه، بنَظْمٍ وأسلوبٍ يَعجِزُ عنهُ كلُّ بَليغ، وفيهِ آياتهُ وهَديُه. والملائكةُ يَشهدونَ كذلكَ على صِدْقه، وكفَى أنْ يكونَ اللهُ شَهيداً على ذلك، وأقامَ حُجَجاً على صِحَّةِ نبوَّتك، يؤمِنُ بها مَنْ لم يُعانِدْ ويُخاصِم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ قَدۡ ضَلُّواْ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا﴾ [النساء :167]
والذينَ كفَروا بما أُنْزِلَ إليك، ومَنعوا الناسَ منِ اتِّباعك، وكَتموا أوصافَكَ ليُبعِدوهمْ عنِ الإيمانِ بنبوَّتِك، قدِ ابتعَدوا عنِ الحقِّ ابتِعاداً كبيراً، وجَمعوا بينَ الضَّلالِ والإضلال.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمۡ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ طَرِيقًا﴾ [النساء :168]
والذينَ كفَروا وظَلموا أنفسَهمْ كما ظَلموا النَّاس، بإنكارِ صفاتِ محمَّدٍ عليهِ الصلاةُ والسلام، وإنكارِ نبوَّتِه، فصَدُّوا النَّاسَ عنِ الإيمانِ بذلك، لنْ يَغفِرَ اللهُ لهمْ ولنْ يَهديَهُمْ إلى الإسْلام؛ لعدمِ استِعدادِهمْ للهِدايةِ إلى الحقِّ، والاسترشادِ بالآياتِ الواضِحة، والتوجُّهِ نحوَ الأعمالِ الصَّالحة.
﴿إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٗا﴾ [النساء :169]
ولكنْ يُمَهِّدُ لهمُ الطَّريقَ ليَدخلوا جهنَّم، مخلَّدينَ فيها إلى الأبَد، وهذا سَهلٌ يَسيرٌ على الله، ولا صَارفَ لهُ عنْ ذلك، فهمْ مُحقَّرونَ لا يَستَحِقُّونَ الرَّحمَة، لأنَّهمْ لم يُبالوا بأوامرِ الله، ولم يَلتَفِتوا إلى سُبلِ الخَيرِ وطريقِ الحقّ، فلا يُبالي اللهُ بهم.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَـَٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ وَإِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾ [النساء :170]
أيُّها النَّاس، إنَّ الرسُولَ محمَّداً صلى الله عليه وسلم قدْ جاءَكمْ بالهُدَى ودينِ الحقِّ وشَهادةِ التوحيدِ بإذنٍ منَ اللهِ ووَحيٍ منه، فآمِنوا بما جاءَكمْ بهِ مِنَ الحقِّ واتَّبِعوهُ يَكنْ خيراً لكمْ وأنجَى، وإنْ تَكفُروا بذلكَ فإنَّهُ غنيٌّ عنكمْ وعنْ إيمانِكم، فلهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرضِ وما بينَهما، وكلُّ ما فيهما مُنقادٌ لهُ ويتصَرَّفُ فيهما كما يَشاء، والله عليمٌ بأحوالِكمْ وبمنْ يَستَحِقُّ الهدايةَ منكمْ فيَهديه، حكيمٌ فيما يُشِرِّعهُ ويُدَبِّرهُ ويُقَدِّره.
﴿يَـٰٓأَهۡلَ الۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الۡحَقَّۚ إِنَّمَا الۡمَسِيحُ عِيسَى ابۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فَـَٔامِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ انتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلٗا﴾ [النساء :171]
يا أهلَ الكتاب، منَ اليهودِ والنَّصارَى، لا تَتطرَّفوا ولا تَتجاوزوا الحقَّ في دينِكم، ولا تَذكروا عنِ اللهِ إلاّ ما هوَ صِدقٌ وحَقٌّ وعَدل، بعيداً عنِ الكذبِ والضَّلالِ والباطِل، فلا صاحبةَ لهُ ولا ولَد، وما المسيحُ عيسى بنُ مريمَ إلا عبدُ اللهِ ورسولهُ، خُلِقَ بكلمةِ اللهِ وأمرهِ "كُنْ" التي أوصلَها إلى مَريم، مِنْ غيرِ واسِطةٍ ولا أب، وهوَ رُوحٌ منَ الأرواحِ التي خلقَها اللهُ وكمَّلها بالصِّفاتِ الفاضِلةِ والأخلاقِ الكامِلة.
و"مِنْ" في قولهِ {وَرُوحٌ مِّنْهُ} للتَّشريفِ والتكريم، كأنْ تَقول: نِعمةٌ مِنَ الله، وليستْ "مِنْ" تَبعيضيَّةً كما ادَّعتِ النَّصارى وقالت: يَعني أنَّهُ بَعْضٌ مِنَ الله، تعالَى اللهُ عنْ ذلكَ عُلوّاً كبيراً، كما أنَّ قولَهُ تعالَى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} [سورة الجاثية: 13] لا يَعني أنَّ هذهِ الأشياءَ بعضٌ منَ الله...
فآمِنوا وصَدِّقوا باللهِ الواحدِ الأحَد، الذي لا صاحِبةَ لهُ ولا ولَد، وآمِنوا بجَميعِ أنبيائهِ ورُسُلِه، وهمْ عَبيدٌ مثلُكم، ولكنَّ اللهَ يوحِي إليهمْ ويُكلِّفُهمْ بتَبليغِ رسالتِه، ولا تَقولوا إنَّ الآلهةَ ثلاثة، فتَجعلوا عيسى وأمَّهُ شَريكينِ معَ الله، فانتَهوا منْ هذا الإثمِ العَظيمِ والشِّركِ الكبير، فإنَّ مَنْ قالَ ذلكَ أشركَ وكفَر. (وكانتْ هناكَ فِرقةٌ مِنَ النَّصارى يَقولونَ بأُلوهيَّةِ مريمَ أيضاً، يُقالُ لهمُ "المريَميُّون"، ظَهروا في القَرنِ السادسِ الميلادي، القرنِ الذي بُعِثَ فيهِ الرسولُ محمَّدٌ صلى اللهُ عليه وسلَّم).
انتَهُوا عنِ القولِ بالتَّثليث، فهوَ خَيرٌ لكمْ منْ هذا الكذِبِ والافْتراءِ الباطِلِ الذي لا أصلَ لهُ ولا عقلَ يَقبلُه، إنَّما اللهٌ إلهٌ واحِدٌ مُنـزَّهٌ عنِ التعدُّدِ، تعالَى وتَقدَّسَ أنْ يكونَ لهُ ولدٌ مثلُه، فلا شبيهَ لهُ ولا كُفء، بلْ جميعُ ما في السَّماواتِ والأرضِ مُلكهُ وعَبيدهُ وتحتَ تَصرُّفِه، لا يَخرجُ عنْ مُلكهِ شَيءٌ ممّا هوَ فيهما، ولو كانَ لهُ ولدٌ لكانَ مثلَهُ في صِفَةِ المُلكيَّة، وهوَ الوكيلُ الحافِظُ المستَقِلُّ بحفظِ جَميعِ ما في الكون، ولا يَحتاجُ إلى مَنْ يُعينُه، فلا يُتَصَوَّرُ له ولد، بلِ القائلُ بذلكَ في ضَلالٍ وكذبٍ وجَهل.
﴿لَّن يَسۡتَنكِفَ الۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا الۡمَلَـٰٓئِكَةُ الۡمُقَرَّبُونَۚ وَمَن يَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيَسۡتَكۡبِرۡ فَسَيَحۡشُرُهُمۡ إِلَيۡهِ جَمِيعٗا﴾ [النساء :172]
ولنْ يَستَكبِرَ المسيحُ عيسى عنْ أنْ يكونَ عبداً لله مُطيعاً، والعُبوديَّةُ للهِ شَرَفٌ وعِزُّ لمَنْ عَقَل، كما لا يأنَفُ ملائكتهُ المقرَّبونَ مِنْ أنْ يَكونوا عَبيداً له، ومَنْ يَمتَنعْ عنْ عبادتهِ ويَستَكبِرْ عنْ طاعتِه، فسيَجمَعُهمْ إليهِ يومَ القيامةِ ليَفصِلَ بينَهم بحُكمهِ العَدل.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضۡلِهِۦۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسۡتَنكَفُواْ وَاسۡتَكۡبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا﴾ [النساء :173]
فأمّا مَنْ آمنَ إيماناً صَحيحَاً، وعَمِلَ عَملاً صالحاً موافِقاً للشَّريعة، مُبتَغياً بهِ وجهَ الله، فيُعطيهمُ اللهُ أجورَهمْ كامِلةً، ويَزيدُهمْ أضعافاً مُضاعَفةً بفَضلِه. وأمّا مَنْ عصَى واستكبرَ عنْ عبادتِه، فيُعَذِّبُهم عَذاباً مُوجِعاً مُهلِكاً، ولا يَجدونَ هناكَ مَنْ يَلي أمورَهمْ، ويُدافِعُ عنهم، ويَنتصِرُ لهم، ويُخَلِّصهمْ مِنْ عذابِ اللهِ المحيطِ بهم.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا﴾ [النساء :174]
أيُّها النَّاس، لقدْ أتَتكمْ مُعجِزاتٌ كافيةٌ مِنْ ربِّكم، وأنزَلنا إليكمْ بواسطةِ النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم القُرآنَ الكريم، الذي فيهِ نورٌ(31) بيِّنٌ يُفَرِّقُ بينَ الحقِّ والباطِل.
(31) سمِّيَ القرآنُ نورًا لكونهِ سببًا لوقوعِ نورِ الإيمانِ في القلوب، ولأنه تتبيَّن ُبه الأحكامُ كما تتبيَّنُ بالنورِ الأعيانُ. (روح البيان).
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَاعۡتَصَمُواْ بِهِۦ فَسَيُدۡخِلُهُمۡ فِي رَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَفَضۡلٖ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَيۡهِ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا﴾ [النساء :175]
فأمّا الذينَ آمنوا بربِّهمْ وأطاعوهُ وتوكَّلوا عليهِ حقَّ التوكُّل في جميعِ أمُورِهم، فسيَرحَمُهمْ، ويُدخِلُهمُ الجنَّة، ويَزيدُهمْ مِنْ فَضلهِ وإحسانِه، فيُضاعِفُ لهمْ أجورَهم، ويَزيدُهمْ نوراً وهِدايةً وتَثبيتاً على دينِه، ودرجاتٍ عاليةً في الجنَّة.
﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي الۡكَلَٰلَةِۚ إِنِ امۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا اثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ الۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ﴾ [النساء :176]
يَسألونكَ عنِ الكَلالة، وهي مَسألةٌ فَرائضيَّة، فيمَنْ ماتَ وليسَ لهُ ولَدٌ ولا والِد، فقُل: يُجيبُكمُ اللهُ عنها ويُبَيِّنُ حُكمَها. فإذا ماتَ شَخصٌ، وليسَ لهُ ولَد، ولهُ أُخت، فللأُختِ نِصْفُ ما تركَ مِنَ الميراث، ويَعني هذا أنَّهُ ليسَ لهُ أب، فلو كانَ حيّاً لحجَبها.
والأخُ يَرِثُ جميعَ مالِ أختهِ إذا ماتَتْ وليسَ لها والِدٌ ولا ولَد.
فإذا كانَ للميِّتِ أُختان، فلهما ثُلثا الترِكة.
وإذا كانَ للميِّتِ إخوةٌ وأخوات، أُعطِيَ للذكَرِ منهمْ حظُّ الأُنثَيَين.
ويُوَضِّحُ اللهُ لكمْ هذهِ الأحكامَ ويُحَدِّدُها حتَّى لا تَشتَطُّوا وتَقعوا في الخطأ. وهوَ سُبحانَهُ عالِمٌ بعواقبِ الأمُورِ ومصالِحِها، فيُشَرِّعُ ما هوَ حقٌّ وعدلٌ بعلمِهِ وحكمتِه.